عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي) – تميم البرغوثي

اسم السجين (اسم الشهرة) : عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 5/21/2017

السن وقت الاحتجاز: 18 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: طالب بكلية الهندسة بالجامعة الألمانية بالقاهرة

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون طرة

تميم البرغوثي

تميم البرغوثي..
حاولت كثيراً أن أعبًر.. أن أكتب ما يعنيه هذا الشاعر لي.. أن أصف تأثير كلماته و وقعها على روحي محدثةً صديً مُسكِراً.. يلتفت من تعصف به الآلام إلي مُخَدِّر ينتشله من الهموم.. و أنا ألتفت بعد كتاب الله إلي شِعره ليسمو بي فوق قمم العالم.تمنحني نسائم شعره قدرةً عجيبةً على إبصار الجمال بمفهومٍ فريد.. جمالٌ لايأبه للمنظر ولا المظهر بل يبرز مكنوناتِ الأشياء و لُبَّ المشاعر بلفظٍ محكمٍ و نظمٍ بديع.
فتلمس روحُك بعدساتِ كلماته جمالاً في الألم و الأمل، و الحب و البغض ،و الموت و الحياة، و كأن الأضداد وقفت صفاً واحداً تصبُّ جمالها صباً في كلماته.
ارتبط اسمه عندي بأحب اثنين إلي قلبي، فلا يكاد يخلو جواب بيني و بين “عبدالرحمن عارف” و “أيمن موسى” من قصيدة له أو جزء من قصيدة.. وما اجتمع ثلاثتنا إلا و ذكرنا “تميم” و سرحنا مع كلماته.
أما و قد فرقت بيننا السجون و أسوارها اللعينة الآن، فلا أجد ريح الأحباب إلا بترديد أبياته و إسترجاع ما مضى من ذكرياتنا.
ثم كأنه بعد أن بلغ حبه في قلبي قدراً كبيراً، ثم ارتبط بأحب الأصحاب إلى قلبي، لم يقنع بهذا كله، فأبي إلا أن يزداد حباً على حبه بكونه ابنَ العظيمة رضوي عاشور -رحمها الله-، أَحَبُّ كتاب العرب إلى قلبي، و إني أدعو الله ألا تكون هناك وحشةٌ في قبر رضوى، كما لم تترك كلمات رضوى و ابنها وحشةً في سجن عبد الرحمن .
حار شعراء فلسطين في وصفها، و صالوا و جالوا في الكلام عنها، ولكن لم أرها حقاً رأي العين إلا بعد سماعي قصيدة تميم ” في القدس “.
أسرح معه وهو يقول:
” و هي الغزالة في المدي
حكم الزمان ببينها
ما زلت تركض خلفها
مذ ودعتك بعينها
فارفق بنفسك ساعةً
إني أراك وهنت
في القدس من فى القدس إلا أنت ”
ثم تتحول مقولته إلي صديقٍ لا يفارقنى في رحلتي بين عتمات السجون، يخفِّف عني وقت ركوني إلى اليأس، فلا تجد زنزانة دخلتها إلا ولوحةٌ جداريةٌ “مرسومة” علي حائطها تقول لي ولمن بعدى: ” فارفق بنفسك ساعةً إني أراك وهنت.”
نجد الشعراء يتميزون في ضربٍ من الشعر، و هو لم يترك درباً من دروبه إلا و خاض فيه و توَغَّل، فتجده مَدَحَ و هجا، و فَخَرَ و رثا، و أبحر فى بحور الغزل..
تسمع فخره بأهل فلسطين قائلاً :
“إن سار أهلي فالدهر يتبع
يشهد أحوالهم ويستمع
يأخذ عنهم فن البقاء فقد
زادوا عليه الكثير وابتدعوا
و كلما هم أن يُخَبِّرَهم
بأنهم مهزومون ما اقتنعوا”
ثم إذا أدار مدفع كلماته نحو الأعداء و المحتلين، سمعت هجاءً لاذعاً لانتخيل قط أن يكون على هذا القدر من الجمال:
” أعداؤنا خوفهم لهم مدد
لو لم يخافوا الأقوام لانقطعوا
فخوفهم دينهم و ديدنهم
عليه من قبل يولدوا طبعوا
قل للعدا بعد كل معركة
جنودكم بالسلاح ما صنعوا
لقد عرفنا الغزاة قبلكم
و نشهد الله فيكم البدع
ستون عاما و مابكم خجلٌ
الموت فينا و فيكم الفزع
أخزاكم الله فى الغزاة فما
رأى الورى مثلكم و ما سمعوا
حين الشعوب انتقت أعاديها
لم نشهد القرعة التي اقترعوا
لستم بأكفائنا لنكرهكم
و في عداء الوضيع ما يضع”.
ثم إذا أوجعه ألم فقد أمه الكريمة، أنشأ راثياً يقول:
“بِاْسْمِكْ يَاْ أُمِّي
بِاْسْمِ رَضْوَىْ مُصْطَفَى مْحَمَّدْ عَاْشُورْ
الأرضِ دِي رِضْيِتْ تِدُورْ
رَغْمِ الليْ كَاسِرْ ضَهْرَهَا مِنْ كُلِّ جُورْ
الأرضِ بِاْسْمِكْ قَرَّرِتْ تِبْقَى بَنِي آَدَمْ كَرِيمْ
الضَّهْرِ مَحْنِي بِسِّ بَايِنْ مُسْتَقِيمْ
و ِكْتِيرْ بِتِبْقَى مُسْتَقِيمَةْ وْهِيَّ مَحْنِيَّةْ الضُّهُورْ
بِاْسْمِكْ يَا أُمِّي الشَّمْسِ رِضْيِتْ تِدِّيْ نُورْ
رَغْمِ اْنَّهَا كَاتْ نَاوْيَةْ تِمْشِي
لاجْلِ كَاشْفَة جَوْهَرِ العَالَمْ
و ِمَا بْتِشْهَدْشِ زُورْ”
ثم يأبى أن يكتفي، فينطلق في درب الحب صادحاً بأبدع و أرقى ماتكون الألفاظ:
“يقسو الحبيبان قدر الحب بينهما
حتى لتحسبُ بين العاشِقَيْنِ دما
و يرجعانِ إلى خمرٍ معتقةٍ
من المحبةِ تنفي الشكَّ والتُهَما
جديلةٌ طرفاها العاشقان فما
تراهما افترقا.. إلا ليلتَحِما
في ضمةٍ تُرجعُ الدنيا لسنَّتِها
كالبحر من بعد موسى عادَ والتأما
قد أصبحا الأصل مما يشبهان فَقُل
هما كذلك حقاً ، لا كأنهما
فكل شيءٍ جميلٍ بتَّ تُبصره
أو كنت تسمع عنه قبلها، فهما
هذا الجمالُ الذي مهما قسا، رَحِما
هذا الجمال الذي يستأنسُ الألما”
لا أدري كيف أرد جميله عليّ.. فكيف ترد صنيع من مد إليك يداً في أتعس لحظات سجنك، وأنت تنظر في مرآتك مشمئزاً من روحك المشوهة، فهمس في أذنك:
“لاتصدق مراياك حين تريك تجاعيد وجهك. تلك تجاعيدها هي لا أنت يا صاحبي”
ربما سألقاه يوما، وأسال الله أن يكون لقاءاً تعوِّض روعته ما سأفتقده بعدم لقاء أمه العظيمة رضوي أبداً.
أعدك ألا أنسي أبداً يا تميم أن “بكره بكرات كتير، والأمس واحد فقط.