احمد ماهر ابراهيم الطنطاوي (احمد ماهر) – من وحي ما بعد الانقلاب

اسم السجين (اسم الشهرة) : احمد ماهر ابراهيم الطنطاوي (احمد ماهر)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 9/17/2014

السن وقت الاحتجاز: 35 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: مهندس – مؤسس حركة 6 أبريل

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون طرة

من وحي ما بعد الانقلاب

من وحي ما بعد الانقلاب مقتطفات من مذكرات اللواء محمد نجيب أول رئيس لمصر مر اثنان وستون عاما على حركة ٢٣ يوليو ٥٢، ولا تزال الآراء متباينة حتى الآن، في البداية قالوا إنها انقلاب، ثم حركة مباركة، ثم ثورة خرجت لستة أهداف ومطالب واضحة لم يتحقق منها تقريبا سوى مطلب أو اثنين، ولكن رغم التكفير والهجوم الذي يتعرض له كل من يحاول تحليل ما حدث واستخلاص العبر لتجنب الأخطاء، فإن هناك من يستمر في محاولة ذلك، فأحيانا يمكن التسامح لو تم التشكيك في وجود الله، لكن هناك من لا يتسامح مع انتقاد بعض الانحرافات التي حدثت بعد ٢٣ يوليو، وما يلي ليس كلام أحد من النشطاء، بل جزءا من مذكرات أحد أهم الشهود، مذكرات اللواء محمد نجيب، أول رئيس للجمهورية.. يقول: بعد أقل من أسبوع على رحيل الملك كنا نسير في طريق تكييف القوانين، الذي انتهى بنا إلى هاوية اللاقانون بعد ذلك، وأنا أعتبر أن هذا الخطأ الصغير بداية مشوار طويل من الأخطاء التى كان المسئول عنها هو الخوف من الضباط. كان تعيين رشاد مهنا في منصب كبير خارج الجيش فاتحة لتعيين ١٨ من اللواءات وكبار الضباط في وظائف مدنية ودبلوماسية، وتولد داخلي إحساس أننا فتحنا بابا أمام باقي الضباط ليخرجوا منه إلى المناصب المدنية ذات النفوذ القوي والدخل الكبير، وحاولت قدر استطاعتي إغلاق هذا الباب وإبعاد الجيش عن الحياة المدنية وعودته إلى الثكنات وترك البلد للسياسيين، لكن الوقت كان قد فات، فقد اخترق العسكريون كل المجالات، وصبغوا كل المصالح المدنية باللون الكاكي. وكانت وزارتي هي أول وزارة عسكرية في تاريخ مصر بعد وزارة سامي البارودي وأحمد عرابي في عهد الخديو توفيق، وكان هذا ما يفزعني ويثير قلقي، فقد كنت أخشى أن يكون حكم العسكريين هو نقطة تحول في تاريخ حكم مصر، لا نستطيع بعده أن نعود للحكم المدني الطبيعي، وكنت أخشى أن ينتقل النفوذ العسكري من الوزارة إلى كل شبر في الحياة المدنية. وجدت على مكتبي أكواما من التقارير المخيفة التي تفرض علينا الخوف من الإضرابات العمالية، وتطالبنا بالضرب على يد كل من يتصور إمكانية قلب العمال علينا، وأحسست أنها تقارير كاذبة، وأنها كتبت بنفس الأسلوب الذي كان يكتب به البوليس السياسي تقاريره إلى الملك، لقد تغير العهد والرجال، ولكن أسلوب هذه التقارير لم يتغير. ويستكمل نجيب سرده لأحداث وخبايا حركة الضباط (المباركة)، وكيف غدروا به وكيف قاموا بتصفية أو سجن أو إقصاء كل من اعترض على الخروج عن المسار أو لفت النظر