عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي) – جعلت أنظر بإشفاق إلى صديقى بالزنزانة و هو يبكي

اسم السجين (اسم الشهرة) : عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 9/24/2015

السن وقت الاحتجاز: 18 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: طالب بكلية الهندسة بالجامعة الألمانية بالقاهرة

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون/تأهيل وادي النطرون

جعلت أنظر بإشفاق إلى صديقى بالزنزانة و هو يبكي

جعلت أنظر بإشفاق إلى صديقى بالزنزانة و هو يبكي. ربتّ على كتفه محاولًا مواساته. كنا قد انتهينا للتو من أداء صلاة العيد و بدأنا التكبير من النظارات فى جميع الزنازين. كان أول عيد له فى السجن. مررت بهذه التجربة و أعرف شعوره.
تذكر الأهل و النزول للصلاة و مقابلة الأصدقاء و الروح الجميلة فى الأجواء و زيارة العائلة و ذبح الأضحية و الخروج مع الأقارب. تذكر كل ذلك فبكى. أما أنا فلم أبكِ. لأنه كان خامس عيد لى فى السجن.
إذا حاولت التذكر، رجعت بالذاكرة لعيد الفطر، فتذكرته هنا فى سجن ملحق وادى النطرون، و إذا رجعت أكثر للعيد السابق له، تذكرت استقبال طرة و الصلاة فى الزنزانة الصغيرة مع خمسة أشخاص آخرين. و قبل ذلك تعود ذاكرتى لسجن المرج و العنبر الكبير الذى كان يحوى قضيتنا و بعض أفراد قضية مسجد الفتح. أتذكر إمضائى الوقت بصحبة أيمن و إبراهيم حلاوة نواسى بعضنا و نضحك على ما نحن فيه. ثم أتذكر قبلها أول عيد لى فى سجن المرج، و الذى كان فى نفس الوقت أول يوم لى فى سجن المرج، حيث تم ترحيلى و قضيتى هناك فى يوم عرفة. كنا نسخر من سخرية القدر، أن كنا يوم عرفة كالحجيج، دخلنا السجن صائمين و خلعوا عنا ملابسنا و سلمونا ثياب التحقيق البيضاء كثياب الحجيج، ثم حلقوا رؤوسنا تماماً كالحاج يتحلل من إحرامه، ثم أدخلونا إلى عنبر خاص بنا و نحن عرايا، فارتدينا ملابس التحقيق و أفطرنا مع المغرب، ثم استيقظنا و صلينا الفجر و بعدها العيد و نحن صلعٌ بملابس بيضاء قذرة لا نملك سواها و نحن نبكى.
بكيت يومها. بكيت كما يبكى هو الآن. أما الآن، فلم أبكِ.
أشعر أن شيئاً قد مات بداخلى، أو أن إنسانيتى قد ديس عليها حتى لم أعد أشعر بها. لم أبكِ منذ أكثر من عام و كأن مدامعى قد جفت أو أن قلبى قد تحجَّر.
أشعر بأنى أريد أن أبكى على انعدام بكائى. هل هذا منطقى؟ حوَّلنى السجن إلى فيلسوف.
أتذكر ليلة أمس عندما فتحت الأبواب و نادوا على أسماء اتضح أنها حصلت على عفو رئاسى. نهتف و نفرح و نودعهم بحرارة، و هم غير مصدقين أنهم بين لحظة و أخرى، سيمضون العيد وسط أهلهم.
بعضهم خرج بدون شئ و ترك كل متعلقاته من شدة الفرح.
أسمع فى الراديو أن سناء سيف ابنة أخت الدكتورة أهداف سويف، و يارا سلام التى قرأت عنها كثيراً، و شادى تركى، صديقى من قضية خلية الماريوت، قد خرجوا جميعاً فى العفو.
أشعر بالسعادة. أغمض عينى و أتخيل نفسى مكانهم. فى طريقى للخارج. للشارع. للسيارات. للناس. لمدينة الرحاب. لبيتي. لأسرتي. لأصدقائى. لغرفتى. للحرية.
أبتسم لاإراديًا.
ربما يومًا ما.
-عبدالرحمن الجندي
الخميس 24/9/2015