بيتر جريست “استرالي الجنسية” – ليس من المفترض أن يصبح الصحفيون أنفسهم موضوع الخبر

اسم السجين (اسم الشهرة) : بيتر جريست “استرالي الجنسية”

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 2/12/2014

السن وقت الاحتجاز: غير معلوم

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: صحفي بشبكة الجزيرة الإخبارية الإنجليزية

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون طرة

ليس من المفترض أن يصبح الصحفيون أنفسهم موضوع الخبر

ليس من المفترض أن يصبح الصحفيون أنفسهم موضوع الخبر، وفيما عدا السطر الثاني الذي يحوي التوقيع النهائي للمراسل الذي أعد التقرير، لا يفترض علينا إلا أن نظل شهوداً للخبر أو وكلاءً لنشره. فلا يفترض أبداً أن نصبح نحن أنفسنا موضوع الخبر.

وهذا ما جعل كل هذا الاهتمام الدائر بشأن احتجازنا يبدو مقلقاً بالنسبة إلي. لكن هذا لا يعني أنني غير ممتن لذلك، فمن تم اعتقالهم في الحملة التي قامت بها وزارة الداخلية في التاسع والعشرين من ديسمبر الماضي وطالت طاقم قناة الجزيرة، جميعهم تملؤهم الحماسة الشديدة ويشعرون بالعرفان من الدعم الكاسح الذي وجدوه من جميع أنحاء العالم. فمن خطاب مُوقّع من ٤٦ صحفياً من أكثر الصحفيين احتراماً وتأثيراً بالمنطقة يطالبون فيه بالإفراج الفوري عنا، إلى عريضة مقدمة من زملاء استراليين، كل هذه الخطابات المكتوبة والحملات التي تدشن على شبكة الإنترنت وكذلك المؤتمرات الصحفية التي ينظمها من أعتبرهم عائلتنا؛ أشعرتنا كلها بالضئالة أمام الدعم الهائل الذي وجدناه ومنحتنا نفس الوقت القوة.

نحن نعلم أننا لسنا وحدنا.

لكن الشيء المزعج في الأمر أننا دخلنا في الأسبوع الرابع منذ احتجازنا بسبب تقرير صحفي يبدو لي عادياً.

فقد قمت بإخراج الكثير من الأعمال التي احتوت على تحقيقات مفصلة ومخاطر حقيقية استغرقت منا جهداً إلى الحد الذي تمنيت أن تكون تلك التقارير هي التي أغضبت من بالسلطة، ومع هذا فقد مرت تلك التقارير دون أن تلقى منهم أدنى رد فعل.

والمهمة التي أقوم بها في القاهرة هي عمل رويتيني إلى حد ما، فهي فرصة لفهم السياسة المصرية بشكل أفضل. ولكن بعد ثلاثة أسابيع فقط من العمل على الأرض، لم أعد أستطع أن أفعل أي شيء سوى الوقوف محلك سر. فعندما شقت مجموعة من ضباط الشرطة طريقهم إلى حجرتي في ملابس ملكية، كنت في بداية الأمر مرتبكاً قليلاً وفيما بعد انتابني القليل من الضيق، لأن ذلك لم يكن من أجل شئ يستحق.

ولا ينبغي أن يمر الأمر مرور الكرام، فواقع أنهم اعتقلونا بسبب تقارير تبدو غير مثيرة للجدل يخبرنا الكثير عما يعتبر “عادياً” وما يعتبر خطيراً في مصر بعد الثورة.

مجرد تقرير روتيني

الادعاءات التي تواجهنا هي بالتأكيد لا تعبر عن أي شيء فيما قمنا به سوى أنها محاولات صحفية عادية، فالدولة اتهمتني أنا والمخرجين محمد فهمي وباهر محمد بالتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين لاستخدام أجهزة غير مرخصة لبث معلومات نعلم أنها مغلوطة وأنها تسيء لسمعة مصر وتعمل على زعزعة استقرارها، فضلاً عن أن فهمي وباهر اتُهما أيضاً بأنهم أعضاء بجماعة الإخوان المسلمين. ما أوردته هو بالضبط نص المحضر الذي إن لم يكن بالفعل خطيراً للغاية فلن يبدو سوى أنه ادعاء هزلي سخيف.

فأنا حريص على رؤية “الدليل” الذي طبخه المحققون لإثبات تلك الادعاءات، لكنهم إلى هذا اليوم لم يوجهوا إلينا أي تهمة بصورة رسمية، وبكل بساطة لازلنا رهن الاعتقال لكي نعطيهم المزيد من الوقت لتجميع القضية حتى يتسنى للنائب العام أن يقرر إن كانت القضية قوية بالدرجة التي تسمح أن تُقاضى في المحاكم أم لا. ولن يُسمح لنا في ظل النظام القضائي المصري أن نرى ملف القضية إلى أن يتم تدبير الاتهامات رسمياً.

