ايمن علي ابراهيم موسي (ايمن علي) – بسم الله الناس تلون الأيام بالأعياد والإجازات وسائر المناسبات

اسم السجين (اسم الشهرة) : ايمن علي ابراهيم موسي (ايمن علي)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 6/25/2016

السن وقت الاحتجاز: 21 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: طالب بكلية الهندسة بالجامعة البريطانية بالقاهرة

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون/تأهيل وادي النطرون

بسم الله الناس تلون الأيام بالأعياد والإجازات وسائر المناسبات

بسم الله الناس تلون الأيام بالأعياد والإجازات وسائر المناسبات، وأيام السجن لها لونٌ واحدٌ قاتمٌ، لا يأتيه عيد. ” من رواية جوانتنامو.
بينما أجلس في الزنزانة عند قرابة يوم ميلادي، كنت أفكر فيك. نعم أفكر فيك وأنت تجلس وراء هذه الشاشة تقرأ هذه الكلمات، وأنت لا تعرف عني شيء إلا هذا الصيت الكاذب، الذي لا أظن أن له عندك حقيقة تعرف بها صدقه.
هل أنت ممن يلومني؟ : ” خربتوا البلد ” ” ما هو إللي عمل كده في نفسه ” ” أهو بهدل أهله معاه “.
أم ممن يشفقون عليّ؟ : ” يا حرام مستقبله ضاع ” ” سنتين ؟! حرام !! “.ثم خطر ببالي فجأة من حيث لا أدري، أيامٌ مضت.تذكرت يوم 24 يناير، كان موعد سفري إلى ولاية جورجيا بأمريكا، كنت أبلغ من العمر 17 عاما حين ذاك.استغرقت الطائرة 12 ساعة حتى وصلنا إلى مطار أتلانتا بجورجيا. كان المطار أشبه بالمتحف، حيث ترى تمثالا، أو لوحة فنية كلما سرت قليلا.سرنا حتى وصلنا إلى العربة التي تشبه تليفريك يسير على قضبان والمخصصة للتنقل داخل المطار، أخي الأكبر كان يتحدث مع كل الناس هناك، فهو إجتماعي بطبعه.وصلنا إلى باب المطار ونحن نسحب حقائبنا، وجاء لنا سائق تاكسي يبدو عليه ملامح عربية، وسألنا بالإنجليزية إن كنا نريد أن يوصلنا، وافقنا وأعطيناه العنوان.لم يكن عربياً، لا أذكر إن كان إيرانياً أم أفغانياً، ظل يتحدث مع أبي حتى علم أننا مصريين، فقال هناك دعوات لثورة اليوم، لم أبدي إهتماماً، لم أكن أهتم بالسياسة.دخلنا الفندق ورتبنا أشياءنا، ثم أخذت ” اللاب توب ” ودخلت على ” الإنترنت ” لأطمئن على أصدقائي ولأطمئنهم عليّ. رأيت بعض الدعوات للنزول اليوم، لم أبدي لها إهتماماً. أنهيت المحادثة مع أصدقائي، ثم دخلت إلى غرفة النوم، وألقيت بنفسي على السرير، ونمت.نمت، آمناً في سريري، على مرتبة مريحة، هادئ البال، في غرفة دافئة.عندما استيقظت من النوم رأيت على شبكات التواصل الإجتماعي صور لميدان التحرير، شباب ينامون على الرصيف، يلتفون بالبطاطين من البرد القارص، ينتظرون الهجمات في أي لحظة.رأيت بعض الإصابات التى كانت تزداد بشاعة يوماً بعد يوم، ويزداد معها غضبي.كانت أحداث مصر في كل مكان، في التلفاز يكتبون في الركن Cairo in Crisis،و شبكات التواصل الإجتماعي ما بين فيديو وصور وأحداث، لم أرَ كل هذا الدم من قبل، وقلبي ينقبض وجلدي يقشعر، وأغضب.واحتلت الصور الشنيعة ذهني، وأغضب أكثر. المصابين … وأهالي القتلى … وأسأل نفسي هل يريدون شفقتي ؟ هذه الشفقة الزائفة التى لا طائل من ورائها ؟ لا أدري … بل أدري، لكن ما باليد حيلة.ظللت هكذا حتى جاء اليوم الذي زرنا فيه مبني الـ CNN مثل أي سائح يزور أتلانتا، وإذ بالصدفة نرى مجموعة من المصريين والعرب تحوطهم الشرطة الأمريكية لحمايتهم وهم يتظاهرون. هرولت ناحيتهم وأنا سعيد والإبتسامة تحتل وجهي، وتحدثت مع بعضهم، وهتفت معهم بالإنجليزية والعربية. لم أرَ غضب على وجه رجال الشرطة هناك. سخرت من حالي، ما هذه الوقفة وأصحابي يقتلون في بلدي؟ “مظاهرة سيس” قلت في نفسي. لكن هذا كل ما في وسعي.