حسن البنا مبارك (حسن البنا) – فيما كل هذا الألم؟

اسم السجين (اسم الشهرة) : حسن البنا مبارك (حسن البنا)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 2/23/2019

السن وقت الاحتجاز: غير معلوم

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: صحفي

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون طرة

فيما كل هذا الألم؟

فيما كل هذا الألم؟
(1)
‎لماذا يساء إلينا دائماً؟
‎لماذا نحن متهمون من حيث المبدأ؟
‎إلى من يمكنني أن أتحدث؟ وأن أخبره بأنني لست عدو لك، وأنك تخطيىء حين تراني بعين العدو، وتستبيحني كما يستباح العدو .. أنت ضابط الأمن في بلادي، وأنا مواطنك، أنت القاضي في بلادي، وأنا مواطنك .. لم يكن الأمن إن لم يكن لي؟ لمن ينحز القضاء إن لم ينحز لي؟
‎لي رواية واحدة – قصيرة جداً – مللت من تكرارها، لكني لا أملك غيرها لأحكيه ..
‎كنت في طريقي إلى العمل حين استوقفت قوة من الشرطة سيارة الأجرة التي أنا بها، في مشهد معتاد، لا يستدعي التفكير في كونه أكتر من إجراء أمني روتيني سينتهي بمجرد الكشف عن بطاقات الهوية الخاصة براكبي السيارة .. طلبت القوة من صديقي النزول، ثم سألوني:
‎هل أنتما معاً؟
‎أجبت: نعم.
‎ماذا تعمل؟
‎صحفي.
‎هل معك كارنيهاً لنقابة الصحفيين؟
‎لا
:
‎حسناً فلتنزل مع صديقك!
(2)
‎كان ذلك أسود يوم طلعت علي فيه الشمس، ولا زالت هذه الشمس لم تغرب عني.
‎من يومها وأنا مع صديقي، في الأمن الوطني معه، في نيابة أمن الدولة معه، أمام دوائر محكمة الجنايات معه .. وفي كل تلك العوالم رددنا سوياً في كل مرة سمح لنا بالكلام الرواية ذاتها، على مسامع كل من وقفنا أمامه, ضابط التحقيق, وكلاء النيابة, السادة القضاة .. يقول مصطفى: لم يكن حسن على علم بمشروع الفيلم الوثائقي (موضوع القضية) ولا ذنب له إلا تصادف وجودنا سوياً ساعة إلقاء القبض علي، وأقول أنا: هل في مصاحبة الصديق لصديقه ذنب؟
‎سنة كاملة مرت، وهاهي الأخرى قد بدأت في النزيف، مئات الأيام مابين خوف وألم، ولا أحد يعبأ بك، عمرك الذي يستنزف، وظيفتك التي فقدت، المصاريف التي تهدر، حبيبتك التي تنتظرك، عائلتك التي تتألم لغيبتك، وأصدقاؤك الذين يرعبهم أن يتصوروا أنفسهم في مكانك.
‎ولا أحد لتسأله؛ لماذا كل هذا؟
‎فيما كل هذا الألم؟
‎هل يحتاج الأمر فعلاً لأكثر من عام حتى يتسنى للتحقيقات أن تتوصل إلى حقيقة كونك سجين خطأ؟ سجين صدفة؟ إلى هذا الحد شاق هو الأمر؟
‎ألست مواطناً في هذا البلد؟
‎ألا يعد تدمير مستقبلي وتخريب نفسيتي خسارة مباشرة للبلد الذي أنتمي إليه؟ لماذا كلما تحدثت إلى أحد هنا نظر إلي نظرة اتهام واستخاف؟ لماذا لا يستوعبون أننا مواطنون مثلهم تماماً، مصريون مثلهم تماماً، لنا حقوق مثلهم تماماً؟ لماذا أصلاً تثير فيهم الكلمات: مواطن، حقوق، قانون حس السخرية والدعابة؟
‎لماذا لا يعبأ أحد بشعورنا الوطني والضرر الذي قد يصيبه حين يتم اختطافك وترويعك واتهامك في إنتمائك الوطني على أيدي سلطات بلادك، بلا مبرر إلا أنك وقعت في طريقهم بالصدفة، ألا يلحظون أن ذلك يخالف رسالة وظيفتهم ومعنى الوطنية التي يتهموننا فيها؟ لماذا الأمر سهل عليهم هذه السهولة بينما هو يدمينا؟
