رسائل جدران العزلة

Filters
عام تحرير أو نشر الرسالة
تصنيف مكان االحتجاز المرسل من خلاله الرسالة
اللغة
الفئة العمرية
النوع االجتماعي

محمد رمضان بيبرس (محمد رمضان) – الجريمة “محامي”

محمد رمضان بيبرس (محمد رمضان) – الجريمة “محامي”

الجريمة "محامي"
معالي السيد الأستاذ / محمود الامير (نقيب محامي شرق الإسكندرية)
تحية طيبة و بعد،
عندما تم البقاء القبض على اصدرتم حضراتكم قرار بعدم التضامن معي لكونكم لا تدافعون عن ارهابيين، و لا اخفي على حضراتكم بأنني قد تلقيت هذا الخبر ليس بدهشة أو استغراب، فطالما كانت النقابة - خلال فترة توليكم لهذا المنصب العظيم - اداة في قبضة الدولة توجهها كيفما شاءت، و لكن أقول لحضراتكم إنه ما زالت لديكم فرصة لتحرير النقابة من هذه القبضة، فكلما كانت النقابة حرة، أصبحت كرامة المحامي في عنان السماء ، و اذكر نفسي و إياكم بأنه على مر العصور كان المحامون في طليعة الحركة الوطنية و حملوا لواء قياداتها كانت المحاماة رسالة و ليست مهنة و كانت سيف يشهر في وجه الظلم و حارس أمين على حقوق الفقراء و المستضعفين، كانت النقابة هي الام الولادة التي أنجبت عظماء أمثال الخواجة و مصطفى كامل و مصطفى البرداعي.
معالي النقيب ،
لو قرأتم أوراق قضيتي ستجدون إقرار من الضابط مجري التحريات يقر فيه في أكثر من موضع بالآتي : "المتهم دائم الترافع في قضايا الحركات الاثارية"
معالي النقيب،
أنا لست إرهابيا فأنا لم استبح الدماء و لم اخرب أو انهب و لم أبيع ارض الوطن و لكن جريمتي انني محامي يحلم بوطن حر.
مقدمه لحضراتكم،
محمد رمضان
المحامي بالاستئناف العالي
زنزانة ١٢ عنبر ٢
معتقل برج العرب

شادي حسين ابو زيد (شادي ابو زيد) – رأيت فى منامي

شادي حسين ابو زيد (شادي ابو زيد) – رأيت فى منامي

رأيت فى منامى ان ضرسي قد سقط وحاولت استرجاعه ، لكن ابي قد رحل.
فى يوم اخر كانت الامواج عاتية ولكننى لم اخاف الغرق. كنت اخاف على أشياء متعلقة بى انا وامى وأختى، يبدو انها متعلقة بالتواصل معهم، وكان الوصول لتلك الأشياء تحت الامواج صعب ولكننى استطعت.
وفجأة وبدون مقدمات اختفت الامواج والمياه كلها وعاد نور الشمس من جديد وظهرت اختى للاطمئنان علي.
هل تعلم ... دائماً هناك الاسوأ ، ولكني .. ما زلت أتنفس.

محتجز بسجن العقرب – في يوم الاثنين الموافق 29/2/2016

محتجز بسجن العقرب – في يوم الاثنين الموافق 29/2/2016

(1)
في يوم الاثنين الموافق 29/2/2016 تم ضرب زوجة الاخ سيد عطا من ضابط حرس البوابة (رامي) وقال لها ملكيش زيارة فقالت ليا زيارة ..فرد بالشتيمة..فردت بالشتيمة..فصفعها علي وجهها
(2)
عرف الاخوة ما حث فقاموا بعدم الدخول من التريض،فقامت الادارة بتهديدهم فظلوا علي امتناعهم حتي أخذ ثلاثة منهم للتفاوض معهم ومن بينهم سيد عطا وقد قابلوا (ضابط امن الدولة :احمد سيف ، رئيس المباحث: احمد البنا،ضابط مباحث :محمد شاهين )
(3)
طلبوا منهم الاتصال بالزوجة للتأكد فرفض الضباط ،فدخلوا العنابر والزنازين ولكن أكملوا الاضراب عن التعيين
يوم الثلاثاء 1/3/2016 ذهبت قضية انصار الشريعة وفيها كلا من سيد عطا –محمد توفيق واخ آخر واثناء العودة من الجلسة بعد التأكد تليفونيا
(4)
قاموا بالاحتكاك معهم بمشادة أسفرت عن ضرب الاخوة وضرب ضابط و4 امناء ثم تم ضرب الترحيلة بالكامل مما أدي الي إحداث اصابات وجروح شديدة جدا وصلت الي 12 غرزة وتم استخدام أدوات مثل عصا بها مسامير ومواسير حديد وتم وضعهم فى التأديب
(5)
علما بأن نظام التأديب كالاتي :
1-ضرب كل يوم صباحا وأحيانا مساء
2-الطعام ربع رغيف عيش به جبنة
3-اذا قبلت ام لم تقبل يتم الضرب والتعدي اللفظي والجسدي الشديد
دخل اللواء محمد علي (نظن انه رئيس مباحث السجون ) برجاء التأكد وقام بالاتي
1-سب الدين للاخوة
2-تهديد الكل اذا تكلموا عما حدث
3-قاموا بهتك اعراض زوجات وامهات واخوات الاخوة لفظيا وهدد بفعل ذلك أمامهم
(6)
يوم الخميس 3/3/2016 كان ميعاد جلسة انصار الشريعة فهددوهم لو اتكلمتوا مع القاضي هتتضربوا تاني وهنأذي أهلكم
دخل اللواء محمد الخلوصي بالكلاب وقال هجردكم وهرجع الجسم 6 شهور للوراء
اسماء المحتجزين والمضربون عن الطعام والذين تم الاعتداء عليهم 1-سيد عطا زوج الاخت ،2- محمد توفيق (حالته سيئة جدا) ،3-ياسر احمد ابراهيم ، 4- محمد ابراهيم الصاوي ، 5-عمر جميل او عمر جمال ،6- جمال زكي 7-آخرون وكل ذلك داخل
حالات مشرقة
* محمد محمود سليم :صدر بيان من وزارة الداخلية نصه ان محمد محمود سليم قام بالتوبة من الاخوان ومن اللجان النوعية وهذا لم يصدر من الاخ ،ثم نقلوا الاخ من العقرب الي مستشفي ليمان طره كنوع من الرشوة وعرضوا عليه خدمات جيدة وبقاؤه فى المستشفي فترة طويلة بشرط الامضاء علي هذا البيان
فرفض الأخ فوضعوه فى العقرب ثانية وارسل الاخ لنا رسالة (رب السجن أحب الي مما يدعونني اليه…)
احمد هيثم الدجوي فى قضية النائب العام تم أخذه من زنزانته الي التأديب ثم أخذ الي لاظوغلي (جهاز امن الدولة) من المغرب حتي الفجر وظل يعذب ولا نعرف عنه شيئا بعد ذلك
*مجدي حسين جريدة الشعب :كان في مستشفي ليمان طره وقيل انه أخرج معلومات عن العقرب ،فأخذ ليلا الي سجن العقرب كنوع من الضغط والتعذيب فلم يستطع التحمل ودخل فى حالة اغماء وأعادوه الي مستشفي ليمان طره
(7)
الاحداث داخل سجن العقرب H2
حدثت مقابلة بين اللواء محمد الخلوصي ود عصام العريان من علي باب الزنازنة (النضارة)
فقال الخلوصي الاوضاع هترجع 6 شهور للوارء وانتو كده بتأذو نفسكم تاني
فرد الدكتور عصام العريان :لينا حقوق وهناخدها ،لكن سلطة الانقلاب لا تتعامل الا بالقمع والقهر
فرد الخلوصي انت بتقول انقلاب ؟!،فأغلق النضارى فى وجه د عصام
*د.عصام حشسش قال فقمنا بالاضراب عن الطعام بسبب التهديد الذي قاله الخلوصي
(8)
فى مكتب المأمور قابل السوهاجي كلا من 1- د.عصام الحداد ، د .عصام العريان ،م خيرت ،م عمرو زكي ،د عصام سلطان ،د البلتاجي ، د اسامه ياسين ( فتم تهديد الدكتور اسامه الكسر ويعني التغريب للوادي الجديد وقال السوهاجي بعد تهديده د اسامه :انتو مهيجين السجن وانا كده همنع التريض والزيارة والكانتين والاكل ثم قطع الحوار وخرج.

