محمد فوزي شاهر محمد كشك (محمد فوزي) – الرسالة العاشرة.. مِنْهُ

اسم السجين (اسم الشهرة) : محمد فوزي شاهر محمد كشك (محمد فوزي)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 10/3/2016

السن وقت الاحتجاز: 25 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: طالب بكلية الصيدلة بجامعة المنصورة

مكان احتجاز المرسل : مكان احتجاز غير معلوم

الرسالة العاشرة.. مِنْهُ

[الرسالة العاشرة]
“مِنْهُ”
“هَذَا الخطابُ
كتبْتُ أَسْطُرَهُ بحبرِ الليلِ في زنزانتي,
والريحُ تعْصِفُ
خلف شباكي المُسيّجِ بالحديدِ وبالأسى
قلبي هُنالكَ
وإن يَكُنْ جَسَدي هُنا
فالقلبُ إذْ نَبَضَتْ بهِ الذِكْرَى
مُحالٌ أن _بقيدٍ_ يُحْبَسَا
قلبي تعلَّمَ
حينما قَذَفَتْ بهِ زنْزانَةٌ
قَذَفًا لأُخرى, ثُمّ أُخرى, ثُمّ أخرى
كيفَ يُبْحِرُ في مُحيطِ الذِكْرياتِ
لَكَمْ تعلَّمَ أنْ يُصارِعَ
عُنْفَ مَوجِ الفَقْدِ دومًا دونما أَنْ يَيْأَسَا
عامانِ..
أُنْهِكَ, لا شراعَ لَهُ سِوَى الأشواقِ
طَوَّحَهُ الزمانُ..
الآنَ
في ميناءِ ذِكْرَانا سويًّا يا صديقي قَدْ رَسَا:
كُنَّا
هنالِكَ قادِرينَ
على هزيمَةِ أبْيَضِ الزيِّ المُوَّحَّدِ
حينَ نصْبِغَهُ بألوانِ المَحَبَّةِ والحياةِ بَهيَّةً
حُرَّيْنِ نمشِي ضاحِكينَ
نواجهُ السجَّانَ في كاكيِّهِ الجَبْريِّ
يرنو عاِسَا.
كًنَّا
بكوبَيْ قَهْوَةٍ نصحو سَويًّا
نحتسي الأحلامَ..
فالأحلامُ لا تحلو مَرارتُها سوى
مِنْ طَهْوِهَا مَهْلًا على نيرانِ صَبْرٍ هاديءٍ
لتُصَّبَ..
بينَ رفاقِ رُوح المرْء جَمْعًا تُحتَسى.
كُنّا نُرَشْرِشُ
ماءَ سُخريَةٍ طُفُوليًّا مَعًا
سِحْرًا على صَخْرِ الهُمومِ
يُذيبُهُ مَهْمَا قَسَا
كُنَّا مَعًا..
نَتَبادَلُ الكُتُبَ المُهَرَّبَةَ,
الأمانَ, الدفءَ, والأَمَلَ المُهَرَّبَ
في الصباحِ
وعبرَ نظَّاراتِ زنْزاناتِ عَنْبَرِنا
نُسَرِّبُ منْ ضياءِ البَدْرِ لَحْنًا
بالقصائِدِ.. والأغاني في المَسَا
كُنَّا..
لَكَمْ كُنَّا..
ولكنَّا بسجْنَينِ افْتَرَقْنا أعْزَلَيْنِ
يدايَ مثْلَ يَديكَ
غيرَ الحُلْمِ والإيمانِ لا, لَمْ تَلْمِسَا..
الآنَ أسأَلُ
أيُّ نصْرٍ ذاكَ قد يأتي لمَنْ
قد أمسكوا في الكفِّ حُلمًا مُزْهِرًا
ليُواجِهُوا من يُمسِكُونَ مُسَدَّسَا؟
الآنَ
في الحَبْسِ الفُرَادي
تهْجُمُ الأَفْكَارُ مِثْلُ جَوَارِحٍ
تَهوي بمِخْلَبِهَا/السؤالِ بلحْمِ رُوحي
كُلَّ لَيْلٍ,
