اسم السجين (اسم الشهرة) : عمر علي حسن عبد المقصود (عمر عبد المقصود)
النوع الاجتماعي : ذكر
تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 3/31/2015
السن وقت الاحتجاز: 27 عام
الوظيفة – نشاط بالمجال العام: صحفي بموقع مصر العربية وطالب بكلية التجارة بجامعة المنصورة
مكان احتجاز المرسل : قسم شرطة مركز السنبلاوين
هرطقة
الآن بدأ إبراهيم يعاني نفس الألم, نفس الألم الذي بات يزحف منذ شهور, إلا أني تخلصت منه, نفس المكان, نفس الموضع, نفس القدم وذات الإصبع , فارق بسيط يفصلنا إذا ما استثنينا الوقت, المسبب أو السبب هو الفارق.
فقدت ظافر إصبع القدم اليسرى الكبير , فقدته إثر عملية تعذيب بشعة صاحَبَها خسائر عدة كان ذلك الظفر أهونها , أو هكذا ظننت , حتى بدأ ينمو من جديد ولكن بشكل غير طبيعي وبدأت المعاناة , اضطررت لإجراء عملية جراحية بسيطة في سجن جمصة شديد الحراسة بعد آلام داهمتني ومنعتني من السير بشكل طبيعي فكان لابد من تدخل للإزالة والتطهير بشكل جراحي شديد الإيلام .
الآن بدأ إبراهيم يعاني من تلك الآلام وإن كانت في بدايتها ، لكني أعلم أنها سرعان ما ستتطور لتعوقه عن السير بشكل طبيعي لفترة , لا سبب واضح لما يحدث لإبراهيم حالياً لكنه يحدث وسيتطور ولا أعلم ما الحل الآن , لأنك هنا في هذا المكان , لا قيمة لك , فما بالك ببعض آلام الأسنان أو الأظافر ؟! إن لم تمت فأنت على ما يرام .
” أحن إلى خبز أمي ” هكذا قال محمود درويش الشاعر الفذ , إلا أني لست بصدد الحديث عن الخبز أو عن محمود درويش , ولا في معرض للحديث عن أمي حفظها الله , لكني ” أحن ” .
أحن إلى أغبى أنواع التكنولوجيا و أكثرها بساطة , نعم وللأسف أشتاق إلى جهاز محمول أخضر الإضاءة أحادي ألوان الشاشة , أو حتى ذلك الصيني الصنع الذي ينقصه فقط أن يعمل كماكينة حلاقة وخلاط مطبخ ليصبح الكامل المتكامل , ثم تغيب عنه إضاءته وتسود شاشته بعد أول مرة يشحن فيها ليعلن عن موعد انتهاء فترة صلاحيته بعد عدة أيام من الاستخدام لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة , هكذا دونما سبب , فقط لأنه صيني الصنع .
أحن إلى لعبة الثعبان الشهيرة بكافة مراحل تطورها ونشأتها على جميع أنواع المحمول , فمنها ما يسمح باختراق جانب الشاشة ليعود الثعبان من الجانب المواجه , ومنها مراحل مسمطة الجدران لا تسمح بالتجاوز , و لا تنسى أن تأكل في طريقك بعض الديدان أو المقويات التي تسمح لك بزيادة درجتك دونما أن يزيد طول الثعبان لتصبح بذلك ” سيد اللعبة” وتحقق ال High Score)) .
أحن إلى ماكينة الحلاقة ال T)) الزرقاء اللون , لن أتحدث عن ماكينة حلاقتي الكهربائية أمريكية الصنع والتي نُهبَت أثناء مداهمة المنزل ليلاً للقبض علينا , لن أتحدث عنها فذلك يعد ترف لا طائل منه , لكني فقط افتقدها بشدة .
أحن إلى سريري أحمر اللون والذي يتحول بحركة بسيطة إلى أريكة مريحة, أحن إليه و أحن إلى ما عليه , ذلك الجانب الملاصق منه للجدار بجوار الوسادة , كنت أضع محمولي , و أسفل الوسادة أضع ساعتي ومحفظتي إذا لم أنساها في الجيب الخلفي لبنطالي الجينز الأزرق , أحن إلى رائحته العطرة وفرشه الوفير الناعم , أحن إلى ارتفاعه عن الأرض ولو بضعة أشبار .
أعتقد أني نسيت كيف تُمسَك الكاميرا , هل سأعود لضبط ال iso)) و ال focus )) ثم أحدد ما أرغب في جعله out of focus أو flow وما أرغب في التركيز عليه , هل سأذكر مكان زر الالتقاط ذو الضغطتين ؟! أذكر تماماً كيف كنت اتنقل بين عدسةٍ وأخرى , لكني تخونني ذاكرتي في تذكر أرقامها و أنواعها و متى تُستخدم ؟ في أيامي الأخيرة كانت تلازمني أينما ذهبت , كان ارتباطي بها عادياً حتى فقدتُ أقربها إلى قلبي إثر قضيتي الأولى و أصبحت حرزاً , فأدركتُ بعدها أهميتها , فصارت الجديدة تلازمني أينما ذهبت , أحن إلى صوت ال Shutter , تششششششك , أحن إلى كاميرتي J .
عن تلك الأشياء التي تستهلك ثواني وربما أجزاءً منها لنطقها , وتستنفذ عُمراً لقضائها أو القضاء عليها , خمسٌ وعشرون سنة ؟!! كم استغرقت في قراءة ذلك الرقم ؟! ثواني أو أجزاء منها .. ..وكذلك استغرق القاضي في نطقه للحكم بها ” “حكمت المحكمة غيابياً على كلٍ من … بلا بلا بلا بلا بالسجن المشدد لمدة 25عاماً بلا بلا بلا … رفعت الجلسة ” .., هكذا في ثوانٍ معدودة , أما أنا فقدت كتبت هذه الكلمات في دقائق معدودة أيضاً , ولكني سأحتاج لعمر إضافي على عمري لأنفذ تلك العقوبة , تخيل معي ما كان عمري الآن 30 عاما ً , بكل ما تحويا من أحداث ومشاعر وانفعالات ودراسة واخفاقات ونجاحات , ثم اقضي 25 سنة في حدثٍ واحد ” السجن ” …. أي هرطقة هذه ؟!! ماذا ينتظرني في ال 55 من عمري إذا أطاله الله لي ؟!!
كم من الوقت يستغرق صناعة طاغية أو ظالم , كم من الوقت تستغرق لتصبح في مجالك فاسداً ؟! في جميع الأحوال لن يتساوى وقت صناعة الفساد مع وقت القضاء عليه , تماماً كالدمامل تأخذ وقتاً لتنمو وتتوحش , ثم بضربة مبضع ينتهي كل شيء.
عمر عبد المقصود
من سجن السنبلاوين