عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي) – مللتُ السجن

اسم السجين (اسم الشهرة) : عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 7/22/2016

السن وقت الاحتجاز: 18 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: طالب بكلية الهندسة بالجامعة الألمانية بالقاهرة

مكان احتجاز المرسل : مكان احتجاز غير معلوم

مللتُ السجن

مللتُ السجن. مللت كل مايتعلق به. مللت الكلام عنه ومللت الكتابه عنه والمكوث فيه ومحاوله تحسينه.مؤخرا ً، بدأت أترك السجن وأهرب.أهرب الى الحريه.ليس هروبا ً مادياً، مع أنى أتمنى بكل كيانى أن أستطيع هذا، لكنه هروب وجدانى. هروب الروح.صرت أنتشى بالمتع الصغيره وأملأ كيانى بلحظات حدوثها. أُقدِّرها وأخبُرُها بكل حواسى. يسمونها فى الحريه المتع الصغيره the small pleasures ..لكنها فى السجن المتع الكبيره، أو لأكون دقيقا، المتع الوحيده.أصلى الفجر ويطفأ النور فى الزنزانه وينام الجميع. ينام الجميع إلَّاى.أصنع كوبا من الشاى، أقفز الخطى باحترافيه بين الأجساد الممده حاملا ً كوب الشاى.فى رشاقه جديره بمن مارس هذه اللعبه ثلاث سنوات يوميا.أصل لمكانى الصغير فى آخر الزنزانة وأسند ظهرى إلى الحائط. أضئ مصباحا ً صغيرا ً فوق رأسى وأُغطيه كى يصدر ضوءاً خافتا ً لا يضايق النائمين، وأفتح كتابى وأقرأ وأنا أرتشف كوب الشاى. لحظة صفاء. أخرج فيها مغادرا ًجسدى ومراقبا ً المشهد من الأعلى. أتخيله كأفيش فيلم درامى. أتخيل ما سيجول بخاطر من يرى هذه اللقطة الثابتة من الزمن. فى المشهد شئ من جمال حزين، أو حزن جميل.أبتسم وأرجع إلى جسدى وأكمل القراءة .لقطة أخرى. أتمدد على ظهرى واضعا ً سماعات الراديو بأذنىّ. أقلب فى المحطات بشرود. وإذا بى أفاجأ بإحدى أغانىًّ المفضلة لفرقة كايروكى أغنية “يا الميدان”.أسترخى وأطلق لروحى العنان.أشعر بالكلمات تتخطى أذنىّ وتصطدم بروحى مباشره ً.تلمسنى. تأخذنى ونسافر معا ًإلى ذكريات أماكن سمعتها فيها من قبل أو أحداث أرتبطت بها. فجأة ينقبض قلبى فى ألم وأنا أسمع صوت عايدة الايوبى يقول:”ساعات بخاف تبقى ذكرى..نبعد عنك تموت الفكرة..نرجع تانى ننسى اللى فات..نحكى عنك فى الحكايات”أبتسم بحزن. لم يعودوا حتى يحكوا عنه الحكايات. يخافون. فقد شوهت الحكايات وطمست ونسى الناس.لقطة ثالثة حصول 34 طالب من زملاءنا منذ سنتين على البراءة فى النقض أثناء فترة الأمتحانات ونحن فى طرة الشهر الماضى.لحظة حملهم لأشيائهم وتوجههم للمغادرة لمنازلهم. كان جميع الطلبة فى التريض. ما يزيد عن مائتيّ طالب.عن الفرحة العارمة والعناقات وعدم التصديق. رافقونا عامين فى السجن والترحيلات والإمتحانات، والآن يرحلون لبيوتهم. وقفت أحتضنهم وأسلّم وأشهد الجمال.الجمال فى سجين فى أسعد لحظاته لكنه يعانق أصحابه ويبكى لفراقهم. يبكى بكاءا ً لن يفهمه إلا من عرف معنى مشاركة المحنة واقتسام لحظات العناء والضحك تحت القهر.اسمع صوتا جميلا يملأ جنبات السجن منشدا:”أودعكم بدمعات العيون… أودعكم وأنتم لى عيونىأودعكم وفى قلبى لهيب… تجود به من الشوق شجونىأيا إخوة فى الله كنتم… على المأساهِ لى خير معينِ”أراقب الدمعات تتلألأ فى عيون الجميع وألحظها فى عينىّ . ينسى الجميع اختلافاتهم فى الفكر ووجهات النظر، ويعانقون اللحظة. لا أمسح الدموع وأتركها تسقط.
عن المتع الصغيرة، الكبيرة، الوحيدة.عن المتع التى صارت شغلى الشاغل الآن، لأنها دليلى الوحيد على احتفاظى بإنسانيتى.أتعلق بها كطوق نجاة. هى مخرجى الوحيد من هنا. تذكرنى أن هذا ليس مكانى.تمنعنى من التعوُّد. من التكيُّف. التكيُّف يورث اللامبالاة. وبين اللامبالاة والحزن،حتما سأختار الحزن. فما دمت حزينا، أطمأننت أن ما زلت انسانا.يقول “على عزت بيجوفيتش” فى كتابه ” هروبى إلى الحرية”:” يتيح السجن للمرء أن يدرك من الأمور ما يمكن وصفه بأنه (جوهرىّ الى حد الألم)”ويضيف قائلا ً “لكن الإنسان وحده هو الذى يضفى على الكبد والمعاناه معنى ما، وهذا هو الفرق”
قد يكون هذا فارقا ً صغيرا، لكن لسجين مثلى لا يملك سوى إنسانيته لتضفى على وجوده معنى،فهذا يشكل كل الفرق فى العالم.أتحمل منتظرا. لعل جسدى يلحق بروحى قريبا.فى الحرية