عبير الصفتي – عيد ميلادك السادس

عبير الصفتي – عيد ميلادك السادس

“عيد ميلادك السادس، كل عام وأنتي، كل عام وأنتي سعيدة، كل عام وأنا راضية عنك، كل عام وأنا مازلت أتطلع وأطلب من الله أن يضمن لكي مستقبل أفضل على أرض الوطن
سيأتي عيد مولدك القادم وأنا معكي في وطن يحبنا ولن أكون كما اليوم خلف قضبان السجون.. رضوى، يا رضا الله عني وهديته لي، حفظك ربي ورعاكي وردني إليكي يا ملاكي”.

محمد رمضان بيبرس (محمد رمضان) – شخة الإيراد

محمد رمضان بيبرس (محمد رمضان) – شخة الإيراد

(١-شخة الإيراد)
رسالتي هذه ستكون بداية لسلسلة رسائل حول الانتهاكات التي رصدتها بمعتقل برج العرب، ساتناول في هذه الرسالة موضوع اعتقد إنه في غاية الخطورة و يعد من أكبر الانتهاكات التي تحدث بحق المعتقليين الجنائيين و هو موضوع التبرز الإجباري أو (الشخة) كما يسميها الجنائيون، فعند دخول أي معتقل لبرج العرب يمر هذا المعتقل بمرحلتين :
الأولى : مرحلة الايراد
الثانية : مرحلة السكنى
-مرحلة الايراد: تحدث عنها قانون تنظيم السجون و أطلق عليها مسمى فترة الحجز الطبي و المفروض وفقا للقانون إنها عبارة عن إيداع المسجون سواء جنائي أو سياسي بعنبر ٢ و هو العنبر المخصص للإيراد لمدة عشرة أيام يحرم خلالها المسجون من الزيارة ، و لكن ما يحدث بمعتقل برج العرب إنه يتم إيداع المسجون جنائي لو سياسي لمدة تتراوح ما بين ال ١٥ يوما إلى شهور قد تصل إلي أكثر من سنة، هذا العنبر "عنبر ٢" يحوي على العديد من الزنازين كل زنزانة بها شخص يدعى " نباطشي" و هو مسجون يعمل لحساب الامن و يقوم بمراقبة المعتقليين.
تقوم إدارة السجن كل يوم الساعة ٧ صباحا بإخراج كل المعتقليين الجنائيين عدا السياسين من الزنازين و اقتيادهم إلي مكان مكشوف به مجرى مائي طويل راكد و ترغم الجنائيين على التبرز بصورة جماعية و هم عرايا من الاسفل و ذلك بحضور النباطشي و مجموعة من المخبرين الذين يحملون بإيديهم الكرابيج أو كابلات الكهرباء حتى يرغموا المعتقليين على التبرز خشية قيام أحدهم ببلع أي ممنوعات أو مخدرات.
المثير للاشمئزاز انني كنت اعتقد قبل دخول المعتقل إن هذا الأمر يحدث للمعتقل مرة واحدة فقط و لكن ما اكتشفته إن المعتقل الجنائي يتم ارغامه على التبرز كل يوم لمدة من ١٠ إلي ١٥ يوما، و يالويل المعتقل الذي لم يتبرز، في هذه الحالة ينهال عليه المخبرين بالضرب حتى يتبرز لدرجة إن المعتقل الجنائي يضطر لحبس التبرز يوم كامل حتى يستطيع التبرز في الصباح خوفا من بطش المخبرين أو يضطر لأكل كميات كبيرة من الحلاوة الطحينية المخلوطة باللبن حتى تسبب له الاسهال ، و لكي ينجو المعتقل من هذا الانتهاك عليه بدفع خرطوشتين سجائر للنباطشي الذي يتقاسمها مع المخبرين يوميا و هذا أمر مكلف جدا للغاية لا يستطيع أداؤه سوى المعتقلين ميسوري الحال أو ما يطلق عليهم "البكايتا" إما فقراء المعتقلين فلهم إما "الشخة" أو التعذيب.
#الحرية_للمعتقلين_السياسين
#الحرية_للمعتقلين_الجنائيين
#الحرية_للفقراء
#المجد_للشهداء
#النصر_للثورة
الحرية لبندق- حنتيرة- كفاءة- مسعد- شمامة- أبوزيد- عقابية- السيد عقاب- احمد هلال - تيتو- بريزة-العجوز - رزة - تختخ - ميدو
محمد رمضان
زنزانة ١٢ عنبر ٢
معتقل برج العرب
ملحوظة :
الرسالة القادمة إن شاء الله ستكون حول ( سبوبة) برج العرب

