أفتقد أشياء كثيرة يتحرق قلبي شوقاً لكل ما كان محبباً إليه؛ أتمنى لحظة أخرى أستمتع فيها بكل حرمت منه لما يقارب الأربع سنوات. أتذكر المرات الأخيرة. المرات التى لم أعلم وقتها أنها الأخيرة. لو كنت فقط أعلم. لكنت ودعتها بشكل لائق و نهلت منها حتى الامتلاء. أغمض عيني و أتذكر.
آخر مرة زرت فيها جدتي لو كنت أعلم أني سأُختَطَف من هذا العالم و أسجن و أنا فى طريقي لزيارتها المرة التى تليها، و أنها أيضاً ستغادر هذا العالم و لكن لتلحق بربها، فينقطع كل أمل لدي فى إتمام هذه الرحلة إليها يوماً ما، و ينقطع كل أمل فى أن يرى أبي أمه ثانية، لكنت أمضيت تلك الليلة ملتصقاً بها لا أفارقها، أحادثها و أحفر تفاصيل وجهها فى ذاكرتي التي بدأت تنسى شكلها. كان اختلف الوداع.
أخر مرة صليت فيها فى المسجد , صليت و انصرفت مسرعاً. لو كنت أعلم لكنت أمضيت يومي مستلقياً على ظهرى كعادتي فوق سِجَادِهِ ذي الرائحة المحببة إلى قلبي , كنت استنشقتها و ملأت بها صدري و تذوقت حلاوة السَّكِينةِ بروحي، و ملَّيتُ عيني من زخارف سقفه البديعة. كان اختلف الوداع.
أخر مرة لعبت فيها معشوقتي كرة السلة. لعبت ساعتين و رحلت. لم أُطِل. كنت متيقناً أنى كما اعتدت منذ الخامسة من عمري، سأرجع غداً، و بعده. و كل يوم.
لم أرجع حتى الأن. لو كنت أعلم لما رحلت. لانتَشَيتُ بصحبتها طوال الليل حتى يجُرُوني من اللعب جراً، و لسامرتُ كرتي التى رافقتنى منذ الطفولة حتى الفجر، محتضناً إياها كعادتي كما يليق لحبيبتي الوحيدة التى لم أعرف سواها منذ الصِغَر. كان اختلف الوداع.
آخر مرة جربت فيها بعد الفجر. لو كنت أعلم لما توقفت بعد ساعة مرهقاً. لجريت و جريت و استمتعت بكل قطرة عرق تطير و كل عضلة تنقبض و كل مترٍ يمضي، و لضحكت صارخاً شاقَّاً سكون الفجر و أنا أشعر بالأدرينالين يتدفق و يملأ كل ذرة فى جسمي.
كان اختلف الوداع.
أخر مرة دخلت فيها فيلماً فى السينما كان Monster’s University. لو كنت أعلم لما أنهيته و رحلت. لخرجت و دخلت كل أفلامها واحداً تلو الأخر حتى أنهيت كل فيلم فى جيبي. كنت ملأت أنفي برائحة الفشار بالكراميل، و ضحكت حتى آلمتنى بطني، و بكيت حتى جفت دموعي مع كل مشهد يمر. كان اختلف الوداع.
أخر مرة تجمعنا فى البيت عائلة واحدة. أبي. أمي. أخي. أختي. و أنا. لو كنت أعلم لما قمت أبداً. و الله لما قمت أبداً. كنت قَبَلت رأس كل واحد منهم و يديه و قدميه. كنت حادثتهم حتى لم يعد في الكلام كلام. كنت لزمتهم لا أبارحهم ما كان فى اختياري المكوث، لو كنت أعلم أني فى خلال ساعات لن أراهم إلا بميعاد و لن ألمسهم إلا بتصريح. أنى سأبكي من أجل دقيقة زائدة و السجان يجذبني من بينهم، فأطبع قبلة أخيرة و عناقاً سريعاً و أنا أُسحَب. دقيقة تعني الآن الحياة و ما فيها، و كنت من قبل أملك مثلها الآلاف، و بحماقتي ضيعتها.
حتماً كان اختلف الوداع.
أردد قصيدة الشاعر “مصطفى إبراهيم” و أنا أهتز متربعاً للأمام و الوراء :
“لو كنت عارف إن هي دي المرة الأخيرة..
ميه ميه كانت هتفرق فى الوداع.
يا كل حاجة كسبتها.. أو سبتها و مالحقتش أشبع مِنَّها..