إلى التخطيط أو إلى استخدام الضباط لنفس الآليات الفاسدة. فقال: لقد خلصتهم من فاروق، وخلصهم سليمان حافظ من كبار السياسيين والأحزاب، وخلصهم يوسف صديق من نفسه، وخلصهم ضباط المدفعية من عبدالمنعم أمين، وخلصهم ضباط الفرسان من خالد محيي الدين، وتخلصوا مني، ثم تخلص عبدالناصر من أغلبهم، وبقي هو وعبدالحكيم عامر وأنور السادات وحسين الشافعي، أما هو وعامر فقد تخلص منهما اليهود في ١٩٦٧، ولم يبق من ضباط الثورة سوى أنور السادات الذي كان يعرف بدهاء الفلاحين كيف يتجنب العواصف والأهواء. إن أول شيء فعله ضباط القيادة بعد أن استقرت الأمور هو أنهم غيروا سياراتهم الچيب، وركبوا سيارات الصالون الفاخرة للتمييز بينهم وبين باقي الضباط الأحرار، وكان لابد حتى يتخلص ضباط القيادة من أصوات المعارضين التي تواجههم أن يلفقوا لهم التهم المناسبة للقضاء عليهم، وتطور أسلوب التلفيق من تحضير شهود الزور، كما في قضية المدفعية، إلى العنف والقسوة في معاملة المعارضين داخل السجون حتى يعترفوا بجريمة لم يرتكبوها، كما حدث مع حسن الدمنهوري، وفي كل الحالات كان الضباط هم الخصم والحكم، وكلما كان أحد المعارضين يسقط أو يضيع أو يختفي خلف الشمس كان ضباط القيادة يزدادون قوة وعنفاً وديكتاتورية، وإذا زادت قوتهم زادت مخالبهم، وإذا زاد عنفهم زادت أنيابهم، وإذا زادت ديكتاتوريتهم زاد انحرافهم، وهكذا إلى أن أصبحوا أباطرة وجلادين. ولم يتوقف الانحراف عند ضباط القيادة، إنما امتد لباقي الضباط من مساعديهم، ولم يتوقف تدخل الضباط في الحياة المدنية عند مستوى القمة، إنما امتد إلى المستويات الأخرى، فقد سرق بعض الضباط فلوس معونة الشتاء، وسرقوا فلوس التبرعات الخاصة بالشئون الاجتماعية، وسرقوا تحفا ومجوهرات وبعض أثاث القصور الملكية. وكان عبدالناصر وشلته يسعون علناً للانفراد بالسلطة، كانوا يفعلون كل شيء لفرش الأرض وتمهيدها لذلك، بعد أن تخلصوا من الضباط الأحرار الذين لم يتبعوهم، سعوا للتخلص من الضباط الآخرين، وبعد أن كمموا الأفواه سعوا لتشريد العسكريين. بعد أن أمر عبدالناصر باعتقال نجيب وقام بالانقلاب عليه وحبسه في فيلا زينب الوكيل أو معتقل المرج كما يطلق عليها الرئيس الراحل محمد نجيب.. يحكي كذلك عن دور الإخوان المسلمين في مساندة عبدالناصر والانقلاب عليه، فيقول: إن الإخوان لم يدركوا حقيقة أولية، وهي أنه إذا ما خرج الجيش من ثكناته فإنه حتماً سيطيح بكل القوى السياسية المدنية ليصبح هو القوة الوحيدة في البلد، وأنه لا يفرق بين وفدي وسعدي، ولا بين إخواني وشيوعي، ولكن لا الإخوان عرفوا هذا الدرس ولا غيرهم استوعبه، ودفع الجميع الثمن، ودفعته مصر أيضاً من حريتها وكرامتها ودماء أبنائها، فالسلطة العسكرية لا تطيق تنظيماً آخر ولا كلمة واحدة ولا نفس ولا حركة ولا تتسع الأرض لها ولأحد غيرها. والإخوان وقفوا مع عبدالناصر وساندوه بعد أن اعتقدوا خطأ أنهم سيصبحون حزب الثورة، وأنهم سيضحكون على عبدالناصر