احمد طارق ابراهيم (ارنوب) – 2/3/2019 – السبت

احمد طارق ابراهيم (ارنوب) – 2/3/2019 – السبت

حوالى التاسعة صباحاً من سبت الإسبوع الماضى، كنت أقف ومعى أكثر من خمسين سجيناً آخر فى طابور مستقيم أمام بوابة السجن، تنتظرنا عربة الترحيلات خارج البوابة مباشرة لتنقلنا إلى مكان إنعقاد جلسة النظر فى تجديد الحبس الإحتياطى، كانت السماء فوقنا بلا أسلاك، وكنت أحن إلى رؤيتها هكذا، فالحنين دائماً يهفو إلى الغائب، إذا ورد الغائب سكن الحنين، لكن ما جرى لى عجيب، كلما أحدقت البصر إشتقت أكثر، وفى كل مرة أنظر فيها ألقى الفقد، كانت أيادينا ممددة إستعدآ للتقييد بعد أن انتهى المخبرين من تفتيشنا، مددت يدى للقيد وفى قلبى غضب يتعذر الإفصاح عنه، كرهت القيد ويئست الأمر برمته، وتولد من الكره واليأس أمل، مجرد أمل، أمل لن يغير فى مجرى الأمور شيئاً، لكنه جعلنى أتغاضى عن ضيق القيود بيدى، وتساءلت، لماذا نكبل بالحديد أصلاً داخل عربة الترحيلات ؟ فكالعادة نُفتش بعناية قبل خروجنا من السجن، وكالعادة نُمنع من إصطحاب أى شئ عدا المياه والسجائر، ثم تكبل أيادينا ونركب عربة الترحيلات المصفحة المغلقة شبابيكها بالحديد، ومعنا فى نفس العربة شاويشين يقومون على حراستنا، بيننا وبينهم باب، الباب حديد ومغلق ولا يفتح إلا من الخارج، وحول العربة حراسة من مدرعتين وبوكس وعربة (أتارى) مصفحة وعربة أخرى، والكثير من الدراجات النارية، ويقوم على هذه المأمورية لواء شرطة معه رتباً عديدة من الضباط، فلماذا نكبل داخل العربة ؟ هل يمكننا الهرب ؟ ولماذا كالعادة يضيق هذا الأمين قفل القيد على يدى ؟ الأمر كله عبثى لم أطلب كالعادة توسيع القيد الذى شد معصمى، وفكرت فى أنه ربما ... ربنا ستكون تلك هى جلستى الأخيره، ضاق صدرى بصدرى من هذا الأمر المفاجئ، حاولت مجاهدته، غلبته وغلبنى، لكنى لم أستطع مفارقته.

