محدش يستهون بأي كلمة حتى ولو صغيرة لواحد مسجون .. " شد حيلك " أو "ما تخافش" .. أنا اعرف هنا ناس اللي مانعها تتجن أو تموّت نفسها كلمة صغيرة من دول .- أنا بابص على النتيجة ست سبع مرات الاقيها نفس اليوم .. زهقت .. اليوم هنا في السجن طويل لدرجة إني بانام و باقوم ست سبع مرات في نفس اليوم .- في السجن هنا رجالة بشنبات بتتكور تحت ملاياتها بليل و يعيطوا .. السجن بيكسر الناس .. أنا كل ما أتكور تحت ملاية أمي علشان اتكسر و اعيط اشم ريحة معفنة اروح قايم .- أي هواية في السجن مملة .. القراية مملة .. الكتابة مملة .. الغنا ممل .. الناس برا عايشة في نعمة مش مقدراها .. أكبر نعمة في الكون إنك تقوم و تفتح باب الاوضة و تنزل الشارع .- عدى علينا أكتر من خمسة جايين يقابلوا السيسي و اتقبض عليهم عند قصر الاتحادية و جم بيّتوا هنا .. واحد منهم مصمم انه المهدي المنتظر .. طمني عليكوا برا .. انتوا اتجننتوا ؟- معانا دكتور اقتصاد و لواء جيش و مهندس و مترجم في الداخلية و سكرتير نيابة و دكتور و ممرض و رجل أعمال و شيخ أزهر .. أنا نفسي افهم مين لسه برا ؟!- فيه ناس ما كنتش أتوقع أبدًا يجوا جم .. وناس كنت مستنيهم يباتوا ليل نهار قدام القسم شوفت وشهم مرة صدفة كده وخلاص .. الصحاب بيتغربلوا يا كبير
رسائل جدران العزلة
علاء احمد سيف الاسلام عبد الفتاح حمد (علاء عبد الفتاح) – مخاض عالم رائع جديد (1): بين أوبر واللوديين
بريطانيا، فجر الثورة الصناعية: تجمهرات غاضبة لنساجين وحرفيين مهرة تقتحم مصانع النسيج الحديثة وتخرِّب الآلات البخارية والأنوال المميكنة التي تهدد أرزاقهم واستقرار حياتهم. ينشغل المجتمع بمتابعة أخبار حركة اللوديين (نسبة لأحد قياداتهم) لوهلة قصيرة إلى أن ينهزموا تمامًا ولا يبقى لهم أثر ولا ذكرى إلا كعبرة. صارت “اللودية” لفظة شائنة تُطلق للحطِّ من كل من يطالب بالتباطؤ في التقدم والحداثة، أو بالتراجع عنهما- تذكيرًا بعبثية تحدي العلم والتكنولوجيا. وحدهم اللوديون يقفون أمام التغيير. ما أغباهم!
باريس، فجر الثورة التكنولوجية الرابعة: احتجاجات عنيفة لسائقي التاكسي تعتدي على سائقي أوبر وتخرب سياراتهم الخاصة اعتراضًا على قطع أرزاقهم وتهديد استقرار حياتهم. وحدهم اللوديون يقفون ضد التاريخ. ما أغباهم!
القاهرة، فجر الثورة التكنولوجية الرابعة: احتجاجات صاخبة لسائقي التاكسي الأبيض ترتب كمائن لسائقي أوبر وتسلمهم للشرطة. وحدهم اللوديون يقفون ضد التاريخ. ما أغباهم!
كاليفورنيا، فجر الثورة التكنولوجية الرابعة: مجموعات من سائقي أوبر تقاضي الشركة في المحاكم مطالبين بحقوقهم بصفتهم موظفين لديها يعملون بأجر، وبالتالي لهم حقوق وضمانات العمل المتعارف عليها، والتي لا يجوز التنازل عنها في أي عقد توظيف. يرُدُّ دفاع الشركة بردود قانونية شديدة التعقيد والتفصيل لتوضيح أن هؤلاء مستخدمون لخدمات الشركة، ويجري التعاقد معهم في كل مشوار على حدة، ولا يمكن قانونًا اعتبارهم موظفين. داخل قاعات المحكمة يدور الجدل حول تفاصيل من نوع مدى مسؤولية الشركة عن تدريب السائقين أو توفير أدوات العمل. خارج المحكمة كانت رسالة الشركة أبسط كثيرًا: هؤلاء لوديون وإن انغمسوا في التقنية الحديثة، لوديون لأنهم رافضون لحقيقة أن عقود العمل المرتبطة بحقوق وضمانات وتأمينات وإجازات ورواتب محددة راح زمنها، ولم تعد مناسبة للواقع الاقتصادي والتكنولوجي القادم. لوديون يرفضون التقدم والحداثة، ويتحدون العلم والتكنولوجيا. وحدهم اللوديون يقفون ضد التاريخ. ما أغباهم!