اكمنَّها قالت هنروح من بعض فين.
يا ناس يا عبط يا عشمانين فى فرصة تانية لِلُّقا..
بَطَّلوا أوهام بقى..
و كفاية أحلام و اسمعوا..
عيشوا بذمَّة و ودعوا..
كل حاجة بتعملوها.. و كل حد بتشوفوه..
و كل كلمة بتقولوها .. و كل لحن بتسمعوه
عيشوا المشاهد كل مشهد زى ما يكون الأخير.
و اشبعوا ساعة الوداع .. و احضنوا الحاجة بضمير..
ده اللي فاضل مش كتير.. اللى فاضل مش كتير.”
عبدالرحمن الجندي
الخميس
9/3/2017
رسائل جدران العزلة
محتجز مجهول – د/عز الدين
اسم السجين (اسم الشهرة) : محتجز مجهول النوع الاجتماعي : ذكر تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 3/8/2017 السن وقت...
صهيب سعد الحداد (صهيب الحداد) – بين أغنية وسجن.. يحطُّ الحمام
بين أغنية وسجن.. يحطُّ الحمام
- ليلة السابع من يوليو لعام 2015 ، مجموعة 65 ، المقر المركزي للمخابرات الحربية - مدينة نصر.
- مين فيكم يلا عاوز يبات فى الزنازين النهاردة ؟ يرفع إيده ، وانت يلا مش عاوز تروح الزنازين؟!
- الزنازين أحسن يعنى يا باشا ؟
- قولى يلا هنا أحسن ولا الزنازين؟
- الزنازين طبعًا يا باشا ، على الأقل بشيل الغمايه وأقرأ من المصحف.
- طب يالا قوموا.. لا انت خليك هنا.
محدثًا ضابطًا آخر: شايف الواد ده عنده 21 سنه تقرأ ملفه ولا واحد عنده 50 سنه ابن الـ..... ، 21 سنه وعملت كل ده يلا ؟! شابوه ليك يلا ، بجد شابوه ليك.
وضعت يدي المكبلتين بين ركبتى وتكومت على نفسي أختار وضع الجنين كي أستطيع النوم بالأصفاد ، هل أفرح بشهادة الضابط في الجهاز الذي يحكم البلد الآن ، أم أنه نذير يدل على ما سألاقيه في الأيام القادمة ؟ ، ليكن ما يكن ، كنت فى حالة البلادة.. تضيق بنا الأرض أو لا تضيق.. سنقطع هذا الطريق الطويل.
- خد يلا شدلك نفسين ، كان أحد الحراس ، كانت كليوباترا حقيرة ، حاجتى إلى النيكوتين وقتها كان أشد وطأه ، والناس تقول يا ليل ، ولكل عاشق ليل.
- أركب يلا ، وجدته بجوارى على كرسي السيارة ، همس لي: أنت جيت ازاى ؟! ، أنا مجبتش سيرتك ، صرخات أحدهم تتعالى من التعذيب ، باشا هو احنا رايحين فين؟ ، رايحين نصفيكم انتم الاتنين يا ابن الـ... ، يا فرج الله ! ، لا يهم أن أهلى سيجدوني جثة ملطخة بالدماء على رمال الصحراء ، المهم أننى سأنجو ، سأفر من هذا الجحيم إلى رحمة الله ، ومن الدم المسفوك ، أذرعة تناديني.. تعال !.
ها هى الزنازين ، زنازين السجن الحربي ، همس لى أحدهم من كوه بابه: هما هيمشونا امتى بقى ؟!
- الله أعلم ، ادعي بس نروح أى سجن غير العقرب علشان نعرف نشوف أهالينا.
- أنا مش عاوز أخد إعدام ، مؤبد ماشي ، أنا مش عاوز أموت دلوقتى !
- أنا أخد إعدام ولا اتحبسش يوم واحد ، بس يتنفذ على طول !..
بعد أقل من عام.. حكم عليه بالإعدام وكان المؤبد من نصيبي ، قد أرمي خلف الجدران ، وتحن لقلبي وحناني ، فانظر في قلبك ستراني ، هل يقوى القيد على الفكري ؟!
- عام وتسعة أشهر يا ماريا مروا على تلك الليالي ، لا يمر منهم يوم إلا وذكراها لا تمل أن تؤرقني ، أذكر حين جئت للسجن كنت مذهولًا حين تناولت زجاجة المياة ، نعم شربت هكذا دون أن يقطر أحدهم المياة على جسدي العاري قطرة قطرة كواحد من مشاهد السينما !.
