شريف فرج ابراهيم حسن (شريف فرج) – المخدة

اسم السجين (اسم الشهرة) : شريف فرج ابراهيم حسن (شريف فرج)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 4/3/2014

السن وقت الاحتجاز: 31 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: عضو هيئة تدريس ومدرس مساعد بكلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية – عضو مؤسس في مبادرة “أنقذوا الإسكندرية”

مكان احتجاز المرسل : سجن الحضرة العمومي

المخدة

المخدة
3 ابريل 2014
لابد للتاريخ أن يتوقف اليوم سريعا عن الجريان – وأن تتوقف الأرض عن الدوران، وأن تنتبه أعينكم وقلوبكم لهذا التاريخ الهام فى حياتى هنا فى سجن الحضرة . ففى حوالى الساعة الثانية بعد ظهر اليوم أصبحت أملك مخدة من الفايبر بحجم تغوص فيه رأسى المثقلة بالأفكار والأحلام معا.
اعلم أن منكم الآن من يقرأ متعجبا ومندهشا وقد يكون أخد قراره بأن هذا يكفى ليعبر إلى صفحة أخرى أو حتى مستمتعا بأغنية للفنان العظيم عبد الباسط حموده – قوليلى ايه يا مرايتى أو لأغنية الوسادة الخالية تعبت منى يا غالية للفنان العظيم الذى لم تتشرف ذاكرتى بالاطلاع على اسمه.
لكن لمن وصل إلى هنا وما زال مصرا على الوصول للنهاية كأى عظيم فى هذه الدنيا يكافح حتى النهاية … أحكى لك قصتى مع المخدة.
لأنى انسان ساذج إلى حد بعيد ولم أتوقع يوما احتلال مدرعات الدولة ومعسكرات الأمن المركزى ومجنزرات الشرطة بيتنا الصغير المكون من غرفتين وصالة وكان يبدو أن هناك فى سماء بيتنا بعض طائرات الاستطلاع والمراقبة بدون طيار ولكن ظلمة ساعات قليلة قبل الفجر حالت بينى وبين رصدها ! المهم لأنى لم أخذ أى احتياطات لهذه الهجمة الشرسة فقد تجاوزت درجات بيتنا مع هذا الجيش العظيم مرتديا جاكيت ماركة GAP – أيوة بتاعة الشواذ الاسرائيلية الماسونية الملوخية المهلبية – إلى مديرية أمن الاسكندرية – بعد أن كان نزولى من بيتنا لمجرد نصف ساعة كما قال الظابط بتاع أمن الدولة – رمونا فى زنزانة 4 أيام كانت مخدتى فيها يدى المرتعشة من برد شهر نوفمبر.
فى يوم 28 من نفس الشهر – زى القضا المستعجل – حضر الظابط فى حوالى التاسعة صباحا – طبعا كنا نايمين – ليوقظنا على عربة الترحيلات – أذكر ان هذه اللحظات كانت يدى ملتصقة بوجهى التصاق الاجنة فى الارحام – وبعد معاناة من محاولات الفصل ستظن لوهله أن مخبرا عظيم الجثة قد منحنى سلام الوداع على وجهى فانطبعت أصابعه حافرة فى خدى مصبات لنهر أحمر.
لتبدأ المخدة فى سجن الحضرة رحلة أخرى .. فمن جميل حظنا أننا كنا نملك أغطية من الصوف قبل الترحيل من المديرية بيوم واحد كانت هذه الأشواك المدببة غطاء فى نصفها ومخدة فى نصفها الآخر لتبدأ أيامنا هنا بدرس
أنا الحياة .. أمنحك وانزع عنك – أرغبك وأراودك وأتمنع عنك – أنا الحياة الساحرة لما أريد والمهلكة لما أريد.
فمن مخدتى ومن سريرى إلى الأرض المصقلة بمادة الايبوكسى التى تزيد الأرض برودة وقساوة.
بمرور الأيام هنا وزيارة تلو زيارة أصبح لدينا بطاطين وملابس داخلية وصابونة وليفة كمان – فكرونى ابقى احكيلكم عن الزيارة – ذكرت الملابس الداخلية فقط لأنك فى غنى عن الملابس الخارجية .. أصلا السجن يعلمك دائما أن تتعمق فى الباطن وتترك الظاهر .. المهم انك بهذه الكماليات البسيطة تستطيع أن تكوّن مخدة أكثر لطفا وحنانا من ذى قبل .. رجل بنطلون أو فانلة محشوة بباقى الملابس جميلة وكافية . المهم أن تكون نظيفة وإلا فلتتحمل رائحة عرقك – أرجوك لا تتأفف – هذا بسيط ورائع لو قارنته بروائح الحمام – وعلى رأى اللمبى هيا الناس دى بتاكل ايه ؟!
استخدامك الدائم يوما بعد يوم للملابس يجعل مخدتك فى طريقها إلى النحافة من عوامل الزمن الذى يمر عليها سريعا وهنا تضطر لاستخدام فوطة مثلا أو تزيد من ثنى بطاطين الغطاء أو الأرضية.
سيتعجب الكثيرون ولماذا هذا الشقاء ولماذا لم تحضر مخدتك الفايبر التى تغوص فيها أفكارك وأحلامك منذ وصلت هنا ؟؟
هذا السؤال يبدو منطقى طبعا لكن أن تمتلك مخدة أو طراحة من الاسفنج داخل السجن هذا شئ كان من الخيال قبل تاريخ هذه الكلمات بحوالى أسبوعين أو تلاتة .. ويبدو أن إدارة السجن – والتى أكن لها التقدير والاحترام بحق – كانت تريد أن تعلمنا تدريجيا زى بالظبط العيل الصغير لو أكلته لحمة ممكن يموت فيها .
كل هذا كفيل بأن أطبع على مخدتى قبلتين .. واحدة لأنها ستحسن من مستوى الأحلام والآخرى لأنها من ريحة الحبايب
السؤال الأهم، ولما بدأت الإدارة فى السماح بهذه الأدوات الساحرة لماذا لم تقتنى واحدة فورًا ؟
الحقيقة .. كنت أتوقع أنى سأعود إلى مخدتى وسريرى !!
شريف فرج – سجن الحضرة