احمد سعد دومه سعد (احمد دومه) – بين الطبيب والسجان

اسم السجين (اسم الشهرة) : احمد سعد دومه سعد (احمد دومه)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 4/2/2014

السن وقت الاحتجاز: 26 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: صحفي وشاعر

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون طرة

بين الطبيب والسجان

(1)

أنهى الطبيب فحصى – فى مستشفى السجن- واطلع على تاريخى المرضى، ثم بدأ فى كتابة الروشتة ووضع النظام الغذائى الذى يتلاءم مع أمراض جهازى الهضمى التى وصلت لأقصى مدى.. طلب منى الامتناع عن أكل وشرب كل شىء أعرفه وأحبه تقريباً و«بالطبع الامتناع فوراً» عن التدخين والشاى – العادتين السيئتين اللتين أحبهما هما أيضاً.

لا تعرف قيمة الأشياء فى حياتك – خاصة التى تحبها- إلا بعد فقدانها!!

(2)

أنهى رئيس النيابة تحقيقه بالسؤال الأشهر: «هل لديك أقوال أخرى؟» فأجبت آلياً بـ «لا».. ثم بدأ فى كتابة قراره الذى كانت أهم تبعاته الامتناع عن العمل والحركة والسفر «الفسحة» والتظاهر وحتى متابعة الأفلام والبرامج التى أحبها، منعنى من رؤية نورهان إلا مرة كل 15 يوما، أمى وأبى وإخوتى وأصدقائى القليلين أغلبهم لم أره منذ ثلاثة شهور، أصبح اشتياقى للأشياء التافهة موجعا للغاية.. أن تدخن سيجارة فى شرفة منزلك.. تتمشى ليلاً فى شوارع وسط البلد، تجلس مع رفاقك على القهوة، تأكل الآيس كريم المفضل وأنت تقرأ، تقف بجوار صديق يحتاجك.. وأن تتلقى العزاء – حتى – فى صديق مات!!

لا تعرف قيمة الأشياء فى حياتك – خاصة التى تحبها- وإن بدت تافهة إلا بعد فقدانها!!

(3)

أنهينا اجتماعنا فى فبراير 2013 بعد أن ناقشنا سيناريوهات الخروج على الإخوان وإسقاط مرسى، وتحاورنا حول حتمية الوصول لـ«السلطة العسكرية» – التى لم تتركنا أصلاً – رغماً عن إراداتنا، وطرحنا أسئلة من عينة: كيف سنتعامل معهم؟، تباينت الآراء واختلفت، لكن المحصلة أننا كنا نعرف– منذ أكثر من عام- أننا «لابسين» العسكر، وأننا – الثورة- لا نمتلك من أوراق اللعبة ما يمكننا من تغيير هذا القدر «الكارثة» أو فرض شروطنا أو حتى انتزاع مكتسبات تحقق ولو نصراً جزئياً.

(4)

بالمناسبة أشعلت– الآن- سيجارة، لأننى لم أعتد الكتابة بعد بغير تدخين، فليسامحنى الطبيب ونورهان.

(5)

ألم أكن أعرف قبل أكثر من أربع سنين أن «الأكل فى الشارع» بغير مواعيد والتدخين والشاى والضغط النفسى وغيره نتيجته ما أنا عليه الآن؟ بلى أخبرنى الطبيب وقتها، لكننى اخترت عدم الانصياع، ليس عنادا بقدر ماهو قرار المجبر، فالاختيار لم يكن بين الصحة والمرض، بل كان بين أن تفعل ما تحب ويتألم صدرك، أو تمنع عنه وتتألم روحك. ألم أكن أعرف – أيضاً- من المرة الأولى التى نزلت فيها للتظاهر منذ أكثر من تسع سنين أنى سأعود مصاباً أو مهانا أو معتقلاً.. أو حتى لا أعود أصلاً؟! بلى كنت أعرف لكن الاختيار لم يكن بين الراحة والشقاء، إنما كان بين راحة شكلية وحرية ظاهرية ترزح فيها روحك تحت أغلال القهر أو الصمت و–أحياناً- النطاعة، بين أن تفعل ما تؤمن به وتقول ما تعتقده لتكون حراً بحق ولو سجن جسدك، وسليماً بحق ولو تعددت إصاباتك، وعزيزاً بحق مهما تعرضت للضرب والشتم والضرب والإهانة!!

(6)

«إن آلام المعدة تأتيك مم تأكله.. بل مِمَّ يأكلك.. »

(7)

الاختيار نفسه لم يكن أبداً بين سلطة «مدنية منتخبة» وأخرى «عسكرية» مش منتخبة، لم يكن بين استمرار قمع والثورة عليه، إنما كان بين من يقتلك لأنك كافر ومن يقتلك لأنك إرهابى.. كان لابد أن تتخلص من الخطر الآنى الذى تشكله الأولى.. لكنك لم تكن فى وضع الاختيار، كل ماكان بيدك هو إدراك أن المعركة/المواجهة مع الثانية قادمة لا محالة!!

(8)

لست أنا صاحب الاختيار السيئ – فى الحالات الثلاث- لأننى لست من وضعها، إنما هكذا فرضت علينا – كبشر وكجيل – اختيارات بين سيئين وقبيحين.. وقاتلين، ومحاولاتنا الدائمة لخلق خيار ثالث كانت هى الملاذ.. حتى وإن فشلنا فيه!!

(9)

ألا تظنون أننى سأكون سعيداً جداً عندما أحافظ على صحتى.. بغير حرمانى من الاستمتاع بالحياة؟!

(10)

كم أشتاق لـ «ساندويتش فول» مع «باذنجان مخلل» على «عربية الفول» اللى فى شارعنا أثناء ذهابى للعمل فى الصباح لكنها «أوامر الطبيب» والسجان!!

ناشط سياسى وشاعر وعضو اتحاد كتاب مصر