علمينا كيف نشدوا ، باقون مثل الضوء والكلمات لا يلويهما ألم وقيد.
تشير عقارب الساعه إلى التاسعة إلا عشر دقائق ، قرص المنوم الذي كان يمنحنى ثمانى ساعات نوم ، لم يعد يمنحنى إلا خمس ساعات بالكاد ، خسأ من قال ان السجن نصرًا ! ، ثمة جسد أهلكه السجن ، ثمة روح أوهنها طول الشوق إلى تلك التى تسمى حرية ، ثمة أيام تشبه بعضها بعضًا ، ثمة دخان يتصاعد من تلك السيجارة ، ثمة تعايش مع الأمر الواقع ، ثمة رفض للواقع ، للسجن ، للخنوع ، للإنكسار ، ترى هل سننعم بالحرية يومًا ، أم أنهم سيحكون عنا أنا قد أفنينا أعمارنا بالسجون ؟ ، حينما ستسأل عن عمرك فيما أفنيته ، هل سنجيب: في السجن يا رب ؟ ، حتى لو تكرمت علينا وذاقتنا من بحر وصالها رشفات ، هل ستظل الحرية وفية لنا يا ماريا ؟ ، أم أننا لن نرى الوفاء إلا من القضبان ؟!.
حراس ، ضباط ، كشوف ، زيارات.. وندخل في الحلم ، ولكنه يتباطئ كي لا نراه ، وحين ينام حبيبي أصحو كي أحرص الحلم مما يراه ، وأطرد عنه اليالي التى عبرت قبل أن نلتقي.. وأختار أيامانا.. بيدي.
زيارات ، تريض ، تعيين ، تفتيشات ، وحدوه ، الحكومة في العنبر ، أصحي ليغفلونا ، أحلى مسا عليك يا زميلى ، كلابشات ، يلا الزيارة ، قيود ، لقيا ، فراق ، شوق ، قضبان ، بعضها فوق بعض.
واللى لمنا في المواجع ، إحنا توجعنا واكتفينا ! ، ترى إلى متى ستظل الروح تتمنع بذلك العند الرافض للتسليم ، ونحن نحب الحياة أو لا نحب ، المهم أن نستطع إليها السبيل.
بسمه رفعت عبد المنعم ربيع (بسمه رفعت) – إلى قرة عيني ومهجة الفؤاد
اسم السجين (اسم الشهرة) : بسمه رفعت عبد المنعم ربيع (بسمه رفعت) النوع الاجتماعي : أنثى تاريخ تحرير أو نشر...
محتجز مجهول – د/عز الدين
اسم السجين (اسم الشهرة) : محتجز مجهول النوع الاجتماعي : ذكر تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 3/2/2017 السن وقت...
ايه محمد نبيل حجازي (ايه حجازي) – لا تتركونا في السجون
لا تتركونا في السجون وتنسونا ولا تجعلونا نفقد الآمل في العدل والإنسانية
خالد الانصاري – الى كل المهتمين برفع الظلم عن مظلوم
الى كل المهتمين برفع الظلم عن مظلوم ،، احتاج تضامنكم معى فى اول خطوه لى لمقاومة الظلم الواقع على منذ سنه
احتاج منكم كل سبل الدعم و التضامن لرفع الظلم عنى ،، حتى اضمن محاكمه عادله احاكم فيها بالقانون
محاكمه اعلم فيها لماذا انا معتقل
انا بدات النهارده اول خطواتى التصعيديه السلميه،، انادخلت فى اضراب كامل عن الطعام
خالد
سجن القناطر 20 فبراير 2017
محمد فوزي شاهر محمد كشك (محمد فوزي) – في صُحبَةِ الحديد
(1)
سميكٌ..
كما الحاجزِ الطَبَقيِّ على الفُقراءِ.
ثقيلٌ..
كَهمِّ السجينات والسجناءِ وحْدَهُمُ في المساءِ
وصَلْبٌ..
كظهرِ الرجال يُجالِدُ حمْلَ الزمانْ.
وحينَ يشدُّ الشاويشُ يديهِ بعُنْفٍ
ويغْرسُ في قلْبِهِ سِنَّ مِفْتَاحِ زِنزانَتي
غَالبًا ما يَصِرُّ صريرًا حزينًا..
كشيخٍ مُسِنٍّ..
يُتَمْتِمُ من عَجْزِهِ إذ يُهَانْ.
