احمد طارق ابراهيم (ارنوب) – منذ مئات الأيام 

اسم السجين (اسم الشهرة) : احمد طارق ابراهيم (ارنوب)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 2/11/2019

السن وقت الاحتجاز: غير معلوم

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: مونتير

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون طرة

منذ مئات الأيام 

“منذ مئات الأيام و لأسباب لا يمكنني فهمها جردني أحدهم من كل شئ، وإقتادني إلى قمة جبل ثم دفعني من الحافة وتركني اسقط، عام كامل أسفط لا أرتطم بالأرض ولا يتم إنقاذي، هكذا هو الحبس الإحتياطى، تبقي معلقاً في الهواء، في الإنتظاء، وفي السقوط، عاجز عن إضافة أو تغيير أي شئ، يحيطني الخوف من كل جانب، يقبلني علي كل الوجوه، يهزمي بقسوة ويفرغ ما في روحي دون أي قدرة مني علي حركة.
عام كامل في السجن عرفت فيه النوم علي الأرض وفي ديمومة الظلام، عرفت الوحدة التامة و الغربة الموحشة، أدركت النفي داخل الوطن و التعفن مللاً، والجنون.
عام كامل عشته متقلباً بين أمل كاذب ويأس صادق، مُتعب في الحالتين.
تحولت الحياة لشئ آخر تماماً غير تلك التي كانت تٌثيرني، ما كام يرهقني في الحرية أريده وأرجوه الآن، بعد أن عشت حياة متحركة أو شبه، أصبحت ثابتة محددة في زنزانة سخيفة ضيقة، لا أخرج منها سوى ساعتين في اليوم كى أري السماء، عدا الأجازات الرسمية نظل قابعين في الزنزانة، كى نرتاح من عناء الحصول علي فتات فتات الحرية، ومع هذا لا أرى السماء بوضوح، فالحديد يحيط كل شئ مكوناً قفصاً حديدياً قبيحاً، ليصبح كل شئ سجيناً، ليصبح كل شئ مقيداً… حتى السماء!
عصفت بى التجربة ولم أدرِ أنها جعلتني وحيداً إلى هذا الحد، وقع خطواتي رغم ثقله ورغم إحتكاك قدمي بقوة في الأرض أصبح غير مسموع ولا صوت له، هل أصيحت منسياً؟ أشبه بظل؟ دون وزن وميت سلفاً؟ صرت ألهث خوفاً وقلقاً وإشفاقاً كوني شبه إنسان، ففى بدايات إختفائى منعوني من الرؤية و من الحركة، أعطوني رقماً وأخبروني أنَ لا إسم لى وأنني منذ الآن (58) ولا شي أخر، شعرت أنني أُغتِيلتْ إنسانيتي و هَوَيتُ من حالتي، حاولت الحركة ليلاحظوا انني بشرى مثلهم لكن لم يلحظْ أحد، أردت الصراخ ((هااااى… هل تروني؟ أنا أتحرك، ما زلت إنسان)) لكن تبدد الصراخ في التيه وبللت مدامعي الغمامة.
تحفَّظوا علىّ، قالوا أنهم يحققون في أمري وسأخرج سريعاً، والآن مر عام ولا أعلم كم عام سيمر ليُبت في أمري، عام آخر؟ أكثر؟ أقل؟ من يمكنني سؤاله؟ من يمكنني إخباره أن الآمر لم يكن ليحتمل كل هذا وأنه قد بالغ في عقوبتي واننى رغم كل شئ لست مداناً، لست أى شئ علي الإطلاق يجعلني سجين، وكيف أُتهم بالنشر، ولم ينشر شئ بالأساس لا مني ولا من غيري، فإلى متى سأظل عالق هنا ألعق كل هذه الجراح؟ أين أجد قوتى عندما أضعف؟ وأين أجد عزائى عندما يعز العزاء؟ من يمكنه البت في أمرى؟ أو قادر على إنهاء هذا البؤس؟ فأنا لا أنتمى لهذا المكان.
ربما يستطيع غيري أن يفعل لكننى عاجز عن وصف السجن، والكلمات أضعف من أن تشرح وتصف عالماً متكاملاً من الأحزان و الخفقات و الصبر و الدموع و العذاب ومطارق الزمن و الموت في الحصار وإمتهان الإنسان وإجباره على أن يكون غير ما يريده لنفسه، فلا سبيل سوى الضحك بهستيرية عندما يُطلب مني التفاؤل و السخرية من كل شئ ثمناً للحظات قهقهة لا معني لها والتى غالباً ما تنفجر بالبؤس.
لم يتبقي من الحياة سوى ذكريات باهتة فأصبحت أتخفف منها حتى أحمي نفسي من الإنتحار والكآبة المفرطة، حيث أن العبث فى الجراح مؤلماً، فصرت أتكيف وأرتدى ثوب التماهى و أبتسم فى وجه السجن والمأساة، خاوياً من الذكرى، صابراً على حصار الزمن والألام، فـ”الصبر مفتاح الفرج” وهو كذلك للمساكين و فاقدي الحيلة و مكسوري الجناح والسجينات والسجناء وهو وسيلتى الوحيدة، ودفاعي الأخير للحد من تسرب الحياة ومقاومة السجن.
فمتى ينتهى كل هذا؟”