ايمن علي ابراهيم موسي (ايمن علي) – زنزانة الطلبة

اسم السجين (اسم الشهرة) : ايمن علي ابراهيم موسي (ايمن علي)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 3/12/2017

السن وقت الاحتجاز: 21 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: طالب بكلية الهندسة بالجامعة البريطانية بالقاهرة

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون طرة

زنزانة الطلبة

“زنزانة الطلبة”

“كل عام قبل الإمتحانات نتجمع نحن الطلبة من جميع أنحاء السجون، و كافة الكليات و الجامعات هنا.. في سجن طرة.

زنزانة الطلبة لها روح مختلفة.. روح شبابية..
رغم ما نراه من بهدلة بسبب الترحيلة، لكننا نتظر كل عام كي نلتقي لأيام معدودة ثم يتم ترحيل الجميع مرة أخرى.. كلٌ إلى “سجنه”.
بالنسبة إلينا من يأتون من سجون شديدة الحراسة الزنزانة واسعة.. على الأقل يمكن التحرك فيها.
المساحة المخصصة للنوم (النمرة) واسعة نسبياً.. يوجد حمامان و التهوية أفضل.
قبل إمتحاني الأخير بيوم، كنت جالساً في ركن الزنزانة أذاكر.. الملازم مبعثرة من حولي ماعدا واحدة في إحدى يدي.. و قلم في الأخرى.. الجو شديد البرودة.. على رأسي (الكابيشون) و بداخل رأسي أرقام و معادلات متناثرة..
أحدق في الملزمة.. أحاول فك ألغازها.. لا أستطيع.. أضعها بجانبي في يأس، و أنظر للزنزانة من حولي..
على يميني بعض الشباب يصنعون الطعام للزنزانة.. أمامي بعض الشباب يتحدثون في أمر ما.. بجانبهم شاب يذاكر.. و آخر ينظر من (الثقب) الذي نرى به العالم الآخر لبضع دقائق في توتر و قلق..
هذا (الثقب) الذي رأيت منه “مصطفى عصام” قبل أن يرحل..
لم أكن أعرف شيئاً عنه منذ ثلاثة أعوام.. ثم رأيته أمامي مبتسماً كعادته.. كأنه يودعني للمرة الأخيرة قبل رحيلة.. رحمه الله.
تتزاحم أمامي الأرقام و المعادلات.. تزداد شيئاً فشيئاً حتى تحول بيني و بين الزنزانة من حولي..
رأسي تثقل.. أسندها على الحائط ورائي.. جفنيّ يثقلان.. يسقطان شيئاً فشيئاً..
“أيمن! أيمن!”
أسمع صوتا يناديني.. أشعر بجسدي يهتز.. أفتح عينيّ ببطء أرى وجهاً مبتسماً إبتسامة خبيثة!
يُكمل حين يرى عينيّ شبه مفتوحتين.. “إيه يابني إنت نمت؟! طب قوم نام على الفرشة!”
نظرت إليه متعجباً هذه الإبتسامة الخبيثة التي لم تذهب.. أيضحك على نومي جالساً؟ أم تراه فعل مقلباً ما؟! تجاهلت إبتسامته و أسئلتي و قلت له بصوت متحشرج ” لا أنا هقوم دلوقت”.. تركني و ذهب..
أنتظرت قليلا حتى يعود عقلي للعمل.. حتى ينتهي من ال “buffering”.
قمت لأغسل وجهي.. ” أيمن! تلعب بولة Estimation؟!” نظرت ناحية مصدر الصوت الآتي من خلفي.. وجدت “جِندي” جالساً و معه ثلاث شباب آخرين و بأيديهم كروت “كوتشينة”.. أشرت برأسي نافياً و قلت “لاء مش قادر بس.. ممكن ألعب “Poker”.. “طيب هنخلص البولة دي و نلعب.. هات معاك ال chips و إنت جاي”.
ذهبت إلى الحمام، أمسكت بزجاجة مياه، في هذا السجن المياه منقطعة طوال الوقت! تأتي فقط خمس مرات كل يوم لدقائق، فنملأ الزجاجات و الجرادل و أي شيء يصلح لتخزين المياة.. صببت بعض المياه على يدي، المياه مثلجة! غسلت بها وجهي سريعاً قبل أن أتراجع.
خرجت من الحمام، نظرت ناحية جندي وجدتهم مازالوا يلعبون، فذهبت لصنع كوب نسكافيه.
سألت “عبد الرحمن عمرو” عن مكان الأكواب، ترك الكتاب الذي كان يقرأ فيه و نظر إلي، ضغط على منتصف نظارته بحركة لا إرادية و قال لي مشير إلى كيس معلق على الحائط و رائه “هتلقيه في الكيس ده”..
