علاء احمد سيف الاسلام عبد الفتاح حمد (علاء عبد الفتاح) – مسارات الوحدة الممكنة

اسم السجين (اسم الشهرة) : علاء احمد سيف الاسلام عبد الفتاح حمد (علاء عبد الفتاح)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 10/25/2021

السن وقت الاحتجاز: 34 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: مدون ومبرمج – ناشط سياسي

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون طرة

مسارات الوحدة الممكنة

إن أزمتنا لا تنحصر في شخوصنا ولا في الاعتقال وحده، ولكنها أزمة وطن بأكمله، ولا سبيل للخلاص إلا بتغيير سياسي يبدأ من رأس النظام.

فما هي سبل التغيير الممكنة؟

وما هو الأنسب منها لصلاح البلاد والعباد؟

خمسة محاور للاستقطاب

تفرقنا بعد وحدة. تنافسنا بعد تعاون. اختلفنا بعد اتفاقنا. كل هذا طبيعي، وربما يكون إيجابي إن أحسنّا إدارة التعدد والتنوع، ويمكن تحجيم مساوئه إن أحسنا إدارة الاختلاف. ولكننا بالعكس تمادينا في الاستقطاب، وكان محور استقطابنا الهوية السياسية ما بين العلمانية والإسلامية. لم يكن خلافنا يخص سياسات أو قرارات، وتركنا أنفسنا لاستقطاب حدي لا يمكن أن يفيد. أن تطلب التغيير هو أن تطلب عودة السياسة، الرأي والرأي الآخر والسجال والاختلاف. لن نحسن إدارة اختلافاتنا إن حصرناها في محور واحد لا يمكن التفاهم حوله. فما هي محاور الاستقطاب الأخرى التي أهملناها:

1- محور الحريات: تتباين نظرة الأفراد والجماعات لطبيعة الحريات الخاصة والعامة؛ ما هو المُباح قانونيًا؟ وما هو المُجَرّم؟ وكيف ينظم المجتمع سلوك الفرد؟ وكيف تنظم الدولة مسالك الكيانات والجماعات؟

2- محور الاقتصاد: تتباين النظم الاقتصادية وفقًا لدور الدولة ودور السوق. هل الأنسب لبلادنا التخطيط المركزي أم المبادرة الفردية؟ من يقود التنمية، القطاع العام أم الخاص؟ وما هي الأنشطة الأهم، التجارة أم الصناعة التحويلية أم صناعات المعرفة؟ وما دور الإنتاج الزراعي؟ وما أثر السياحة؟ هذه القضايا هي ما يشغل الأمم الحرة.

3- محور نظرية التغيير: تتراوح المواقف ما بين الثوري الذي يريد تغيير جذري، والتقدمي الذي يريد استخدام أدوات الدولة للإسراع من تطور المجتمع، والإصلاحي الذي ينادي بالتدرج والوسطية، والمحافظ الذي يطالب باستقرار هيكل وهوية الدولة وحسن وصلاح قياداتها فقط.

4- محور العالمية: لا يجادل أحد في تشابك مصائر كل الدول وكل البشر، ولكن نتباين في تصورنا لكيف نتفاعل مع العالم. ما بين من يرى التنافس، ومن يرى التعاون، ومن يرى التحالف مع المشترك في الهوية، أو التحالف مع المشترك في المصلحة، وما بين من يتبنى فكرًا عابرًا لحدود الوطن ومن يتبنى فكرة أممية ومن يتبنى فكرة محلية.

5- محور الحداثة: كثير من نتائج التطورات التكنولوجية الحديثة ضارة. نختلف في فهمنا للحداثة وكيفية التعاطي معها، ما بين من يبحث عن الحلول في الأصالة والجذور ومن يريد الدخول في سباق التنافس الحداثي ومن يؤمن أن أدوات العلم والتقنية فيها إجابات. مسائل الحداثة والمعاصرة والأصالة غنية ولا يجوز التسفيه منها ولا يفيد تجاهل رأي الآخر فيها.

