محمد فوزي شاهر محمد كشك (محمد فوزي) – للمُتَنَّبي أقوالٌ أُخرى

اسم السجين (اسم الشهرة) : محمد فوزي شاهر محمد كشك (محمد فوزي)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 11/26/2016

السن وقت الاحتجاز: 25 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: طالب بكلية الصيدلة بجامعة المنصورة

مكان احتجاز المرسل : مكان احتجاز غير معلوم

للمُتَنَّبي أقوالٌ أُخرى

هامش تاريخي:
كانَ لدى الإخْشيد -الذي زعمَ البعض أنه حاكم مصر الشرعي في ذلك الزمن- عبدٌ أسودُ الوجْهِ والقلبِ, خصيُّ الجَسَدِ والنَفَسِ.. اسمه كافور. تمكَّنَ الآبقُ أن يحكم قبضتهُ وينشر عسكره في القصر, وانقلب العبدُ على سيده.. فأصبح المخصي حاكمًا مستبدًا بمصر وأهلها, الذين اختلفوا من فيهما أولى باللعنات: العبدُ المستبد أم الإخشيدِ الغافل الذي ولّاهُ السلطة منذ البداية.
وكان لدى العرب آنذاك شاعرٌ إذا شدا أسمع, وإذا مدحَ أبدع, وإذا هجا أوجَعَ.. اسمه المتنبي. واعتقل الخصيُّ الشاعر –بعد أن اعتقل سابقًا بتهمة النبوة!- لكي يُجبرهُ على كتابة مدحٍ مكتوبٍ فيه, لأنه كان يعرفُ أن الخلودَ في الأدبِ لا في الذهبِ. واستطاع المتنبي الإفلات في ليلة العيد. ومنحَ كافورَ أسوأَ خلودِ يُرتجى في الدنيا, بأبياتٍ هجائهِ الشهير “عيدٌ بأيةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ..”
ويبدو أن المعركة لم تنتهِ بعدُ.. فمازالَ للخصمانِ أحفادٌ. احفادٌ لكافورَ يحكمونَ العباد بالنار والحديد.. وأحفادٌ للمتنبي يقاومون بسيوفِ القصيد..
“عـيـدٌ بـأيَـةِ حالٍ عُـدْتَ يا عِـيدُ”* … هــل يُــنــقِــذُ الطائِرُ المأسورَ تغريدُ؟
أنّى تَرى لونَ فرْحٍ أرْضُ مُـعْـتَقـلٍ … قُــضــبـانُـهُ كَــلـيـالـي ظُـلـمِـهِ سـودُ؟
ما الــعـيـدُ فـي وطـنٍ آمـالُهُ ذُبِحَت … والـعـجـلُ فـيـهِ على الكُرسيِّ معبودُ؟
فلا احتفالًا أرى سوى إذا صدحـتْ … مـن قـلـبِ كُـلِّ ثَــكــالَانـا الـزغـاريدُ
ضمَّدتُ حُزني بالصبرِ المريرِ وقدْ … يـكـونُ فـي ألـمِ الـمــرارِ تـضـمــيـدُ
ما قُلْتُ للشُرطيِّ “ارْحَمْ لِتُرْحَمَ” بَلْ … قُلْتُ “ابْغِ ما شئْتَ إن الدَيْنَ مردودُ”
ومـا انْــتَــظَــرتُ عَــدَالةً بمَـحْكَمَةٍ … يعــلــو مِــنَــصَّــتَــهـا عِـلْـجٌ وعِربيدُ
زَنَا الـعَسَـاكِرُ بـالقـانونِ.. لا عَجَبٌ … قاضي القُضَاةِ ديوثُ الصَمْتِ رِعْدِيدُ
فـيـا قُـضـاةَ الـخَـنَا اسْـجُدوا لسيِّدِكُمْ … حـتـمًـا يُـلـبِّـي الـعبيدُ الأمْرَ إن نودوا
لَـكُــمْ قـضـايـاكُـمْ ارْوُوهـا مُـحـرَّفَةً … لا صــحَّ مــتــنٌ بــهــا ولا أســانــيـدُ
ولــي أنــا عُـمْـري عِـشْقًا أَجودُ بِهِ … بـالـعِـشْـقِ فـي دَمِـنَا يُـسْـتَـعْذَبُ الجُودُ