ويطوونه تحتهم، فإذا بعبدالناصر يستغلهم في ضربي، في ضرب الديموقراطية وفي تحقيق شعبية له. وعن معاناته بعد الانقلاب عليه والغدر به يحكي الرئيس الراحل محمد نجيب قائلا: صادروا أشياء لا يملكونها في بيت لا شأن لهم به، صادروا أوراقي وكتبي وتحفي وتذكاراتي ونياشيني وقلاداتي وسيوفي ونقودي، وكل شيء يخصني وكان في بيتي، وكل ما سمحوا به زوجتي وأولادي وثلاث حقائب والشغالة.. يا سبحان الله، ماذا فعلت ليفعلوا بي كل هذا!! إنني يوم ودعت الملك الذي انتهك الحرمات وأحل الفساد وجلب الخراب لم أفعل ذلك.. على العكس، كنت حريصاً على أن يكون وداعه وداعاً رسميا مشمولا ًبكل مظاهر التكريم.. سمحت له أن يأخد أشياءه الخاصة والشخصية، وتركت السفراء والوزراء والحاشية يودعونه، وأمرت أن تطلق المدفعية ٢١ طلقة، وأن تعزف الموسيقى.. حافظت على الأصول والتقاليد.. لكن لم يحافظ عبدالناصر لا على الأصول ولا على التقالي، أنا الذي فعلت كل هذا من أجله ومن أجل مصر ومن أجل الثورة، تعاملوا معي كأني لص أو مجرم أو شرير، لم يتصل بي عبدالناصر، لم يقل لي كلمة واحد،ة ولم يشرحوا لي ما حدث، لم يحترموا سني ولا رتبتي ولا دوري، وألقوا بي في النهاية في أيد لا ترحم وقلوب لا تحس، وبشر تتعفف الحيوانات عن الانتساب لهم. ما أقسى المقارنة بيني وبين فاروق، ودعناه بالاحترام وودعوني بالإهانة، ودعناه بالسلام الملكي والموسيقى وودعوني بالصمت والاعتقال، ودعناه بالمصافحة وودعوني بإعطاء ظهورهم لي. لقد قلبت الثورة كل معايير التعامل مع البشر الذين قاموا بها، طحنتهم، والذين نافقوها رفعتهم. وذاق الذين ساندوا الديكتاتورية من نفس الشراب الذي سقوه للآخرين، ساندوا الخطأ ودافعوا عنه وبرروه، وعندما انتهى دورهم أطيح بهم.. مثلي.. وعليهم أن يخرجوا ليقولوا بصدق ما عاشوا. وعن فلسطين قال: كانت إسرائيل وقتها مستعدة أن تعيش كدولة صغيرة وسط جيران كبار، لكننا لم نكن مستعدين لذلك، وأيضاً لم نكن نسعى جدياً لتحرير فلسطين، فقد كان شعار تحرير فلسطين وإزالة إسرائيل شعارا رفعته الحكومات العربية للاستهلاك المحلي، ولاستمرار طرح قضية وطنية تلهي الناس عن الديموقراطية أو القضايا الاجتماعية، ولو كان هذا الشعار حقيقيا ما تحول إلى هزائم وكوارث واحتلال وقوة إضافية لإسرائيل. العبارات السابقة ليست من كتابات أحد شباب ثورة ٢٥ يناير، ولا من أفكار النشطاء المدافعين عن حقوق الإنسان، بل هي كتابات أحد أهم قيادات الضباط الأحرار، وأول رئيس جمهورية لمصر، وأول من تحمل مسئولية انقلاب / حركة / ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢. فمن قراءة التاريخ ومحاولة قراءة الواقع الحالي يتضح أن التاريخ يعيد نفسه، فالمواقف والأحداث تتكرر مع اختلاف الأبطال والوسائل، ولذلك قبل أن يختار أحدهم الانضمام لمعسكر ما فلابد أن يعيد قراءة التاريخ ليستوضح مكانه ومكانته التي سيكون عليها بعد أن يؤدي دوره المرسوم، الذي اختاره وارتضاه لنفسه.