عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي) – أحملق فى انعكاس وجهى المنبعج

اسم السجين (اسم الشهرة) : عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 11/30/2017

السن وقت الاحتجاز: 18 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: طالب بكلية الهندسة بالجامعة الألمانية بالقاهرة

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون/تأهيل وادي النطرون

أحملق فى انعكاس وجهى المنبعج

أحملق فى انعكاس وجهى المنبعج على زجاجة المياه القادمة من البيت. كنت فى السنوات الأولى من السجن أنتظرها فى كل زيارة، و ما إن أرجع إلى الزنزانة حتى أخرجها و أتجرعها، فيُعيدنى طعم المياه المفلترة المميز لذكريات عديدة، فكأنى إن أغمضت عينى أعيشها مرة أخرى بتفاصيلها. و مع كل شربة ذكرى جديدة.
أمسكت بالزجاجة و أسندت ظهرى إلى الحائط و أنا ما زلت أراقبها. فتحتها ببطء، و أخذت منها جرعة.
لم أشعر بشئ.
لم أعد من الأساس أتذكر طعم مياه البيت حتى أعود إليها.
أغلقت الزجاجة و عدت أنظر لوجهى فيها. أترى يكون الانعكاس المشوَّه هو انعكاس روحى المشوَّهة!
أنشأت أعد الأيام فى عقلى. باقٍ على عيد ميلادى الثانى و العشرين أقل من شهر. مللت الحديث فى الأمر. أصبح الكلام عبارة عن “كليشيه” سخيف و ممل. “اليوم أتممت ثمانية عشر عاماً فى السجن” “اليوم أتممت تسعة عشر عاماً فى السجن” “اليوم أتممت عشرين عاماً فى السجن” “اليوم أتممت واحداً و عشرين عاماً فى السجن” “اليوم أتممت اثنين و عشرين عاماً فى السجن”.
لا أدرى أيهما أكثر بؤساً: أنى بلغت من العمر اثنين و عشرين عاماً، أم أنى مكثت فى السجن ما يكفى من السنين ليكون الكلام فى الموضوع مملاً.
فى الثانى عشر من ديسمبر، يوم عيد ميلادى، يكون مضى أكثر من شهرين من سنتى الخامسة فى السجن. أصبح التأثر صعباً. بت أحزن أكثر على عدم قدرتى على الشعور. هل تعود يوماً ما كل المشاعر المقتولة؟ هل ترجع يوماً ما كل الذكريات المفقودة؟
استلقيت مغطياً وجهى بمنشفتى الزرقاء، و جعلت أسترجع التفاصيل الصغيرة كما أفعل من آنٍ لآخر، خوفاً من أن تتفلت، فأفقدها للأبد.
أتذكر تفاصيل غرفتى. أثاثها الأسود و جدارها الأسود الذى يراه الجميع كئيباً و لكنى أعشقه.
مكتبى الذى تتبعثر عليه الأوراق. تعلوه مكتبتى الحبيبة المكتظة بكل أنواع الكتب و الروايات.
“الكومودينو” الصغير الذى تجاور فيه محفظتى هاتفى المحمول، تطل عليهما بضوئها الدافئ، “الأباجورة” الحمراء التى أنارت لى ليالىَ طويلة سهرت أقرأ فيها للفجر. حلقة كرة السلة المثبتة على الحائط المقابل للسرير، و التى يتعجب منها كل من يراها، غير مدركين إحساس أن ترى حبك الأول كل يوم فى الصباح عندما تفتح عينيك.
المطبخ الذى أزوره كل ربع ساعة لأفتح الثلاجة و كأن شيئاً جديداً سيظهر فيها بشكل سحرى.
علبة الشوكولاتة المعدنية التى تحتوى على أدوات الخياطة. الكنبة الوثيرة التى كنت أجلس عليها مع أمى نشاهد مباريات كرة السلة حتى صارت أكثر خبرة فيها منى.
أراجع و أراجع. أحاول تذكر ما نسيت، و الحفاظ على ما زال باقياً و بدأ فى الخفوت.
هل أرجع يوماً يا ترى؟
هل من أمل أن أعود؟