عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي) – حَدِّق أمامى فى صمت

اسم السجين (اسم الشهرة) : عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 4/20/2017

السن وقت الاحتجاز: 18 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: طالب بكلية الهندسة بالجامعة الألمانية بالقاهرة

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون طرة

حَدِّق أمامى فى صمت

أُحَدِّق أمامى فى صمت، و فى عقلى كلمة واحدة مرتسمة : “العبث”.
أمضى وقتى كله فى السجن أذاكر. أذاكر ليلاً و نهاراً. أذاكر خمساً و عشرين ساعة فى اليوم. أذاكر فى أصعب قسم بأصعب كلية هندسة فى مصر، و معى قرار من إدارة الكلية بمنحى درجات أعمال السنة كاملة بنفس نسبة الدرجة التى أحرزها فى الامتحان الذى يأتينى السجن، أحضر المراجع فى جميع المواد حتى أفهمها كما يفهمها أفضل طالب فى الكلية، أستعين بطلاب الهندسة أو أساتذتها من المسجونين فيما أتعثر فيه، أحل فى الامتحان بأفضل مستوىً ممكن. أتحدى أى أحد أن يميز ورقتى عن ورقة أفضل طالب فى الدفعة، ثم تأتينى رسالة من أمى بأن النتيجة ظهرت و أن المادتين اللتين كنت متأكداً فيهما من الامتياز يقيناً مكتوب أمامهما “غائب”، و أن باقى المواد التى كنت حزيناً لاحتمالية أن أحصل فيها على “جيد جداً”، قد حصلت فيها جميعها على “مقبول”.
العبث. أفكر فى كل الوقت الذى ضاع عبثاً. أفكر فى سذاجتى و حسن ظنى أنهم سيسمحون لطالبٍ سجينٍ أن يحصل على تقديرٍ عالٍ ليُعيَّروا به.
أفكر فى كل الأشياء التى أردت أن أفعلها و لم أفعلها. فى كل الكتب التى أردت أن أقرأها. كل المواضيع التى أردت أن أكتبها. كل الأشخاص الذين وددت أن أتعرف إليهم أكثر. القرآن الذى أردت أن أحفظه. و أوقفتُ كل ذلك لأذاكر. و المحصِّلة صفر. و لا أدرى ماذا أفعل.
أأكمل و أخاطر أن أرسب و أعيد العام لأنى “غائب”، أو بمعجزة لو جعلونى أنجح بتقدير “مقبول”، فأفسد تقديرى العام و أقتل معه حلمى بالتعيين كمعيد فى الكلية و الحصول على منحة لإكمال دراساتى العليا بالخارج؟ أم أُأَجِّل و أُضَيِّع عاماً آخر من عمرى غير الذى ضاع فى الجامعة الألمانية بعد أن فُصِلت، عالماً من الآن أنى سأندم أشدّ الندم على الأعوام التى تضيع داهسةً على أحلامى معها؟
ما هذا البؤس الذى يضعنى فى مفترق طرق أختار فيه بين طريقين بناءً على أيهما ندمُهُ سيعذبنى بدرجة أقل؟
أضحك على طموحاتى التى انحدرت. عن اكتئابى عندما أكون ثانى الدفعة بدلاً من الأول سابقاً، و عن حسابى الآن لاحتمالات الرسوب الذى لم و لن يكون ليجول بخاطرى أصلاً فى غير هذه الظروف الحقيرة، و التى لم أتخذها لحظة حجةً لعدم قدرتى على المذاكرة، بل أصررت أن أكون لا كأى طالب يحضر محاضراته كاملة، بل كأفضل طالب يحضر محاضراته كاملة.
و المحصلة صفر. فقط ل”كونى” فى السجن، لا لأدائى كسجين.
ايه الخرا ده …