احمد ماهر ابراهيم الطنطاوي (احمد ماهر) – الآلهة لا تقرأ

اسم السجين (اسم الشهرة) : احمد ماهر ابراهيم الطنطاوي (احمد ماهر)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 8/26/2015

السن وقت الاحتجاز: 35 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: مهندس – مؤسس حركة 6 أبريل

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون طرة

الآلهة لا تقرأ

الآلهة لا تقرأ .
دخل الإله الكبير إلى العنبر يرافقه وفد عظيم من آلهة أقل منه رتبة ، وقف عند الباب الخارجي ليلقي نظرة حول محيط المكان ثم بدأ في إلقاء الأوامر الإلهية إلى الآلهة الأقل منه رتبة وسط صياحه وسبابه للجميع ، اقطعوا الأشجار المحيطة بالمكان اخلعوا أي نباتات موجودة في هذا المكان من الآن غير مسموح بأي شكل من أشكال الحياة، شددوا الحراسة على الأبراج ، اجعلوا الأسوار اكثر ارتفاعًا، أين التشديد الذي أمرتكم به من قبل أيها الحمقى ، لن أغفر لكم أبدا .
اقترب مني الإله الكبير وظل ينظر لي لفترة من الوقت والكل صامت ، كانت نظراته مليئة بالغضب والغيظ والكراهية ، يود لو يفتك بي بأسنانه ولكن يبدو أن هناك ما يمنعه من ذلك قطع الصمت فجأة وسألني بصوته الأجشّ المحشرج المخيف : أصحيح أنك قلت إن هناك ثورة قادمة على السيسي ؟!!
قلت : لا أعتقد أنى قلت هذا، فأنا لا أعلم الغيب ولا أعلم إن كانت هناك ثورة قريبة أو بعيدة ولا أضرب الودع ولا أفتح المندل لأعلم ولكن رأيي الشخصي فعلًا أن السيسي يسير على طريق مبارك ويفعل ما فعله مبارك وربما أسوأ وهذا أدى من قبل إلى ثورة وربما ….
قطع الإله الكبير كلامي وهو يصيح بصوت أكثر غضبًا : أنت ليس لك حق أن تقول رأيك من الأساس ، أنت سجين ، عبد لدينا ليس مسموحا لك أن تقول رأيك ، بل ليس مسموحا أن يكون لك رأي أو تفكير من الأساس ، وعموما لا يهمني رأيك، كل ما يهمني أن أعلم كيف خرج رأيك رغم كل هذه الحراسة ورغم كل هذه الأسوار !!
قلت له : لا أعلم ولكنه رأيي .
ازداد غضبًا وصياحًا وازداد وجهه احمرارا واقترب مني وهو يضغط على أسنانه قائلا : لا تعلم ؟!!
جميل جدا ، سأجعلك تعلم ، أنا لا يهمني رأيك ولكني سأجعلك تعلم وتعلم أشياء كثيرة ، أولها أن تنفذ تعليمات الآلهة مهما كانت غريبة أو غير منطقية أو تخالف القانون أو اللائحة أو متعارضة مع الإنسانية والعقل والمنطق ، ثانيها ستتعلم كيف تعلم .
تركني الإله الكبير وانصرف فجأة وهو يكيل بالسباب للجميع ، لحظات وانقض عليا الآلهة الصغيرة التي كانت ترافقه وبدأت مباراة تمزيق وتدمير ومصادرة كل ما أملكه في هذا المكان ، وبعد فقره التجريد قال لي أحد الآلهة المحليين في طروادة : هذه مجرد «قرصة أذن » وبعدها سنرى ماذا سيحدث .
انصرف كبير آلهة طروادة وهو يعطي أوامر إلاهية لأتباعه : اتركوا له مروحة حتى لا يموت من الحر مثل الذين ماتوا هناك منذ أيام بسبب الحر ، واتركوا له بعض الملابس وبعض الاطعمة حتى يعلم أن رحمتنا وسعته .