فذهبت ناحية الكيس و سألته إن كان يريد أن يشرب شيئاً، فأومأ برأسه نافياً و شكرني.
سمعت صوت “جِندي” قائلاً لي “هتعمل إيه؟” نظرت إليه و سألته “نسكافيه، تشرب؟”
“آه إعملي معاك”
“يابني هتبوظ مني كده، إنت مكنتش بتشرب شاي.. دلوقتي بتشرب نسكافيه و قهوة و بتلعب estimation و poker..؟! و لا إنت علشان خلصت مذاكرة بتنتقم يعني؟”
رد عليّ ضاحكاً “ياعم ما أنت السبب، أول كباية قهوة إنت اللي علمتهالي، و أول بولة Estimation إنت اللي علمتهالي”
رددت عليه مبرئاً نفسي “بس مش أنا اللي معلمك ال Poker.. دي إحنا إتعلمناها هنا مع بعض.. عامةً شوف كده حد عندك عايز يشرب حاجة؟”
سألهم و نفوا جميعاً ماعدا “علي عارف” طلب كوب شاي بدون سكر.
صنعت المشروبات و أتيت بال chips المصنوعة من أطباق فل و أقلام highlighter في طريقي لمحت جريدة الأخبار ملقى على الأرض و مكتوب في الصفحة الأولى بخط عريض
“قائمة العفو الثانية في خلال ٧٢ ساعة”
إبتسمت نصف إبتسامة فقد مضى إسبوعا (١٦٨ ساعات) و لم يحدث شيئاً!!
أكملت طريقي إلى الشباب في ركن الزنزانة.. أعطيت لكلٍ كوبه و جلست لنغلق دائرة من خمس أشخاص، و أنتظرت آخر game في البولة.
ألقيت نظرة سريعة على الزنزانة.. ٢٥ شاب غيري في هذه الزنزانة!
٨٨ زنازين طلبة في هذا السجن فقط.. غير من يؤدون إمتحانتهم في سجون أخرى.. غير من يوجد مشاكل في أوراقهم و لا يستطيعون أداء الإمتحانات، فظلوا قاعدين في “سجونهم”.. صدمت عندما رأيت شبابًا من مواليد ١٩٩٨!
عامين و سنلتقي بمواليد ٢٠٠٠٠!!
أعلم أن هناك أطفالا قابعين في مؤسسة العقابية، لكن دائماً الرؤية غير السمع..
بدأنا game ال Poker.. “علي عارف” يوزع ال “chips” ثم خمس ورقات على الأرض و ورقتين لكل لاعب، سألني “جِندي” “إيه النوم ده كله؟!”..
نظرت إليه متعجباً “إيه أنا نمت كتير؟!”
“آه.. و كمان الشباب كانت قاعدة تطبل و تهيص.. الواد خالد مسك الحلة و إشتغل.. طبعاً كله ما بيصدق.. أنت محسيتش؟!”
“خالص!”
“خلصت مذاكرتك و لا لسة طيب؟”
“لا لسة فاضل لي 7 chapter و 13 مش فاهم منهم حاجة!”
“طب إيه مش هاتكمل؟!”
“دلوقت؟ لاء.. مخي فاصل شحن.. زي البتاع اللي ورا ده.”
و أشرت بإبهامي خلفي على “الثقب” الذي نرى به العالم لبضع دقائق في توتر و قلق.. أبتسم جندي إليّ و قال “بس المفروض دي لعبتك.. الstatistics”
“Fold”
تم وضع ورقة جانباً.. إختلست نظرة سريعة إلى ورقي ثم إلى الورق الملقى على الأرض و قلت و أنا أرمي ب chip 500.. “يا عم لو المنهج يتشرحلي مرة واحدة بس هقفل الإمتحان.. كده كده الأسئلة بتيجي مباشرة مفيهاش لف و دوران.. و بعدين الورق لسة داخلي زيارة حسن أول إمبارح، بعد ما رجعت من زيارتين قبله.. و الإمتحان بكرة! و أنا مخي وقف عامةً.. الصبح هاراجع على اللي ذاكرته و بعديها هحاول أفهم أي حاجة من اللي ناقص.”
“آه صح الصبح الدنيا بتكون هادية.”..
“الكل in!”
قولت و أنا أدفع كل ال chips بثقة قبل أن أخسرها كلها!
نظر إليّ “جِندي” و قال لي ضاحكاً “يابني إحنا لو كنا بنلعب على فلوس، كان زمانك بعت شرابك!”
ضحكنا جميعاً..
أحيانًا تولد لحظات تنسيك كل همومك، كالنبات الذي يشق طريقه من بين الوحل و السماد، فيخرج وروداً و ثمارا.. نتمنى أن نمسك بهذه اللحظات و نستمتع بكل تفصيلة فيها.. لكن سرعان ما تذهب هذه اللحظات وسط قلة الشمس و عفونة المكان.. فتدبل.. و تموت!!”