شريف فرج ابراهيم حسن (شريف فرج) – من سجن الحضرة.. عم زكريا المسجون بلا سبب

اسم السجين (اسم الشهرة) : شريف فرج ابراهيم حسن (شريف فرج)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 4/12/2014

السن وقت الاحتجاز: 31 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: عضو هيئة تدريس ومدرس مساعد بكلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية – عضو مؤسس في مبادرة “أنقذوا الإسكندرية”

مكان احتجاز المرسل : سجن الحضرة العمومي

من سجن الحضرة.. عم زكريا المسجون بلا سبب

وجدت من ينتصر لقضيتي ويتكلم عني .. فمن يتحدث عن هذا الذكر العادي الذي لا يميزه شيء؟!

وصلتني مقالة الأستاذ محمد أبو الغيط “الحرية للسجين الذكر العادي البالغ من العمر 18 – 40 عامًا” المنشورة بتاريخ الجمعة 21 مارس 2014.. وقد أثارت في شجونًا، تصلني الأخبار دائمًا متأخرة على أقل تقدير أسبوعًا، فالحياة هنا متأخرة في إمكانياتها كما هي متأخرة في تقويمها، وصلتني كعادة أي مقال أو سلام من صديق أو قريب أو طلابي العظماء مع الزيارة الأسبوعية.

اختلفت هذه الرسالة عن غيرها لأنها لمست عندي شيئًا من الضمير والإنسانية اللذين طويتهما داخلي في أبعد مكان حتى لا يتلوثان بهذا العبث.

على الرغم من اللاجدوى كما ذكر الكاتب الجميل من المساندة الإعلامية التي تلقاها زميل الزنزانة وشهر الليالي الشاعر النبيل عمر حاذق، أو حتى تلقيتها أنا، إلا أنني مع كلماته الختامية لمقاله وجدتني بحاجة إلى أن أتحدث عن حالات إنسانية قد تثير عندكم شيئًا من صمير، أو تحرك عندكم قلقًا وخوفًا، وحتى لا أكون ممن سيتعرض بدوره لانتهاك حقوقه لسكوته اليوم عن حقوق غيره؛ لأني مؤمن حقًّا أن الدنيا دوارة.

فقد أكون مادة صالحة للاستهلاك الإعلامي ولي من الأصدقاء والدوائر ما يتيح لي الوصول إلى منصات الإذاعة والتليفزيون وسلالم نقابة الصحفيين لكن هنا وفي جواري بنفس الزنزانة والزنزانات المجاورة من هم في حاجة إنسانية إلى تعاطفكم، وإن لم يكن فهم في حاجة إلى خجلكم من أنفسكم، وإن لم يكم فهم في حاجة إلى أن تنتهوا أنتم من الحياة حتى تصبح حياة.

وأعلم أن تعاطفي الإنساني قد يحوله البعض لتعاطف مع فكرة أو سياسة فهكذا الخيال المصري المريض ما زال بحاجة ماسة إلى تعليم أفضل يعتمد في الأساس على أن الإنسان إنسان.

لن أتحدث هنا عن كم الشباب الذي تجاوز الثامنة عشرة من عمره بشهور أو على الأكثر بعام ولا عن هذا المعتقل الأب مع المعتقل الابن فهم كثر، ولا عن هذا المهشمة أسنانه كلها من سحل أو ضرب ولا عن من فقد ماله أو وظيفته ولا حتى عن هؤلاء المتجاوزة أعمارهم الـ65 عامًا وفي أشد الحاجة لمجاورة أبنائهم وأحفادهم فيما بقي من العمر، هذه كلها وغيرها حالات كثيرة الانتشار هنا قد تكون إنسانية حقًّا وتحتاج من يصرخ ولو بكلمة آه من الألم والحسرة، ولكني آثرت أن أكتب عن هذا الرجل الجميل الذي يسكن معي هنا في نفس الزنزانة، سكوته الطويل قد يكون الدافع لي أن أصرخ باسمه لمن يشعر ويسمع – الرحمة!

عمره ستون عامًا بعد أشهر قليلة أقل من أصابع يدك الواحدة، ليس له انتماء تنظيمي بأي سياسة ولو كان صاحب رأي.. سبب اعتقاله “الشهامة”!

قد تكون الشهامة شيئًا لا يدعو إنسانيتك للتعاطف ولكنها الحقيقة، ذهبت إليه قوات الأمن الوطني مرة بعد مرة تسأل عن أحد أقاربه لعله يدل عليه؛ لكنه لم يعلم حقيقة مكان قريبه فلم يكن لديه ما يخبرهم به، مرة بعد مرة إلى أن استقر ضابط الأمن الوطني أن يستبدله هو بمن يريده حقًّا.

قد يكون هذا صدمته التي تمنعه عن الكلام للأوقات الطويلة، رجل بسيط كريم أكل عليه الدهر وشرب، تساقطت حركته، وتساقط شعر رأسه… ينام بجوار باب الزنزانة وفي جنبه امتدت أرجل لتترك علامات الدفع والركل… دائمًا متشوق لسماع الأخبار وها هي مع تطاول المدة وسوئها تنتزع منه الأمل انتزاعًا لكنه ما زال يملك من الروح الجميلة التي تهون عليه بعض الشيء.

أمه الآن في آلام شديدة… سكوته يتزايد… دموعه تتساقط بهدوء وفي خفاء.. وأكله يتضاءل، هذا أكيد هو الخوف من ألا تمنحه الأيام القليلة المتبقية قبلة الوداع.

لا تبكوا كثيرًا ولا قليلًا.. هنا تعلمت حقًّا أنه ليست النائحة الثكلى كالمستأجرة أو “اللي إيده في المية مش زي اللي إيده في النار”.