عبد العزيز فهمي (زيزو عبده) – الانتظار في السجن فريضة

اسم السجين (اسم الشهرة) : عبد العزيز فهمي (زيزو عبده)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 8/3/2016

السن وقت الاحتجاز: غير معلوم

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: عضو بحركة 6 أبريل

مكان احتجاز المرسل : سجن الجيزة المركزي بالكيلو 10 ونصف

الانتظار في السجن فريضة

كل شيء بميعاد وكل فعل أو حركة بحساب. الأمر ليس بيديك فأنت مقيد الحرية، متروكًا وراء باب حديدي ثقيل الوزن وثقيلًا علي النفس، تتحرك في مساحة ضيقة، لا تستخدم إلا نمرتك (فرشتك)، في كافة أمورك واحتياجاتك اليومية؛ بين نوم وجلوس وقراءة.
هنا سجّان هو بمثابة الكفيل لك إن أردت أبسط شيء، عليك التفكير جيدًا في خلق تمهيد مقنع وموجز قبل إلقاء طلبك في وجهه، منتظرًا منه إيماءة برأسه تفيد القبول أو الرفض.
عليك الانتظار، فليس كل ما تحتاجه يُلبى في الحال، فكل شيء في السجن مرتبط بالانتظار.
إن أردت دخول دورة المياه، عليك اختيار التوقيت المناسب الذي تقلُّ فيه الحركة نسبيًا كي تستطيع تلبية نداء الطبيعة أو أخذ دُش أو حتي غسل يديك بعناية، فمن الغباء أن تترك نفسك بلا “حجز دور”. سيكون الأمر مرهقًا وشديد الصعوبة، فعندما تُلِّح عليك الرغبة في قضاء حاجتك لا يمكنك التفاوض علي التأجيل.
إن شعرت بالجوع فعليك الانتظار حتي تأتي زيارتك، وتُترك بجوار باب الزنزانة، وبالطبع بعد أن يتشاركها معك السجان، وكأنها لكما أنتما الاثنين، وليست لك وحدك.
عليك الانتظار إلي أن تنتهي كل الزيارات، ليأتي بعدها السجان، ويفتح عليك الباب ويسمح لك بتناول زيارتك، أو ما تبقى منها، إن تذكَّرَ! ومن الشائع أن تُترك الزيارة لوقت قد يمتد إلى خمس ساعات، وهي أمام عينيك، تراها من نظارة الباب الحديدي ولا تستطيع لمسها.
في هذه الحالة عليك رسم خطة ما، وخلق التمهيد المُقنع كي يأتيك السجان، وتشرح له أن الزيارة بها أكل ساخن وقد يبرد، أو أن هناك قطة ثقيلة الظل قد تفسد الطعام فيكون مآل الزيارة كيس الزبالة وليس المعدة.
تنتظر ساعة سكون، كي تنفرد بخيالك، وتذهب بهدوء في رحلة عابرة للقيود والحواجز والأسوار، وتطوف به إلي الأماكن والوجوه والمواقف لإشباع غريزة البقاء والتواصل مع العالم الخارجي.
تنتظر فتح الباب عليك ليدخل مُستجد تضيّع معه يومًا حول قضيته وماذا أتي به ضيفاً بيننا، أو خروج شاب من صفوفنا وقد أُخلى سبيله فتضيّع يومًا في التواريخ وعمل الصخب اللازم، فالشعار الرسمي للسجن “الداخل مفقود والخارج مولود”.
علمني السجن كيف أصبح صبورًا وأن أكون دائمًا علي قائمة الانتظار. حتي التفكير في أشياء مُلهمة لك يساعدك علي قتل الوقت والانتظار.
أن تختار وقتًا مناسبًا للقراءة، يوجب عليك تهيئة نفسك لذلك. القراءة هي أنفع شئ لك في السجن، وبمجرد أن يقل الصخب وينتظم كلٌ علي نمرته وينامون، أهرول ملتصقًا بباب الزنزانة مُستغلًا الضوء الخفيف الآتي من الطرقة الطويلة التي تضم العنابر المجاورة، لتبدأ مُتعتي الأهم، وأغوص في عالم آخر يأخذني بعيدًا عن وحشة المكان إلي اتساعٍ علي مدد البصر.
هناك شيء واحد لا أطيق انتظاره، حينما يأتي الميعاد اليومي المعتاد لفتح أبواب الزنازين المجاورة لخروج المتهمين إلى النيابات، في أصوات تفزعك وتقلقك وتشعرك أنك لا تزال قابعًا خلف تلك اﻷبواب، بعد أن كنت محلقًا خارج اﻷسوار.
بقدر ما يكون الانتظار بائسًا؛ يقيِّد الرغبات بداخلك ويُفقدها معناها إن لم تتحقق في حينها، إلا أنه هو العملة الرسمية في السجن التي يجب ادخارها، فالوقت يتوقف عندك ولا يتحرك، حتى الوقت تنتظره كي يمر.