عمر علي حسن عبد المقصود (عمر عبد المقصود) – كيف نعيش؟!

اسم السجين (اسم الشهرة) : عمر علي حسن عبد المقصود (عمر عبد المقصود)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 9/21/2015

السن وقت الاحتجاز: 27 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: صحفي بموقع مصر العربية وطالب بكلية التجارة بجامعة المنصورة

مكان احتجاز المرسل : قسم شرطة ميت غمر

كيف نعيش؟!

كيف نعيش ؟!.. أو بماذا نعيش داخل السجن ؟! .. حكت لي زوجتي المصون في إحدى زيارتها لي، عن لقاء خاص جمعها بالدكتورة أهداف سويف، ودار الحديث بينهما حول أوضاع المعتقلين، ومدى المشاعر المتراكمة التي لا تحظى بفرصة للتعبير عنها في دقائق محدودة، وهي مدة الزيارة – من قبل الأهالي والزوجات لذويهم وأزواجهم المعتقلين-.

أعلم أن رفيقة دربي قد فاض بها الكيل، و إلا لما باحت واشتكت فهي بطبعها أو كما عاهدتها ، قليلة الشكوى، صبورة , حمولة .

وجهت الدكتورة أهداف بعض النصائح لزوجتي؛ ذكرت لي منها واحدة، وطلبت مني أن أعينها على تطبيقها، وكانت النصيحة أن تحاول زوجتي أن تتخيل حياتي داخل السجن ، وتحاول أن تستخدم ما أستخدمه من أدوات، و أن تستيقظ وقت ما أستيقظ و أن تأكل مما آكل منه …. إلخ.

ولذلك قررت أن أكتب لها هذه الكلمات وللقارىء، لعلي أنقل بعض مما نعيشه :
حياتنا بلاستيكية بامتياز، الملاعق ، الشوك، الأكواب، الأطباق، علب العصير والمشروبات الغازية، سوست الشنط، الأكياس، أكياس الشيبسي، حافظات الأطعمة، حتى الأحذية لابد و أن لا تحتوي على أي معادن، فقط قماش أو بلاستيك .

من المتفق عليه في كافة اللوائح والسجون (( البلاستيك )) في كل شيء ، لا أذكر أنني استخدمت أكياس العطور البلاستيكية وأنا طليق، حتى التونة – إحدى أكلاتي المفضلة – والأسماك المعلبة، كان الأهل يتحايلون على العلب الصفيحية و المعدنية لها، بتفريغها في علب أو أكياس بلاستيكية، وما هي إلا ساعات حتى تفقد صلاحيتها، فطريقة حفظها تعتمد بشكل كبير على ما تُحفظ فيه، غير أني علمت أن إحدى الشركات الرائدة في مجال التعبئة والتغليف قد أنتجت أكياس وعلب بلاستيكية مُعبأة بالتونة، حتى يسهل التخلص من البلاستيك بعد أكل محتواه كما أنه أقل تكلفة من التعبئة في علب من الصاج أو المعدن ، و أضيف سبباً أعتبره رئيسياُ للتوجه للتعليب البلاستيكي للتونة ، وهو السماح بدخولها السجون والاحتفاظ بها لفترة أطول في أجواء يصعب الاحتفاظ فيها بالأطعمة.

لا أذكر تماماً متى كانت آخر مرة أكلت بملعقة معدنية، أو في طبق من الخزف أو الصيني، لا أذكر حتى متى كانت آخر مرة رشفت فيها رشفة شاي من كوبٍ زجاجي، لكني أذكر ذات مرة أن أحد أمناء الشرطة القائمين على حراستنا – وكان بيننا مودة – أهداني رشفة شاي من كوبهِ الزجاجي على سبيل الجميل الذي سيرد يوماً ما بخدمة أو بحفنة من الجنيهات، أذكر تلك الرشفة جيداً ، وأذكر تماماً اختلاف طعم الشاي – الذي أعشقه – بين الكوب البلاستيكي الأبيض وبين الكوب الزجاجي.

أعتقد أن أصعب ما يمكن تطبيقه في الحياة المدنية – خارج السجن – أن تعيش بدون مرآة ترى نفسك فيها، قد نتغلب نحن الرجال على تلك المشكلة عن طريقة الحلاقة لشعر الرأس بشكل دوري، فلا حاجة حينها للمرآة لترى نفسك ،ولكن تكمن الصعوبة عند حلاقة ذقنك أو شاربك، حينها لابد من الاستعانة بصديق ، فلا مرآة هنا في السجن .