وأعلَاهُ عَيْنٌ
تُسمَّى مجازًا بنظَّارةِ الليلِ
إذ لا يمرُّ الضياءُ سوى عبرَها
للقراءةِ والحلْمِ
في الظُلماتِ بها وحْدَهَا يُسْتَعانْ.
وفي الفجْرِ..
بعدَ الصلاةِ ينامُ الجميعُ عَدَانا
نواصِلُ سَهْرَتَنا
مُذْ ثلاث سنينَ مَعًا في انْتِظَارِ النَهَارْ..
وأُسْنِدُ رَأسي لهُ
فيُوَشوشُني هامسًا:
"فلتُسامِحْ صديقُكَ
ما كُنْتُ يومًا أريدُ الحياةَ
كبَابٍ لزنزانةٍ
أنا مثلُكَ جئْتُ بدونِ اختيارْ
فمُذْ كُنْتُ في الأرْضِ وطني
بينَ رفاقي المعادِنِ في طَبَقاتِ القَرَارْ
وحُلمي أصيرُ غدًا
بابَ مَدْرَسَةٍ
لأُعَانِقَ في كُلُّ يومٍ كُفوفَ الصِغَارْ
وأمْنَحُهُمْ بهْجةً خارجينَ مَسَاءَا
وفي الصُبْح أمنحُهُمْ داخلينَ انْتِمَاءَا..
ومعْرِفةً.. وأمانْ"
يقولُ ليَ البابُ:
"تَدْري؟
بوقتِ التَرَيُّضِ
تبقى مَفَاصِلُ جسمي مُقيَّدةً للجدارِ..
وأبقى وَحِيدَا..
أراكُمْ
إذا ما انْطَلَقْتُمْ بلحْظَةِ فَرْحٍ بَعيدَا
_كجَدٍّ يُراقِبُ أحْفَادَهُ يلعبونَ مَعًا_
فأصيرُ برغْمِ قُيودي سَعيدَا..
أنا يا صديقيَ
قدْ خَلَقَ اللهُ جسمي جَديدَا
ولكنَّهُمْ شكَّلوني كما شاءَ سجَّانُنَا
صانعُ القِفْلِ والقَتْلِ للكُلِّ..
فهْوَ ولَسْتُ أنا من حَريٌّ بهِ أن يُدَانْ
وإنِّي
إذا كُنْتُ أفْصِلُ بينَ السجينِ وسجَّانِهِ
ذاكَ بالرغْمِ عنِّي كَانْ
لقد عِشْتُ في السجْنِ دَهْرَا
وشاهدْتُ ما يصهرُ القلبَ صَهْرَا
وتَعْجَزُ عن وصفِهِ طَقْطَقاتُ اللسانْ
أتدري؟
كثيرونَ قبْلَكَ مُعْتَقلينَ أَتَوُا..
ثُمَّ راحوا..
فمِنْهُمُ من قد أُصيبَ بدَاءِ البلادةِ
مِنهمُ من تحْتَ مِطْرَقَةً القَهْرِ لانَ.. فَخَانْ..
ومنهُمُ مَنْ صارَ أصْلَبَ منِّي
وعادَ إلى العالم الخارجيِّ
حصانًا جريحًا.. ولكنَّهُ جامحَ العُنْفوانْ
بأيّةِ حال مَضَوْا كُلَّهُمْ
وبقيتُ أنا ها هُنَا ثابِتًا في المَكَانْ.."
يقولُ ليَ البابُ:
"لستَ وحيدًا إذًا
فكلانا هُنا يا صديقيَ مُعْتَقَلانْ"
(2)
باردٌ..
كعيونِ وكيلِ النيابةِ
جَلْفٌ..
كأيدي وأفْئِدَةِ المُخبرينَ.
ولكنْ
برغْمِ البُرودةِ, رغْمِ الجلافَةِ
حينَ تضيقُ على رُسْغِيَ حَلَقَتَاهُ,
دائِمًا ما يكونُ معي إبْرَةٌ
وبها أتمكَّنُ أُطْعِمُ فَاهُ..
رِشوةٌ من صَفيحٍ
بها صِرْتُ أفْتَحُهُ
فلأُضِفْ صِفَةً لكلبشي إذًا
أنَّهُ مُرْتَشٍ كجُيوبِ القُضَاةْ
وبداخل عرْبةِ ترْحِيلنا
صْرتَ أجلسُ حُرًّا..
وأفتَحُهُ..
ثُمَّ أُعلِقُهُ..
ثُمَّ أفْتَحُهُ..
ثُمَّ أُلْقِي بهِ..