أفقت من خواطرى داخل العربة مع باقى السجينات والسجناء، وكالعادة يتبادلون أحاديث مكررة، يسّبون نفس الأشخاص، يغنون الأغانى الدينية المبتذلة ذاتها، والتى سمعتها منهم على مدار عام كامل، وكالعادة أيضاً لم أشاركهم الغناء، وقعت عيناى على هذا المسجون الذى أعرف أنه ممنوع من الزيارة منذ اليوم الأول كغيره من السجينات والسجناء أصحاب القضايا الخطرة، وأعلم أن هذا المسجون لم يرَ أبناءه وأمه وإمرأته لأكثر من عامين، وتمنيت ألا يكون فى إنتظاره أحداً ما، فقد جرت العادة أن يصطف أهل هؤلاء السجينات والسجناء فى الطريق من السجن وحتى مكان إنعقاد الجلسات، ونتظر السجينات والسجناء من شباك العربة المغطى بالسلك الحديدى، فيراهم ولا يروه، ينادى عليهم فيسمعونه ويركضون خلف العربة متتبعين صوت طالما أحبوه، متبادلين كلمات شجية حنونة، وغالباً ما يصعب سماع أكثر من كلمة أو كلمتين بسبب علو صوت (الكلاكسات) وتنتهى المحادثة بأن تركض الأم أو الزوجة خلف العربة إلى أن تسقط على الأرض ويبكى صاحبنا ويبكى معه الجميع، تمنيت ألا يحدث هذا ولو هذه المرة فقط، لكنه كالعادة حدث وكالعادة قطع البكاء بعض الهمهمات (حسبى الله ونعم الوكيل)، (ربنا ينتقم من الظالم)، (أصبر وإحتسب)، أتعذر النطق وأن جال فى خاطرى أنهم جعلوا منا غائبين، فالمسجون به حنين إلى كل شئ، حنين لا ينتهى، حنين إلى المفقود، إلى زمن ليس فى المتناول، إلى رؤية محبوب غائب، إلى لحظة لم تبق سواها من سنين عديدة، إلى رائحة عبرت حواسنا فى زمن مضى، إلى وقفة عند ناصية، إلى حفيف فستان، إلى مذاق طعام ألفنا طاهيه، إلى ممشى فى شارع، إلى ظل شخص أو ظل مكان، إلى رائحة بساط عتيق، إلى جلسة ود إنتهى وما عاده، أرجع من شرودى هذا، وما زالوا مستأنفين أغانيهم التعة ... يا للبؤس ! ما هذا التكرار اللانهائى ؟
وصلنا معهد أمناء الشركة (مكان إنعقاد الجلسة) نُفتش مرة أخرى، وحولى العديد من العساكر بشكل دائرى وفى حالة تأهب، ضحكت فى نفسى، هل يعتقدون أنّا خطرين حقاً ؟ فكرت أن ألقى بكلمة داعبة وربما فكرت فى أن أتأسف لهم على أننا سبب تكديرتهم هذه، لكن منعتنى نظراتهم العدائية، كرهتها، لمَ ينظروا إلىّ وكأنى وحش ؟ وكأنى إرهابى حقاً ؟ لقد أحببت تلك البلد فلماذا تتنصل من حبى وتعادينى ؟ مقتُ نظراتهم وأشحت بوجهى بعيداً إلى أن ينتهى المخبر من تفتيشى، وقد إنتهى بالفعل، وذهبت لأُفتش مرة أخرى بجهاز كشف المعادن، وجد معى قداحة وأخذها المخبر منى، سألته عن السبب، لم يرد، ولم ألح عليه، حسناً، لا يهم، خذها، لقد راودنى الأمل مرة أخرى فى أنه ربما ستكون تلك هى المرة الأخيرة، وضعت سيجارة فى فمى وطلبت منه إشعال هذه فقط، ففعل وشكرته ثم أعطيته القداحة.
دلفت القاعة، وكالعادة المئات من الإسلاميين وآخرين، أبحث دائماً عن الآخرين لتمضية اليوم وتمرير الوقت، ألمح نبيه صديقى ومحامىّ، وأحاول أن ألفت أنظاره بإشاراتى فنحن فى قفص حديدى، القفص محاط بزجاج مانع لإنتقال الصوت والزجاج محاط بقفص حديدى آخر، فبينى وبين نبيه حواجز، لكنه يرانى ونحاول تبادل بعض الكلمات، أية كلمات، لكن غالباً ما نفشل، يزعجنى دائماً هذا الزجاج، يشعرنى بأننا قرود، وهنا مقام حزن لن أصرح به لكنى سمعت أحدهم يتلو من خلفى ((ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة )) وأتلو فى سرى (( يا مالك ليقضى علينا ربك )) حسناً حسناً لا ضير، ربما ستكون الجلسة الأخيرة وسأرى نبيه، سأعاتبه على أشياء وأشكره على أخرى، لكنى كنت أود أن أخبره بأن يذكر للقاضى القنوات والشركات والإعلانات التلفزيونية التى عملت بها وأننى متهم بالنشر ولم ينشر شئ، لكنه يطمأننى فأبتسم.
يصل القاضى ويترافع عنى المحامون ولا يصلنى شئ سوى بعض الإيماءات والحركات الجسدية، فأتساءل لو سمعت صوت نبيه سأعرفه ؟ فالأصوات أول ما يستلم للنسيان، ثم تتبعها العادات الصغيرة، كطريقة النظر إلى الموجودات وحركة الأيدى ولوازم الحديث، ثم هيئة الضحك والإطراق عند التفكير وجوهر الحضور، أتابع المرافعة، وكالعادة لا تستمر لأكثر من دقيقتين، فأحزن لحال هؤلاء المحامون، فهم يضيعوا ما تعلمون أدراج الريح، والمفترض أن يقرأ المحامى القضية ويحاول يجاد ثغرات قانونية، وعلى هذا الأساس يحاول تبرئة موكله، لكن ما الذى سيفعله أية محامى فى دقيقة ؟ ماذا سيقول ؟ القاضى نفسه لم يرانى، لم يلحظنى حتى، هل بمرور الزمن سنسى هؤلاء المحامون أصول المهنة ؟ وهل سيرانى القاضى؟ لكننى أُمنى نفسى بشئ من العدل وبعض الأمال، تنفضى الجلسة كالعادة بمزاج سئ، ونخرج من القاعة، نُفتش، نُكبل، نركب عربة الترحيلات، يُغنون، نصل السجن، تُنتزع القيود من معاصمنا، نُفتش مرة أخرى، نوزع على عنابرنا ويخف الأمل بداخلى.
أهل الزنزانة، يستقبلنى حسن البنا بقلب وجل (هــــاه؟)، (معرفش يا حسن بس شكلها تجديد زى كل مرة) يربت على كتفى ويطمأننى (خير ياسطى، هتخرج المرة دى) أبتسم له وأن تلوت فى سرى ((قال فما خطبك يا سامرى، قال بصرت بما لم يبصروا به)) ثم أذهب للنوم، وأعلم فى اليوم التالى – فى الزيارة – من أبى أنه تم تجيدد حبسى كالعادة وكالعادة وكالعادة وكالعادة وكالعادة .... ؟ أنظر إلى وجه أمى فى نهاية الزيارة، فأستمد منه حزن شجى وآلم مروع وقوة وقدرة على الإحتمال لا قبل لى بها، فأحتضنها شاكراً ضعيفا، فالسلام عليك يا أمى وعلى وجهك الحانى، السلام على الأيام الرواحل والأعمار المنقضية، السلام على أبى وأختى، السلام على البسمة الحانية والأنة الشاكية والثرى الذى إحتوى، السلام على الدهر المحى المهلك، السلام على قوتنا وضعفنا وعلى اللحظات التى لا يمكن إستعادتها أبداً، السلام علينا وعليكم ... السلام .
أحمد طارق إبراهيم
(أرنـوب)
من السجن

