احمد تهامي – أكاديمي داخل الثقب الأسود للعدالة

اسم السجين (اسم الشهرة) : احمد تهامي

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 6/12/2023

السن وقت الاحتجاز: غير معلوم

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: أستاذ دكتور في العلوم السياسية

مكان احتجاز المرسل : مكان احتجاز غير معلوم

أكاديمي داخل الثقب الأسود للعدالة

سقطت في ثقب أسود يمتص الطاقات البشرية ولا يقيم وزنا للإنسانية، يبتلعني هذا الثقب الجبار للعام الرابع على التوالي حيث لا عدالة ولا قانون أو دستور. يختطفك الثقب الأسود لأنك تمتلك فكرا ولك عقل أو قلت رأيا لا يرضي النافذين والمتحكمين، فيلحق بك الأذى ويصيبك الضرر، وتذوق طعم الألم ويتفلت منك الأمل. تحولت من إنسان حر إلى مواطن من الدرجة الثانية حيث تمارس ضدي أبشع أنواع التمييز وإهدار حقوق المواطنة.
بداية، بقيت في هذا الثقب الأسود أكثر من عامين ونصف دون أن أواجه قاضيًا أو أناقش وكيل النائب العام، وظل تجديد الحبس طوال هذه المدة يتم على الورق وأنا في محبسي أوفي قفص زجاجي حديدي شديد الحراسة.
ثم جاءت تقنية الفيديو كونفرنس التي تربط المحاكم بالسجون فصرت أُعرض أمام القاضي، أراه ويراني ويكلمني وأكلمه عن بعد. وكم كانت سعادتي غامرة لأنني بعد كل تلك الشهور والسنوات لاحت لي الفرصة للدفاع عن نفسي وإظهار براءتي. وذلك على النقيض من موقف مئات المحبوسين احتياطيا الذين يُعرضون معي في نفس اليوم، فهم يرفضون الحديث أو الدفاع عن أنفسهم لأنها “مسرحية” كما يظنون بدليل أنه خلال نحو تسعة شهور من العرض أمام محاكم أمن الدولة العليا بمجمع بدر لم يتم إخلاء سبيل سوى عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من بين آلاف المحبوسين.
لقد سمحت لي هيئة المحكمة بالحديث ثلاث مرات في الجلسات الثلاث الأخيرة.
ففي المرة الأولى عرّفتهم بأنني أستاذ في العلوم السياسية وأنني كنت المرشح لرئاسة القسم بالجامعة قبل اعتقالي. وركزت على ثلاث نقاط جوهرية وهي أنني غير منضم لأي تنظيم أو جماعة الإخوان المسلمين بدليل موافقة أجهزة أمن الدولة على تعييني بالجامعة وعلى سفري إلى بريطانيا وألمانيا قبل اعتقالي بشهور في بعثة ومهمة علمية. ثم طالبت بإخراج الخبر أو الأخبار الكاذبة المتهم بنشرها من الملف فلم يجد القاضي شيئا. وأخيرا نفيت أي علاقة لي بالحرز الموجود وهو مجموعة من الأوراق التي لا أعلم عنها شيئا عن الدكتور حازم الببلاوي وأقسمت للقاضي صادقا أنها لا تخصني ولا أفهم لماذا اعتبروها خطيرة ودسوها في أحراز قضيتي. ولكن بعد عدة أيام فوجئت بتمديد حبسي 45 يوما جديدا.
وفي المرة الثانية جهزت نفسي بصورة أفضل وعندما سمح لي القاضي بالكلام قلت إن الدستور ينص على حرية الفكر والتعبير وأنني ألفت عشرات الكتب وكتبت مئات المقالات وآلاف التسجيلات الصوتية، والآن يتم توجيه اتهامات كيدية وغير صحيحة تماما، كما لا توجد أحراز أو شهود أو قرائن تثبت تلك الاتهامات الباطلة. وأضفت إن الحبس الاحتياطي الطويل تحول إلى عقوبة بلا نص أو حكم قضائي مما يجعله مخالف للدستور. وقد ألحق بي الأذى والضرر الجسيم، وطالبت مرة أخرى بإظهار الأخبار الكاذبة التي يتهموني بنشرها فلم يأتي أي رد، ثم رجعت من غرفة الفيديو متجها إلى السلالم، وإذ بي بعد نحو دقيقتين أسمع بعضهم ينادي يا دكتور فعدت إلى غرفة الفيديو فوجدت معالي المستشار ممسكا بالملف في يده وتبدو عليه علامات الزهو والانتصار والسعادة حيث ظن أنه قد وجد بغيته في إثبات أنني أستحق ما يجري لي، فواجهني بالاتهام الصاعق (إنت روحت إنجلترا يا أستاذ)؟!! فظن المتهم الذي يقف بجانبي أنه المقصود فاندفع نافيا وأقسم أنه لم يذهب إلى إنجلترا على الإطلاق، فتدخلت أنا مسرعا بعد أن أدركت أنني المقصود فأجبت نعم لقد سافرت إنجلترا، وأقمت فيها خمس سنوات حيث كنت في بعثة علمية للحصول على الدكتوراه، وسافرت الى دول أخرى كثيرة في أوروبا والعالم العربي في مهام علمية أو للمشاركة في مؤتمرات أو ندوات أو غيرها، مضيفا أن هذا لا يعد تهمة على الإطلاق وليس دليلا أو إثباتا لأي شيء في حقي، فصمت الرجل، ولكنه قام بتمديد حبسي 45 يوما أخرى.