لودي قسرًا
هذا المقال بالضرورة ملئ بالأخطاء. أكتبه مستندًا إلى الذاكرة والخيال فقط. ما باليد حيلة. في السنة الأولى من اعتقالي كانت مصلحة السجون تسمح بدخول المراجع والكتب والمجلات والدوريات بالعربية والإنجليزية بلا قيود. وبعد تفاوض سمحوا لأسرتي أن تسلمني في الزيارات مقالات مطبوعة من الإنترنت بعد مراجعة سريعة من مباحث السجن. وكان يُسمح لي بالاشتراك في كافة الجرائد المحلية والعربية المتاحة بالسوق. لكن مع التقدم في خارطة الطريق، واستقرار الحياة الدستورية، وتوالي انتصارات الجيش والشرطة والقضاء والإعلام على الإرهاب، صار لزامًا على مباحث أمن الدولة أن تتدخل، وتمنع كل ما سبق عدا الجرائد القومية، وبعد تفاوض طويل مجلة ميكي، ورواية واحدة في الشهر.
عبثًا أحاول فهم المنطق الحاكم لقرارات المنع. لا أتساءل عن الذرائع القانونية بالتأكيد. فلم يصل بي الغباء لدرجة افتراض أن الدستور والقوانين ولائحة السجون من الأمور التي تشغل بال رجال الداخلية البواسل. إنما أحاول فهم الضرورة الأمنية التي تحتِّم حرمان مسجون غير قادر على الفعل من قراءة ما هو متاح لأحرار غير مكبلين. ترى ما النشاط المهدِّد للسلم العام أو لنظام الحكم أو حتى لنظام السجن إن أتيح لي الاشتراك في جريدة الحياة اللندنية مثلًا، أو قراءة صفحة من ويكيبيديا؟
لا تقتصر عيوب هذا المقال على أخطاء في التواريخ والأرقام والمعلومات لغياب المراجع. المشكلة أنني صرت لوديًا بشكل قسري. في زنزانتي، الزمن لا يمر والتاريخ لا يتحرك. ما يُستجد في المجتمع لا أعرف عنه، وإن سمعت لا أقدر على فهمه، وإن قدرت لا أدرك وقعه على الناس ولا أسمع ردود أفعالهم. وها أنا كلوديٍ أصيل أحاول الاشتباك مع موضوع معقد يدور حوله سجال واسع رغم عجزي عن متابعة أو فهم هذا السجال. لذا أعذروني إن افترضت أن لديّ ما أضيفه، ثم تبين أن كلامي مكرر ومردود عليه.
لا يشغلني مصير التاكسي الأبيض أو غيره. فلمدة ثلاث سنوات على الأقل (قد تطول إن تدخلت عدالة القضاء، أو تقصر إن تدخلت عدالة السماء) ستنحصر تنقلاتي في سيارات الترحيلات، وهي وسيلة مواصلات لم يطرأ عليها أي تطور منذ مظاهرات 1986. لكن يشغلني شكل سوق العمل الذي آمل أن أعود إليه بعد حين. كما تشغلني هشاشة وضعي كمتخصص في تكنولوجيا المعلومات فُرض عليه الخروج من السوق لسنوات، وبالتالي عدم متابعة تغيراته ولا مواكبة تطوراته.