محمد طه وهدان – أين أبي؟

محمد طه وهدان – أين أبي؟

أين أبي؟... هذا السؤال الأول الذي سينطلق من فمك الجميل عما قريب، لن تصغي إلى الإجابات العابرة، ولن تلتفتي إلى عبارات الخواطر الجابرة، سيكون سؤالك معك كلما كبرت، وسيزداد عمقا وحيرة وألما.. ستسألينه لنفسك كلما رأيت قريناتك يلتقطن قطع الحلوى من يد آبائهن الحانية، ويلعبن ويمرحن مبتهجات ثم يرتمين في أحضانهم الدافئة، إلا أنت.. ستشعرين بالفقد والحرمان، وستقفز من وعيك كلمة واحدة كانت قد استقرت في أعماقك والتصقت بأفكارك، كلمة (إعدام).
أين ابني؟... سؤال انطلق مني عصر الثلاثاء 19 شباط/ فبراير 2019 حين سمعت أصواتا عالية وجلبة صادرة عن عنبر (1) بسجن العقرب المودع فيه أبوك... وانا المودع في عنبر (2) معزولين عن بعضنا عزلا تاما بأسوار وأبواب وحواجز وحراس ولم أره طوال فترة السجن لحظة واحدة، كما لا يرك هو منذ مولدك، ولم يمكنوه حتى في اللحظات الأخيرة من حياته أن يلقي بسلامة عليِّ، لقد اقتادوه وزملاءه إلى ... الإعدام.
ستكبرين وستسألين وستسمعين، بل وستشاهدين صور أبيك وإخوانه محمولين إلى قبورهم تعلو وجوههم ابتسامه مضيئة، وستشاهدين وتسمعين بأذنيك الهتافات والزغاريد التي شيعتهم إلى مثواهم الأخير، وستفاجئين بالتهاني لا بالتعازي، وستدهشين من أعداد المشيعين هنا في مصر وخارجها بالمشارق والمغارب، وستدركين حين إذن وأنت الصغيرة، أن الأمر قد تخطى معنى الموت، وتجاوز الفقد والفراق والألم، وأن حياة أبيك وإخوانه الحقيقية قد بدأت في اللحظة التي أطبق فيها حبل المشنقة على رقابهم.
هل أحدثك عما تلقيته من أبيك من رسائل الصمود والثبات قبل إعدامه؟ هل أحدثك عن وصيته ووصايا زملائه لنا بعدم المساومة على المبادئ حتى لو نفذوا فيهم حكم الإعدام؟ يا لهم من رجال، الواحد منهم بأمه، أم أحدثك عن سيرته منذ كان طفلا صغيرا مثلك؟ أم أترك ذلك لجدتك أم أحمد الصامدة صمود الجبال الرواسي؟ أم أحدثك عن نبله وأخلاقه وتدينه؟ بل أترك ذلك لأمك التي اختارها فظفر بذات الدين، وقبلته زوجا فظفرت برجل صدق ما عاهد الله عليه فقد نحبه غير مغير ولا مبدل؟ أم تراني أحدثك عن قضيته لا أعني قضيته الملفقة التي حوكم بها، والتي بدأت بتعذيب بشع في مقر الأمن الوطني لكسر إرادتهم وفقا لأحدث نظم وبرامج التعذيب المستوردة من إسرائيل، ثم المحاكمة المنزوعة من كل الحقوق والضمانات؟ أم قضاة باعوا كل شيء فصاروا لا شيء؟... لا أعني تلك القضية المزورة على أبيك وإخوانه الأبرياء، إنما أعني قضيته الأكبر، ورسالته الأطهر، وفكرته الأطهر، قضيته العيش لله بإيمان لا بضلال، رسالة الدعوة الشاملة الكاملة، فكرة إحياء الأمة لتؤدي دورها في العالم مره أخرى.
تلك هي قضية أبيك وإخوانه الحقيقية... من أجلها قبضوا عليهم وعذبوهم وأعدموهم، كما فعلوا بالكثيرين من قبلهم، كما اعتقلوا وشردوا عشرات الآلاف... لأجل تلك القضية كان الانقلاب العسكري الدموي الفاشي... جاء الانقلاب لإجهاض أحلام جيل بل أجيال.. ليجهض آمال ثورة.. لكن هيهات.
إن دماء أبيك هي وقود الثورة.. الثورة على الظالمين المستبدين الفاسدين.. نهبوا الخيرات، وفرطوا في الواجبات، وتنازلوا عن الأرض والعرض والثروات، ثم استداروا على الشرع والأخلاق.
إنهم يعدمون وطنا كاملا.. وما فعله أبوك وإخوانه أنهم تلقوا حكم الإعدام بصدورهم فداء للوطن.. ولما كان الدم لا يموت، فإن الثورة حتما ستنتصر.
ابنتي وحفيدتي الغالية ليلى ستخوضين غمار الحياة والأحداث والناس، وستلحظين إشارات من حولك إلى التاج المرصع المرفوع على رأسك، مكتوب عليه "ابنة الشهيد أحمد وهدان".. هنا يتبدل الدمع والألم والحزن إلى عزة وفخار.. لأنك ستعيشين حينئذ في وطن محرر.
من داخل قفص الاتهام في قضية كتائب حلون، أهديك حبي وأبثك وصيتي: إن قضيت كما قضى أبوك البطل فزغردي لي كما زغردوا له، وإن جمعني الله بك فإني أعدك باستكمال باقي الحكاية التي كنت قد حكيتها لأبيك في مهده.. هي حكاية واحدة.. حكاية وطن وأمة وعقيدة وفكرة أن تحطم قيودها وأغلالها سعيا وراء الحرية والعدالة والكرامة فإلى لقاء قريب بإذن الله يا صغيرتي.

محتجز بسجن العقرب – أحبة قلبي

محتجز بسجن العقرب – أحبة قلبي

احبة قلبى الديجوى ووهدان كنت اسمع على وهدان وعزمنا ان اختم القرآن على يديه..بالإضافة إلى درس التجويد..وكان لا يكل من تعليم كل من حوله وكان يبدأ من بعد الفجر الى ان ينتهى من آخر أخ..وذلك حتى يوم الثلاثاء
١٩ /٢ /٢٠١٩ عندما جاء الشاويش واخذهم هم الاثنين بدون ان نشعر ..حيث دخل ضابط الوينج وبدأ يقول مش انا قولت محدش ينشر غسيل على احبال برة الزنازين ..فانشغلنا مع ما يقول ..ولأن زنزانة الديجوى ووهدان رقم ٢١ وهى فى اول الوينج فلم نشعر انهم اخذوهم إلا بعد أن خرج الضابط..اخذوهم بعد العصر مباشرة تقريبا ..بالنسبة لحبيبى الديجوى فى هذا اليوم لم اعرف حقيقة إلا انى امسك ورقة أكتب له عن مدى حبى له وعبرت له عن حب شديد له ولشخصه وكان دائما بيننا حديث بعد الفجر يطول فى كل شىء خاصة اللغة الانجليزية فهو يتحدث الانجليزى بطلاقة وكان بيننا كل يوم موضوع نتكلم فيه بالانجليزية وهو الذى حكى لى رواية ( فى قلبى أنثى عبرية ) وفى نفس اليوم ارسل لى رواية اسمها (شيفرة بلال) .. الدجوى كان صاحب خلق رفيع ونادر ما بتقابلى مثله فى خلقه ..كان صديق القطط فى الوينج ..النهاردة القطة إللى كان بيضع لها الطعام وقفت على باب الزنزانة بتاعته تنادى عليه.. ولفت انتباهنا كلنا تصرف القطة ..حبيبتى نرى خيرا بإذن الله استبشروا ..الاخوة هنا روحهم المعنوية مرتفعة ولليوم الرابع على الهتاف والاناشيد والدعاء على الطغاة لم ينقطع والكل فى رضا وسكينة واطمئنان وكل ما هنالك اننا حزنا على فراقهم فقط ولكن نحن على ثقة انهم فى معية الله وحفظه سيبدلهم من بعد خوفهم امنا ..الجبناء حتى الآن لم يمتلكوا الشجاعة للدخول الوينج ولا حتى دخول حجرة ٢١ ..مصحف وهدان ودجوى وحاجاتهم ما زالت فى الحجرة ٢١ ..منتظرين رد عنيف من الإدارة بسبب موقفنا من الإعدام الله المستعان لا تقلقى.........
تهنئتى لأهالى الشهداء

