عبد العزيز يوسف (زيزو) – ياما دقت عالراس طبول

اسم السجين (اسم الشهرة) : عبد العزيز يوسف (زيزو)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 12/5/2015

السن وقت الاحتجاز: غير معلوم

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: محامي

مكان احتجاز المرسل : مكان احتجاز غير معلوم

ياما دقت عالراس طبول

“ياما دقت عالراس طبول ” ؛ شعاري المفضل الذي أواجه به الحياة وأردده في كل المواقف الصعبة التي مررت بها، حتی أن أصدقائ المقربين كانوا دائما ما يمازحوني عندما يعلمون بأنني أواجه مشكلة ما بترديد ذلك الشعار من باب التهوين علي . في أول أيامي بالسجن كنت أظن ان هذا الشعار وغيره سيكونان سبيلا للتخفيف والتهوين ولتصبيري على ما أنا به، ولكني وجدت تجربة السجن مختلفة تماما عن اي تجربة صعبة ومؤلمة مررت بها، وأنها اسوأ من أن تجدي معها نفعا كل اكليشيهات الكلام والشعارات التي حفظها الناس عن الصبر والتجلد والبطولة و دأبوا على ترديدها في مثل تلك المواقف لا – ياما دقت عالراس طبول، ولا سجنك بيحرر وطن، ولا الزنازين براح، ولا المسجون بطل- على الأقل انا ما ادعيت يوما ما انني بطل. وبرغم ان الأيام هنا متشابهة ننام ونصحو ولا شىء جديد ولا تغيير يحدث، إلا روحك التي تذبل أكثر واحساسك المتزايد بالعجز ومحاولتك الدائمة للظهور بمظهر القوى المتماسك، أهازيج رفاق الزنزانة ونكاتهم واستخفافهم بمصابهم وبسجانيهم وصخب الصغار هنا وسخط الكبار عليهم ومحاولات الجميع المستمرة التي لا تتوقف لصناعة حياة داخل قبر دفنوا فيه وهم أحياء، صمت مابعد الزيارة ولوعة مفارقة الأحبة وصورة مختزلة كانت لدي عن معتقلات مصر وسجونها تعالج الآن وأنا بين يدي التجربة. تجربة السجن؛ كنت قد قرأت وسمعت عنها كثيرا ممن خاضوها، وكنت قريب منها دائما بحكم اهتمام العائلة بالشأن العام ولطبيعة عملي بعد ذلك، إلا انني لم يخطر ببالي أنني يوما سأكون واحدا من ضحايا يتحدث الناس عنهم كرقم مجمل دون مراعاة لإنسانيتهم ولاعتبارات كونهم بشر. هنا حكاوي المظاليم لا تنتهي يقصون حكاياتهم المؤلمة بروح ساخرة وضحكات يتوارى خلفها انكسار السجين المشتاق لحريته وحياته . أكثر الحكايات إيلاما هي حكايات من عاشوا تجربة الاختفاء القسري ورأوا الويلات في مقرات أمن الدولة، والمؤلم أكثر انهم لا يتحدثون معك عن تجربتهم الا بعد اصرار منك وعندما يتحدثون لا يخلوا حديثهم من سخرية ومحاولات لتخفيف وقع الحكاية على قلبك وعقلك. أغلب المحبوسين هنا من الشباب الصغار وحقيقة لا استطيع ان استوعب منذ دخلت الي هذا القبر لماذا تعادي تلك الدولة شبابها ولماذا تحبس هذا الكم من الطاقات وتتلذذ بقتل آمال ابنائها؟! ، فعليا أغلب المحبوسين هنا شباب واغلبهم من الممكن ان نقول عنهم “عيال” وطلاب صغار بالمرحلة الثانوية كان من المفترض انهم في هذا الوقت من العام يقضون اجازة سعيدة، ولكن دولتنا الهمامة كان لها رأى اخر وهو أن العيال الغلابة الجدعان مصدر البهجة الوحيد في هذا المكان القبيح خطر على امن الوطن وارهابيين. انا دائما اتأمل حالي واخاطب نفسي انه لو أنه تم حبسي في حاجة انا فعلتها أو لنقل في حاجة تستاهل ماكان ذلك ليكون حالي ربما لكنت اكثر رضا وتقبلا للأمر.. السجن تجربة قاسية ومؤلمة لأبعد حد ومصيرها تتحول لذكری، والظلم شوكة في حلق البلد والمظلوم يفقد القدرة علی النوم أو أن يستلذ بأي شيء، والحب نسمة هوا بتلطف جو الصحراء اللي احنا عايشين فيه . في الزنزانة ستعرف لأي مدی تحب تفاصيل حياتك الصغيرة وتشتاق لها ، ستتمنی الخروج فقط لتنام ليلة علی سريرك في غرفتك أو لشرب فنجان قهوة في بلكونة مكتبك أو السهر لكتابة مذكرة كالعادة تكتبها في الوقت الضائع، ولرائحة الورق والملفات، ولثرثرة المحامين في استراحاتهم بالمحاكم، وزحمة وسط البلد وقعدة القهوة في البلد آخر الاسبوع. في السجن سيصاحبك شعور دائم بشوق ليوم ترد فيه المظالم، ويفتح فيه القفص وتخرج وتطير وتتنفس من هوا ربنا وتملأ منه صدرك وتجري تحضن الشوارع في السجن ستقول الحمدلله كثيرا مصحوبة بمرارة، ستحدثك نفسك “انا مستحقش كدا” أتذكر دعوتي التي كنت أدعيها باستمرار في الفترة الاخيرة أن؛ يارب مش طمعانين غير في شوية عدل نوزعهم عالغلابة والمظاليم، يارب انصفنا من امتحان وضعتنا فيه لم يجري لنا بحسبان. عبد العزيز يوسف