احمد ماهر ابراهيم الطنطاوي (احمد ماهر) – رابع عيد ميلاد، كل سنة وأنا طيب

اسم السجين (اسم الشهرة) : احمد ماهر ابراهيم الطنطاوي (احمد ماهر)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 12/11/2016

السن وقت الاحتجاز: 35 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: مهندس – مؤسس حركة 6 أبريل

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون طرة

رابع عيد ميلاد، كل سنة وأنا طيب

حاجة مش لطيفة خالص إنك تلاقي بقى عندك 36 سنة، فجأة! والأسخف إن ييجي اليوم ده جوا السجن ومفيش حد يقولك شد حيلك، ولا حتى كل سنه وانت طيب، ولا أى حد يهتم أساسا، لأنك في السجن، حيث الصمت والهدوء التام ومرور الوقت في اللاشئ، والذل وقلة القيمه والحياة المهينة والتنطيط من اللي يسوي واللي ما يسواش. بس تمام، 36سنة، مرحلة جديدة بقى، والواحد يبدأ يعيش حياته بقى وينطلق، المشكله بس في أمراض الشيخوخة اللي بدأت بدري شويتين، الكوليسترول مع قلة الحركة على شويه خشونة مفاصل، والروماتويد، الضيف الجديد اللي بدأ يزحف ببطء على شويه آلام غريبة محدش عارف سببها.
رابع عيد ميلاد ليا جوا السجن، كان المفروض يكون عيد الميلاد ده بره السجن، كده بقالي3 سنين وزيادة، خلصت ال3 سنين بتوع مخالفة قانون التظاهر، لسه الشهر الزيادة بتاع إهانة ظابط شرطة من حرس المحكمة مع اني لا شوفته ولا أعرف هو مين أساسا، بس تمام برضة، الحمد لله على كل شئ، بدأ العد التنازلي، أو هكذا هو المفترض لو محدش حب يكمل انتقام.
3 سنين وزيادة، 36 شهر، أكثر من1195 يوم عدوا في اللاشئ وبدون أي حاجه مفيدة، خلصت ال4 سنين وشغالين في الشهر الزيادة وبعدها نبدأ في باقي العقوبة وهي الإفراج مع قضاء ال3 سنين تحت المراقبة زي أي نشال أو تاجر مخدرات، واسمع ان المراقبة أحيانا بتكون أكثر إذلال ومهانة وتقييد للحرية أكثر من السجن نفسه.
كنت قرأت مره إن للسجن صدمتين ، صدمة يوم دخول السجن وصدمة أكبر يوم الخروج منه، في صدمه الدخول بيكون فيه انتقال مفاجئ من عالم بتعيش فيه حياتك الطبيعية وتتحرك براحتك وتعمل اللي انت عايزه أو معظم أو بعض اللي انت عايزه باعتبار قيود المجتمع إلى عالم السجن اللي له قواعد مختلفة ولغة مختلفة وبتكون فيه مجبر على كل شئ وبتشوف فيه كتير من الذل وقلة القيمه، دا حتى في الدول المتقدمة التي يوجد بها قيمة للإنسان وبيتم إحترام حقوقه بيتم السماح للسجين إللي قضوا فترة طويلة من السجن أنهم يخرجوا بره السجن في آخر سنة، وكل شهر بحيث يشوف الدنيا إللى اتغيرت ويبدأ يتعامل مع الناس تاني بشكل متدرج ويقلل من آثار صدمه الإفراج، فرق كبير بين دول عندها الهدف الرئيسي للقانون هو التنظيم وعندها تدرج في العقوبة وبيكون الهدف من السجن هو التأهيل والإصلاح فعلاً، ودول تانيه بيكون الهدف من القوانين هو تستيف الورق وإبراء الذمة والهدف من السجن والعقوبة هو الانتقام والتشفي فقط.
