عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي) – عن انتظار المعجزة

اسم السجين (اسم الشهرة) : عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 3/26/2016

السن وقت الاحتجاز: 18 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: طالب بكلية الهندسة بالجامعة الألمانية بالقاهرة

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون/تأهيل وادي النطرون

عن انتظار المعجزة

“عن انتظار المعجزة”
“كنت قد قررت ألا أكتب كلمة أخرى. كنت قد قررت أن يصمت قلمى للأبد. جربت شعوراً قاتلاً لأول مرة بعجز قلمى عن التعبير.
و عمّ أعبر؟ و كيف تعبر عن شئ لا تفقه كنهه و لا يلتفت عقلك حول ماهيته.
إن قُدِّر لك و عشت حياة طويلة مديدة مليئة بالخبرات و المصاعب و الآلام، فلن تقاسى مثل هذا الشعور المؤلم أبداً. شعور السقوط الحر فى بئر لا قاع له. شعور الانتظار اللانهائى. انتظار المعجزة.
من منكم خاض تجربةً كنا دوماً ما نراها فى الأفلام و الروايات، و لا نفكر فى غير أنها محض تأثير خيالى من المؤلف لزيادة التشويق، و هى أن تتوقف حياة إنسان على كلمة. رعب، أليس كذلك؟ كنت أظن ذلك أيضاً، حتى جاءت الكلمة، و جاءت بحكم إيقاف حياتى فعلياً. حياتى و بضعة و ستين حياة معى. وقتها بدأ الرعب.
يومها خبرت الرعب و العجز القبيح و عدم الاستيعاب، و تمددت فى خرس و ارتخت عضلاتى، و عانقت الخواء و جلسنا معاً ننتظر الألم الحارق الذى كنت أعلم أنه آتٍ.
سمعت نشيجاً من ركن الغرفة. أيمن. تحاملت على نفسى حتى احتملت على ساعدى و توجهت إليه. ارتميت بجواره و شبكت ذراعى بذراعه و أسندت رأسى على كتفه و لم أتكلم.
ارتمى بجوارنا اثنان آخران. محمد أبو الفتوح و على عارف. كنا نحن الأربعة أفراد القضية بالزنزانة. كان أيمن منهاراً. “ليه. عملنالهم ايه يعنى عشان كل ده؟” زفر بحرقة و غضب.
توجه أحدهم إليه و مد ذراعه ليربت على كتفه و يواسيه. فوجئت به ينتفض بغضب و يركله بقدمه.
أن ترى أقرب شخص إليك يفقد السيطرة. رعب.
لحظتها تذكرت أبى و كيف سيكون رد فعله للخبر فى سجن العقرب و أنا بعيد عنه بعد أن فرقونا.
لحظتها، فقدت أنا أيضاً السيطرة. و انفجرت باكياً.
كنا فى ركن، و باقى الغرفة فى ركن. ينظرون إلينا فى رعب و نحن نبكى. ثم بدؤوا أيضاً بالبكاء. زنزانة كاملة من الرجال تبكى.
شعرت باللحظة تنشب مخالبها و تشق جرحاً عميقاً فى روحى. جرحاً علمت لحظتها أنه لن يلتئم و لو بعد دهر. و لو انتهت المأساة غداً فلن يندمل هذا الجرح أبداً. سأصحبه و يصحبنى للأبد.
من يومها و أنا خاوٍ. لا أفهم. لا أريد. لا أحب. لا أكره. لا أهتم. أنتظر التوحد مع هذا العدم. أو المعجزة.
من هذه الدنيا، لا أدرى شيئاً.”