صراع أوبر والتاكسي الأبيض مجرد معركة افتتاحية في حرب طويلة قادمة على مفهوم العمل، كما استقررنا عليه كأحد نتائج الثورة الصناعية. من يظن أن وظيفته أو رزقه آمن اليوم قد يجد نفسه في زمرة اللوديين غدًا وبدون سابق إنذار. حتى سائقو أوبر أنفسهم غير آمنين. قريبًا ستعمَّم السيارات ذاتية القيادة، وربما تستغني أوبر عن العنصر البشري وأخطائه ومشاكله. وقتها سيكتشف من عارضَ منهم تحركات زملائه، المطالبين بعقود عمل دائمة، قيمةَ تلك العقود التي تؤمن المرء ضد الفصل التعسفي، وتضمن مكافأة نهاية خدمة. من يقدر على منافسة الروبوتات في النظافة والالتزام بقواعد المرور؟ حلٌ نهائيٌ لمشاكل التحرش.
هل أنت مطمئن لكون وظيفتك لا يمكن أن يحل محلها جحافل من المتعاقدين بالقطعة؟ هل أنت مستعد لمنافسة الروبوتات؟ أم تراك ستنضم لقوم لود؟ ناهيك طبعًا عن الاحتمالات المتزايدة دومًا لانضمامك لزمرة اللوديين قسرًا. وحدها الروبوتات قادرة على إرضاء حكامنا.
آلام المخاض
نعود للوديين الأصليين، مهما حاولنا تفهم دوافعهم ستظل الحقيقة التاريخية أن الثورة الصناعية وفرت وظائف ورخاء ورفاهية، بل واستقرارًا وأمانًا غير مسبوق، ويفوق بمراحل ما هدمته. منطقي إذن أن تصير صفة اللودي سبَّة مستخدمة للتعبير عن التخلف والرجعية.
بناءً على تلك الخبرة ظهرت نظريات تفسر تاريخ المجتمعات من خلال تتابع ظهور تقنيات مزعزِعة لاستقرار الأسواق (Disruptive Technologies): معارف وتقنيات حديثة تغيِّر شكل وطبيعة الإنتاج وعلاقات العمل والملكية في المجتمع. ظهورها حتمي وانتشارها تلقائي – وهو أمر إيجابي بالضرورة. والفئات المتضررة دائمًا أقليات تبغى حرمان الأغلبية من ثمار التقدم. وأيًا كانت الأضرار الناتجة فهي مؤقتة، ويمكن اعتبارها آلام مخاض ضرورية لولادة عالم رائع جديد.
يدعي المروِّجون للتقنيات المزعزِعة أنها، هي والانقلابات المصاحبة لها، تكاد تشابه الظواهر الطبيعية. فرغم أنها نتاج أبحاث وتجارب أفراد ومؤسسات، إلا أنها حتمية ولا يمكن تعطيلها ولا تعديل مسارها، وإن عرْقَلْتها في بلد، ستظهر ذات التقنية في بلد آخر، وفي النهاية سيمتد تأثيرها ليشمل الكوكب كله.
تحولت هذه النظريات من أداة لتحليل الماضي إلى أداة أيديولوجية لتشكيل الحاضر وصياغة المستقبل. صارت عقيدة مهيمنة على الأسواق، حيث يتنافس المستثمرون في سباق محموم بحثًا عن الفكرة أو التقنية المزعزِعة القادمة والفوز بأسبقية تمويلها واستغلالها، إن لم يكن احتكارها. كما يتسابقون على نقل تأثير التقنية المزعزِعة الحالية لأسواق ومجالات جديدة. مثلًا فقد شجع نجاح فكرة اقتصاد المشاركة في مجال الخدمات الفندقية البديلة (كـ”أوتش سيرف” و”إير بي أند بي”) المستثمرين على تمويل انتقال نفس التقنيات لسوق المواصلات (أوبر ليفت)، وتحاول الشركات ذاتها التوسع جغرافيًا لمدن وأسواق جديدة، وهكذا.
عندما تهيمن عقيدة ما على المصالح الكبرى بالأسواق يمتد تأثيرها حتى تصبح عقيدة حاكمة للدول وللحكومات ولكافة المؤسسات، إما بفرض الأمر الواقع ثم الضغط لتقنينه، أو بالصدام في المحاكم، أو بالتأثير على صانعي القرار من خلال تبرعات انتخابية ولوبيات ضغط وما شابه، أو باستمالة الرأي العام بالدعاية والإعلان، أو باستقطاب نخبة المجتمع عن طريق تمويل أبحاث ومؤتمرات، إلى آخره من أدوات التأثير المتاحة. في حالتنا هذه، كل الأدوات تُستخدم لترويج السردية القائلة إن التقنيات المزعزِعة خيِّرة دائمًا، وقادمة لا محالة، وإن أي محاولة لتعطيلها أو التأني في تبنيها أو التأثير عليها أو التحكم في نتائجها، مضرة بالضرورة، ومصيرها الفشل آجلًا أو عاجلًا.