هل يمكن العودة لوحدة صف يناير كما يقال؟
هل أصلًا كانت وحدة حقيقية تفاعلت مع وتفهمت أصل الاختلاف والتنوع؟
هل الأفضل أن نتعالى على كل استقطاباتنا؟ أم الأفضل أن نفهمها ونعترف بها؟
هل في اختلافنا رحمة أم نقمة؟
أربعة أركان للبوصلة السياسية

استقطبنا على أساس أن مجتمعنا ينقسم إلى فريقين فقط، وكما أوضحنا فإن محاور الاستقطاب السياسي الفعلية لا تقل عن خمسة، يمكن توزيع المواقف السياسية على كل منها على حدة إلى يمين ويسار ووسط. فهل تستدعي وحدتنا دراسة كل التكتلات الممكنة؟ منذ أن خضعت مصر للاستعمار نشأت حركة وطنية متعددة الأركان تعاونت كثيرًا وتفرقت كثيرًا واختصمت أحيانًا. مكوناتها بناءً على الجذور الفكرية وتنوع التنظيمات السياسية والحزبية ومرشحي المناصب أربعة:

1- التيار الإسلامي: وهو الأكبر عددًا وصاحب التجربة الأطول مع الإقصاء والتهميش. ومصر قلب هذا الفكر وهذا المشروع العالمي.

2- التيار القومي: تشكلت الدولة المصرية كسائر الجمهوريات العربية على فكرة القومية العربية، لذلك فهذه الفكرة واسعة الانتشار في المجتمع وداخل نخبة موظفي الدولة والتكنوقراط.

3- التيار الليبرالي: راسخ في مصر منذ ثورة 1919 مستهدفًا دولة القانون والدستور والحريات، وهو التيار الأكثر تماشيًا مع المنظومة العالمية.

4- التيار الاشتراكي: لأن أسئلة الفقر والتنمية والاستقلال الاقتصادي هي الأكثر إلحاحًا فهذا التيار متجدد رغم صغر حجمه نسبيًا. الطبيعة الأممية للفكرة جعلته التيار الأكثر اتصالًا بالمعارضين للمنظومة العالمية خارج الوطن العربي.

مأساتنا الحالية نابعة من تصور إمكانية إقصاء أحد أركان البوصلة. لنتفق أولًا أن الإقصاء مستحيل عمليًا، وآثار المحاولة مدمرة للوطن نفسه. ولكن لنفهم عمق ما بيننا علينا أن ندرك أننا، بعكس المجتمعات الحرة، تشكل الحركة الوطنية أقلية داخل المجتمع. لو اجتمعت أركان الحركة الوطنية كلها، لن يعبر اجتماعهم عن الجماعة الوطنية، فأبناء الوطن أخرجتهم عقود الاستبداد والإفساد من الحياة السياسية قصرًا، لدرجة أن نسبة المشاركة في الانتخابات ما بعد الثورة لم تتعد النصف. وتنقسم الجماعة الوطنية سياسيًا لأربعة أركان أيضًا صاروا أوضح بعد الانقلاب:

ركن تأييد الانقلاب، متصورًا أن فيه حماية لمصالح البلاد.
ركن الموافقة على الانقلاب والسعي لإصلاح النظام بالتعاون معه، بالمشاركة السياسية في ظله والتفاوض معه.
ركن رفض الانقلاب والسعي لتغييره من خلال نضال دستوري أو حراك ثوري بمطالب إصلاحية.
ركن رفض الانقلاب والسعي لإنهائه من خلال نضال ثوري ومطالب ثورية.
أما العجيب أن الأربعة ممثلين في سجون الانقلاب الآن، فهل قد آن أوان تجربة الوحدة؟ وما المطلوب لتمثيل الشعب تمثيلًا كاملًا؟ ثلاث تضحيات لازمة.

دفعنا من أعمارنا سنوات واعتبرناها ضريبة الحرية، لكن مع امتلاء السجون علينا أن نتساءل إن كان الطريق للحرية يمر فعلاً بها؟ وما هو الثمن المطلوب دفعه والذي لم يُدفع بعد؟

في مواجهة المحن الكبرى نحتاج لتضحيات أكبر من بطولة الأفراد وثبات التنظيمات، نحتاج لتضحيات أجيال بأكملها، ولكل جيل دوره النابع من مسؤوليته.

1- الأجيال الكبيرة: الأصل أن تتولى الأجيال الأكبر القيادة حصادًا لسنوات طوال من العمل والكفاح. منذ الانقلاب ونحن نرى الرموز تتساقط، وقل من نال حسن الختام. وتحتاج الأمة لرموز تحافظ على الصلة مع نضالات الماضي، وحكماء ينقلون الخبرات. على الأجيال الكبيرة أن تضحي بالدور والقيادة مقابل حسن الختام وصون ذاكرة الوطن.