وهنا أطرح سؤالاًمهماً، كيف للمرأة أن تتنازل عن استخدام المرآة سواءً في السجن أو في الحياة المدنية ؟! ، نحن معشر الرجال هنا في السجون نتنازل عنها و ببساطة فهي لا تشغل حيزاً من تفكيرنا في مثل هذه الظروف ، فالحلاقة إن لم تكن إجبارية في بعض السجون – فهي الخيار الأمثل للقضاء على الرغبة في النظر إلى نفسك في المرآة، وهي الحل الأمثل للنظافة الشخصية، ولكني بالتأكيد لا أنصح أحداً أن يحلق شعر رأسه إلا إذا كان راغباً في معايشة ما نعيشه ،وبالتأكيد هذا النوع من المعايشة لا يتناسب مع النساء.

النظافة الشخصية هي المعادلة الصعبة في السجون، هنا تكثر الأمراض الجلدية بشكل كبير ، وتنتشر الحشرات بشكل ملحوظ ، لذلك وجب أن تهتم بشكل فائق بنظافتك الشخصية، سواء لجسدك أو لأدواتك في الأغلب الأعم، لا تحتوي حمامات السجون على مياه ساخنة، لذلك تستخدم في استحمامك وغسيلك الماء البارد شتاءً أو الفاتر صيفاً، فبنسبة لنظافة أدواتك الشخصية وملابسك – في السجون المركزية الصغيرة – يفضل أن تسلمها لأهلك أثناء الزيارة واستبدالها بأخرى نظيفة، لأن في هذا النوع من السجون لا ترى الشمس أو تخرج إلى الهواء الطلق ، فبالتالي فإن نشرت ملابسك فلن ترى الشمس – وهي عنصر أساسي للنظافة والتخلص من الآفات الجلدية – وبالتالي فلن تكون على قدر من النظافة ولن تجف بشكل سريع، أما في السجون الكبيرة – العمومية أو المشددة – فالتريض يسمح لك برؤية الشمس والتعرض للهواء مما يتيح لك فرصة أفضل في الغسيل سواءً لأغراضك أو ملابسك الشخصية ، كما أن تعرضك لأشعة الشمس المباشرة ، يقيك الكثير من الأمراض الجلدية .

نظافة الجسد بالاستحمام بالماء والصابون ، كما أنه يسمح بدخول كافة أنواع المنظفات وسوائل الاستحمام والتعقيم والصابون السائل وغيرها من أدوات الاستحمام والنظافة الشخصية البلاستيكية أيضا – كمزيل العرق البلاستيكي العبوة – أو فرش الأسنان أو اللوف أو المعجون .

بالنسبة لشعر الوجه – اللحية والشارب أو في الجسد – الإبط والعانة – ، فإن التخلص منه يتم وفقاً لسياسة متبعة داخل السجن ، فلكل سجن من اللوائح والقوانين – غير المكتوبة أو المنصوص عليها – ما يميزه عن غيره من السجون ، فهناك من يسمح بشراء ماكينات الحلاقة ذات الاستخدام الواحد على أن تسلم وفقاً لعدد معين و تستخدم لمدة محددة – ساعة مثلاً – ثم تسلم بعد الاستخدام لفرد معين مسؤول عن الزنزانة وهو بدوره يسلمها للإدارة .

في بعض السجون يمنع نهائياً استخدام ماكينات الحلاقة ذات الاستخدام الواحد ، نظراً لخطورتها ، يستخرج بعض السجينات والسجناء شفراتها ويستخدمونها كسلاح على أن يحدد يوم في الاسبوع للحلاقة الإجبارية – للشعر واللحية والشارب – أما الشعر الزائد في الجسد فيتم إزالته عن طريق استخدام كريمات إزالة الشعر الخاصة بالنساء على اختلاف أسمائها وأنواعها . هذا بعض من كل ، فلازال هناك الكثير مما يمكن معايشته لتشعر بما نشعر به ، وتعيش حياتنا داخل السجون والمعتقلات ، كيف ننام وكيف نأكل وكيف نخزن أغراضنا ، وكيف نعلقها على الحوائط الأربعة ، كيف انقلبت المعجم وتغيرت المفاهيم ، وتعددت اللغات .
وختاماً.. زوجتي الحبيبة ، لا تشغلي بالك كثيراً بكيف أعيش، فأنا أعيش بك ولك فلا تيأسي، أحبك مولاتي .
عمر عبد المقصود
قسم ميت غمر
الاثنين 21- 9-2015