‎حين تكون سجين صدفة لم تكسر حتى إشارة مرور، سيصعب عليك السجن للحد الذي يمنعك حتى من أن تستطيع معه إضفاء معنى على محبسك يعزيك، فلا أنت مقتنع أنك تدفع ضريبة على قضية ما، ولا أنت مدفوع بشعور بإستحقاق العقاب والندم من جراء إثم أو ذنب اقترفته يحملك على تقبل ما أنت فيه.
(3)
‎لذا تظل في سؤال دائم ودهشة دائمة، ألا يكفي من عمرك سنة كاملة لتصحيح سوء التفاهم إن كان الأمر كذلك؟ لتصويب مسار الصدفة، للتأديب إن كان يلزم تأديبك؟ للعقوبة إن كان يلزم عقابك؟ إن سنة كاملة فعالة على كل وجه، كافية لأي غرض!!
‎لماذا إذن كل هذا الإستقواء علينا؟ ألم يكن يكفي مجرد لفت النظر لأن مرافقة صديقك أثناء الذهاب للعمل أمر بهذه الخطورة؟ وإن لم يكن لفت النظر كافياً، فماذا عن الأحد عشر يوماً التي قضيتهما معصوب العينين، مقيد اليدين، ملقى على الأرض؟ ماذا عن خمسة عشر يوماً إضافياً في السجن؟ شهر؟ عدة أشهر؟ عام كامل؟!
‎لقد كنت أنتظر من أمن بلادي ألا يفترض في العداء مسبقاً، ومن نيابة دولتي ألا ترحب بتوجيه الإتهام إلي قبل ثبوت الدليل، ومن القضاء أن ينصفني ويرد لي الإعتبار إن تجاوز أي منهم في حقي، ولم أزل أنتظر .. ليس لأنني لا أملك شيء سوى الانتظار (رغم أنني بالفعل كذلك) ولكن لأنه يشق علي أن أستوعب ألا يجد المرؤ من ينصفه من بين كل هؤلاء؟
‎أكتب إليكم لا أعرف لمن، وأنشر لأنني لا أعرف طريقة أخرى للتواصل، إذ لمن نحتكم إن لم نحتكم إليكم؟ من ينصفنا إذا خذلتمونا؟ ثمة خطأ ما، لا أعرف ما هو تحديداً، ولا أعرف كيف يمكن تصويبه، لكنه قطعاً يوجد.
‎كل شيء هنا يدعو للكآبه .. للتطرف .. للموت، فإلى متى قد نصمد في مواجهة تلك الشرور مجردين من أي أمل؟ عزلاً من أي رجاء؟
‎إننا بعد كل هذا الألم واستسهال الاتهام في انتماءنا ووطنيتنا ومساوتنا بالمتطرفين والمجرمين، وتجريدنا من أبسط حقوقنا، وإهانتنا والتحقير من شأننا على مدار اليوم والليلة، لم ندخر لهذا الوطن حقداً، ولم نربي له في نفوسنا إلا كل أمنية طيبة، ولم ينتقص كل هذا الظلم من حقيقة انتماءنا له، وأننا لا نبغي شيئاً – أي شيء على الإطلاق – إلا حريتنا والعودة إلا بلادنا التي هي خارج هذا السجن.
‎إن أعمارنا التي تستنزف هنا هي عمر هذا الوطن وحياته، وإلا فمن يحتد للبلاد يوم مصابها إن لم نحتد لها نحن، ومن يرفع علمها يوم فرحها إن لم نرفعه نحن؟.
(4)
‎من ينتبه لأن الكأس قد فاض عن آخره، ومن يدفع من أجل كل هذا، من يطيب كل هذه الجراح، من يجبر كل هذه الكسور؟ نحن معنى هذا البلد؛ أمله وطاقته، سواؤنا النفسي ضمان لسلامته وعافيته، فلا تدفعونا للكفر به، لا تحرضونا على قتل أنفسنا، لا تضغطوا وطنيتنا أكثر من ذلك، لا تزيدوا من اتساع الفجوة بيننا وبينكم، لا تقطعوا رجاءنا بكم، لا تغلقوا في وجوهنا الأبواب، خففوا علينا، ترفقوا بنا، تأولوا لنا عدد والنا الأعذار!
‎فكم موجع أن تبصر الوطن في مقتبل شبابك فلا تبصر منه إلا السجن
‎”ياعزيز عيني وأنا نفسي أروح بلدي”
‎حسن البنا مبارك
‎السبت 23 فبراير/ شباط 2019 سجن القاهرة للمحبوسين احتياطيا