اسم السجين (اسم الشهرة) : محمد صابر احمد البطاوي (محمد البطاوي)
النوع الاجتماعي : ذكر
تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 7/29/2015
السن وقت الاحتجاز: غير معلوم
الوظيفة – نشاط بالمجال العام: صحفي بجريدة أخبار اليوم
مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون طرة
بحب مصر
“بحب مصر”
على بصيص النور الذي بدأت خيوطه تتسلل بين قضبان زنزانة بسجن استقبال طرة، أمسك مجددًا بقلمي بعد انقطاع عن الكتابة أو معرفة الأخبار أو حتى ممارسة الرياضة والتعرض للشمس والهواء، أمسك القلم لأكتب وسط ظلام الانقطاع عن الأخبار والمعرفة التي هي زاد الصحفي وقوته أشد وطأة من ظلام السجن والزنازين ؛ ولكني أمسك القلم لأعترف في هذه الأقصوصة التي لا أعرف إن كانت سترى النور أم لا.
بعيدًا عن غرف التحقيقات وتهديدات المحققين وسرية أماكن الاحتجاز، قررت أن أخرج اعترافاتي إلى النور، وأن أتنازل عن جبني أن أكون موضع الخبر لا مجرد ناقل له، موضوع التحليل والرؤية، وليس عارضًا لهما.
*أعترف أنا محمد صابر البطاوي بملء إرادتي وبكامل قواي العقلية والمدرج اسمه في قضية (503) أمن دولة عليا لسنة 2015 أنني بعد أربعة أيام من الاحتجاز في مقر الأمن الوطني بشبرا الخيمة، منذ فجر الأربعاء 17 يونيو وحتى الآن لمدة 38 يومًا في سجن استقبال طرة بعد عرضي على نيابة أمن الدولة، لازلت حتى الآن “متنيل” بحب مصر، ولم أستطع رغم بقائي مقيدًا معصوب العينيين طيلة الأيام الأربعة الأولى والشعور بمرارة الظلم طيلة الأيام الـ 38 أن أكرهها، ولم يدفعني ذلك للعن أهلها وناسها حتى اللحظة.
*أعترف أنني كدت أخون الوطن، وأمام تهديدات الضابط تمنيت أن أحظى بجنسية تمنحني الحرية تمامًا كبيتر جرستي ومحمد سلطان وغيرهما، لكني أعترف بأنني لا أزال “وش فقر”، ولسه مش شايف نفسي في بلد ثانٍ، ولا بين أهل آخرين.
*أعترف كذلك بأني “الأزهري الدراسة” لم أقترف يومًا ما يؤرق أمن مصر أو يمسه بسوء، ولم يكن لي في أي من ذلك يد من قريب أو بعيد، فأنا أجبن من أن ألقى الله بذلك، كما أنني الصحفي المهنة لا أعرف لي سلاحًا إلا الكلمة، ولا فارسًا إلا القلم.
*أعترف أنني بكيت بحرقة أمام النيابة عندما أتى ذكر صديق الدراسة والمهنة والعمل الشهيد “أحمد عبد الجواد” وميادة أشرف وتذكرت أحمد السنونسي وحبيبة أحمد والحسيني أبو ضيف ثم عمر عبد المقصود وشوكان وزيادة والدراوي وراضي وغيرهم.. آلمني بشدة أن يكتب تاريخ الصحافة بالدم والحديد.
*أعترف أنني شعرت بالفرحة بعد دخول زنزانتي في “استقبال طرة”، فالسجينات والسجناء السياسيين أكثر بشرية من كثير من الناس في الشوارع، وانتهاء التقييد بالكلابش وتغمية العينيين لهما فرحة، والاستقبال الأسطوري من رفقاء الزنازنة الذين لا يعرفونك وعملهم على تلبية كل وسائل راحتك خاصة أنك “إيراد جديد” لكل ذلك مفعول السحر لإذابة تعب ما مضى.
*أعترف أن روحانيات رمضان كانت متوهجة رغم القضبان، وإن كان غياب صلاة الجمعة وصلاة العيد مؤلم.
*أعترف أنني لا أفهم قضيتي، ولا أعرف سبب كثير من الأسئلة، ولا أتصور سببًا لسؤالي عمن انتخبت في مجلسي الشعب والشورى والرئاسة، أو عن بعض ما كتبت، وبعض من أعرف أو لا أعرف.
*أعترف أنني اشتقت لتقبيل يد أمي الحانية، ومضاحكات أبي وأخي، وأحاديث زوجتي، وكلمات ابنتي، ومناقشات شقيقتي وزوجها، وأبناء أخي وزوجته وأبناء أختي.. اشتقت لأعمامي وأبنائهم وخالاتي وأخوالي وأبنائهم، اشتقت للشارع والبيت.
*أعترف أن نار الاستقطاب السياسي أحرقت كثيرا من زروع المودة في هذا البلد، وأن مآسي كثيرة جربتها مصر في أعوامها الأخيرة، وأن ثمنًا فادحًا سيظل يدفع ما لم يتعلم المجتمع أن يغفر.
*في النهاية.. أعترف أنني بعد اعتقالي دون إعلامي بالسبب أو إطلاعي على اتهام أو إذن، وبعد تهديدات ضابط التحقيق وتلطيشات آخر… أعترف أن هذه لم تكن مصر التي نحلم بها ونهتف لها في ميدان التحرير.