وبما أني مدان بتهمة التشكيك في السردية المهيمنة، ومن معتادي جريمة تحدي الأفكار الحاكمة، بل ومسجل خطر بذات التهم ولا أمل في ردعي أو إصلاحي، أجدني غريزيًا متشككًا في قصة التقنيات المزعزِعة هذه رغم حماسي عمومًا للحداثة والتقدم والتقنية، خصوصًا تكنولوجيا المعلومات، ورغم أفضال تلك الخدمات والشبكات والتقنيات الكثيرة عليَِّ.
صحيح أن الثورة الصناعية أدَّت لرخاء واسع لكن آلام المخاض الملازمة لها لم تمر سريعًا، وإنما احتاجت أجيالًا حتى تستقر الأمور. لا اللوديون ولا أبناؤهم ولا عموم أحفادهم، استفادوا من الثورة الصناعية. كما أن الرخاء النسبي لم يكن نتاج التقنية وحدها، بل نتاج تفاعل التقنية مع ترتيبات سياسية مثل تحديد ساعات العمل، ومنع عمالة الأطفال، وإقرار معايير للأمان الصناعي، وضمان حد أدنى للأجور، وتحريك الأجور بناء على تفاوض جماعي، وفرض إجازات دورية، واعتبار الصحة والتعليم حقوقًا تقدم كخدمات عامة ممولة من خلال ضرائب مستقطعة من أرباح المستفيدين من الثورة الصناعية، إلى آخرها من ترتيبات حقوق العاملين بأجر كما نعرفها اليوم، نفس الحقوق التي تهددها الثورة التكنولوجية الرابعة.
لو أن مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية ظلت تسمح لأصحاب المصانع بتشغيل الأطفال لساعات عمل غير محدودة، في ظروف عمل غير آدمية، وبدون التزامات ضريبية تصاعدية وفقًا للربح (وهو ما كانت عليه الأوضاع فعلًا في بداية الثورة الصناعية)، لما أمكن اعتبار اللوديين اليوم مرادفًا للغباء والتخلف.
والأهم أن عملية المخاض هذه كانت مسارًا من الصراعات العنيفة بين طبقات ومصالح متباينة. فحقوق العمل، السالف ذكرها، انتُزعت عنوة من الدول والحكومات وأصحاب المصانع بعد عقود من الاحتجاج والنضال والثورات. انهزم اللوديون نعم، لكن حل محلهم مناضلون من الطبقات العاملة والكادحين، لم يرفضوا التقدم وإنما سعوا للتأثير على شروطه ومساره. تعاملت النخب والطبقات المهيمنة معهم بنفس مقدار العنف والتسفيه الذي واجهت به اللوديين، ولكن المقاومة استمرت. وصلت الاحتجاجات أحيانًا لدرجة تخريب العمال للماكينات – مع الفارق طبعًا بين لوديين غايتهم تخريب الماكينات، وعمال وجدوا التخريب وسيلتهم كأداة للضغط، سرعان ما أحلّت المجتمعات محلها تقنين حق الإضراب والتنظيم النقابي، بديلًا عن العنف والعنف المضاد.
اختزال العملية التاريخية المصاحبة للثورة الصناعية في آلام مخاض مؤقتة تسبق الرخاء، لا يخفي فقط تفاصيل الصراع الطبقي داخل الدول الصناعية الكبري، وإنما يخفي أيضًا تباين خبرات الشعوب مع هذه الآلام الانتقالية. أدّت الثورة الصناعية لتوحش وتوسع الاستعمار (فتحًا ﻷسواق جديدة وبحثًا عن مواد خام)، كما تسبب التنافس المسعور على جني ثمار الحداثة بين الدول الصناعية في اندلاع الحروب العالمية.
تلخيصًا، ربما يكون اكتشاف واختراع تقنيات حديثة أمرًا حتميًا، لكن تعميمها وانتشارها وهيكل الأسواق وعلاقات القوة القائمة عليها، ليست حتميات بل نتاج سياسات هي بدورها نتاج صراعات في المجتمع.