في آخر جلسة لتجديد حبسي أمام محكمة الجنايات الخاصة بأمن الدولة مطلع مايو الماضي، انبرى إتنان من الأساتذة المحامين (الاستاذ مختار منير، والأستاذ مصطفى نصر) لتفنيد مبررات الحبس الاحتياطي خاصة أنني تجاوزت المدة القانونية وهي عامان، فإذا بمعالي المستشار يطلب منهما إجراء بحث حول المدة القانونية للحبس الاحتياطي، فأكدا له بكل ثقة ويقين أنهما بحثا الموضوع جيدا ليصل إلى تلك النتيجة. ثم دخل الأستاذ خالد علي فجأة، فطلب منه معالي المستشار المشاركة في المناقشة المفتوحة. فطلبت الكلمة وقلت إن هذا الحبس الاحتياطي مفتوح المدة ومخالف للدستور والقانون، وإن وجودي هنا غير قانوني، فهل ما يحدث من استمرار حبسي وآخرين لمدد تتجاوز العامين أو الثلاثة وتصل مع بعضهم لخمسة أعوام يتفق مع أي قانون؟!! وأضفت أنني بوصفي أستاذا وباحثا في النظم السياسية والمقارنة في دول العالم المختلفة لم أجد أبدا مثيل لهذا الحبس الاحتياطي المفتوح المدة وبلا محاكمة عادلة إلا في مصر وحدها، بل إن نظام الاعتقال الإداري الصهيوني لا يتجاوز مدة ستة شهور كحد أقصى، وانفعلت مطالبا باستقلال القضاء وحرية الفكر والنشر للأساتذة والكتاب وأن تتوقف المحاكم عن الأخذ بتحريات واهية أو اتهامات لا تقوم سوى على ظنون وأوهام. وهنا قام معالي المستشار بتحويل مجرى الحديث بسؤالي عن بعض مؤلفاتي، فأخبرته عن كتابي المعنون “الاستراتيجية الإسرائيلية في البحر الأحمر ومنابع النيل”، الصادر عن معهد البحوث العربية وجامعة الدول العربية في عام 2003، وكشفت فيه عن الخطط الإسرائيلية والإثيوبية في بناء السدود على منابع النيل وذلك قبل 20 عاما حيث لم يكن هناك سوى قلة يدركون الأخطار التي تحيق بالنيل والتي تجسدت الآن في سد النهضة. وما إن ذكرت كتابي حول “حراك الأجيال السياسية” الصادر عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام حتى أوقفني معالي المستشار وانتهى النقاش البيزنطي وجاءت النتيجة بتجديد حبسي أيضا، لأدخل بذلك في السنة الرابعة من الحبس الاحتياطي المفتوح حيث (السجن بلا نهاية)
في هذه الأجواء عادة ما أتذكر عندما كنت مشرفا على دورة النيابة العامة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في عام 2001 حيث اجتهدت في تحقيق الانضباط في الحضور لوكلاء النائب العام وحذرتهم من التأخير فرد أحدهم “هحبسك لمّا تُعرض علي”، فقلت له “إن ذلك سيعني إساءة استخدام السلطة”.
لقد توقفت المحكمة عن القيام بوظيفتها في تطبيق القانون الذي يُلزم المحكمة بإخلاء سبيلي بعد عامين كحد أقصى، كما امتنعت النيابة أيضا عن الإفراج الوجوبي، ولذلك فإنني في خصومة مع المحكمة التي تنكر العدالة وتتخلى عن وظيفتها القضائية، مما يحول قرارات الحبس الاحتياطي الى مجرد قرارات اعتقال إدارية تعسفية وإساءة استخدام للسلطة وليس احكاما قضائيا عادلة.
وهكذا يتبين أن المشكلة ليست في القانون فقط وإنما في إساءة تطبيقه أيضا، ومما لا شك فيه أن احترام القانون وعدالته وحسن تطبيقه هو أساس الشرعية والاستقرار وغير ذلك إنما يقود إلى الفوضى وضياع الثقة. وإعلان اختصامي للمحكمة التي أساءت تطبيق القانون هو حق بل واجب من أجل تصحيح الأخطاء وإصلاح العيوب. وهناك جهود تبذل في هذا الاتجاه فقد تابعت وأنا في أعماق هذا الثقب الأسود الكلام عن استراتيجية حقوق الإنسان منذ سبتمبر 2021 وما تضمنته من الدعوة لتعديل تشريعي في موضوع الحبس الاحتياطي، فأملت خيرا، ولكن لم يحدث شيء. ثم تابعت إطلاق الحوار الوطني وإعادة تشكيل لجنة العفو في إبريل 2022، كما قدّم بعض القائمين على الحوار وعودا لنا في حينه، ولكن انقطع التواصل معهم بعد ذلك.
لا أظنكم تدركون مقدار الأذى والأضرار المادية والمعنوية والنفسية التي أعانيها مع أسرتي وأولادي، فالأمر يحتاج إلى كتب ومجلدات لروايتها، ويكفي أن تعلموا أن زوجتي الحبيبة تحتاج إلى إجراء عملية جراحية خطيرة في الأيام القادمة، بينما زوجها في المعتقل وأبناؤها في الامتحانات.
ولا أخفيكم سرا أنني كدت أصاب بحالة من الإحباط والاكتئاب واليأس من منظومة اللاعدالة التي أواجهها، ولكني أتمثل مقولة المفكر والفيلسوف الايطالي أنطونيوجرامشي (تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة). ولذا، لم يبقى أمامي من سبيل لأخذ حريتي إلا أساليب الدعاء والمقهورين وأهمها الإضراب عن الطعام لعله يفتح طريقا يساعدني على الخروج من قاع هذا الثقب اللعين.