محمود ممدوح وهبه عطيه ابو زيد (محمود وهبه) – إلى الطلاب

اسم السجين (اسم الشهرة) : محمود ممدوح وهبه عطيه ابو زيد (محمود وهبه)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 10/8/2014

السن وقت الاحتجاز: 21 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: طالب بكلية الهندسة بجامعة المنصورة

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون طرة

إلى الطلاب

بسم الله الرحمن الرحيم ..
“إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى”
اقرأ ما دام السمع والقلب موطآن بالعمل، اعمل ما دامت روحك بين جنبيك تسري في جسدك كما يسري الحق في شريانك، ثُر ما دام الظلم وأهله.
أكتب إلى كل من استوحَش الحقَ والعدلَ بين الناس، ونبذوه ورائهم ظهرياً، من أحسن فأساء مستقبِلُه، من طلب العون والنصرة مستغنياً عنهم بالله فخذلوه وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين.
استحضر قلبك ثم مُرّ على التالي، وارتكز في آخره، فالسابق عنوان، والتالي إسناد وبرهان، وآخره خلاصة للكلام وجملة للقول وفصلٌ للخطاب:
إن حقائق التاريخ -ولاسيما قيام الحضارات واستنهاض الأمم في التاريخ الإسلامي- تبين لنا أنها قامت على كواهِل ثُلة من الرجال “من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه”، على اختلاف المهام والأفكار، أي على اختلاف الشاكلة والمضمون، قام امتدادُها بعد انحسارٍ أو انعدامٍ اعتراها، كانوا قليلي العدة والعتاد، أمام إمبراطوريات العالم ومراكز القوى، فكثرَهم الله، وزارَت هذه الإمبراطوريات المتجبرة المقابر، وأناخت، والحقُ الذي يرنوا إليه رجالات التاريخ الإسلامي هو إقامة التوحيد في الأرض؛ إنهم فتية آمنوا بأن الله واحدٌ لا شريك له فقاموا إلى ملِكِهم بالرسالة: “ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها”، فأنَكر وأنَكر القوم “إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم”، ثم تكفل الله بنصرهم “وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها”، فقد انتشر التوحيد..
وكذلك قصة الغلام، مات شهيداً ولم تمت الفكرة بحكمة ألهمها الله له “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة”، و آمن قومُه بالله.. قصة طالوت وجالوت قصة أيضاً ثلة ممن عرفوا الله حق المعرفة “قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين”، فكانت النتيجة “فهزموهم بإذن الله”..
إن رجال الله هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، فمن خرج من دائرة ومحيط ثلة الإمكان هم الصديقون والشهداء والصالحون ممن أرادوا استنهاض قومهم، فلا طائل من عملهم إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة إلا عفو من الله و رحمة، ومن خسر الآخرة لم يكسب شيئاً.
قد قُلتُ عن درجة العظمة، أي بلوغ درجات عظيمة، أفي الدنيا أم الآخرة؟ أنه يجب على المرء المسلم أن يعمل للآخرة ونَيل عظيم درجاتها، فإن أرادته الدنيا أو أرادها، أرادت عظيماً فعُظّمت له جزاءً وفاقاً، وإلا اختل الميزان “تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة”، واتساقاً وتتمةً لذلك “الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عن الله”، وهذا هو النصر والفلاح “وأولئك هم الفائزون”،
اطرح على نفسك، كيف قامت دولة الإسلام من لَدن محمد بن عبد الله رسول الله -صلى الله عليه و سلم- حتى يومنا هذا؟ كيف كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية وعمر بن عبدالعزيز؟ وما عوامل ازدهار دولة الإسلام بالأندلس؟ حدثوني عن عبدالله بن يزيد، وعن يوسف بن تاشافين، عن صلاح الدين الأيوبي وأسد الدين شيركوه، وعن قطز وشيخه العز بن عبدالسلام، عن نشأة الدولة العثمانية، كيف انتسب السلطان إلى أرطغرل، كيف كانت دويلته السلجوقية المتاخمة لدول النصارى، كيف أنشأ عثمان -ابنه- دولةً خَلّد التاريخُ ذكرها بعمل الصالحين فيها، تفحصوا السلطان محمد الفاتح وشيخه آق شمس الدين المربي، هؤلاء قليلٌ من كثير، أحوجَني نقص العلم إلى عدم السرد لا الملل، فأنا لا أملّ ذكرهم بل أتذاكرهم صباحاً ومساءً، وأُسرّ بزيادة المعرفة عنهم، واستقبال قبلتهم إلى الله،
لقد لخصها القائل، لخص كيف تعيد نور الخلافة إلى قنديل الزمان، لتهدي به كلَ من أراد السير في سبيل الله “أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقام على أرضكم” أي اتصفوا بصفات ذلك المستخلَف في الأرض، تقم الخلافة على أرضكم “والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين”.
إنني بعيدٌ عن الأحداث، لا أقتات إلا على قليلٍ مما يبيته لي محدثييّ عن أحوالكم و أخباركم، لكني عالمٌ بما تعانون، لقد عايشت، و يضيق صدري ولا يجب أن ينطلق مركب لساني في بحر الهم، لكن ما أملكه هو الدعاء بحسن التدبير والتوفيق والقبول، وأن أكتب بعض الكلمات تسريةً ونصحاً لكم وتحميساً لواهِنِكم ..