حسن البنا مبارك (حسن البنا) – فيما كل هذا الألم؟

حسن البنا مبارك (حسن البنا) – فيما كل هذا الألم؟

فيما كل هذا الألم؟
(1)
‎لماذا يساء إلينا دائماً؟
‎لماذا نحن متهمون من حيث المبدأ؟
‎إلى من يمكنني أن أتحدث؟ وأن أخبره بأنني لست عدو لك، وأنك تخطيىء حين تراني بعين العدو، وتستبيحني كما يستباح العدو .. أنت ضابط الأمن في بلادي، وأنا مواطنك، أنت القاضي في بلادي، وأنا مواطنك .. لم يكن الأمن إن لم يكن لي؟ لمن ينحز القضاء إن لم ينحز لي؟
‎لي رواية واحدة - قصيرة جداً - مللت من تكرارها، لكني لا أملك غيرها لأحكيه ..
‎كنت في طريقي إلى العمل حين استوقفت قوة من الشرطة سيارة الأجرة التي أنا بها، في مشهد معتاد، لا يستدعي التفكير في كونه أكتر من إجراء أمني روتيني سينتهي بمجرد الكشف عن بطاقات الهوية الخاصة براكبي السيارة .. طلبت القوة من صديقي النزول، ثم سألوني:
‎هل أنتما معاً؟
‎أجبت: نعم.
‎ماذا تعمل؟
‎صحفي.
‎هل معك كارنيهاً لنقابة الصحفيين؟
‎لا
:
‎حسناً فلتنزل مع صديقك!
(2)
‎كان ذلك أسود يوم طلعت علي فيه الشمس، ولا زالت هذه الشمس لم تغرب عني.
‎من يومها وأنا مع صديقي، في الأمن الوطني معه، في نيابة أمن الدولة معه، أمام دوائر محكمة الجنايات معه .. وفي كل تلك العوالم رددنا سوياً في كل مرة سمح لنا بالكلام الرواية ذاتها، على مسامع كل من وقفنا أمامه, ضابط التحقيق, وكلاء النيابة, السادة القضاة .. يقول مصطفى: لم يكن حسن على علم بمشروع الفيلم الوثائقي (موضوع القضية) ولا ذنب له إلا تصادف وجودنا سوياً ساعة إلقاء القبض علي، وأقول أنا: هل في مصاحبة الصديق لصديقه ذنب؟
‎سنة كاملة مرت، وهاهي الأخرى قد بدأت في النزيف، مئات الأيام مابين خوف وألم، ولا أحد يعبأ بك، عمرك الذي يستنزف، وظيفتك التي فقدت، المصاريف التي تهدر، حبيبتك التي تنتظرك، عائلتك التي تتألم لغيبتك، وأصدقاؤك الذين يرعبهم أن يتصوروا أنفسهم في مكانك.
‎ولا أحد لتسأله؛ لماذا كل هذا؟
‎فيما كل هذا الألم؟
‎هل يحتاج الأمر فعلاً لأكثر من عام حتى يتسنى للتحقيقات أن تتوصل إلى حقيقة كونك سجين خطأ؟ سجين صدفة؟ إلى هذا الحد شاق هو الأمر؟
‎ألست مواطناً في هذا البلد؟
‎ألا يعد تدمير مستقبلي وتخريب نفسيتي خسارة مباشرة للبلد الذي أنتمي إليه؟ لماذا كلما تحدثت إلى أحد هنا نظر إلي نظرة اتهام واستخاف؟ لماذا لا يستوعبون أننا مواطنون مثلهم تماماً، مصريون مثلهم تماماً، لنا حقوق مثلهم تماماً؟ لماذا أصلاً تثير فيهم الكلمات: مواطن، حقوق، قانون حس السخرية والدعابة؟
‎لماذا لا يعبأ أحد بشعورنا الوطني والضرر الذي قد يصيبه حين يتم اختطافك وترويعك واتهامك في إنتمائك الوطني على أيدي سلطات بلادك، بلا مبرر إلا أنك وقعت في طريقهم بالصدفة، ألا يلحظون أن ذلك يخالف رسالة وظيفتهم ومعنى الوطنية التي يتهموننا فيها؟ لماذا الأمر سهل عليهم هذه السهولة بينما هو يدمينا؟
‎حين تكون سجين صدفة لم تكسر حتى إشارة مرور، سيصعب عليك السجن للحد الذي يمنعك حتى من أن تستطيع معه إضفاء معنى على محبسك يعزيك، فلا أنت مقتنع أنك تدفع ضريبة على قضية ما، ولا أنت مدفوع بشعور بإستحقاق العقاب والندم من جراء إثم أو ذنب اقترفته يحملك على تقبل ما أنت فيه.
(3)
‎لذا تظل في سؤال دائم ودهشة دائمة، ألا يكفي من عمرك سنة كاملة لتصحيح سوء التفاهم إن كان الأمر كذلك؟ لتصويب مسار الصدفة، للتأديب إن كان يلزم تأديبك؟ للعقوبة إن كان يلزم عقابك؟ إن سنة كاملة فعالة على كل وجه، كافية لأي غرض!!
‎لماذا إذن كل هذا الإستقواء علينا؟ ألم يكن يكفي مجرد لفت النظر لأن مرافقة صديقك أثناء الذهاب للعمل أمر بهذه الخطورة؟ وإن لم يكن لفت النظر كافياً، فماذا عن الأحد عشر يوماً التي قضيتهما معصوب العينين، مقيد اليدين، ملقى على الأرض؟ ماذا عن خمسة عشر يوماً إضافياً في السجن؟ شهر؟ عدة أشهر؟ عام كامل؟!
‎لقد كنت أنتظر من أمن بلادي ألا يفترض في العداء مسبقاً، ومن نيابة دولتي ألا ترحب بتوجيه الإتهام إلي قبل ثبوت الدليل، ومن القضاء أن ينصفني ويرد لي الإعتبار إن تجاوز أي منهم في حقي، ولم أزل أنتظر .. ليس لأنني لا أملك شيء سوى الانتظار (رغم أنني بالفعل كذلك) ولكن لأنه يشق علي أن أستوعب ألا يجد المرؤ من ينصفه من بين كل هؤلاء؟
‎أكتب إليكم لا أعرف لمن، وأنشر لأنني لا أعرف طريقة أخرى للتواصل، إذ لمن نحتكم إن لم نحتكم إليكم؟ من ينصفنا إذا خذلتمونا؟ ثمة خطأ ما، لا أعرف ما هو تحديداً، ولا أعرف كيف يمكن تصويبه، لكنه قطعاً يوجد.
‎كل شيء هنا يدعو للكآبه .. للتطرف .. للموت، فإلى متى قد نصمد في مواجهة تلك الشرور مجردين من أي أمل؟ عزلاً من أي رجاء؟
‎إننا بعد كل هذا الألم واستسهال الاتهام في انتماءنا ووطنيتنا ومساوتنا بالمتطرفين والمجرمين، وتجريدنا من أبسط حقوقنا، وإهانتنا والتحقير من شأننا على مدار اليوم والليلة، لم ندخر لهذا الوطن حقداً، ولم نربي له في نفوسنا إلا كل أمنية طيبة، ولم ينتقص كل هذا الظلم من حقيقة انتماءنا له، وأننا لا نبغي شيئاً - أي شيء على الإطلاق - إلا حريتنا والعودة إلا بلادنا التي هي خارج هذا السجن.
‎إن أعمارنا التي تستنزف هنا هي عمر هذا الوطن وحياته، وإلا فمن يحتد للبلاد يوم مصابها إن لم نحتد لها نحن، ومن يرفع علمها يوم فرحها إن لم نرفعه نحن؟.
(4)
‎من ينتبه لأن الكأس قد فاض عن آخره، ومن يدفع من أجل كل هذا، من يطيب كل هذه الجراح، من يجبر كل هذه الكسور؟ نحن معنى هذا البلد؛ أمله وطاقته، سواؤنا النفسي ضمان لسلامته وعافيته، فلا تدفعونا للكفر به، لا تحرضونا على قتل أنفسنا، لا تضغطوا وطنيتنا أكثر من ذلك، لا تزيدوا من اتساع الفجوة بيننا وبينكم، لا تقطعوا رجاءنا بكم، لا تغلقوا في وجوهنا الأبواب، خففوا علينا، ترفقوا بنا، تأولوا لنا عدد والنا الأعذار!
‎فكم موجع أن تبصر الوطن في مقتبل شبابك فلا تبصر منه إلا السجن
‎"ياعزيز عيني وأنا نفسي أروح بلدي"
‎حسن البنا مبارك
‎السبت 23 فبراير/ شباط 2019 سجن القاهرة للمحبوسين احتياطيا