كل ما قمنا به هو الشكل الروتيني للتقرير الصحفي عن الدراما السياسية الدائرة حولنا، وما يمكن أن تعنيه لمصر، وواقع أن هذا التقرير أودى بنا إلى خلف القضبان هو أمر مثير للقلق لا سيما في ضوء اللحظة التاريخية التي تعيشها مصر الآن.

وقد جاءت الحكومة المؤقتة الحالية بعد أن أدت الاحتجاجات التي خرجت في شوارع مصر والضغط الذي مارسه الجيش إلى إزاحة الرئيس السابق محمد مرسي، أول رئيس يأتي بانتخابات ديمقراطية في مصر، عن سدة الحكم. فما حدث تراه جماعة الإخوان المسلمين انقلاباً عسكرياً، أما مؤيدو الحكومة فيعتقدون أن ما حدث، بالقليل من المساعدة من الجيش، يعتبر إسقاط للنظام الذي حنث بوعوده عن الاعتدال، وسبّب استياءً واسعاً، واتخذ اجراءات صارمة ضد المعارضة ، وكان يجر مصر إلى حكم ثيوقراطي منغلق.

وقد قام المصريون بتمرير دستور ليبرالي للغاية من أجل الدفاع عن الثورة، والذي يدافع بين مواده صراحةً عن حرية التعبير، حتى أن نص المادة الحادية عشر يحمي الصحفيين من الاعتقال بسبب جرائم النشر أو الإذاعة.

لا رغبة لي في رؤية معاناة مصر

ولكن ما يعتبر انتهاكاً للقانون في هذه الحالة يبدو نسبياً، حيث يصبح أي شيء يحيد عن الحدود المقبولة تهديداً للدولة، إلا أننا لم ندفع بتقريرنا تلك الحدود. فبعد ٢٠ عاماً من عملي مراسل أجنبي أستطيع أن أميز ما هي حدود الأرضية الآمنة، لكننا لم نضل طريقنا لنقترب حتى من حافتها.

ويبدو أن لدى الدولة في هذه الحالة نضالاً وجودياً يضع قوى الخير المتفتحة والمتمثلة في المجتمع الحر في مواجهة الإسلاميين “الإرهابيين” الذين لا يزالوا يكافحون من أجل السيطرة. وفي هذا المناخ تحول ما يمكن اعتباره “وضعاً طبيعياً” بعيداً عن “موقع الوسط” الذي يقبله الكثيرون، والذي فجأة أصبح عملنا يهدده.

لم نكن الوحيدين في تقريرنا الصحفي، لكن اعتقالنا لعب دور الرسالة التحذيرية المفزعة للآخرين لتعريفهم أين يكون ذلك الوسط.

في هذا “الوضع الطبيعي الجديد”، تم اعتقال الناشطين العلمانيين، الذين يمكث بعضهم بجانبي في السجن الآن، ثلاث مرات على الأقل: الأولى لمعارضتهم استبداد الرئيس المخلوع حسني مبارك، والثانية لاحتجاجاتهم أمام تجاوزات نظام الإخوان المسلمين الذي لم يدم كثيراً، والآن بسبب ما يقولون أنها تجاوزات وحشية للنظام الحالي. فبعض أعضاء حملة “لا” للدستور يقبعون في السجن الآن لأنهم ألصقوا إعلانات لرفض الدستور الجديد، مثلهم مثل أي شخص اشترك في مظاهرة احتجاجية لجماعة الإخوان المسلمين (فجماعة الإخوان تصنف الآن “منظمة إرهابية”).

في هذا “الوضع الطبيعي الجديد”، أحد المنظمات المستقلة تفترض أن عدد المعتقلين بلغ ٢١ ألف في خمسة أشهر منذ عزل الرئيس محمد مرسي في ٣٠ يونيه الماضي، كما بلغ عدد القتلى ٢٦٦٥ بالإضافة إلى حوالي ١٦ ألف مصاب خلال نفس الفترة. ومن المؤكد أن بين هذا العدد من المعتقلين ثمة صحفيون، بما في ذلك نحن، توجه إليهم تهم دعم الإرهاب وتقويض الدولة.

دعوني أوضح لكم: ليس لدي أي رغبة في زعزعة مصر ولا أن أراها تعاني بأي طريقة، كما أنني ليس لدي أي مصلحة في دعم أي جماعة سواء الإخوان المسلمين أو غيرها. ولكن على ما يبدو أن اعتقالنا ليس بسبب عملنا على الإطلاق، بل إنها محاولة من الدولة لتوضيح ما تراه أمراً طبيعياً ومقبولاً، وأي فرد يهلل ويطبل للدولة فهو آمن ويستحق الحرية، أما من يفعل أي شيء أخر فهو يمثل تهديداً ويجب أن يُسحق تماماً.

كتب في ٢١- ١- ٢٠١٤ من سجن طرة.