محمد فوزي شاهر محمد كشك (محمد فوزي) – المقال التاسع

اسم السجين (اسم الشهرة) : محمد فوزي شاهر محمد كشك (محمد فوزي)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 11/17/2014

السن وقت الاحتجاز: 25 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: طالب بكلية الصيدلة بجامعة المنصورة

مكان احتجاز المرسل : سجن المنصورة العمومي

المقال التاسع

المقال التاسع “حتى وإن كانوا شياطين, أنتَ لستَ ملاكاً” (1) الكبر, أول خطيئة معروفة تاريخياً ارتكبها مخلوق. إبليس حين استكبر وظن -لمجرد كونه من نار وآدم من طين- أنه الأفضل, ورفض الأوامر الإلهية بالسجود. الاختزال هو منبع الكبر حسبما أظن, أن تختزل كل التفاصيل والحقائق وتقصر رؤيتك على نقاط أفضليتك وأخطاء الآخر, أن تظن مثلا – لمجرد كونك تُعارض سُلطة مجموعة من الظَلَمَة, السفاحين- أنك على صوابٍ لا يأتيه الباطل أبداً. لا ترتكب خطيئة إبليس. لا تختزل الحقائق. حتى وإن كانوا شياطين, أنتَ لست ملاكاً. (2) كان ذلك في أول أسبوع لي في عنبري الحالي. ضجيج, صياح. استيقظت, لا أحد سواي في الزنزانة. الباب مفتوح للتريض. أمام الباب وجدتُ “ترسا” وهو أنحل من رأيتُ داخل السجون, خرج منذ أيامٍ بعد أن قضى عاما كاملا بتُهمتيّ استعراض القوى ومحاولة تعطيل المترو! سألته وأنا نصفُ صاحٍ أنا: هو في إيه؟ هو: كريم ضرب محمود وقلبت خناقة كبيرة أنا: كريم مين؟ هو: كريم التكفيري.. أنا: كريم وتكفيري؟ الاتنين؟ طب قول “أبو القعقاع” مثلا عشان أصدقك.. هو: والله زي ما بقولك كده, كريم دا تعبان نفسيا وما بيخرجش من زنزانته من زمان, استنى محمود وهو معدّي قدام زنزانته وراح ناطط عليه ” إنتو يا إخوان يا كفرة اللي جبتونا هنا” وقام رازعه بالـ.. أنا: استنى بس.. هم التكفيريين بيكفرُوا الإخوان كمان؟! هو: أيوة أنا: أحيه! أمال هيعملوا إيه مع اللي مش إسلامي أصلا؟ هو: ممكن يصلبوه على باب العنبر.. جهّز نفسك يا فوزي أنا: وماله يا أخويا مش عيب أبدا.. (3) كان ذلك منذ شهورٍ, لا أذكر كَمْ تحديداً, ربما لأن الأيام تمر-على عكس المتوقع- سريعا داخل السجن, وربما لأن إحساس المرء بإيقاع الزمن هو الذي يعتل.. لا يهم. لم أحضر ذلك اليوم.. كنت في سجن المنصورة.. وعُدت لِتُحكى لي القصةُ كاملةً.. تفتيش فجائي عنيف, إهانات, قبل أن ينتهي التفتيش بدأ الغناء والهتاف من الزنازين المغلقة.. ومن زنزانة “6إبريل” –سُميَّت هكذا رغم كون معظمها مستقلين وقلة إبريليين- علا صوت هتافات ضد العسكر والإخوان معاً.. ردت زنزانة إسلامية الهوى بهتافاتٍ تؤيد مرسي وتستنكر الهتاف ضد الإخوان, عاند الشباب وسبّوا مرسي.. تبادل الطرفان السباب “يا ولود الـ.. ويا ولود الـ.. بكره هنوريكوا لما الباب يتفتح”.. صباحاً, تجمهر عدد من الإخوة وذهبوا لزنزانة إبريل.. أخ: بتشتمونا ليه؟ إبريلي: إحنا شتمنا مرسي ما شتمناش حد فيكم أخ: وتشتموا د.مرسي ليه؟ إبريلي: دي شتيمة سياسية. أخ: ودا بوكس سياسي. طاااخ. اشتباك بالأيدي بين الجميع. ماذا عن إهانات التفتيش؟ لم يعد أحدٌ يذكرها.. (4) قد يكون ما حدث من “كريم”, “الأخ” و”الإبريلي” تصرفات فردية, ولكن أثناء النقاشات التالية يبدو عيانا أن كل طرف لم يستنكر ما حدث من جهته وأَقسَمَ أنَّ أصل المشكلة عند الآخر, هذا ما يؤكد أن المشكلة ليست على مستوى الشخص أو الحدث وإنما على مستوى الفكر.. مجتمع المعتقلين به ما به من التراحم والتآلف, لا أنكر. لكن به مشاكل كارثية كالتي في الصف المُعارض بالخارج, وفي المجتمع كاملاً. ” أنا أفضل منه” , “أنا أمثل الإسلام شاملا وهو مائع الإسلام” , “أنا إسلامي وهو بلا هوية” , “أنا ثائر وهو مُقيّد بانتمائه” هكذا يرى كلُ طرفٍ الآخر.. أو تتضخم ذاته تماما فيردد ” شعب من العبيد”, “لا يستحقون الديموقراطية أصلا” , “فلتحترق البلد بشعبها, هم من أوصلونا لهذه الكارثة”. يستكبر الجميع.. كِبراً لا يختلف كثيرا عن كبر السفاحين الحاكمين للدولة. لو تخيلنا رسماً بيانيا, على المحور الرأسي “معدل الثبات” – أو سمِّه إن شئت معدل الاستمساك بالحق- وعلى المحور الأفقي “الزمن” بداية من عام 2008 مثلاً, ورسمنا خط العلاقة التاريخية الخاص بكل تيار في مصر على حدة, لوجدنا أن الجميع يهبط ويصعد بين ثبات وتخاذل. فترة 25 يناير 2011 هي الوحيدة التي تلاقت فيها منحنيات الجميع عند قمم ثباتهم. ما دون ذلك تجد قمة ثبات “محمد محمود” للشباب يوازيها تخاذل التيار الإسلامي, وقمة ثبات “مذبحة رابعة العدوية” يوازيها تخاذل التيارات الأخرى, وهكذا دواليك.. السخيف في الأمر أن كل طرف يسعى لإيقاف الزمن عند قمة ثباته الشخصي متجاهلا المنحنيات التاريخية له وللآخرين. (5) الانقلاب التشيلي سقط بعد 13 عام, بعد أن اُعتُقِلَ وأُعدَمَ الآلاف. في بولندا ظلت حركة “تضامن” تعمل لـ9 أعوامٍ تحت الأرض وفوقها تواجه بـ “اللا عنف” أعنف الاعتقالات وأبشع الانتهاكات إلى أن تمكنت من إسقاط أكبر حزب شيوعي في أوروبا. استغرقت الثورة الإيرانية 16 عام, سقط في عامها الأخير فقط 76 ألفا من المواطنين قبل أن تنجح الثورة.. ليس تشاؤماً, ألمانيا أسقطت الانقلاب العسكري خلال 4 أيام بإضرابٍ عام. وفي صربيا تمكن 20 طالبا لم تتجاوز أعمارهم العشرين أن يدشنوا حركة “أتبور” التي مدَّت جذورها في المجتمع إلى أن أسقطت الطاغية الحاكم. خلال هذه المشاوير الطويلة أو القصيرة, لم يَقُلْ أصحابها “الشعب لا يستحق” أو “الأطراف الأخرى هي منبع العلة”. ربما يكون الفارق الحقيقي بين أبناء الحق الفعليين وبين أبناء الاستبداد أن الأُوَل لا يستكبرون, أنهم يعترفون بعدم امتلاكهم للحق المُطلق, أنهم يسعون إلى التكامل لا التناحر.. وكذلك أنهم لا ينسون.. النسيان هو الخطيئة الثانية في التاريخ, والأولى لآدم. نسيَ أمر ربه فطمع وغوى. حاول أن تَعُدَّ معي المذابح التي ارتكبها العسكر.. كم معتقل في كُليَّتِك أو مدينتك؟ هل تذكر انفعالك البِكْر مع أول قطرة دمٍ نزفتها الثورة؟ حماستك؟ شغفك؟ أحلامك الضخمة؟ نسيت؟ إن تحفظ نفسك من الكبر, وذاكرتك من النسيان, فلك النصر ولو بعد حين. وإن لم تفعل, فلكَ وللشُهداء وللمصابين ولنا الله..