ببساطِةِ طِفْلِ يُفكِّكُ لُعْبَتَهُ
ثُمَّ إنْ مَلَّ شيئًا رَمَاهْ.
بَعْدَهَا
عادةً ما أنامُ بأرْضِّيةِ العَرَبَاتِ
_برغْمِ قذارتِهَا.._
لا أُبالي
إذا وَصَلَ الدَرْبُ أمْ لَمْ يصِلْ مُنْتَهَاهْ
عادةً ما أنامُ
ولكنَّني أمْسُ حينَ فَتَحْتُ الكَلَبْشَ
جَلَسْتُ, ولَمْ أَرْمِهِ, لم أَنَمْ
كُنْتُ وحْدي أُقرِّبُهُ لعُيونيَ
كي أتأمَّلَ مِنْهُ المَكانَ
كنَظَّارَةٍ.. قد أرانيَ مَا لَم أكُنْ لِأَرَاهْ.
لم أَنَمْ..
اسْتَعَرْتُ رفيقًا قَلَمْ
ورسمْتُ على باطِنِ يَدي
شيئًا بَدَا كالعَلَمْ
دونَ أسْوَدِ أرْضٍ بهِ
دونَ أبْيَضِ سلْمٍ بهِ
دونَ أحْمَرَ دَمْ..
علمًا باهِتًا دونَ نَسْرٍ
رَسَمْتُ كَلبشًا كبيرًا تَمَدَّدَ حتى اعْتَلَاهُ.
وكتبْتُ بجانِبِهِ ما يلي:
" باردٌ..
كعيونِ وكيلِ النيابةِ
جَلْفٌ..
كأيدي وأفْئِدَةِ المُخبرينَ
كما أنَّهُ مُرتَشٍ كجيوبِ القُضَاةْ
إن هذا الكَلَبْشَ إذًا لا سِواهْ
هُوَ أجْدَرُ رَمْزٍ لوصْفِ الحَيَاةْ
في بلادٍ تُسَلِّمُ أَيْدِيَهَا..
للطُغَاةْ.."
(3)
كُحْليٌّ..
كبقايا كَدَمَاتِ السَحْلِ على الأجْسَادْ
صَدِأٌ..
كالحُزْنِ المَرْكُونِ بأقبيَةِ القَلْبِ
يحِزُّ ولا يَقْطَعُ, مَثْلومَ الذِكْرى
أصْبَحَ حُزْنًا صَدِأً مُعْتَادْ.
هَرِمٌ..
تَتَثَنَّى فيهِ الأسْلاكُ مُجعَّدَةً
وتَبثُّ شَجَنًا حينَ نُلامِسُها
كيَدَيْ جَدٍّ يتحسَّسُها الأحفادْ.
كُنْتُ هُناكْ..
أبْصرُ كُلَّ الأشياءِ تمُرُّ
مُرُورًا ومَرَارًا من بينِ الأَسلَاكْ.
كنتُ هُناكْ..
أسقي رُوحي رائِحَةَ الطُرُقاتِ
وأُسْنِدُ وجهي لحَديدِ الشبّاكْ
كُنتُ هُناكْ..
العَرَبَةُ تَركُضُ بي
والناسُ كنَمْلٍ خَلْفَ الرِزْقِ أراهَا ترْكُضُ
والعالمُ كالمَعْتُوهُ يتيهُ.. يتيهُ.. ويَرْكُضُ
لم يَثْبُتُ إلا الزمنُ
كرُمْحٍ مُنْغَرِسٍ في جُرحي
ظَلَّ ثلاثَ سنينَ بدونِ حِرَاكْ.
كُنْتُ هُناكْ..
العربةُ قَبْرٌ يتحرَّكُ في الشارِعِ
والشِّبَاكُ يُمرِّرُ بعضَ فُتاتِ الضوءِ
وبَعْضَ فُتَاتِ النَسَماتِ إليّْ
أتنفَّسُ..
شُكْرًا يا شُبَاكَ العَرَبَةِ
سوفَ أُخبِّأُ
ما أقْدِرُ من هذي النسماتِ بِرِئَتيّْ
وأخبِّأُ
لظلامِ الغَدِّ بعينيَّ الضّيّْ..
المُستَقْبَلُ
دونَ ملامِحَ.. أدْري
صارَ ملفًا بيدِ الباشا.. أدْري
يتصفَّحُهُ كي يطويَهُ في مكتبِهِ.. أدْري
في وَطني
مازالَ المُسْتَقبَلُ قيْدَ الطَيّْ..