مره زمان كنت سمعت من علاء إن استاذ أحمد سيف كان قال إن كلما طالت فترة الحبس بيحصل تغير شديد عميق داخل الإنسان، وبتسيب علامات وجروح كتير جواه، هو نفسه مش بيحس بيها، ولما بيخرج بيتبقي جزء منه جوا السجن. يمكن الـ3 سنين مش كتير مقارنة بأحكام أخرى، لكن الـ3 سنين برضة ليها آثار سلبية كتير، خصوصا لو كان حبس مشدد و إنفرادي وخصوصاً لو كان”متخطر” زيي كده، وكلمة “متخطر” دى يعني مسجون خطير جداً ولازم مراقبته الشديدة طول الوقت وحساب تحركاته وعد أنفاسه، مش عارف كانوا مخطرينني بأمارة إيه؟! أحيانا لما بفتكر اني خلصت الـ3 سنين وخلاص فاضل الشهر الزيادة ودخلنا في العد التنازلي بقعد مستغرب، وأسأل نفسي هو اللي حصل ده بجد!، وهل ممكن فعلا ييجي يوم من الأيام امشي لمسافة طويلة كده أكثر من خمسة متر مثلاً واشوف ناس كتير وكده، وأركب ميكروباص بقى وأقعد اتخانق مع السواق على الأجرة أو اركب تاكسي ابيض وأقول شغل العداد لو سمحت أو نزلني هنا، والحر والزحمة والناس اللي بتتخانق مع بعض من غير سبب، أو المطر و الزحمة برضوا والناس اللي بتزعق من غير سبب، معقول ده ممكن يحصل تاني؟ احساس عجيب بصراحه.
لو خرجت بإذن الله نفسي اخد أجازه طويييلة من كل حاجه في الدنيا، حاسس انى تعبت قوي وعجزت بسرعه، ونفسي اخد كام سنة أستريح فيهم كده لا اشوف حد ولا أكلم حد ولا ليا دعوة بحاجه أساسا، ولا عايز دوشة ولا إعلام ولا أسئلة ولا هري ولا وجع دماغ، فعلاً محتاج فترة طويلة من الراحة بعد سنين طويلة من التعب والبهدلة، من ضمنها فترة السجن.
الواحد عاش 3 سنين كاملة بدون اختراعات حديثة، ولا تليفون ولا فيسبوك ولا تويتر ولا برامج توك شو، وعادي لسه عايش وزى الفل، بفتكر قبل السجن لما كان الواحد طول الوقت بيعمل حاجة على النت ولازم معاه تابلت أو تليفون حتى في الحمام، كان لازم تويتر كل 5 دقائق، أول ما اتحبست كنت فاكر اني مش هقدر أعيش من غير تكنولوجيا و من غير انترنت، ولكن الحقيقة إن محدش بيموت لو مفيش انترنت، بالعكس، دا الحياة أحلى كتير من غير فيسبوك و تويتر وأحلى كتير من غير الأخبار و الهري وحرقة الدم.
يا سلام لو الواحد لما يخرج يقعد كده في مكان بعيد عن أي شبكات أو وسائل اتصال، أكيد مش زي السجن والذل، ولكن مكان بعيد أقعد فيه بمزاجي ومع الأهل والناس إلى بحبهم، وأشوف اللي احب اشوفه وما اشوفش اللي مش عايز اشوفهم.