أيها الشباب الثائر لنصرة الحق، لقد عَبَرتُ إلى بلاد بني عثمان، أنا والمربي الصالح أحمد شقير -رحمه الله- وثلة من الصالحين لنستلهم روح الخلافة الإسلامة ونجددها عند قفولنا، ذهبنا لنرى مناقبهم وآثارهم، ونعاين أخبارهم، لقد صلينا في مسجد أبي أيوب الأنصاري، وكنت عارفاً بجهاده -رحمه الله-، ومسجد محمد الفاتح، وزاورنا والشقير مسجد السليمانية -نسبة إلى السلطان الفاتح سليمان القانوني-، وسرنا مجاورين لبقايا أسوار الدولة البيزنطية، وكانت أسواراً مستعصية على الفاتحين المسلمين من قبل محمد الثاني ..
هكذا عبرنا البسفور، وعبر زمانُ الفتوح الإسلامية وآثارُه المعايَنَة إلى قلوبنا بأحلام استنهاض الأمة من بعد الرقاد لنعيد فتح البلاد والحدود والسدود، مقيمين خلافة راشدة مستمسكة بالذي أوحِي إلى نبيها -صلى الله عليه وسلم- من القرآن الكريم، وبما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحبه الكرام والسلف الصالح ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، هكذا عبرت أعيننا حزناً و كمَداً على فراق الصالح أحمد شقير، لأنه ذاته، ولأن أحلامي تشابكت مع أحلامه، وعبر عنها اللسان، وقطع شوط الزمان فيها ما قطع، وشهد المكان على جميل ما كان، من حديث عن الخلافة .. لقد علمني شيئا: إن الأفكار والأحلام لا تنقطع بموت المخلص لله فيها -قد صدق الله في الخطاب الذكر والإبانة-، وأراد الله أن يرى منا صدق إخلاصنا فنسأله الثبات والصبر.
أيها الشباب الثائر للحق، أيقنوا أنكم -بحول الله وقوته- مجددي عهد الفتوح.. عهد الخلافة.. خلافة راشدة على منهاج النبوة.. عاصمتها القدس الشريف، بعد ما ينزاح منها نجس اليهود “فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا”، هذا موعود القرآن، وكذا موعود رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بفتح القسطنيطينة -وقد فتحت- والدرة النفيسة التي تنتظر الفتح، رومية، وقد راسلت أحمد شقير عنها وأنا بالسنة الإعدادية الجامعية فأجابني أنها لم تُفتح وأنها تنتظرنا، هكذا وعى هذا الشاب -أنزله الله منازل الشهداء- ما أرمي إليه، لقد أعَظَم -رحمه الله- الحلمَ داخلي كما أريده فيكم عظيماً، لا تتحدثوا، تتسامروا، تتنافسوا، إلا به، وفيه، أو يكاد، فربما -عن يقين لا يخالطه الشك- يكون الفاتح بين ظهرانيكم، فننول بفتحه ثوابَ إعداد روحه وتجهيز عقله بلوازم الفتح، وربما زدنا شرفا بالانتساب إلى جنده، وأنا أتكلم عن البعيد عن واقع زماننا لتعلم أن الذي أنت في زخمه من الأحداث ما هو إلا إعداد وتجهيز، فأعدوا لهذا البعيد ما استطعتم، عسى الله أن يجعله قريب، والله قدير.
بعض ما أنصح لكم به :
غض البصر، فمن آفات عصرنا أنه انتشر فيه العهر، والغض دلال مراقبتك الله في كل شئ.
كف الأذى عن المسلمين المسالمين والإحسان إليهم، فحسن الخلق واجهة لخشية الله المنطوي عليها قلبك.
مجاهدة النفس مجاهدة عظيمة، ومتابعتها بدقة على إخلاص العمل لله، فلا تتحرى فيه إعجاب نفسك أو رياء غيرك، كما أن العمل لا يُقبل إلا إذا كان صواباً خالصاً، مراد الصواب أنه على نهج الرسول -صلى الله عليه وسلم- وليس فيه ابتداع، فمن آفات عصرنا العمل ثم التأصيل شرعاً له، وهو ما يسمى بالترقيع، فيصبح الإسلام في صورته مرقعاً، وهو ما ينتج عنه الاشتراكية والديموقراطية في الإسلام ونحو ذلك من الضلال، والأصل العمل بما نص عليه الشرع ابتداء، ثم العمل بما عُلِم، والإخلاص لله فيه “فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا”.
تقوى الله تورث حسن التفرس، فيستقوي المؤمن بها على اختيار القوي الأمين “إن خير من استاجرت القوي الأمين”، وبها يستعان على الفرقة بين البخس والثمين، الفاسد والصالح، الأمين والخائن “يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا”.
قيام الليل شرف المؤمن وعزّه استغناؤه عن الناس، وأنصحكم بإطالة القيام بين يدي الرحمن.
عرّف الإمام أحمد التوكل قائلا : “هو قطع الاستشراف، واليأس من الناس”.
___
إذا أنت لم تعرف لنفسِك حقها هَواناً بها .. كانَت على الناس أهوَنا
___
دواؤك فيك وما تُبصِرُ .. ودَاؤُك منك وما تشعُر
وتَزعُمُ أَنَّك جُرمٌ صَغير .. وفيك انطَوى العالَمُ الأَكبَرُ
فأنت الكِتابُ المُبينُ الَّذي .. بأحرُفه يَظهَرُ المُضَمَرُ
وما حاجة لك من خارجٍ .. وفِكرُك فيك وما تُصدِرُ
___
“قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ * هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ * وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ” – آل عمران (137 – 142)
نسأل الله القبول والسداد والإخلاص في القول والعمل
محمود وهبة
ثلث الليل الأخير من ليل الأربعاء الموافق 14 من ذي الحجة 1435 – 8/10/2014
سجن العقرب شديد الحراسة