والشارعُ
لن يتوّقفَ لغيابِ فتًى
أو حتَّى ألفِ فَتًى
لن تتفجَّرَ غَضبًا قاماتُ مبانيهِ
ولن تتساقَطَ حُزْنًا أوراقُ الأشجارِ
ولن تدْخلُ عِمْدَانُ النورِ بعصيانٍ مَدَنيّْ..
يا شِبَّاكَ العَرَبَةِ
أدري هذا جِدًّا
لكني أدعوكَ تَجَلَّدْ
لا تَتَنَكَّدْ حينَ تراني بين رفاقي
لا تحزَنْ.. لا تَأْسَ عليهِمْ وعَلَيّْ..
يا شُبَّاك العَرَبَةِ هاكَ يَدَيّْ
فَتَسنَّدْ إن شِئْتَ إليها
ولتَلْمِسْها كي تَتَأكَّدَ
ضغطُ عِنَادِي
وحرارةُ عِشقِي
ومعدلُ نَبْضِ حنيني
كُلٌّ مازالَ طَبيعيًّا.. وفتيًّا.. وقَويّْ.
يا شُبَّاك العَرَبةِ
يا برْزَخَ فَصْلٍ بين حياةٍ ومَمَاتٍ
يا برْزخَ وصْلٍ بين الأملِ وبينَ اليأسِ
تُرَى..
من يمْشي في الشارعْ مُنْحَنِيَ الرأْسِ
ومنْ يقِفُ وراءَكَ مُنْتَصِبَ النفسِ
انْظُرْ أنْتَ وقَرِّرْ..
مَنْ ذا يا شُبَّاكُ المَيّتُ ومَنِ الحَيّْ؟
(4)
ضَيِّقٌ..
مثلَ أدْمِغَةِ الجنِرالاتِ
لا يبصرون الحياةَ
سوى عبْرَ فوَّهةِ البُندقيَّةِ
والنْاسَ عبر الرُتَبْ
ضيِّقٌ مثْلُهَا..
فهوَ لا يَسَعْ الأُغْنياتِ ولا صَرَخَاتِ الغَضَبْ
خانِقٌ..
كابْتسَامةِ طاغيةٍ مُنْتَخَبْ!
خَانِقٌ.. مِثْلَهَا..
يتزاحَمُ فيهِ دُخانُ السجَائِرِ
رائِحَةِ العَرَقِ الآدميِّ
أداءُ المُحامينَ في المسرحيِّةِ
صمْتُ الضحيِّةِ
هَمْهَمةُ الناسِ عَجْزًا
وصوتُ نحيبِ العَدَالةِ إذ تُغْتَصَبْ
وَسِخٌ..
كضميرِ السياسيِّ
حينَ يُدَبِّجُ فوقَ دمَا الشُهداءِ الخُطَبْ
وَسِخٌ.. كسُطُورِ السِياسيِّ
قُضبَانٌهٌ سُيِّجَتْ بالكَذبْ.
كَذِبَ الوكلاءُ.. الشهودُ.. القُضاةُ..
فإنَّ الجريمَة
ليسَتْ كمَا يدَّعونَ هُنَاكَ بعيدًا
بَلِ الجُرْمُ
في قَفَصِ الحُكْمِ حالًا بأيديهِمُ يُرتَكَبْ.
كُنْتُ بينَ رفاقي بدَاخِلِهِ
نَظَراتُ التشَفِّي
سلاحُ الجنودِ
الحديدُ يُحيطُ بِنَا والتُهَمْ.
كانَ قاضي القُضاةِ
بكُرسيِّهِ ثابتًا كالصَنَمْ
لم يَسَلْنِي..
تَصَفَّحَ أوْرَاقَهُ وَحَكَمْ
لم أُعِرْهُ انْتِبَاهًا
فلَحْظَتُهَا كُنْتُ في قَفَصِ الحُكْمِ
وَحْدِي أناجي الحَديدْ:
"فيكَ بأسٌ شديدْ..
فأجبْني إذًا..
كيفَ يا صاحبي خَرَطُوكَ هُنَا
دُونما أنْ تُريدْ؟
كيفَ لمْ تُدْرِكِ الدَرْسَ أنَّهُمُ
سوفَ يسْتَخدمونَكَ حتَّى تموتَ
وتُلْقَى على الأرْضِ مِثْلَ جميعِ العَبيدْ؟
فلماذا انْثنيتَ لَهُمْ؟
ولماذا اقْتَرَبْتَ لَهُمْ؟
كُنْتَ عنْ كُلِّ هذا بَعيدْ..