فيه ناس كتير مش عايز اشوفهم بصراحة لما أخرج، ورغم أني أصبحت أكثر تسامحاً وقبول للجميع حتى خصومي وأعدائى وبحاول ألتمس أعذار للجميع، ورغم أني راجعت كتير من المواقف اللي لقيت اني كنت فيها متشدد في غير موضعه، ورغم أني عايز أفتح صفحة جديدة مع الدنيا ومع الجميع لكن برضه فيه ناس لسه مش عارفه اتقبلهم، يمكن علشان لسه ما اعتذروش على اللي عملوه فيا، أو الناس اللي ظلموني بقصد أو بدون قصد، أو اللي أطلقوا عليا أحكام ظالمة وهم عارفين أنها ظالمه أو لمجرد السماع من مصادر ليها خصومه معايا، أو اللي قالوا أحسن أنه اتحبس، أو اللي دافعوا عن قانون التظاهر، أو اللي قالوا عنى كلام مالوش أساس من الصحة وهم عارفين ومتأكدين أنه كله كذب ومش حقيقى، أو من لم يتحرى الصدق والدقة، أو اللي ساهم في الظلم والتشويه بقصد أو بدون قصد أو اللي تسرع في نقل كلام مش حقيقي عن تعمد أو بدون قصد، يكفيني اعتذار بسيط أو اعتراف ان كان فيه سوء فهم.
فيه ناس كتير برضه نفسي أشكرهم بنفسي واحد واحد، كل اللي تضامن واللي فكر يتضامن، وكل اللي ما خافش من حملات التشويه والتنكيل اللي بتطول أي حد يتعاطف معايا علنيا، وكل اللي ما قالش احنا مالنا بأحمد ماهر واحنا مالنا بـ6 أبريل، ونفسي اشكر كل إللى ساعد أهلي واسرتي ووقف جنبهم في الظروف الصعبة دي، وكذلك كل اللي فكر يساعد أو يهتم، ناس كتير بصراحه نفسي أشكرهم وأشيل جميلهم طول عمري، لأن السجن بيبين معادن الناس، وزى ما فيه ناس ما عندهومش أصل يتخلوا عنك في أول مشكلة أو يشمتوا فيك أو يزيطوا مع الزيطة ويركبوا الموجة هتلاقي كمان ناس عندهم أصل وبيقفوا مع المظلوم وبيدافعوا عن القضية والمبدأ مهما كان الاختلاف مع الشخص.
وإعادة التفكير وإعادة فرز الناس يعتبر من الفوائد القليلة للسجن، خصوصا ان حبستي كانت سخيفة ومملة وقليلة الفوائد، ساعات لما بقرأ المذكرات والروايات والقصص اللي كتبها الأجيال السابقة اللي اتحبسوا في عهد عبدالناصر أو السادات بحسدهم ان رغم أن السجون كانت أقل في الإمكانيات وأسوأ في النظافة لكن كانوا بيشوفوا بعض وبيتكلموا مع بعض وبيغنوا ويكتبوا كتب وروايات وشعر وقصص ويتناقشوا في قضايا فكرية وفلسفية ويثقفوا نفسهم أكتر، لكن أنا قعدت 3 سنين في الصمت التام، 3 سنين في اللاشئ، 3 سنين ضاعوا من العمر بدون أي فوائد حقيقية.
يمكن أول ما اتحبست وأول ما بدأت موجات الحبس بموجب قانون التظاهر ما كنتش متخيل ان الكابوس ده هايكون حقيقى، كنت طول الوقت بصبر نفسي وأقول اكيد العك ده هاينتهي قريب، اكيد في حد عاقل من جواهم هايقول لهم كفايه كده وطلعوا الشباب بقى وكفاية قرصة الودن دي بدل ما الفجوة والعداوة تزيد، للأسف اتحقق أسوأ الكوابيس، وما طلعتش لا في نص مدة ولا تلتين ولا عفو رئاسي وكملت الـ3 سنين كوامل ولسه شهر زيادة.
