اسم السجين (اسم الشهرة) : عمر علي حسن عبد المقصود (عمر عبد المقصود)
النوع الاجتماعي : ذكر
تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 8/26/2015
السن وقت الاحتجاز: 27 عام
الوظيفة – نشاط بالمجال العام: صحفي بموقع مصر العربية وطالب بكلية التجارة بجامعة المنصورة
مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون جمصة
كيف تحيا مصر؟
“كيف تحيا مصر؟”
بالحوار والمعاشرة، تتكشف النوايا وتتعرى الأدمغة وتظهر الأفكار مجردة دون تزيين أو تزييف، فبالحوار ترقى شعوب وتندثر أخرى، وتصعد أمم وتهوى أمثالها، ولكل حوار زمان ومكان ومستوى، وهي عوامل لا تقل أهمية عن المتحاورين أنفسهم، ومستواهم الثقافي ودرجاتهم العلمية، فلربما دار حوارٌ بين أهل علمٍ في زمنٍ كَثُر فيه التعريض بهم والتعارض معهم، والتعرض لهم، فما نالوا من حوارهم إلا جفاف حلوقهم وتكبيل أياديهم واعتزالهم .
ما دفعني أن أكتب ما كتبت، هو حوار دار، تجمعت فيه ما تبقى من أمتنا من رساخة عقول ، وتدافعت فيه الحقائق والوقائع حول ما آلت إليه أحوال البلاد والعباد، وانعكس فيه ما بأنفس أطرافه من إيمان بما هي في سبيله ماضية ، حوار تكشفت فيه النوايا ، وتعرت فيه الأدمغة وظهرت فيه الأفكار مجردة دون تزيين أو تزييف ، فدعك من الزمان ، فالزمان في هذا المكان لا يعني الكثير ، ف في السجن فقط ينعدم الزمان .
المتحاورون على قدرٍ من العلم والمستوى الثقافي والاجتماعي ما يؤهلهم لأن يكونوا معتقلين ، في زمن اختلال الموازين وعصر المعرضين والراقصين المهللين ، مهندس ، ورجل أعمال ، و أنا صحفي ، ويدور الحوار حول زميل في سجن آخر ، حاصل على الثانوية العامة قبيل اعتقاله بنسبة 99.8 % ، هؤلاء هم أطراف الحوار العفوي الذي استغرق تماما نفس الزمن الذي ستستهلكه في قراءته فإليك الحوار :
هو ع.ج جاب كام الثانوية يا جدعان ؟ ، يسأل المهندس رجل الأعمال : 99.8% أنا : ما شاء الله ، ده على كدة دخل كلية ايه ؟! رجل الأعمال : لا ، أظن لسة مقدمش في كلية ، بس هتكون ايه يعني ؟ يا هندسة يا طب على حسب علمي ولا أدبي . المهندس : لو وصلتله أو حد وصله ، يقوله يدخل هندسة المنصورة ميدخلش طب المنصورة ولا أي هندسة تانية .
أنا : اشمعنا يعني ؟ هي عشان كليتك يعني ؟!! المهندس : لا يا سيدي ، بس إدارة الكلية عندنا كويسة ، يعني بتقف جنب المعتقلين وبتسمحلهم يمتحنوا وهما في السجن ، ده غير إنه لو خرج واعتقل تاني وللا حاجة الكلية بتسمحلوا يمتحن عادي جدا، وده مش هتلاقيه في أي كلية تانية !! أنا : لا يا راجل ؟!!! هي بقت كدة ؟ والله يا سيدي على أيامي كانت الكلية بالمجموع والرغبات مش بالإدارة والاعتقالات ؟! يعني أنا أجيب مجموع زي ده ، ومدخلش الكلية اللي بحبها عشان ادارتها وحشة ؟! ايه ده يا جدعااااان ؟ احنا وصلنا للدرجة دي ؟!
المهندس : هههههههههههههه ، كان زمان الكلام ده ، دلوقتي يا فرحتي دخلت الكلية اللي بحبها بس ممنوع من امتحاناتها ولا خرجت مثلا وبلغوا اسمي للأمن ، كل شوية يقرفوني ، على ايه يا عم ، واحد بمجموع زي ده دماغه هتشغله في أي كلية وهينفع في أي كلية ، يبقى أنا أشوف المرحلة اللي احنا فيها واتعامل على أساس احتياجاتها .
هكذا إذاً أصبحت تدور الأمور ، هكذا إذاً أصبح تحصيل العلم في بلادنا ، بكل بساطة ، ادخل الكلية التي ستسمح لك مستقبلاً بدخول لجان امتحاناتها إذا ما طالت بك مدة الاعتقال أو قصرت، فما لا يدرك جُله _كله _ لا يترك كله ، فإن تحصل على درجة علمية على غير هواك ورغبتك خيرٌ لك من أن لا تحصل أبدا ،هكذا إذاً أصبحنا نفكر ؟! أقدر تماماً من يتخذ قرار استكمال دراسته الجامعية أو الثانوية أو خلافهما وهو قيد السجن أو الاعتقال، أيًا كانت الأسباب، و كُثرٌ هم، فلا مانع من أن تستغل وقتك وعمرك فيما قد يفيدك مستقبلاً إذا ما نلت حريتك ، بل هو شيءٌ مطلوب ومحمود، أما ما أقف أمامه تعظيمًا وتبجيلاً هو أن تبدأ بتعلم علم جديد تماماً عليك ، وأن تطرق باباً لم يُفتَح لك وأنت حرٌ طليق، ٍوبيدك كافة الصلاحيات والإمكانيات، فتقرر أن تطرقه وأنت مكبل اليدين ومعصوب العينين، مسيرٌ لا مخير، لا تملك من أمرك شيئا، ضارباً بكل ذلك عرض الحائط، مصرًا على أن تفتح آفاقًا جديدة لعل الله ينفع بك .
كم خسرت مصر من العقول في محنتها هذه؟ كم من الأجيال تتابعت في الزنازين؟ ومن أجل ماذا؟ وماذا كسب من أغلق عليهم أبوابها؟ ستدور الأيام حتمًا فهذه سنة الله في كونه، وستُشرق شمس أجيال انتزعت العلم انتزاعًا، ورفضت أن تُعَلَب أو تُصَنف أو أن يُزَج بها في دورٍ سقيم في مسرحيةٍ هزيلة تحت اسم ( تحيا مسر ) ، فمصر لن تحيا إلا إذا كان لهؤلاء دور البطولة .
سجن جمصة المركزي الأربعاء
26/8/2015
عمر عبد المقصود