صلاح الدين عبد الحليم سلطان (صلاح سلطان) – عام من السجن في الليمان وأعوام من فضل الرحمن

اسم السجين (اسم الشهرة) : صلاح الدين عبد الحليم سلطان (صلاح سلطان)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 11/8/2014

السن وقت الاحتجاز: 56 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: عضو هيئة تدريس بكلية الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون طرة

عام من السجن في الليمان وأعوام من فضل الرحمن

بسم الله الرحمن الرحيم
(وَ مَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا ولَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) [سورة إبراهيم: الآية 12].
عام من السجن في الليمان وأعوام من فضل الرحمن.
اليوم يمر عام على السجن في الليمان والعقرب، بين الجدران والقضبان، بين حجب الحرمان من المساجد صلاة وخطبا ودروسا واعتكافا، ومن الحركة بالدعوة بين دول العالم، الحرمان من زوجة وولد، وهم حبات القلب وفلذات الأكباد، من أهل وعشيرة هم العضد والعون، من طلاب علم أذكياء أنقياء،
صِلتهم هي الخير والغناء، من علماء الجلوس بين أيديهم واحة غنَّاء، من أحباب تعلق القلب بحبهم في الله ولقاؤهم يمسح عن القلب كل عناء، حرمتُ من نظرة عميقة إلى الصفاء في كبد السماء، وإلى الخضرة في شجرة ورقاء، من نظرة إلى بحر أو نهر يترقرق فيه الماء، فضيا مع شعاع الشمس، ورديا مع ضوء القمر، حرمتُ أن ألمس بيدي رأس يتيم أو مريض أمنحه السخاء وألحقه بالدعاء.
لكني مضيت إلى السجن بيد السجان لا رحمة ولا اعتناء، فآليت وأقسمت لربي أن أتوب توبة نصوحا من كل ذنب أو أخطاء، فتكون التخلية قبل التحلية عنوانا، ونحَتُّ شعاري الأول عندما أُودعت السجن الانفرادي بسجن الليمان فقلت: “في الليمان عرفتُ الرحمن”، وفي العقرب “نحن إلى الله أقرب”،
والبوابة الكبرى هي القرآن، فاستأذنت مَن حولي في الزنازين ألا أحدثهم حتى أختم القرآن في الصلاة، لتتسع الجدران وينفسح البنيان، وينشرح الصدر والوجدان، ويندحر الشيطان، وأصعد مع كل لحظة في مدارج السالكين إلى الرحمن ليس في سرعة: ( فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا) [سورة الملك: الآية 15]، بل: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) (سورة الذاريات: الآية 50]، ففررتُ وجريتُ بأقصى جهدي نحو رضا الله والجنة، وفرارا من سخطه والنار، فملأتُ ليلي ونهاري بين تعبد وتنسك وتعلم وكتابة، فإذا بالمحنة منحة، وإذا بالضيق سعة، والحرمان عطاء، وعشتُ هذه المعاني الراقية بقلبي ووجداني: (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) [سورة لأعراف: الآية 196]، وقوله تعالى: (هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [سورة التوبة: الآية 51]، وقوله تعالى: (فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) [سورة الفتح: الآية 18]، وقوله تعالى: (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) [سورة الطلاق: الآية 7]، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في صحيحه: “عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له”، وقول ابن عطاء: “من غفل عن الله بلطائف الإحسان قِيد إليه بسلاسل الامتحان”، وقال: “إذا رُزق العبد الفهم في المنع عاد المنع عين العطاء”.
فهداني ربي إلى منازل الصبر الجميل والرضا بالقليل، وشمَّرتُ عن ساعد الجدِّ فكان الفضل كل الفضل من الله في إنجاز ما يلي :
1- ختمتُ القرآن الكريم بفضل الله تعالى في الصلاة فوق المائة مرة، بالعقل تدبرا بالقلب تأثرا وبالنفس تغيرا، بالإضافة لجزء كامل كل يوم مع زوجتي، وتدفق معي القرآن مبنى ومعنى بفضل الرحمن، مما يزيد عن ستة أعوام.
2- حصلتُ على إجازة في رواية البخاري، وهو أمل قديم قد يسره الله لي.
3- قرأتُ هذا العام في التفسير والفقه والأصول واللغة والأدب ودواوين الشعر والتاريخ والفلسفة ما لم أقرأه في خمس سنوات.
4- كتبتُ في منهجيات القرآن والتفسير والقواعد الإيمانية والأخلاقية والفقهية وفي الفتاوى والتربية، و50 قصة دعوية حول العالم، مما جعل خلوتي مع ربي أُنسًا رائعا، ومع الكتب “خير جليس في الحياة كتاب”.