أطْرُدُ الفِكْرَ الذي قَدْ عادَ يَهْجُمُ أَشْرَسَا
الآنَ
في الحَبْسِ الفُرادي
تُوأَدُ الكَلماتُ في حَلْقي
فراغٌ يَبْلَعُ الإنسانَ هذا السِجْنُ
يكسرُهُ.. يُبَعثِرُهُ.. إلى أشلاءْ.
وأنا هُنا
أشتَّمُ رائِحَةَ الفَنَاء بكُلِّ شيءٍ عاطِنًا
في عنبَرِ الإعدامِ ذَا..
مِلْءَ الهَواءِ فَنَاءْ..
والموتُ
أشْعُرُ كفَّهُ تدْنو إلى عُنُقي
قريبًا صارَ من جِلدِي
وأقرْبَ لي كثيرًا من خشونةٍ سُتْرتِي الحَمْراءْ
لا لونَ
غيرَ الأحْمَرِ الدَمَويِّ حَوْلي:
قد غدَا حُزْني
على الوَطَنِ الجَريح القلْبِ.. أحْمَرَ,
لونُ السَوْطِ في كفِّ المُحَقِّقِ
من دمائِي.. كانَ أحْمَر,
والشعيراتُ الدقيقةُ في عُيوني,
لونُها _طالَ السُهادُ_ فصارَ أحُمَرْ,
صارَ لونُ الوَقْتِ.. أحْمَر,
لَونُ أنْفاسِي بهذا الصَمْتِ.. أحْمَر,
لونُ إحْساسي بهذا المَوْتِ.. أحْمَر,
لا أرى إلّاهُ..
لكنِّي أخيرًا أُبصِرُ المَعنَى الذي
يبقى وراءَ المَوْتِ مَخْفيًا عَنِ الأَحياءْ,
الموتُ
يَقْطَعُ ما تبقَّى من حِبَالِ الجَاذبيَّةِ
كي يَطيرَ بِنَا إلى رُوحِ المَعاني
حُرَّةً مِنْ طِينَةِ الأَسْمَاءْ.
الآنَ
أسمو مُؤْمِنًا باللهِ نبعًا أوْحَدًا
مالي سواهُ
فإنَّمَا هذي الدُنَا, كُلُّ الدُنَا صَحْرَاءْ.
لا أيدولوجْيَا تُغَمِّمُ أَعيُني
لا.. لا انْتِمَاءَ
لأيِّ شيءٍ غيرَ ربِّي وحْدَهُ
اليومَ أُوقِنُ يا صديقي
_مثلما قَدْ قُلتَ لي.._
الأيْدُولوجيا هَبَاءُ هَباءْ.
حُرًّا.. خفيفًا.. صِرْتُ مُنذُ هَجَرْتُها,
وغدًا
سأهْجُرُ كُلَّ شيءٍ راحِلَا
يومًا سأرْحَلُ.. عاجِلًا أو آجِلَا
لا فرْق
أرْحَلُ بالمشانِقِ.. بالبنادِقِ..
داخِلَ السِجْنِ الصغيرِ أو الكبير,
لرُبَمَّا
لكنني حتْمًا سأرْحَلُ آمِلَا
أن نلْتَقي يا صاحِبي..
أن يلْتَقي العَطْشَى هُناكَ بِجَنَّةٍ خَضْرَاءْ.
إن كانَ لي عُمْرٌ
فلي _قبْل السمَا.._ في الأرْضِ مَعْكَ لِقَاءْ:
سأُعِدُّ كُوبَيْ قهْوَةٍ
ونُعِّدُ أنْتَ قصيدةً
عن أيِّ شيءٍ غيرَ هذا السِجْنِ
فاكْتُبْ ما استطَعْتَ..
الحرْفُ قدْ يُحْيِي الزَمَانَ المَيتْ.
اكتُبْ لَنَا
عنْ أيِّ شيءٍ مُبْهِجٍ
عَنْ عَاشِقٍ.. عنْ قُبْلَةٍ..
عَنْ زَوْجَةٍ.. عَنْ طِفْلَةٍ..
عن بَيْتْ..
اكتُبْ لَنَا..
ولكَ السلامُ إلى لِقَاءٍ
إن حَيَيْتُ أنا وأنْتَ حَيَيْتْ”
… … …
… … …
… … …
“اكْتُبْ لَنَا”
قدْ قالَ لي
لكنَّني لم أسْتَطعْ
وحدي طَويْتُ خِطابَهُ..
وبَكَيْتْ..