احمد هيثم الدجوي – أبتاه ماذا قد يخطُّ بناني

احمد هيثم الدجوي – أبتاه ماذا قد يخطُّ بناني

أبتاه ماذا قد يخطُّ بناني والحبلُ والجلادُ ينتظراني
هذا الكتابُ إليكَ مِنْ زَنْزانَةٍ مَقْرورَةٍ صَخْرِيَّةِ الجُدْرانِ لَمْ تَبْقَ إلاَّ ليلةٌ أحْيا بِها وأُحِسُّ أنَّ ظلامَها أكفاني
سَتَمُرُّ يا أبتاهُ لستُ أشكُّ في هذا وتَحمِلُ بعدَها جُثماني
الليلُ مِنْ حَولي هُدوءٌ قاتِلٌ والذكرياتُ تَمورُ في وِجْداني
وَيَهُدُّني أَلمي فأنْشُدُ راحَتي في بِضْعِ آياتٍ مِنَ القُرآنِ
والنَّفْسُ بينَ جوانِحي شفَّافةٌ دَبَّ الخُشوعُ بها فَهَزَّ كَياني
قَدْ عِشْتُ أُومِنُ بالإلهِ ولم أَذُقْ إلاَّ أخيراً لذَّةَ الإيمانِ
شكرا لهم أنا لا أريد طعامهم فليرفعوه فلست بالجوعان
هذا الطعام المر ما صنعته لي أمي و لا وضعوه فوق خوان
كلا و لم يشهده يا أبتي معي أخوان جاءاه يستبقان
مدوا إلي به يدا مصبوغة بدمي و هذه غاية الإحسان
والصَّمتُ يقطعُهُ رَنينُ سَلاسِلٍ عَبَثَتْ بِهِنَّ أَصابعُ السَّجَّانِ
ما بَيْنَ آوِنةٍ تَمُرُّ وأختها يرنو إليَّ بمقلتيْ شيطانِ
مِنْ كُوَّةٍ بِالبابِ يَرْقُبُ صَيْدَهُ وَيَعُودُ في أَمْنٍ إلى الدَّوَرَانِ
أَنا لا أُحِسُّ بِأيِّ حِقْدٍ نَحْوَهُ ماذا جَنَى فَتَمَسُّه أَضْغاني
هُوَ طيِّبُ الأخلاقِ مثلُكَ يا أبي لم يَبْدُ في ظَمَأٍ إلى العُدوانِ
لكنَّهُ إِنْ نامَ عَنِّي لَحظةً ذاقَ العَيالُ مَرارةَ الحِرْمانِ
فلَرُبَّما وهُوَ المُرَوِّعُ سحنةً لو كانَ مِثْلي شاعراً لَرَثاني
أوْ عادَ - مَنْ يدري - إلى أولادِهِ يَوماً تَذكَّرَ صُورتي فَبكاني
وَعلى الجِدارِ الصُّلبِ نافذةٌ بها معنى الحياةِ غليظةُ القُضْبانِ
قَدْ طالَما شارَفْتُها مُتَأَمِّلاً في الثَّائرينَ على الأسى اليَقْظانِ
فَأَرَى وُجوماً كالضَّبابِ مُصَوِّراً ما في قُلوبِ النَّاسِ مِنْ غَلَيانِ
نَفْسُ الشُّعورِ لَدى الجميعِ وَإِنْ هُمُو كَتموا وكانَ المَوْتُ في إِعْلاني
وَيدورُ هَمْسٌ في الجَوانِحِ ما الَّذي بِالثَّوْرَةِ الحَمْقاءِ قَدْ أَغْراني؟
أَوَ لَمْ يَكُنْ خَيْراً لِنفسي أَنْ أُرَى مثلَ الجُموعِ أَسيرُ في إِذْعانِ؟
ما ضَرَّني لَوْ قَدْ سَكَتُّ وَكُلَّما غَلَبَ الأسى بالَغْتُ في الكِتْمانِ؟
هذا دَمِي سَيَسِيلُ يَجْرِي مُطْفِئاً ما ثارَ في جَنْبَيَّ مِنْ نِيرانِ
وَفؤاديَ المَوَّارُ في نَبَضاتِهِ سَيَكُفُّ في غَدِهِ عَنِ الْخَفَقانِ
وَالظُّلْمُ باقٍ لَنْ يُحَطِّمَ قَيْدَهُ مَوْتي وَلَنْ يُودِي بِهِ قُرْباني
وَيَسيرُ رَكْبُ الْبَغْيِ لَيْسَ يَضِيرُهُ شاةٌ إِذا اْجْتُثَّتْ مِنَ القِطْعانِ
هذا حَديثُ النَّفْسِ حينَ تَشُفُّ عَنْ بَشَرِيَّتي وَتَمُورُ بَعْدَ ثَوانِ
وتقُولُ لي إنَّ الحَياةَ لِغايَةٍ أَسْمَى مِنَ التَّصْفيقِ ِللطُّغْيانِ
أَنْفاسُكَ الحَرَّى وَإِنْ هِيَ أُخمِدَتْ سَتَظَلُّ تَعْمُرُ أُفْقَهُمْ بِدُخانِ
وقُروحُ جِسْمِكَ وَهُوَ تَحْتَ سِياطِهِمْ قَسَماتُ صُبْحٍ يَتَّقِيهِ الْجاني
دَمْعُ السَّجينِ هُناكَ في أَغْلالِهِ وَدَمُ الشَّهيدِ هُنَا سَيَلْتَقِيانِ
