عمر علي حسن عبد المقصود (عمر عبد المقصود) – المرافعة

اسم السجين (اسم الشهرة) : عمر علي حسن عبد المقصود (عمر عبد المقصود)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 7/9/2015

السن وقت الاحتجاز: 27 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: صحفي بموقع مصر العربية وطالب بكلية التجارة بجامعة المنصورة

مكان احتجاز المرسل : مكان احتجاز غير معلوم

المرافعة

المرافعة
التاريخ : 9-7-2015
المكان : مجمع محاكم المنصورة – مبنى الجنايات
الدور الثاني – قاعة انعقاد جلسات الدائرة الخاصة ” إرهاب ”
برئاسة المستشار أسامة عبد الظاهر
المشهد : قاعة محكمة مليئة بالمدرجات الخشبية يقف على أول وآخر كل مدرج رجل من رجال الأمن المركزي ، في صدر القاعة منصة السادة القضاة وعلى يسار القاعة قفص حديدي حيث أقف أنا و إبراهيم أخي وأنس أخي وعبد المنعم صديق أنس نرتدي جميعاً الأبيض .

( ملحوظة : يرتدي المتهمون قيد التحقيق الملابس البيضاء بشكل إجباري إذا ما كانوا على ذمة سجن عمومي تابع لمصلحة السجون ، في حين يرتدي المحكوم عليهم الأزرق إجباريا باستثناء أحكام الإعدام فيرتدون الأحمر )
يُسمَح للسادة المحامين فقط بالدخول إلى قاعة المحكمة ويُمنَع منعاً باتاً حضور أهالي المتهمين أو ذويهم مهما كانت صلة القرابة – يختلف هذا الأمر من محكمة لأخرى ومن محافظة لأخرى وفقاً لنظر القاضي وما يراه ملائماً – كما يُمنَع نهائياً إصدار أي صوت من أي نوع أو شكل .

ينادي الحاجب على رقم القضية في “رول” ثم ينادي على المتهمين بأسمائهم تباعاً لإثبات حضورهم ، وبالتوازي ينهض السادة المحامون للوقوف أمام منصات مقابلة للمنصة الرئيسية للسادة القضاة ، يرتدون أروابهم الخاصة … وتبدأ المرافعة .
يستعرض السادة المحامون أوراقهم ومذكراتهم الدفاعية على هيئة المحكمة ثم يستهلون مرافعتهم بدباجةٍ منمقة ومنسقة ثم وقبل الدخول في صلب المرافعة والقضية ، أرفع يدي طالباً الكلمة فيستأذن لي السيد المحامي وهيئة الدفاع من هيئة المحكمة فيؤذن لي .. على مضض.

و إليكم مرافعتي …

حضرات السادة القضاة ، بدايةً ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبدايةُ السلام هنا مقصودة ، لأننا لا طريق لنا سواه ، ولا فعل لنا إلا هو ، فالسلام عليكم .
ستنقسم مرافعتي إلى جزئين رئيسين، أولهما حول فلسفة العدل والقانون وثانيهما حول الحب ، نعم الحب ، ذلك الشعور الذي ينشأ بين عموم البشر وبين إناثهم وذكورهم بشكلٍ خاص .

مرافعتي ستكون باللغة العربية الفصحى بالرغم من أن هذا الأمر قد يكون دليلَ إدانة لي على اعتبار أن ما رسخ في عقول المجتمع المصري الذي يعاني الآن من أشد حالات الاستقطاب فتكاً ودماراً من أن المتحدث باللغة العربية في وقتنا الحالي هو من أعتى عتاة الإرهاب ، ومتشددٌ رفيع المستوى ، حيث إنه لا مكان لإتقانها أو التعامل بها إلا في معسكرات وأوكار الإرهاب الأسود الذي يخيم على مصرنا الحبيبة قلباً و قالباً .

سيادة الرئيس ، إن اتقاني للغتنا العربية جاء نتيجة عملٍ و دراسةٍ مضنيين، وكان أساسها حفظي لأجزاء من القرآن الكريم ،
وقد كان اتقاني لها سبباً رئيسياً لعملي كصحفي ناجح في مؤسسات صحفية مرموقة وسبباً كذلك لقبولي في العمل كمذيع نشرة رياضية في هيئة الاذاعة البريطانية BBC قبل أن أحاكم بعدة أشهر وبعد أن قُبِض علي بشهرين تقريباً ، كما قوبل طلبي للتدرب كصحفي بجريدة الحياة اللندنية في دبي بالقبول فور مراسلتي لهم.. كل ذلك يا سيادة الرئيس مثبت أمام سيادتكم بالأوراق ، علماً بأني على استعداد تام للمرافعة أمام سيادتكم مرافعة كاملة باللغة الإنجليزية إن سمحتم لي .

سيادة الرئيس ، لو كنت إرهابياً كما أُتهِمت ، فما حاجتي للبحث عن حياةٍ كريمة وعملٍ لائق ، وما الحاجة للتطور والبحث والترقي اذا كنت قد اخترت مصيري مسبقاً ؟!
عتاة الإرهاب في عالمنا العربي بلا استثناء تركوا حياة الرغد والراحة إلى المشقة والتعب في سبيل هدفٍ أو رؤية هو وحده أعلم بها وبعوائدها .