لـي بالـقـصـائِدِ أقـوالٌ سَـتَـجْـرِفَـكُمْ … الـسَـيْـلُ شِـعْـري وأبْـيـاتـي الـجَـلاميدُ
س: هل لكَ أقوالٌ أُخْرّى؟
ج: لي أقوالٌ كُثُرٌ جِدًا
أكثرُ من عددِ الندباتِ المحفورةِ
من صاعِقِ صاحِبِكَ الشُرطِيِّ بجسمي..
لي أقوالٌ
لَنْ يَجْرؤ جرذٌ مِثلَكَ أن يَذْكُرُهَا
حتّى لو بلِساني في مَحْضَرِهِ الرَسْميْ..
لي أقوالٌ أُخرى
لَنْ تَحتاجوا رَكْلِي لِأُوَقِّعَها جَبْرًا
فقصيدَتِيَ مُوقَّعَةٌ بدمي قَبْلَ اسْمي.
سجِّلْ
يا عبْدَ المأمورْ
أني لا أعْبُدُ إلَّا ربِّي
سَجِّلْ
أني بالسُلُطاتِ كَفُورْ
أنِّي أؤمِنُ بالشَعْبِ
سجِّلْ
أنّي أتَنَبَّأُ فعلًا
أتنبَّأُ لبلادي بالنورُ
ولِذَا أُلْقِيتُ بِظُلُماتِ الجُبِّ.
هل تَفْهَمُني؟
أنا لَسْتُ أظُنُّكَ تَفْهَمُ إلّا
تحقيقاتِ الجلَّادينَ
تحرِّياتِ المأجورينَ
قوانينَ الزورْ
تفهمُ جدًا جدًا
لُغَةَ الصَفْعِ
ولُغَةَ الصَعْقِ..
ولُغَةَ السبِّ..
أنتَ أيا ذا الروحِ البُورْ
لن تَفْهَمَ كيفَ تَمُّدُ الأفكارَ جذُورُ
تتغَلغَلُ في جوفِ الرُوحِ الخِصْبِ..
لن تفهمَ
كيفَ يُحِبُّ الإنسانُ وكيفَ يثورْ
لن تَفهَمَني..
مَعذورْ
فمتى فَهِمَ خصيٌ قبْلَكَ معنْى الحُبِّ؟
كي تَقْدرَ يا أقذَرَ حفَدَة كافورْ..
أن تُدْرِكَ
شَطرًا أوحَدَ بقصائِدِ جَدّي المُتَّنبيْ..
“صـارَ الـخـصيُّ إمامَ الآبقينَ بها” * … وجــارَ كــافـــورُ حـيـنَ خـارَ إخـشـيـدُ
غـــولانِ يــقــتــتــلان وهْـي بـينَهُما … فـظـهـرُهَا بــكلا الـسَـوْطـيـنِ مَـجْـلـودُ
والـمُـخْـلِــصـونَ بـعِـشـقِها مَصيرُهُمُ … ســجــنٌ, مــشـانِــقُ أو نَـفـيٌ وتَـشريدُ
إنْ هاجروا غُصنَهَا اغْتَصّوا بشوقِهِمُ … وإن بَــقَــوْا لــيُــغَــنُّــوا, غِيلَةً صِيُدوا
أمــا تــبَــقَّـى بـهـا عُــــشٌ لـيُـؤْويـنـا … إلا بــأعــيْـــنِ جُــنْــدِ اللـيلِ مَرصودُ؟
أمــا لَـنَـلْـقـاكِ يا مِـصـرَ الهَوى زمنٌ … إلّا بِــجُـــدْرانِ ســجَّــانــيــكِ مَسدودُ؟
مازالَ رُغـمَ الأسَـى في أضْلُعي وَتَرٌ … بــيــنَ الــهزائِــمِ والأحــلامِ مَــشـدودُ
إن كُنْتُ غـنيّـتُ مـأسـورًا ولمْ يَرجِعْ … لـي _غـيـرَ مـن زَرَدِ القـيودِ_ ترديدُ
فـالـيـومُ وَحْـدِي أُغـنِّي كي يَهُبَّ غدًا … جــيــلٌ عــلـى نَـغَـمـاتِ الحَقِ مَولودُ
كالشمْسِ هُمْ.. لا تبيتي الليلَ في قلقٍ … فــجْــرًا أيَــلزَمُ لـلإشــراقِ تــأكــيـدُ؟
كــم قــالَ طـاغٍ فـثانٍ “لا أرى أحدًا” … إذ لا يرى الضوءَ أعْمًى وهْو مَوجودُ
فَــلْــتَـسـألي مُــهْلِـكَ العادينَ في إرَمٍ … ومَــنْ بــرحْـمَـتِـهِ لُـطْـفًـا نَـجَـى هُـودُ
ولـتَـذْكُــري كَـمْ فراعينٍ عَلَوا وبغوا … دَفَـنْـتِـهِـم فــي الثَـرَى كي يُرْزَقَ الدُودُ
ولــيُــضـرمــوها أخـاديــدًا زنـازنُـنَا … كــم أحْـرَقَـتْ مُـضْـرِمِي النارِ الأخاديدُ