حَتَّى إِذا ما أُفْعِمَتْ بِهِما الرُّبا لم يَبْقَ غَيْرُ تَمَرُّدِ الفَيَضانِ
ومَنِ الْعَواصِفِ مَا يَكُونُ هُبُوبُهَا بَعْدَ الْهُدوءِ وَرَاحَةِ الرُّبَّانِ
إِنَّ اْحْتِدامَ النَّارِ في جَوْفِ الثَّرَى أَمْرٌ يُثيرُ حَفِيظَةَ الْبُرْكانِ
وتتابُعُ القَطَراتِ يَنْزِلُ بَعْدَهُ سَيْلٌ يَليهِ تَدَفُّقُ الطُّوفانِ
فَيَمُوجُ يقتلِعُ الطُّغاةَ مُزَمْجِراً أقْوى مِنَ الْجَبَرُوتِ وَالسُّلْطانِ
أَنا لَستُ أَدْري هَلْ سَتُذْكَرُ قِصَّتي أَمْ سَوْفَ يَعْرُوها دُجَى النِّسْيانِ؟
أمْ أنَّني سَأَكونُ في تارِيخِنا مُتآمِراً أَمْ هَادِمَ الأَوْثانِ؟
كُلُّ الَّذي أَدْرِيهِ أَنَّ تَجَرُّعي كَأْسَ الْمَذَلَّةِ لَيْسَ في إِمْكاني
لَوْ لَمْ أَكُنْ في ثَوْرَتي مُتَطَلِّباً غَيْرَ الضِّياءِ لأُمَّتي لَكَفاني
أَهْوَى الْحَياةَ كَريمَةً لا قَيْدَ لا إِرْهابَ لا اْسْتِخْفافَ بِالإنْسانِ
فَإذا سَقَطْتُ سَقَطْتُ أَحْمِلُ عِزَّتي يَغْلي دَمُ الأَحْرارِ في شِرياني
أَبَتاهُ إِنْ طَلَعَ الصَّباحُ عَلَى الدُّنى وَأَضاءَ نُورُ الشَّمْسِ كُلَّ مَكانِ
وَاسْتَقْبَلُ الْعُصْفُورُ بَيْنَ غُصُونِهِ يَوْماً جَديداً مُشْرِقَ الأَلْوانِ
وَسَمِعْتَ أَنْغامَ التَّفاؤلِ ثَرَّةً تَجْري عَلَى فَمِ بائِعِ الأَلبانِ
وَأتى يَدُقُّ- كما تَعَوَّدَ- بابَنا سَيَدُقُّ بابَ السِّجْنِ جَلاَّدانِ
وَأَكُونُ بَعْدَ هُنَيْهَةٍ مُتَأَرْجِحَاً في الْحَبْلِ مَشْدُوداً إِلى العِيدانِ
لِيَكُنْ عَزاؤكَ أَنَّ هَذا الْحَبْلَ ما صَنَعَتْهُ في هِذي الرُّبوعِ يَدانِ
نَسَجُوهُ في بَلَدٍ يَشُعُّ حَضَارَةً وَتُضاءُ مِنْهُ مَشاعِلُ الْعِرفانِ
أَوْ هَكذا زَعَمُوا! وَجِيءَ بِهِ إلى بَلَدي الْجَريحِ عَلَى يَدِ الأَعْوانِ
أَنا لا أُرِيدُكَ أَنْ تَعيشَ مُحَطَّماً في زَحْمَةِ الآلامِ وَالأَشْجانِ
إِنَّ ابْنَكَ المَصْفُودَ في أَغْلالِهِ قَدْ سِيقَ نَحْوَ الْمَوْتِ غَيْرَ مُدانِ
فَاذْكُرْ حِكاياتٍ بِأَيَّامِ الصِّبا قَدْ قُلْتَها لي عَنْ هَوى الأوْطانِ
وَإذا سَمْعْتَ نَحِيبَ أُمِّيَ في الدُّجى تَبْكي شَباباً ضاعَ في الرَّيْعانِ
وتُكَتِّمُ الحَسراتِ في أَعْماقِها أَلَمَاً تُوارِيهِ عَنِ الجِيرانِ
فَاطْلُبْ إِليها الصَّفْحَ عَنِّي إِنَّني لا أَبْتَغي مِنَها سِوى الغُفْرانِ
مازَالَ في سَمْعي رَنينُ حَديثِها وَمقالِها في رَحْمَةٍ وَحنانِ
أَبُنَيَّ: إنِّي قد غَدَوْتُ عليلةً لم يبقَ لي جَلَدٌ عَلى الأَحْزانِ
فَأَذِقْ فُؤادِيَ فَرْحَةً بِالْبَحْثِ عَنْ بِنْتِ الحَلالِ وَدَعْكَ مِنْ عِصْياني
كانَتْ لها أُمْنِيَةً رَيَّانَةً يا حُسْنَ آمالٍ لَها وَأَماني
وَالآنَ لا أَدْري بِأَيِّ جَوانِحٍ سَتَبيتُ بَعْدي أَمْ بِأَيِّ جِنانِ
هذا الذي سَطَرْتُهُ لكَ يا أبي بَعْضُ الذي يَجْري بِفِكْرٍ عانِ
لكنْ إذا انْتَصَرَ الضِّياءُ وَمُزِّقَتْ بَيَدِ الْجُموعِ شَريعةُ القُرْصانِ
فَلَسَوْفَ يَذْكُرُني وَيُكْبِرُ هِمَّتي مَنْ كانَ في بَلَدي حَليفَ هَوانِ
وَإلى لِقاءٍ تَحْتَ ظِلِّ عَدالَةٍ قُدْسِيَّةِ الأَحْكامِ والمِيزانِ

close

Subscribe to our newsletter