فذاك محمد عطا المهندس المصري الشاب الذي حصل على الماجستير في الميكانيكا من أكبر جامعات ألمانيا ، إلا أنه طرح ذلك كله أرضاً ليخدم تحت لواء القاعدة ، فكان ضلعاً في أحداث سبتمبر الإرهابية ، وهذا زعيم القاعدة أسامة بن لادن الذي ترك مليارات الريالات و شركات ضخمة وحياة بذخ وترف ، فقط ليصبح إرهابياً ، فقط ليخدم فكراً رآه يوماً صحيحا ولا يصح غيره ، فأين أنا وإخوتي من هؤلاء ؟! فها أنا كما قصصت على سيادتكم، وذلك إبراهيم أخي بطل السباحة ، وأنس طالب الثانوية العامة الذي أبى إلا أن يكمل امتحاناته وهو في ظلمات السجون في إصرارٍ عجيب على إنارة عقله ومستقبله بنور العلم والتعلم ، أفيكون هذا إرهابياً ؟!

هيئة المحكمة الموقرة ، في فلسفة العدل والقانون ، يقول الفلاسفة أن العدل إحساس وشعور يتولد في قلب المظلوم أو المجني عليه بالرضا والسعادة لعودة الحق له أولاً وثانياً لمعاقبة الجاني ، ولذلك قال تعالى في محكم التنزل ” و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ” ، بالعدل ، فالعدل وحده هو من يحكم بين الناس أما القانون فهو وضعي ، استُقي وانبثق من مشكاة العدالة السمحاء الواسعة بغرض تنظيم حياة البشر وضمان حقوقهم ، ولكن ليس شرطاً أبداً أن يحقق القانون العدل ، فالأصل في القانون هو إيقاع العقوبة وتحجيم الجرائم ومحاصرة المذنبين .

أذكر قصة القاضي الأمريكي الذي أسس مبدأ الفارق بين العدل والقانون حينما كان في طريقه ليعتلي منصته فجذبته إحدى السيدات من ملابسه وهمست له أن ” احكم بالعدل ” فكان رده أن ” سيدتي هذا تماماً أسمى ما نحاول الوصول إليه ، أن نحكم بالعدل ولكن نجد أنفسنا أخيراً نحكم بالقانون ” .

و ذلك رجلٌ أمريكي أسود حُكِم عليه بالسجن المؤبد ظلماً ، وبعد 15 عاماً تبينت براءته فكان أول طلب له من الرئيس الأمريكي أوباما أن يتم تعديل القوانين التي حوكم بها حتى لا يظلم غيره ، فلبى له الرئيس الأمريكي طلبه .
سيادة الرئيس .. للعدل ربٌ اسمه ” العدل “.. ولذلك لم يُنشِئ للعدل ” روح ” يحتكم إليها إذا ما احتزب امرؤ أو عصى .. فالعدل عدل ، على المتحاجين والمتخاصمين عدل على المذنبين والأبرياء عدل ، أما القانون فله ما شاء من أرباب ومبتكرين ، ولكلٍ ” روح ” يستند إليها ويلوذ بها إذا ما استعصى عليه أمر ، فبروح القانون يخفق القانون مرات ويصيب مرات ، بيد أن العدل لا يُخطئ أبداً و إلا ما صار عدلاً .

أما عن الجزء الثاني من مرافعتي يا سيادة الرئيس ، فهو كما ذكرت آنفاً عن ” الحب ” ذلك الشعور الإنساني الذي حباه الله لبني آدم عن سائر الخلق ، فبه تحلو الحياة وتزدهر، وتقام بيوت وتتأسس وتقوى ، ومما لا شك فيه أبداً أنه ما اجتمع الحب والفساد في قلب رجل واحد ، وإني أشهد الله وإياكم والحاضرين أن هذه المرأة الجالسة أمامكم ” زوجتي المصون ” ما تركت موضع شبر أو قطرة دم أو صمام أو وريد أو شريان في القلب إلا وقد كتبت عليه اسمها ، فصار الجسد وما حوى ملكاً لها ، واحتلت عروشه و أزقته وحواريه بحبها ، فما عاد في قلبي مكان غير الحب أعطيه ، وما جعل الله لرجلٍ من قلبين في جوفه .

سيادة الرئيس ، اخترتها نصفاً لي وحباً لعمري ومكملاً له ، فعقدت قراني في ال 27 من ديسمبر 2013 عليها ، على أن نعتزم على أن تكون ليلة الزفاف في 1 مايو 2014 ، بيد أن للقدر رأى آخر ، فقُبِض علي و إخوتي في 14 إبريل 2014 أي قبل ليلة عرسي ب 15 يوماً !! أأكون متفرغاً لعرسي في مثل هذا الوقت أم للإرهاب ؟!

حُرمت منها وحُرمَت مني ، واعتاد أبي وأمي أن يروني وإخوتي من خلف الأسوار بالبياض وبالقيود، وهذا حالنا اليوم نقاسي ونتألم من فراق دام لأكثر من 16 شهراً دونما جريرة أو ذنب ، و حُرمَت هي الفرحة والبسمة والطمأنينة والزوج ، فهل لي أن أسأل لماذا ؟ّ!

ختاماً يا سيادة الرئيس أناشدك الله والعدل ، أن نستهل ما بدأنا في بنائه وأن نمحو من أيامنا ما اسود منها ، وتعيد البسمة والأمل ، وأن تزرع فينا ذلك ” الإحساس ” بالعدل .

عمر عبد المقصود