مضت الأيام، وتنحى مبارك، ونجحت الثورة. كان الأمريكان يعاملوني كأني بطل روماني انتصر على الأسد في الحلبة بعد معركة دامية، عندما أذكر فقط أني مصري.ذهلت من هذا الإحترام المبالغ فيه، في المقهى في أورلاندو يدور هذا الحديث، ما ترجمته : ” أيمن ؟! ما هذا الإسم ؟ هل أنت من أصل برازيلي ؟ “يقول العامل وهو ينادي إسمي المكتوب على الكوب الكرتون. أرد ضاحكا : “لا، أنا مصري” ” يا إلهي !! مبروك. رجال شجعان في بلدك هناك ” أبتسم وأنا آخذ الكوب وأترك المقهى.في منهاتن نيويورك، في محطة مترو الأنفاق، تأتي شابة وهي تنظر لأخي مبتسمة، وتسأله “هل أنت في جامعة …. ؟” – لا أذكر الإسم -. يرد أخي بابتسامة ” لا، نحن مصريين” لن أذكر ما حدث بعد ذلك، لكن يمكن ذكر ما قيل فقط أو بعض منه ” يا إلهي !! أنا لا أصدق ! احكوا لي عما حدث.”أكلم صديقي الذي يعيش في نيفادا منذ بضع شهور، ليكمل دراسته في أمريكا. كنا نتحدث يوميا ونحكي عما يحدث لنا ونتذكر الذكريات القريبة معا، فمنذ بضع شهور قبل سفري وسفره إلى أمريكا، كان هو أحد من نظموا لي حفل ميلادي الـ 17. 25/10/2010 يوم لا يُنسى، حيث تجمع كثير من أصدقائي في قاعة أرابيلا بالتجمع الخامس.نضحك سويا حين نتذكر بعض ما حدث، وأنهى معه المكالمة بالإتفاق على إقامة حفل ميلادي الـ 21 عندها في نيفادا خاصة في لاس فيجاس.وجاء يوم ميلادي الـ 21 وأنا محاط بحوائط، وأنظر أمامي للباب الحديدي وأقول لحسن ساخراً ” لما أخدت فيزة أمريكا كنت ناوي أتم الـ 21 في لاس فيجاس”.يضحك ويهون عليّ بتذكيري بالعام الماضي، عندما كنا في سجن المرج العمومي وقام الشباب بيوم لن أنساه طيلة حياتي. قام عبد الرحمن الجندي بالـ Beat Box وغنى محمود سعد ومحمد سعيد أغنية من تأليفهم، مطلعها:التهمة حيازة عقل … وكمامة وتشيرتينحقق لفق في قضية … واسجن فيها ملايينلو فاكرين ده الحل … يبقي انتوا أكيد مجانينوابراهيم حلاوة وهو يغني بصوته الجميل ” أهاجر وأسيبك لمين “، وعز، وخالي، وحسن، وعلى، وكل من ساعد في تنظيم هذا اليوم. يغمزني حسن ويقول ساخراً مقولة إبراهيم حلاوة الشهيرة بعد هذا اليوم : ” أنا أصلا غنيت الأغنية دي لأيرلاندا، بلدي ” فهو في الأصل ولد في إيرلاندا وعاش هناك طيلة حياته، لكن أمه وأبيه مصريين.أرد على حسن قائلا ” كان نفسي جندي وعارف وباقي الشباب يبقوا هنا “. كم تدنت أحلامي !! ولم أجرؤ على أن أقول له أني أريد عائلتي وأصحابي بالخارج، فهذا محال.أسأل نفسي هل أفتقد ذلك العالم فعلا ؟ هل أفتقد هذه الحضارة المادية التى كنت غارقاً فيها، ويغرق الآن شباب كثيرون فيها ؟ هذه الحرية الظاهرية التي تسحر الشباب. فالكل محبوس، في زنزانته أو خارجها.أتعجب من تقلب الأيام وتداولها، وكيف أن فيها طمأنينة للمكروب، وإنذار لمن غرته الأماني. لكن من يعتبر ؟هذا حال الدنيا. كل يوم وأنت في شأن.استوقفني هذا الحديث القدسيّ الشريف، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: ” عبدي، خلقتك لعبادتي فلا تلعب، وقسمت لك رزقك فلا تتعب، إن كثر فلا تفرح، وإن قل فلا تحزن. إن رضيت بما قسمته لك أرحت بدنك وعقلك وكنت عندي محموداً، وإن لم ترض بما قسمته لك أتعبت بدنك وعقلك وكنت عندي مذموماً، وعزتي وجلالي لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحوش في الفلاة – الصحراء – ثم لايكون لك فيها إلا ما كتبته لك ” أو كما قال صلى الله عليه وسلم.كل عام وأنت بخير، كل عام وأنت إلى الله أقرب، كل عام، بل كل يوم وأنت في شأن.هذا حال الدنيا، ولا خير من خير بعده النار، ولا شر في شر بعده الجنة.والحمد لله على كل حال.