يا حديدُ
إذا ما أرَدْتَ مُخالَطَةَ الناسِ
فلْتَبْقَ حَيًّا.. نقيًّا.. ولا تتلوَّثْ بِهِمْ
كُنْ دروعًا تصونُ الحياةَ
وتَحْمي ابْنَ آدم مِنْ نَفْسِهِ
كُنْ دروعًا _إذا ما أردْتَ_ لَهُ.. لا قُيودْ.
يا حديدُ
خُلِقْتَ عنيدًا وصلْبًا وحُرّْ..
كيفَ يا صاحِبي تنْحني
كيف ترضى
وتغدو شريكًا بظُلْمِ البَشَرْ؟
كيفَ تَبْلَعُ جمْرَ المآسي ولا تَنْفَجِرْ؟
أنْتَ
كالشعْبِ مُنْتَهَكٌ
لسْتَ تَمْلِكُ شيئًا لِتَخْسَرَهُ
فأجبْني علامَ الحَذَرْ؟
يا حديدُ انْتَفِضْ
لن تعودَ كما قَدْ خُلِقْتَ
عفيًّا.. وحُرًّا.. إذا لم تَثُرْ.
أنْتَ_كالشعْبِ_ يطْهُرُ
من خَبَثِ الخائنينَ وخُبثَهُمُ
حينَمَا فوقَ نيرَانِ ثوْرَتِهِ يَنْصَهِرْ
أنْتَ
كالشعْبِ أقوى
وربِّي وربِّكَ
لو سِرْتُمَا بطريقٍ مَعًا
لانْتَصَرْتَ بِهِ.. وانْتَصَرْ.."
عبد الرحمن طارق عبد السميع احمد (عبد الرحمن موكا) – هنا في سجن طرة تحقيق
هنا في سجن طرة تحقيق يسلبون من المعتقلين الغطاء الذي يدفئون به، اتتخيلون أنهم يمنعون الغطاء ويمنعون دخول الملابس في هذا البرد القارس، وكل ثلاث أشخاص، يضعون فوقهم بطانية واحدة، اتعلمون أن هنا في السجن لو الضابط مثلا لم يعجبه شخص يضعه في غرفة الدواعي الأمنية، هذه الغرفة لا يسمح فيها إلا بالملابس الداخلية وبدلة السجن فكل ثلاث أشخاص معهم غطاء واحد ويضعون فوقهم وأسفلهم غطاء واحد.
أما الأشخاص الذين يدخلون غرفة التأديب، هى غرفة ضيقة جدًا لا يسمحون بدخولها إلا بالملابس الداخلية ويعطون المعتقل نصف بطانية فقط بعد الساعة 7 مساءً ويسحبونها منه الساعة 7 صباحًا.
كل ما اتمناه في هذا السجن أن أفهم بماذا يفكر هذا الضابط؟ من المستحيل طبعًا أن يفكر في أن هذا المعتقل انسان مثله، بماذا يفكر هذا الضابط؟ ما يكون شعوره؟ وهل يرضى لو إبنه في مثل هذا الموقف؟
قبل دخول هذه الغرف سواء أكانت لدواعي أمنية أو للتأديب يتم حلق شعر المعتقل، لكى يتم تعذيبه فقط لأنه يطالب بحقوقه داخل السجن وأن يتم معاملته كأنسان، يمكن انني لا أجرؤ على الحديث أمام الضابط لكني استطيع أن اكتبه وأعلم انه سيراه ولكن لكى يتم الضغط عليهم حتى يتوقفوا عن هذه الافعال الحيوانية.
قولوا لهم وانتم تقرأون هذا الجواب اسمحوا بدخول البطاطين، هنموت من السقعة.