2- الأجيال الوسطية: عادة ما ننشغل بالثبات أمام ضغوط ومغريات الدنيا، وننشغل بحماية الذات من الانجراف للتيار والتمسك بالقضية، كما نتسم بالحرص الشديد مقارنة بالشباب، ففرص تعويض الأخطاء أقل. لكن الحرص على التطهر ليس بالضرورة الموقف المناسب لجيل صار مسؤولاً عن أبناء وقريبًا أحفاد. ما يجب أن يشغل الأجيال الوسطية هو عدم توريث الصراع للأبناء، وحماية الأحفاد من آثار المحنة، حتى لو استدعى ذلك التضحية بالنقاء والبطولة مقابل شجاعة الحوار مع الخصم وشجاعة البحث عن حلول وسط.

3- الأجيال الشابة: أغلب التضحيات وكل الضحايا بذلها الشباب. طبيعة الفترة العمرية تحفز على الإقدام ولكن في محنتنا المُرَكّبة التمسك بخطة مسبقة يزيد الموقف تعقيدًا، والبحث عن مردود لكل تضحية يعمق الأزمة.

أصعب تضحية هي التضحية بالأحلام والطموحات، وكالعادة ستدفع الأجيال الشابة الثمن الأكبر. فاليوم علينا أن نضحي بالأحلام مقابل مستقبل آمن يتاح فيه لجيل لم يكبر بعد أن يحلم بلا سقف، ويسعى لطموحاته بلا خوف.

هل نحن أهل لتلك التضحيات؟ أم أن التجربة لم تنضجنا بعد؟

سرديتان عن الماضي من أجل المستقبل

إذا كانت الوحدة حول المستقبل شرط التغيير يكون لزامًا التوصل لفهم مشترك عن الماضي القريب، لكن أي فهم ممكن بين أطراف اختلفت حتى خاضت في دماء وأعراض بعض؟ لم تكن جرائم الدولة بسيطة ولا تمت بدون تواطؤ ولو بالسكوت، ومحاولة فهم دوافع كل طرف قد تجدد الصراع وتزكي العداوة. ربما من الأفضل البداية بالتاريخ الأبعد قليلًا في محاولة لفهم كيف وصلنا أصلًا للحظة الثورة، قبل أن نتفق على فهم كيف فقدناها. يحتاج أي مجتمع لتوافق واسع حول فهم تاريخه يساهم في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي ويدمج خبرات الأجيال المتعاقبة في تسلسل منطقي يساعد في فهم اللحظة المعاصرة. وغالباً ما ينقسم فهم التاريخ إلى سرديتين:

1- السردية الأساسية: وهي محور الاتفاق الأوسع وتشكل خيال أغلب أفراد المجتمع ويتبناها التيار العام السائد ويعبر عنها في مناهج المدارس والمتاحف الوطنية والإنتاج السينمائي والدرامي. المجتمع المستقر يسعى لسردية أساسية موضوعية لا تخفي حقائق، ولكن بلادنا بُنيَت على استبداد يخشى من الحقيقة، والسردية الأساسية فيه ملتبسة ومرتبكة، بنيت على الإقصاء، ومحاولة افتعال وحدة صف يتلاشى فيها أي رأي معارض. مهمة انتزاع السردية الرئيسية من السلطة لن تتم من خلال الانتصار لأيديولوجيا ما أو إنكار تاريخ ومنجزات الدولة الحديثة وإنما من الموضوعية، والاتفاق الواسع على الأحداث الرئيسية.

2- السردية البديلة: وهي سردية جامعة لخبرات المهمشين والمعارضين وجماعات الأقلية. لا تبحث السردية البديلة عن حقائق مناقضة للسردية الأساسية وإنما عن فهم الأصوات التي تم إعفاؤها وتوثيق الفرص الضائعة والتجارب المجهَضة، ولا تخجل السردية البديلة من الهزائم، فهي ليست قصة الأقوياء والمنتصرين. يمكن لكل جماعة أن تنتج سرديتها الخاصة، ولكن:

هل نستطيع التأثير في السردية الأساسية، مخيلة وفهم عموم المجتمع، بدون سردية بديلة موحدة؟
هل من الممكن الخروج بسرد تاريخي يجمع خبرات الإخوان المسلمين مثلًا مع خبرات التيار الناصري المنتسب إلى اسم الديكتاتور المسؤول عن قمع وقتل قيادات الجماعة؟
هل نستطيع الوصول إلى سرد تاريخي يحترم خبرات الجميع وتضحيات وآلام الجميع، ويتفق على الحقائق والوقائع بتجرد؟
وهل يمكن أن نتخطى صراعات الماضي والحاضر القريب لو استمرينا في التنازع حول تاريخ انقضى قبل ميلاد أغلب سكان البلاد اليوم؟
الوحدة

إذا كانت الوحدة شرط التغيير، فلماذا انكسرنا؟ ألم نتوحد في ثورة يناير؟
ثرنا على الاستبداد، اصطفينا على فكرة واضحة حول ماذا نرفض، ولم نتوافق حول تحليل موحد عن الأولويات وطبيعة مهمة ما بعد السقوط، ناهيك عن التوافق حول خطط للخروج من الأزمات المزمنة لهذا الوطن.

