جلال عبد الفتاح البحيري (جلال البحيري) – أن تعلق صورة مهربة للقمر على حائطك

اسم السجين (اسم الشهرة) : جلال عبد الفتاح البحيري (جلال البحيري)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 11/10/2018

السن وقت الاحتجاز: 28 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: شاعر

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون طرة

أن تعلق صورة مهربة للقمر على حائطك

أن تعلق صورة مهربة للقمر على حائطك.. أن تخبئ خطابا لأمك في ثنايا ملابسك الداخلية.. أن يكون صديقك المفضل عبارة عن دمية قماشية رديئة الصنع.. أن تصير ابنا معاقا عاجزا لأبويك وحملا إضافيا حين يفترض أن تكون أنت من يعتني بهما.. أن تتحول لكائن أولي تنحصر إحتياجاته في النوم والطعام وقضاء الحاجة وكل ما عدا ذلك ليس إلا رفاهية زائدة عن الحاجة وعزيزة المنال.. هذا معنى أن تكون مسجونا.
أن تتوقف عن فعل الحياة.. أن تسجن من أن أجل أغنية أو من أجل تأويل خاطئ لعنوان كتابك الأخير.. أن يتم وصمك بأنك إرهابي، عدو لوطنك، لا تكن الإحترام للدين أو للإنتماء وأن تصنف بأنك شاذ خائن مقزز وخطر على الأمن القومي.. هذا هو معني أن تكون مختلفا وأن تكون شاعرا أو كاتبا غير مروض أو أليف ولاتجيد فعل الصمت أو فضيلة الحياد حين لا يكون الحياد إختيارا.
أصدقائي.. بعد مرور ثمانية أشهر من اللاحياة.. أكتب لكم بكل صدق وشغف من زنزانتي الحبيبة الصغيرة في سجن كبير داخل سجن أكبر.. لا أكتب لكي أشتكي إنتهاكا أو تعذيبا أو حتى حالة صحية متدهورة.. فأنا أحسن الناس حظا هنا لأنني لم أعان أيا من هذا أو ذاك.
إنما أكتب إليكم على سبيل البوح أو المشاركة.. أو ربما كانت كتابتي نابعة من احتياج ملح للتواصل الإنساني حينما فشلت دميتي القماشية – أو كادت- في استيعاب ما نمر به سويا من ليل طويل لا نهائي واحباطات مستمرة.. أنا لا أريد أن اكون دراميا فلست المسجون الأوحد أو المسجون الأول.. كل ما أريده هو أن انجح في التواصل مع شخص ما، إنسان ما، هناك، في الخارج حتى ولو كان تواصلا من طرف أحادي.
فعندما تجد أمامك ستة وثلاثين شهرا من السجن الغير مستحق والقهر الغير مستحق.. لن تجد أبدا ضيرا في صنع دمية قماشية لعينة تطلق عليها اسما ربما يكون ” سعيد” كما في حال دميتي وبالتأكيد ستبتهج حين تجول في خاطرك فكرة أن تكتب لشخص خارج هذا السجن البائس لتخبره أنك في حاجة إلى من يذكرك بالصلاة وبالدعاء.
فيا من تقرأ هذا الخطاب أيا كان جنسك أو موطنك أنا اسمي جلال البحيري وعمري 28 عام.. سجنت لأنني أكتب الشعر ووقفت أمام قضاة يختصون بمحاكمة الإرهابيين والقتلة واللصوص والمغتصبين وكذلك الكتاب والرسامين والمسرحيين ومن يفكرون في اغتيال بابا نويل أو سرقة صندوق باندورا أو مدمني الأمل والأفلام الكرتونية.. وفي منتصف هذا العبث أرسل إليكم قبلة مسروقة وأغنية وقحة وأدعوكم للرقص يوما في مكان ما بع متسع لكل الأفكار والمعتقدات وبالتأكيد .. بالتأكيد .. سأكون بصحبة دميتي القماشية.. تحياتي لكم .. وصديقي سعيد كذلك….
جلال البحيري
سجن القاهرة للمحبوسين احتياطيا ( طرة تحقيق)