ايمن علي ابراهيم موسي (ايمن علي) – العقبية//حفل إستقبال

ايمن علي ابراهيم موسي (ايمن علي) – العقبية//حفل إستقبال

اسم السجين (اسم الشهرة) : ايمن علي ابراهيم موسي (ايمن علي)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 4/2/2017

السن وقت الاحتجاز: 21 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: طالب بكلية الهندسة بالجامعة البريطانية بالقاهرة

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون طرة

العقبية//حفل إستقبال

أين الإنسان؟!
فقده منذ دخولي هنا..
أستمع لما حولي باحثاً عنه..أفقده أكثر و أكثر!
أفقده في قصة تحكى إليّ من شاب بلغ الثامنة عشر عاما منذ بضع شهور..فتم ترحيله من مؤسسة العقبية إلى هنا..إلى السجن العمومي كي يكمل ‘عقوبته’.
كان طفلاً عندما تم القبض عليه..كان طفلا قبل أن يقتل فيه شيء..قبل أن يقتل الإنسان بداخله!!
“أول كلمة كلمة قرأتها على باب العقبية كانت ((سيب كرامتك هنا))”..قلل لي هذا الشاب، ثم أكمل “ساعتها توقعت أسوأ الإحتمالات إللي ممكن تحصل..عارف؟! ياريت كان حصل إللي توقعته..للأسف حصل أسوأ بكتير قوي!”
كادت روحي أن تصرخ في وجهه..
أستمعت إليه و أنا أتألم..إستمعت إليه حتى إستنفذت طاقتي..تركته و ذهبت إلى مكان نومي في ركن الزنزانة على الأرض..تركته و لكنه لم يتركني! ظل صوته في عقلي و كأني مسست بجان!
أسمع صوته يقول “أول لما دخلت أنت عارف طبعاً الدخلة، ضرب و إهانة..بعد كده وقفوني و قالوا لي إخلع، فقلعت و وقفت بالبكسر..لقيتهم نزلوا عليا ضرب و هما بيقولوا لي إخلع كل حاجة..فقلعت..” ثم نظر بعيداً و أكمل “و قلعت كل حاجة..زي يوم ما إتولدت..و وقفت قدام المخبرين و مساجين من غير حاجة خالص..و إنت عارف إيه اللي بيطلب بعد كده”..
كنت أعلم ماذا يطلب في هذه الحالة..يطلب من المسجون-الإراء كما يطلق على السجينات والسجناء الجدد- أن يتبرز أمام المخبرين كي يطمئنوا أن بطنه خالية من الممنوعات كما يدعون..
أعلم أن هناك مساجين من من يأتون في قضاية جنائية، يدخلون المخدرات في هذه المنطقة داخل فتحة الشرج..لكن ألا يمكن حفظ كرامة الإنسان؟ ألا يمكن إستخدام إشاعة لنفس الغرض؟! ألا يمكن تربية من يفعلون هذه الفعلة بطريقة إنسانية؟! ألا يمكن منحهم الإنسانية بدل من سلبها منهم؟!
“سيب كرامتك هنا” تتردد في أذنيّ..
أعتصر عينيّ بقوة كي تتوقف هذه الأصوات..لكنها تعلوا أكثر و أكثر! أسمعه يكمل..”أول ما دخلت العنبر، لقيت حفلة إستقبال تانية..المرة دي من قيادات العنبر..إللي هما مساجين زيهم زيك بس بقالهم كتير في المؤسسة فأخدوا و ضعهم..نزلوا عليا ضرب و إهانة تاني..بس المرة دي مفيش قلع.”
آراه في مخيلتي و هو يضحك ضحكة سخرية..
أتقبل على الفرشة و أنا أحاول طرده من عقلي..لا أستطيع!
يكمل صوته ” هناك لك قعدة معينة لازم تقعدها طول الوقت..لازم تقعد كده”..
ثم أراني هذه الجلسة العجيبة، جلس متربعاً و وضع سبابتيه على ركبتيه و نظر إلى السقف أو إلى الحائط ورائه، كان ظهره متقوس بمبالغة..قلت لنفسي و هو يريني هذا الوضع “هما بيعلموهم العته؟ و لا بيعلموهم الإنضبات؟!!” أكمل شرحا ” لازم راسك تلمس ظهرك..و لو لمح فرق بينهم يضربك بركبته في ظهرك علشان يلمسوا بعض..المشكلة أنه بيضرب بغل، و بتحسه مستمتع و هو بيعمل كده، كأنه بيقبض مرتب..مع إنه مسجون زيه زيك! و في يوم من الأيام كان مكانك! بس بيقول لنفسه’إظلم علشان ماتتظلمش’ أو ‘لو ماعملتش كده هايتعمل فيك كده’ و مبررات ملهاش لزمة”..
أين الإنسان، أصرخ بداخلي..أين الإنسانية؟!!
“عارف بيصحيك إزاي؟ بيجي يشد من عليك الغطا إللي إنت متغطي بيه، هناك صيف شتا لازم تتغطا، فانت تقوم مفزوع يروح رامي الغطا في وشك.”
ظلت مقاطع من ما قال لي تتردد في أذنيّ..”يعني مثلاً الحمام هناك من غير ستارة..القيادة بس هما اللي مسموح لهم يقفلوا الستارة على نفسهم..لكن الباقي ممنوع!”
“في حاجات مش هاقدر أحكيها..أنا بتخنق من السيرة دي أصلاً.”
إلى ما يصنعون هؤلاء الأطفال؟! إلى ماذا يتحولون؟! أسئلة كثيرة تدور في ذهني لا إجابة لها!
((السجن إصلاح و تهذيب)) هذا ما تعلمناه..لكن الواقع يقول عكس ذلك..
الواقع يقول أن من يدخل السجن مجرماً يزداد إجراماً..و من يدخله خطء يتحول وحشاً!!
أحاول النوم كي يتوقف عقلي عن التفكير..كالعادة لا أستطيع..أحاول طرد هذه الأشباح لكنها لا تتركني..أحاول العيش معها لكني لا أستطيع!