أبـنـاءُ بَــطْــنِــكِ ما خانوا هواكِ وإنْ … يُــقــضــى عــليّــهم مِـنْ كلْبِهِم “تأبيدُ”
سَجِّل إذًا
يا كَلْبَ أمنِ الدَولةِ العُليا المُبَجَّلْ
سجِّلْ
فإني لَسْتُ أعبَأُ ما بمَحْضَرِكُمْ يُسَجَّل
فالحُكْمُ قبلَ الحَبْسِ مَكتُوبٌ
ولا فرقٌ يُعجَّلْ.. أو يُؤَجَّلْ..
فانسُجْ
بأوراقِ القوانينِ الرفيعةِ ذي لِباسًا
كي تُواريَ بعْضَ سوءَة فُجرِكُمْ
إن كُنْتَ _لستُ أظنَّ_ تَخْجَلْ.
سَجِّلْ
أنا المذكوْرُ أعلاهُ
وُلِدْتُ بِمِصْرَ حيثُ تَعلَّمَ التاريخُ
كيفَ يشِّبَ, كيف يُحِّبُ, كيف يَخُطُّ في الأوراقِ
وأبي أنَا
رجلٌ بسيطٌ طيبٌ
وهو ابنُ جَدٍّ كانَ يَحرُثُ
أرضَ وادي مِصْرَ جَلدًا راضيًا
أورثْتُ مِنْهُ عنادَ فأسٍ لم يئِّنْ
ونقاءَ نفسٍ لَمْ تَهُنْ
وثباتَ بَأسٍ مُؤمنٍ
أن ليسَ للإنسانِ دونَ اللهِ حتمًا واقِ
هَاهُمْ جُدودي
_يا لقيطَ الفِكْرِ والأجدادِ_
فاكتُبْ “قد وَجَدْنَا
حينَ فَتَّشناهُ أسْلِحةً عَديدَةْ:
فعيونُهُ
وبِرَغمِ ثِقَلِ القيدِ حمْراتٌ عَنيدَةْ
وَلِسَانُهُ
مُتَتابع الطلقاتِ يقذِفُ بالقصيدةِ فالقصيدَةْ
ودماؤهُ
بالفَحْصِ أبْصَرنَا بها مُتفَجِّراتٍ
حمضُهُ النَوَويُّ منْ نَسْلٍ لجَدٍّ شاعِرٍ
لم يَهْجُ يومًا حاكمًا إلَّا هَوَى
من عرْشِ تاريخِ البلادِ إلى مزابِلِهِ البَعيدَةْ
دَوِّنْ بتقريرِ الإدانَةِ ما تشاءُ
اكتُبْ وإني سوفَ أُملي كي تُريدَهْ:
أنا لي جدودٌ أنبياءٌ,
ثائرونَ, فوارسٌ عَرَبٌ, وفلَّاحونَ
إن مسَّ اللهيبُ كفوفَهمْ لخشى مِنَ الاحْرَاقِ
اكتُبْ
ولي أُمٌ كشمسِ بِلادِنا
أبَديَّةُ الدفءِ الحنانِ, بهيةُ الإشراقِ
أمي هنالِكَ لم تَزَلْ
تصحو بنصف الليلِ داعيةً
وتحسُبُ كُلَّ ثانيةٍ بنبضِ القَلْبِ
مُنذُ نُزِعْتُ من أحضانِها
وتقومُ فجرًا وحدَها
لِتُعِّدَ كعكَ العيدِ لي
تطهوهُ في فُرْنٍ من الأشواقِ
عيدي أنا
لا لن يَهِّلَ هلالُهُ بين النجومِ
سوى بعودتِها لتعلوَ في السماءِ
تُشِّعُ كاملةً على الآفاقِ
عيدي سيَأتي حينمَا تتطايَر النجماتُ
من أكْتافِ جِنِرالِ الخُنوعِ
لكي تُحَلِّق حُرَّةً..
مَنْ عَلَّمَ النَجمات أن تنحَّطَ
تُصبحَ رتبةَ الطاغوتِ
يسْرقُها.. ويمنحُها لمَنْ يرضى من السُرَّاقِ
وجريمَتي
هي طَعْنُ هيبةِ سارقِ النَجمَاتِ
جُرْمي أنَنِي قدْ عِشتُ حُرًّا
دونَ أنْ أستَأْذِنَ الجِنِرال
وهُوَ العَبْدُ في إعتاقِي
إني اعتَرَفْتُ بِتُهمَتِي
والاعترافُ بِعِشقِ هذي الأرضِ
في القانونِ يَكفي وحْدَهُ لِيُدينَنِي
إن الطُغَاةَ يُشَرِّعونَ إدانَةَ العُشَّاقِ
فلتُغلقوا صفحاتِ محْضَرِكُمْ
ولكني أُذَكِّرُكُمْ قبيلَ الخَتْمِ والإغلاقِ
صفحاتُ مصرَ, سطورُها
يَحْمِلْنَ لعناتٍ تُصيبُ جميعَ مَنْ
قد حاولوا إغلَاقَها
وجميعَ منْ يتجرؤونَ لمحو سطْرٍ واحدٍ
صفحاتُها.. ثوراتُها..
سيظلُّ يكتُبُها هنا.. ربٌّ وشَعْبٌ باقِ..