عبد الرحمن طارق عبد السميع احمد (عبد الرحمن موكا) – عامل ايه يا اسطى وحشتنى والله
" عامل ايه يا اسطى وحشتنى والله , العيال عاملين ايه ؟؟ مش عارف اليومين دول دماغى بقت مشغوله بالشارع والخروج ليه , مع انى قبل كده مكنتش بفكر ...المهم انا حلمت حلم وحش قوى وبطنى وجعانى وقولت لازم احكيلك عليه ..بس ارجوك ابعتلى الرد وقولى الحلم دا ممكن يتحقق بجد ؟؟؟متكدبش على ..اسمع بقى حلمت ان جالى عفو وخرجت انا وطارق مساكن , المهم طلعت ملقتش ولا واحد مستنينى , تقريبا علشان كنت محبوس فتره طويله واتنسيت , المهم روحت مواصلات حتى امى مكنتش مستنيانى , روحت البيت اخواتى وامى فرحوا بى وانا كنت زعلان وجه فى بالى انا اتنسيت قوى كده ؟ بس مردتش اتكلم مع امى اتكسفت منها , وقولتلها انا لو كنت خرجت زمان كان زمان فى ناس كتير مستنيانى ...ومكنتش لاقى حد اتصل بيه ينزل معاى .خلصت الحلم انا عارف انه وحش قوى بس معش كنت عايز احكهولك ...انتوا فعلا ممكن تزهقوا وتنسونى ؟؟؟ رئيس المباحث هنا مطلع عين امى وعمال يقولى وحياة امك هرحلك زى ما عملت رامى السيد وكل يومين يدخل يفتش اوضتى وياخد منى البطاطين ...حاول تكلم نورهان تكلم دومه يبعتلى بطاطين , هو بعتلى جواب قالى لو عايز حاجه قولى بس انا مش بعرف اقابله علشان هو ف عنبر بعيد عنى ."
احمد سعد دومه سعد (احمد دومه) – على هامش الغياب
"على هامش الغياب"
"نحتال بالذاكرة حيناً على اعتياد الغياب، وبالخيال أحياناً على انعدام التأثير، ونقاوم بالحب دائماً أشواك الكراهية التي يزرعها "السجان" في طريقنا بإصراره على حرماننا الحرية والحياة. ويزرعها "المسجون الآخر" بتعصّبه الأعمى واعتداءاته المتكررة، وينشرها "آخرون" ــ على حافة الجهل ــ بأكاذيب يطلقونها لاغتيالنا لمجرد أن وجودنا يزعجهم. لكنا موجودون، وسنبقى!ثلاث سنين منذ رحلت، من دون فرصة لكلمة وداع أو ضمة طمأنة، أو حتى قبلة على الجبين من تلك التي تقول عني: «أنا هنا يا حبيبتي، فلا تقلقي...". ومن دون فرصة لحماتي ــ كعادتها قبل كل خروج ــ لتردد: "إنّ الذي فرضَ عليك القرآن لرادُّكَ إلى مَعادٍ.كأنما ترش على قدمي "ماء العودة" عند عتبات البيت وهي تودعني، ومن دون فرصة لأسالهم كما تعودت: "عاوزين حاجة أجيبها وأنا راجع؟".ثلاث سنين من الغياب والانتظار، تتأرجح أرواحنا صعوداً عند الأمل، وهبوطاً مع فقده... ولا معين على "الوجع" سوى اليقين بأننا نستحق شيئاً أفضل. أن نبقى معاً... في وطننا الوحيد، غير مضطرين إلى الهرب... أو الصمت... أو الفراق!ثلاث سنين وهي تفتش عن خبر، تشتري كل حين ثوباً جديداً للقاء. تغسل كل مساء عطرها لأني قلت مرة: «اخلعي عنك العطر وابقي برائحتك أنت...». تستمع كل ليلة لـ«الست»، تقلّب صورنا معاً، تغفو وهي تحتضنني فيها... تتحسّس حرفي الأول المدلّى حول عنقها، تثور، تتوعدني، توزع حكايتي على الناس، تستكمل صلاتنا وقت السحر... تغني لي، تطعم يمامتينا (جيفارا وجميلة)، تستعجل الأيام بين زيارتين، تتردد على أمكنتنا أو تهرب منها. تستثقل المناسبات أو تعد هديتي وتتوقع هديتها.تستدعي حكاياتنا، تبدع لتقصر المسافات، ترسم مستقبلنا، تعمل لتنفق علينا، تكلّم هذا... تضغط على آخر، وتلوم ثالث. تلتمس وتنتفض، تنتظر... وتنتظر... وتنتظر، من دون ملل أو يأس. وأنا هنا ــ في زنزانتي الانفرادية ــ عاجز، ممتنّ، وفخور... وواثق جداً في الغد القادم.
"تسبح عيناي بغير هدىلتفتش عن طوق من نورــ يخذلني صبح متأخر ــلكني قبل بلوغ القاع..
يحملني أمل لا ينفد"!."
رامي السيد – عن سجن ليمان المنيا
اسم السجين (اسم الشهرة) : رامي السيد النوع الاجتماعي : ذكر تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 1/10/2017 السن وقت...