نظرت إلى أكوام الحطام ثم حفرت مكانا لي لأنام فيه وسط تلك الفوضى في مكاني الضيق لكن فى الصباح قامت القيامة ، وحضر الإله الأعظم للسجون ، إنه الإله الأعظم والأطول الذي ترتعد فرائض باقي آلهة السجون عندما يذكر اسمه ، فما بالك عندما يسمعون صوته الرعدى ، وما بالك عندما يرونه وهو يطلق الشرار من عينيه ويصرخ فيهم جميعا !!
ولأن إله السجون الاعظم طويل جدًا وقد يصل طوله إلى السماء فقد اضطر للانحناء عند دخول العنبر الذي أقيم به ، ربما اقترح بعض الآلهة إزالة السقف ولكنه رفض لأنه مستعجل فلديه زيارات لمساجين سياسيين آخرين لينكل بهم و ……
سألني الإله الأعظم نفس الاسئلة التى سألها الاله الاكبر في اليوم السابق ، وأجبت نفس الاجابات وعلق نفس التعليقات أنه لا يهمه رأي العبيد السجينات والسجناء مثلى ، أو كل ما يهمه هو كيف خرج رأي من السجن رغم كل الحراس والاسوار العالية ، ألم يفلح معك الحبس المشدد والعزل ؟!!
سألني : ما هي مدة حبسك ؟!
قلت : ٣ سنوات .
قال : كم قضيت منها ؟!
قلت : 20 شهر .
قال لي وهو يصيح بصوته الذي يشبه الرعد و ينظر الي بعينيه التي تطلق الشرر : إذا متبقي لك 16 شهر ، وأعدك أن يكون كل يوم في ال 16 شهر القادمين أسوأ من اليوم الذي قبله ، فأنا لا يخرج من عالمي أي رأي ، ما حدث أمس من تجريد هو «قرصة ودن » وما سيحدث اليوم هو استكمال قرصة الودن .
سألته : وهل كنت أعيش من قبل في جنه الله في السجن ؟!!
ما الفارق بين التأديب وبين ما أنا فيه غير المروحة والسرير والحمام ؟!!
أنتم تمنعون عني تحديدا كل أنواع الصحف والمجلات والمراسلات والتلفزيون منذ 20 شهرا رغم أنها متاحة لباقي العبيد في السجون ، وكان رمضان الماضي هو الأسوأ في حياتي ، وألغيتم صلاة الجمعة بدون سبب ، وكان اسبوع العيد بالكامل في الحبس الانفرادي بدون أن أرى الشمس وحتى بدون أكل وشرب غير العيش الميري ، وبالأمس صادرتم كل متعلقاتي الشخصية ، ما هو الأسوأ الذي تتحدث عنه ؟!!!
انحنى أكثر ليزداد وجهه اقترابًا منى وهمس قائلا : أعدك أن يكون كل يوم قادم ستقضيه في عالمى هو الأسوأ من كل ما سبق ، أنت لم تر شيئا بعد، أنا لا يتسرب من عالمي رأي .
انصرف الإله الأعظم وتبعه سريعًا باقي الآلهة الأكبر ثم الكبير في طروادة ثم باقي الآلهة الصغيرة ، ثم بدأ العمال في قطع الأشجار وسد أي فراغات في أي مكان وتعلية الأسوار أكثر وأكثر .
نظرت حولي فوجدت أحد الآلهة الذي يبدو عليه بعض الطيبة المصطنعة ، فسألته : هل قرأ الإله الأعظم أيا من آرائي ؟ هل يعرف ما قلت ؟ هل قرأ شكواي من المعاملة سابقا ؟
نظر إلىّ الإله الذي تبدو عليه الطيبة المصطنعة ، وصاح بى باستنكار وسخرية : هل أنت أحمق !!
هل تقرأ آلهة السجون !!
إنّ الآلهة لا تقرأ .