اسم السجين (اسم الشهرة) : عمر علي حسن عبد المقصود (عمر عبد المقصود)
النوع الاجتماعي : ذكر
تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 1/4/2016
السن وقت الاحتجاز: 27 عام
الوظيفة – نشاط بالمجال العام: صحفي بموقع مصر العربية وطالب بكلية التجارة بجامعة المنصورة
مكان احتجاز المرسل : مكان احتجاز غير معلوم
لماذا سجن يوسف؟
أثبت تاريخ البشرية ما تقدم منه وما تأخر أن عقوبة السجن وحبس الحرية تعد عقوبة رادعة قاسية ، بل وفي بعض الأحيان شافية للغليل وكافية للتنكيل ، لكن السؤال الأبرز الذي أجاب عنه التاريخ فيما بين سطوره ، هو : لمن يعد السجن عقوبة ؟ للسجان أم للمسجون ؟ في السجن تبرز المعادن ، وتتفاوت ، فهناك من سجن ليكسر ، وهناك من سجن لينهض ، بل وهناك من اختار السجن اختيارا ، طوعا لا كرها ، هذا يسجن دونما ذنب فينقم وذاك يسجن على فعل فيندم ، هناك من يدخل حاملا رسالة لمن هم أهل للإجابة ، و هناك أهل الإجابة حملوا الرسالة من داخله ، فينتفي بذلك سبب البقاء فيه .
ولمن لا يعلم فإن المسجونين في بلادنا العربية من محيطها إلى خليجها يسجنون وفقا لما يراه السجان من تهم تليق لا وفقا لما أذنب الطليق ، ويبدو جليا منذ قديم الأزل أن الرأي يعتبر جريمة بيد أن من دروب العار المتفق عليه دوليا أن يكون في بلادك ” سجين رأي ” وهنا يأتي دور التلفيق لجعل ما لا يليق يليق . هنا، على هذه الأرض ، سجن الرأي بدعوى أنه أفضى إلى جريمة ، فأصبح السجين ” السياسي ” في قضيته حائزا على شق ” جنائي ” ، فكان لرأيه الذي يسجن من أجله بالأساس وقع الرصاص فقتل ، أو بديلا عن النار فحرق ، أو نما لرأيه يدا فعاثت في الأرض فسادا .
ولعل أحسن القصص في كتاب الله العزيز ورودا ، كانت ولا تزال قصة يوسف النبي ، يوسف الصديق ، الذي كان في قصة سجنه براحا وسعة لكل من حرم من الحرية ليخرج بالقصة من ضيق الزنازين وعطب الحال إلى التمكين في الأرض وصلاح البال و إلى هذه القصة أشد الرحال واضعا في كبد قوسي سؤال ، هل كان يوسف الصديق سجين رأي ” سياسي ” أم سجين فساد “جنائي” ؟! وحتى لا أكون قد تجاوزت حدود الأدب مع نبي من أنبياء الله ، ولأن الفساد في زماننا قد جاوز المدى ، فما كان من قصدي هنا بالفساد إلا من وجهة نظر ساجنه ، و إلا لما قال له ( انك اليوم لدينا مكين أمين ) الأمن بعد ما كان ( من الصغرين ) وفقا للتعبير القرآني الكريم . راودت امرأة العزيز يوسف عن نفسه ، وهي جريمة ” جنائية ” كاملة الأركان ..
كان الجاني فيها امرأة العزيز والمجني عليه هو النبي يوسف ، وصلب الجريمة أن راودت امرأة العزيز فتاها يوسف عن نفسه ، لكن لله في كونه تدابير أخرى ، و أما شاهد الجريمة الوحيد ، كان من أهلها، أقوال المجني عليه : هي راودتني عن نفسي فأصبحت القضية من قضية جنائية ذات شاهد واحد ، إلى قضية رأي وعقيدة ، لها أبعاد أخرى وشهود اثبات ونفي في الوقت ذاته ، و إليك الدليل . انتهت الجريمة الجنائية بأن صدر الحكم فيها وهي في مهدها ، حيث كان الحكم على استحياء ( يوسف اعرض عن هذا ) وأما الجاني لمكانته ومنصبه (واستغفري لذنبك ، إنك كنت من الخاطئين ) ، انتهت حيثيات الحكم ، وحفظت القضية ورفعت الجلسة .
لماذا لم يسجن يوسف آنذاك ؟! أ درءا لللغط ؟ ، أم لشأن امرأة العزيز الرفيع المستوى ، أم ربما لكونها لا تعدو كونها قضية جنائية بسيطة ؟! علمت نسوة في المدينة بالخبر ، فكان من حسن التصرف بأن توأد الفتنة في مهدها بأن يسلك أحد السبيلين ، فإما أن تهمل حتى لا تكبر كما تهمل النار في خبأ الرماد ، أو يثبت العكس فتموت الفتنة قتلا . علمت امرأة العزيز بأن قال نسوة في المدينة ( امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه ، قد شغفها حبا ، إنا لنراها في ضلال مبين ) ، ولعل من تدابير الله أن كان لكلام نسوة المدينة عن ضلال امرأة العزيز وقع الغشاوة على عينها ووقع الخمر على شاربه ، فما كان منها إلا أن حادت عن سبل حسن التصرف وما ارتأت إلا لتجعلهم شهودا على ما أرادت ، فأصبح نساء المدينة على يقين بصدق الواقعة وشهود اثبات لها ، بل آملين بأن يكن مكانها يوما .
و يأبى ربك إلا أن تحال القضية إلى قضية ” رأي ” ، امرأة العزيز ونسوتها معلنة أن ( ذلكن الذي لمتنني فيه ، ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ) ، فكان القرار بأن ( لئن لم يفعل ما آمره ليسجنن ) .
وكان “رأي” يوسف أن ( ربي السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ) ، فما من سبيل للعودة الآن ، وما من طريق . الآن أصبحت القضية قضية “رأي” أمام “رأي” ، وفكر أمام فكر ، فهنا وجب أن يسجن من كان له رأي ، ووجب أن يظلم من كان صاحب فكر ، بالرغم من أن البراءة محتومة ، و أن القضية محسومة . صاحب الرأي لا يقبل عفوا إذا ما جارت الأيام عليه ، ( فإرجع إلى ربك واسأله ما بال النسوة اللتي قطعن أيديهن ) ، وصاحب الفكر يشهد له ( إنه لمن الصادقين ) ولو بعد حين ، وصاحب الرؤية يوما سيكون (مكين أمين) ، ولتعلم أمة العرب ( إن الله لا يهدي كيد الخائنين ) .