5- تعرفتُ على نماذج من الرجال والشباب هم حقاً قمم تبتلا ورِقًا، ونبلا وخُلقا، وعلما وفضلا، وكان اللقاء والانتقاء والارتقاء جنة أخرى بعد جنة الخلوة برب الأرض والسماء.
6-عرفتُ من صبر وجلَد أهلي وأولادي وإخوتي رغم مرضهم وحاجتهم إليَّ ومحمد؛ مما رسخ الحب والود العميق أضعاف ما كان بيننا، وكتبتُ عن قصة حبنا وزواج “صلاح بأسماء”، أكثر من مائة صفحة، ورأيتُ من شهامة ومروءة إخوتي وعائلتي ما يستحق الحمد والشكر والوفاء، وعوَّضنا الله كثيراً بتحسن حالة زوجتي صحيا، ورزقنا بحفيد ثان من ابنتي هناء بعد أمين هو إلياس، وبزواج ولدي الثالث المهندس خالد، وبقبول ولدي الرابع عمر في أحسن الجامعات الأمريكية في العلوم السياسية، وتفوق ابنتي الأخيرة بشرى، وخطب وعقد وبنى خمسة من أبناء إخوتي: محمد عزت ومهند سلطان ومحمود الجندي وميادة وصفاء سلطان، وفك الله أسر ابن أخي حمزة عزوز، ونجى الله أخاه محمدا من الموت على يد البلطجية، وتفوقت ابنة أختي هناء في الثانوية على مستوى الجمهورية، وتزايد عدد الحفاظ في آلِ سلطان.
7- زارني وراسلني قوم هم في المحنة ضياء، وفي القلب رمز الشجاعة والوفاء.
8- منحني الله ذلة على إخواني المظلومين معي حتى كأني لهم الأب الشفيق، والأخ الوثيق، وشدة على الظالمين، كأني السيف الحاد، ودعوتُ الله على من ظلمني أو انتقصني حقاً بسوء عاقبتهم، في أهلهم وأولادهم!.
9- نذرتُ لله صوما يوميا حتى أخرج، أملا ألا تفوتني الدعوة المستجابة للصائم عند الفِطر وأخرى في السحر، أدعو على الظالمين جميعا بالوبال والنكال والخبال، وأدعو للصالحين بالثبات والعزة، والفرج والتمكين.
10- صرت كل ليلة قبل أن أنام أدعو ربي ألا يحرمني في الرؤى مما حرمني منه الباغي السجان، ووالله ما حرمتُ شيئا في منامي مما كنت أعيشه خارج القضبان والجدران، فما حرمني الله في الرؤى من الصلاة في المساجد، والجولات في المراكز الإسلامية في الشرق والغرب، والمؤتمرات الصغرى
والكبرى، ودورات الربانيين والربانيات، والدورات الشرعية في كل أرجاء العالم، في أوربا وأمريكا واليابان وباكستان والهند وأوزباكستان، وبلاد العرب في أجواء صافية من الخضرة والنسيم، حتى عشقي للماء لم يحرمني الله منه.
11- اجتهدت في العناية الصحية بجسدي في الطعام والرياضة اليومية وقد طبقت برنامجا رياضيا عالميا لا يقدر عليه بعض أبناء العشرين بفضل الله تعالى.
فماذا جنى السجان غير أن زادت حسناتنا وسيئاتهم، ودرجاتنا ودركاتهم.
وقد عشتُ بين نورين وليس نارين: نور الصبر الجميل على منعي من ولدي الكبير وحبيبي الأثير السجين محمد شهورا طويلة، ونور الصبر الطويل على ولدي المضرب عن الطعام منذ 240 يوما الآن، وكان جسما فارعًا فصار هيكلاً فارغًا، لكني أسمع القرآن والدعاء منه كأننا معا في مقام في السماء لا
الأرض، فإذا نزلت فهناك آلام مع كل لقمة أطعمها كأنها العلقم؛ لأن ولدي وصاحبي السجن محمد مضرب تماماً، في إرادة مبهرة ومدهشة للجميع بفضل الله، ولطالما وضعت أذني على فمه وأنفه أتحسس هل لا يزال حيا يتنفس؟ ويغمى عليه ولا مغيث إلا الله، فكأني أموت كل يوم مرارا، لكن كل
هذا لم يزدنا معا إلا قوة وإصرارا، ورباطا على الحق حتى نلقى الله تعالى، ويبدو أن محمدا دخل السجن لأنه ابن القيادي صلاح الدين سلطان، وسنخرج بإذن الله، وأُعَرَّف بأني أبو البطل محمد سلطان.
وأبشركم إخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي، بأن الأمل يسبق العمل، والفرج قريب، وأني والله ما دعوت لكم في حياتي كما دعوت بالليل والنهار في سجداتي، وفي خلواتي مع ربي، بما يزيد عن عشر سنوات من الدعاء لكم، فاسعدوا بذلك وأرجوكم أن تكثروا لنا من الدعاء، وكلي رجاء أن يكون الدعاء
مشفوعا بحمل أمانة “الحرية لرسالتي”، و”تحرير الأسرى والأقصى والدي وفلسطين”، فإذا لم تستطيعوا أن تطلقوا جسدي الضعيف من السجن لأن هذا بيد الله وحده، فإن قوتي في رسالتي، وهي سبب سجني، وبين أيديكم كتبي وأبحاثي وخطبي وبرامجي الفضائية، وأقدم لكم مشروع تلاميذي العلمي والتربوي، ومشروع القادة الربانيين، وكل ذلك موجود على صفحاتي وعلى الإنترنت، فكلي رجاء أن تحرروا رسالتي.