عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي) – أفتقد أشياء كثيرة

اسم السجين (اسم الشهرة) : عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 3/9/2017

السن وقت الاحتجاز: 18 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: طالب بكلية الهندسة بالجامعة الألمانية بالقاهرة

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون/تأهيل وادي النطرون

أفتقد أشياء كثيرة

أفتقد أشياء كثيرة يتحرق قلبي شوقاً لكل ما كان محبباً إليه؛ أتمنى لحظة أخرى أستمتع فيها بكل حرمت منه لما يقارب الأربع سنوات. أتذكر المرات الأخيرة. المرات التى لم أعلم وقتها أنها الأخيرة. لو كنت فقط أعلم. لكنت ودعتها بشكل لائق و نهلت منها حتى الامتلاء. أغمض عيني و أتذكر.
آخر مرة زرت فيها جدتي لو كنت أعلم أني سأُختَطَف من هذا العالم و أسجن و أنا فى طريقي لزيارتها المرة التى تليها، و أنها أيضاً ستغادر هذا العالم و لكن لتلحق بربها، فينقطع كل أمل لدي فى إتمام هذه الرحلة إليها يوماً ما، و ينقطع كل أمل فى أن يرى أبي أمه ثانية، لكنت أمضيت تلك الليلة ملتصقاً بها لا أفارقها، أحادثها و أحفر تفاصيل وجهها فى ذاكرتي التي بدأت تنسى شكلها. كان اختلف الوداع.
أخر مرة صليت فيها فى المسجد , صليت و انصرفت مسرعاً. لو كنت أعلم لكنت أمضيت يومي مستلقياً على ظهرى كعادتي فوق سِجَادِهِ ذي الرائحة المحببة إلى قلبي , كنت استنشقتها و ملأت بها صدري و تذوقت حلاوة السَّكِينةِ بروحي، و ملَّيتُ عيني من زخارف سقفه البديعة. كان اختلف الوداع.
أخر مرة لعبت فيها معشوقتي كرة السلة. لعبت ساعتين و رحلت. لم أُطِل. كنت متيقناً أنى كما اعتدت منذ الخامسة من عمري، سأرجع غداً، و بعده. و كل يوم.
لم أرجع حتى الأن. لو كنت أعلم لما رحلت. لانتَشَيتُ بصحبتها طوال الليل حتى يجُرُوني من اللعب جراً، و لسامرتُ كرتي التى رافقتنى منذ الطفولة حتى الفجر، محتضناً إياها كعادتي كما يليق لحبيبتي الوحيدة التى لم أعرف سواها منذ الصِغَر. كان اختلف الوداع.
آخر مرة جربت فيها بعد الفجر. لو كنت أعلم لما توقفت بعد ساعة مرهقاً. لجريت و جريت و استمتعت بكل قطرة عرق تطير و كل عضلة تنقبض و كل مترٍ يمضي، و لضحكت صارخاً شاقَّاً سكون الفجر و أنا أشعر بالأدرينالين يتدفق و يملأ كل ذرة فى جسمي.
كان اختلف الوداع.
أخر مرة دخلت فيها فيلماً فى السينما كان Monster’s University. لو كنت أعلم لما أنهيته و رحلت. لخرجت و دخلت كل أفلامها واحداً تلو الأخر حتى أنهيت كل فيلم فى جيبي. كنت ملأت أنفي برائحة الفشار بالكراميل، و ضحكت حتى آلمتنى بطني، و بكيت حتى جفت دموعي مع كل مشهد يمر. كان اختلف الوداع.
أخر مرة تجمعنا فى البيت عائلة واحدة. أبي. أمي. أخي. أختي. و أنا. لو كنت أعلم لما قمت أبداً. و الله لما قمت أبداً. كنت قَبَلت رأس كل واحد منهم و يديه و قدميه. كنت حادثتهم حتى لم يعد في الكلام كلام. كنت لزمتهم لا أبارحهم ما كان فى اختياري المكوث، لو كنت أعلم أني فى خلال ساعات لن أراهم إلا بميعاد و لن ألمسهم إلا بتصريح. أنى سأبكي من أجل دقيقة زائدة و السجان يجذبني من بينهم، فأطبع قبلة أخيرة و عناقاً سريعاً و أنا أُسحَب. دقيقة تعني الآن الحياة و ما فيها، و كنت من قبل أملك مثلها الآلاف، و بحماقتي ضيعتها.
حتماً كان اختلف الوداع.
أردد قصيدة الشاعر “مصطفى إبراهيم” و أنا أهتز متربعاً للأمام و الوراء :
“لو كنت عارف إن هي دي المرة الأخيرة..
ميه ميه كانت هتفرق فى الوداع.
يا كل حاجة كسبتها.. أو سبتها و مالحقتش أشبع مِنَّها..
اكمنَّها قالت هنروح من بعض فين.
يا ناس يا عبط يا عشمانين فى فرصة تانية لِلُّقا..
بَطَّلوا أوهام بقى..
و كفاية أحلام و اسمعوا..
عيشوا بذمَّة و ودعوا..
كل حاجة بتعملوها.. و كل حد بتشوفوه..
و كل كلمة بتقولوها .. و كل لحن بتسمعوه
عيشوا المشاهد كل مشهد زى ما يكون الأخير.
و اشبعوا ساعة الوداع .. و احضنوا الحاجة بضمير..
ده اللي فاضل مش كتير.. اللى فاضل مش كتير.”
عبدالرحمن الجندي
الخميس
9/3/2017