محمد فوزي شاهر محمد كشك (محمد فوزي) – عن الغمامة ، الكلبش ،الكهرباء .. والنصر

اسم السجين (اسم الشهرة) : محمد فوزي شاهر محمد كشك (محمد فوزي)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 4/20/2014

السن وقت الاحتجاز: 25 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: طالب بكلية الصيدلة بجامعة المنصورة

مكان احتجاز المرسل : سجن المنصورة العمومي

عن الغمامة ، الكلبش ،الكهرباء .. والنصر

(عن الغمامة ، الكلبش ،الكهرباء .. والنصر ) (1) _”إهدا يابني انت وهو عايزين ننام .. الله يخرب بيت الكهربا اللي لسعت دماغكوا”. هكذا قال رفيق الزنزانة لآخريْن انتابتهما نوبة ضحكٍ في موعد النوم .. _”ويرجعوا يقولوا فيه مشاكل كهربا في البلد ، طب ما طبيعي .. الكهربا كلها بتتحوِّل علي أمن الدولة علشان يدلّعوا بيها المعتقلين ..” هكذا قال رابعٌ لتنتقل نوبة الضحك إلي الزنزانة كاملةً .. لا أظن الطاغوت الحالي يدركُ ما يفعل ، لا أظنه يدركُ أن كهرباءه المخيفة صارت نكتة نضحكُ منها ،لا أظنه يدركُ أن الجدران التي أحاطنا بها صارت صوامع للتعبّد ، للقراءة ، للتفكر ، لا أظنه يدركُ أن جيلاً يتربَّي ،ومجتمعاً كاملاً يترابط ويندمج داخل المعتقلات ، مجتمعاً رُسمت علي جسده من الندوب ذاكرةٌ تُنَبهْهُ كل صباحٍ بالهدف الحقيقي لوجوده هنا علي هذه الأرض :- مواجهة كل ظلمٍ .. (2) مواجهة كل ظلمٍ ولو برسالةٍ بسيطةٍ تؤرِّخُ وتُعرّي الحقيقة كالتي أحاول كتابتها الآن ، رسالة ترددتُ قبل أن أخطها لسببين : أولهما : أني لا أريدُ استعراض جُرحي علي الأوراق لاستجلاب إيمان أو تضامن _كاذب_مع القضية التي جُرِحت لأجلها ، فالقضيةُ بي أو بدوني منتصرة بإذن الله ، ثم أن الإيمان لا يولد هكذا أصلاً . وثانيهما:أني _قياساً بمن قابلت ىتين من السجون العسكرية_ لم أُعانِ أي شيئ يُذكر ، فالمجد لهم ولكل مجهولٍ تحمل من الآلام جبالاً وحده في صمت دون أن ينحني .. ولكني حسمت أمري وكتبت لسببٍ واحد : وهو إيماني أن لكلٍّ دوراً وغايةً خلقه الله وقدَّر حياته لها .. وأنا أعتقد ان الله ما وضعني ها هُنا إلا لأكتب ما أراه بصدقٍ .. لذا كتبت وسأكتب .. (3) _”شايف كده يَلاَ ؟” قالها بعد أن أحكم الغمامة علي وجهي . _”لأ” _”طب اتحرك معايا يابن المت**** .. هتشوف دلوقتي .. هتشوف الموت ياروح امك” صرخ وهو يدفعني بعنفٍ للأمام .. ولم أرَ الموت ، إنما رأيت الحقيقة التي كنت أسعي لها .. حقيقة الغمامة ، الكلبش ، الكهرباء،والنصر .. * الغمامة : بقيت أسبوعاً كاملاً مُغمّي ، وكان الـ”باشا” يُجَنُّ جنوناً خوفاً أن أعرف أي معلومةٍ عن هويته،أو عن المكان الذي اختطفوني فيه، الـ”باشا” القوي الذي يخاطبني بثقةِ إله يملك أن يقول للشيئ كن فيكون ، يخاف، تماماً كما يخاف كل طاغيةٍ أن يعرف شعبه أي شيئٍ .. لابد من غمامة التجهيل والتعتيم والتضليل الدائمة .. * الكلبش : _”إيدك ورا ضهرك يا خ** منك ليه ، كلبشهم كلهم خلفي ياباشا” “الباشا” المسلح الذي يقود كتيبة من المسلحين داخل مبني تحرسه المدرعات ، بالطبع لا يخشي من هروبنا ليكلبشنا خلفياً، ما يخشاه حقاً هو أن تمر علينا لحظة بلا ألمٍ متواصلٍ ، الصفع والركل واللكم والضرب بالعصي ليس كافياً ، لا نوم ، لا طعام لأيامٍ ليس كافياً ، حتي الدقائق التي كنا نحظي فيها باستراحة إجبارية _ربما لأن أيديهم تعبت من ضربنا_ كانوا يغرقوننا بمياهٍ باردةٍ حتي لتصبح أجسادنا أبرد من البلاط القذر الذي نُرمي عليه .. * الكهرباء : _”اسمك ؟” _”محـ …” _”لأ ، اسمك ليلي ، ليلي يابن الـ *** ” قاطعني بلكمات منه ورجاله معه ، أسقطني أرضاً وهوي بالصاعق الكهربائي علي رقبتي ، هذا قبل أن يقف بحذائه .. علي وجهي .. قصص عديدة للتعذيب عرفتها ، ما يجمعها دائماً هو البداية الحادة العنيفة المهينة ، لكل الطغاة سياسة واحدة ، إنهم _من اللحظة الأولي_ يغمسونك كلياً في بركة التعذيب الآسنة القذرة حتي تنقطع أنفاسك تماماً .. وثصبح أقصي امانيك هي انفراجة لدقائق تمر عليك دون ألمٍ .. تماماً كما يجري مع الشباب بالخارج ؛ القمع المفرط ، حملات الاعتقال الموسعة ، فصل الطلاب واقتحام المنازل وانتهاكها .. هي الصاعق ، العصا ، الكلبش الذين يستخدمهم كل طاغية ليحوّل من ثاروا عليه من حالمين وساعين لوطن حقيقي إلي مجرد حفنة من اليائسين الذين يتمنون مرور مظاهرة بلا إصاباتٍ ، أو الافراج عن صديق طال اعتقاله .. نفس الأدوات التي يستخدمها الطاغية .. ولا ينجح .. أبداً .. (4) منذ اعتقالي لم أملك صورة كاملة عما يجري بالخارج ، ولكن السياسة والوضع بأكمله داخل السجن كخارجه كما وضحت في السطور السابقة . وبِناء علي ذلك أقولُ .. هُنا بين الجدران لم أرَ ملائكة منزهين ، ولا مقاتلين ذوي قوي خارقة ، رأيت بشراً عاديين بهم من النقصان والتقصير والأخطاء ما بهم ، لهم أحلام ضئيلة أحياناً وضخمة أحياناً .. لكن الله بث في قلوبهم يقيناً يبدو جليَّا في عيونهم حين يتصافحون ، في حناجرهم حين ينشدون ليلاً .. يقيناً يبدو حتي في صمتهم حين يستغرقُ أيُ منهم في خلوةٍ هادئة .. يقيناً بنصرٍ آت ولو بعد حين . لذا أقولُ :” قسماً برب يوسف في سجنه ، قسماً برب يونس في بطن حوته ، قسماً برب كل معتقل همس إلي السماء وهو ساجدٌ في قلب ليلِه سننتصر ، ولو بعد حينٍ سننتصر” محمد فوزى شاهر