من الفوائد القليلة للسجن ان الواحد يبدأ ياخد باله من حاجات ماكنش بياخد باله منها في زحمة الدنيا لما السكينة بتكون سارقه الواحد زي ما بيقولوا، ماعرفش ايه علاقه السكينة بالسرقة بأي حاجه لكن معلش هم بيقولوها كده-
ساعات بسأل نفسي هو انا ليه ماكنتش بتصل بأمى كل يوم الصبح، لية كنت على طول مستعجل، وليه كنت بزور بابا وماما كل فين وفين وطول الوقت ورايا شغل، اديك اهو مش عارف تشوفهم غصب عنك، وأديك أهوه هاتتجنن وتطمئن على أمك بعد جلسات الكيماوي، دلوقتي مفيش وسائل اتصال ونفسك تسمع صوتهم، لكن زمان كنت فين وفين لما تفتكر. ومن فوائد السجن برضه اني أكتشف قد ايه مراتي قوية وجدعة واصيلة، زوجة وحبيبه وست بيت وأم مالهاش علاقه بالسياسة من قريب أو من بعيد لكن فجأة لقت جوزها واخد حكم بالسجن 3 سنين، وفجأة هجوم وتشويه وأكاذيب، وفجأة عالم تاني ومحاكم ومحاميين، وفجأة المشاكل زادت وفجأة تهديدات ومضايقات ليها وللأهل وللأولاد، وفجأة ناس يتقال عليهم المواطنين الشرفاء بيشتموا في الشارع ويزعقوا بشكل هستيري ظناً منهم أن ده هايرضي الباشا الكبير، ورغم كده شجاعة وقوية وصبورة.
وبرضه في السجن من الصعب سماع الموسيقى اللي بحبها، خصوصا في أيام التكدير ومنع الراديو، ومع وجود الراديو ببقى نفسي أكون بره السجن علشان أحضر حفلات ناس بيقدموا موسيقى جميله زي كايروكي ودينا الوديدي وسعاد ماسى، كل سنه لما بسمع عن Cairo jazz festival بسأل نفسي هو انا ليه ماكنتش بحضر مهرجان الجاز كل سنه ولية كان دائما ما فيش وقت.
في السجن كبرت فجأة زي عبدالباسط حموده ، أولادي كمان كبروا فجأة وأنا في السجن، ميرال بقى عندها 9 سنين ونضال داخل على 6 سنين، فجأة اكتشفت أني ماكنش بقعد معاهم كتير، الصبح مهندس وشغل في المواقع والصحرا، وبعد الشغل يا اما في اجتماع أو مؤتمر أو مظاهرة أو ندوة أو تجهيز لحاجة، ماكنتش بقعد معاهم، اكتشفت أني ماكنش فيه وقت نخرج ونتفسح، واكتشفت اني تقريبا ماروحتش مصيف من أيام ماكنت صغير، من زماااان، وكمان عمري ما روحت الساحل ولا شرم الشيخ، حتى المره الوحيدة إلى روحت فيها الغردقة كانت شغل وكانت في محطة معالجة صرف صحي في وسط الجبل وكمان في رمضان، بس سمعت كمان إن مارينا وشرم الشيخ أصبحوا مصايف شعبية، فأعتقد إن بقى ممكن أفسح الأولاد هناك.
بس الأول طبعا لازم أدور على شغل، ولو لاقيت شغل مناسب لسه عايز اقعد افتكر الأول لأني بقالي أكثر من3 سنين بعيد عن الهندسة، دا يمكن من 4 سنين كمان، والمهندس الشهير صاحب الشغل اللي كنت شغال في مكتبة قبل الحبس طلع مش تمام وبدل ما يصرف مكافأة نهاية الخدمة أو اخر شهرين اشتغلتهم عنده لقيته كل يوم بيشتمني في التليفزيون والراديو والجرايد وانا محبوس، راجل ذوق بصراحه، كتر خيره الأصيل.
وبرضه الشغل هينفع ازاي مع الـ3 سنين المراقبة، دا أنا لازم أروح كل يوم القسم واحتمال أبات زي أي نشال أو حرامي غسيل، ولازم يعرفوا كل التحركات بالمواعيد وبعمل ايه فى حياتى كل يوم، واحتمال يجولي الشغل أي وقت زي أي واحد سوابق، القانون بيسمح لهم بكده للأسف، يالا، واضح انها هتبقي أيام جميله… كل سنه وانا طيب.