إذا كانت الحرية هدفنا، فالحرية في مجتمع متعدد تستدعي الديمقراطية، والديمقراطية تستدعي الرأي والرأي الآخر والتنافس على السلطة. ولكن الديمقراطية تحتاج لقواعد تنظمها وأعراف تحميها وتوافق مجتمعي واسع حول القيم والمصالح والتحالفات، فهناك أمور لا تتغير بتداول السلطة حتى في أعرق الديمقراطيات.
أما الانتقال الديمقراطي فيحتاج إلى حرص أكثر وتوافق أوسع لأن الأعراف الحاكمة للديمقراطية لم تترسخ بعد، والتزام المؤسسات بالقانون والدستور لم يكتمل بعد، فوحدة الخلاف في الديمقراطيات البادئة تهدد المسار الديمقراطي بأكمله.
وللديمقراطية في بلاد الجنوب الفقيرة والنامية خصوصية، والتنمية الاقتصادية المطلوبة تحتاج لخطط طويلة المدى لا يصح أن تتغير مع كل انتخابات. في الولايات المتحدة لا تتغير التحالفات مع كل انتخابات، وفي الهند يتغير الحزب الحاكم ولا يتغير مسار برنامج الغذاء ولا برنامج الفضاء. أما في تونس فكلما زادت حدة الخلاف ترجع الأطراف المتنافسة لمائدة التفاوض حتى لا تُجهَض التجربة. أما في مصر أهملنا تثبيت الديمقراطية وترسيخ دولة القانون في المؤسسات والمجتمع الحر، ودخلنا الثورة متصورين أن الإجابات معروفة والأزمات أمرها سهل، فتسرّعنا في التنافس والصدام.
نحتاج لتجديد الأجندة الوطنية الجامعة بحيث نتخطى الحد الأدنى من مطالب التغيير لنصل للقاسم المشترك الأعظم وهو خطط التنمية.
الخروج من مثلث الاستبداد والفساد والتمييز يحتاج لإصلاح إداري ومؤسسي لا بد أن يبنى على اتفاق تام يشمل كل التفاصيل ولا يحتمل أن يكون مجالًا للصراع أو التنافس لأن الفرقة حوله لن تفيد إلا أعداء الحرية.
أما الخروج من مثلث الفقر والجهل والمرض فيلزمه تنمية اقتصادية لا بد من الاتفاق حول ملامحها الرئيسية، ولكن يستحسن توسيع رقعة الاتفاق حول الخطط والتفاصيل لأن معركة تنفيذها تخص المجتمع بأكمله وليس أهل السلطة والسياسة فقط.
ولا مجال للخروج من المثلثين القاتلين بدون تحقيق غايات كبرى مثل استقلال القرار الوطني واستقرار الأمن الداخلي والسيادة الغذائية والأمان المائي، وهذه الأهداف لا يمكن تحقيقها بدون توافق يشمل النخب العسكرية والقيادات الإدارية بالدولة والخبراء الوطنيين.
الأجندة الوطنية الموحدة ليست مسألة نظرية، ولا يمكن تأجيلها إلى ما بعد التغيير، بل إنها شرط أصلًا للتغيير، فلا يمكن تحقيق ديمقراطية بدون الاتفاق حول معناها وشروطها. الاجتماع حول ما نرفضه فقط لن يدوم، أما غموض الخطط المستقبلية فيؤدي لفقدان الثقة بين الأطراف المختلفة وزيادة الخصومة، بل سهولة استجلاب العداوات. أما الادعاء بسهولة حل المشاكل أو التسفيه من أولويات الغير يترتب عليه انفضاض الجماهير مع أول اختبار صعب.
هل نقدر -في ظل هذا القمع- على إعمال عقولنا وخيالنا في تصور للمستقبل يجمعنا على خطط محددة لتنمية الاقتصاد وإصلاح الدولة وتطوير المجتمع وتحرير الفرد؟
هل تحظى تلك الأجندة الموحدة بانتشار واسع وقبول شعبي يجعلها أداة فعالة في جلب التغيير؟
هل يمكن صياغة أجندة شاملة تقرب المتنافسين وتطمئن الخائفين من التغيير وتحيّد الخصوم؟