دراسة التقنيات المستجدة وتحليل تأثيرها والتشكيك في السرديات الدعائية المصاحبة لها ضرورة، وكذلك الاشتباك مع وضد هذه التقنيات والمصالح المستثمرة فيها بغرض التأثير على مسارها، والحد من الآلام الملازمة لانتشارها، وتعظيم المكاسب الناتجة عن تبنيها، وتوسيع رقعة المستفيدين منها، وتعويض المتضررين منها، ضرورة أيضًا.
لا أغبى من الواقفين ضد التاريخ إلا المنبطحين تمامًا أمامه. هؤلاء لا يبقى لهم أثر ولا ذكرى، ولا حتى كعبرة كاللوديين.
عبد العزيز فهمي (زيزو عبده) – في وحشة السجن وسكون الزنزانة
في وحشة السجن وسكون الزنزانة، تجلسُ في أحد اﻷركان واضعًا كل حواسك في حالة تأهب منتظرًا شيئًا من اثنين: إما صوتًا من داخلك تستأنس به ليُرافقك ليلتك، ممزوجًا بصور من الذاكرة لوجوه رفاقك ومن تحبهم، فتحدثهم ويحدثونك وكأنهم أمامك، فالسجن يُعْطيك متسعًا من الوقت وإن طال تأملك في وجوه أحبابك، وإما أن تسمع صرير باب الزنزانة معلنًا عن وجود السجَّان فوق رأسك مباشرةً، فتنقطع أنفاسك وتزيد ضربات قلبك.ما بين هذا وذاك، سماء وأرض.. سطح وقاع.. جمال وقبح.. أمل ويأس.فالسجن شيء مريض يقبض روحك، ويقتل داخلك كل ما هو آدمي.تبقى نقطة ضوء لا تعلم مصدرها، ولكنك تتشبث بها كطوق نجاة.
كثيرا ما أفكر أنني صرتُ "نسيًا منسيًا" فأيام السجن خانقة ومتشابهة، إلي أن تطالعك وجوه أحبابك عبر "نظارة باب الزنزانة" فتدخل السكينة إلي قلبك وتهدأ أنفاسك، وتقضي ليلتك مستعيدًا تلك الوجوه مرارًا وتكرارًا، حتي تستقر العين غير زائغة تحت جفن مُقفل، مُتسلحًا بذلك ضد كوابيسك التي تأتيك قسراً كل ليلة، وتتمتم بداخلك "ستنجلي تلك اﻷيام الموحشة"، ويرتفع الصوت بداخلك أكثر وأكثر مرددًا: "اشتقت إلى الحرية""
مجموعة من المعتقلين – رسالة لمن يهمه الأمر
اسم السجين (اسم الشهرة) : مجموعة من المعتقلين النوع الاجتماعي : ذكر تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 6/11/2016 السن...
احمد محمد كامل – شهر رمضان سبب فى فرحة الجميع عدا ساكنى الزنازين
شهر رمضان سبب فى فرحة الجميع عدا ساكنى الزنازين. فأول ليلة من شهر رمضان يكسو الحزن كل شئ. يكسو الوجوه والقلوب والعقول. يكسوالجدران!
هذا يفكر فى أمه وأبيه،,أخته وهذا فى زوجته وأولاده، وذاك يبكي على فراق محبوبته، وأطفالاً يتمنون الخروح للعب كرة القدم فى رمضان كما اعتادوا!
فى غير رمضان كنا جميعًا نفرح بوقت الزيارة التى لا تتخطى 15 دقيقة كل 7 أيام، وفي رمضان نحزن عندما يأتى وقت الزيارة لمعاناة أهالينا الذين ينتظرون موعد زيارتهم خارج أسوار السجن من بعد الفجر وهم صائمين. ينتظرون أكثر من 6 ساعات!
شهر رمضان خارج الزنازين ملئ بالفرحة وبصوت عبد المطلب "رمضان جانا وفرحنا به" وداخل الزنازين تسمع أصواتًا ساخرة ممزوجة بحشرجة يلمؤها الحزن تغنى "رمضان جانا .. فى الزنزانة" ثم يضحكون بجنون. ليواجهوا اللامبالاة والظلم، يضحكون لأنهم يعلمون أن فى الليل لن ترحمهم دموعهم.
حيث ينام رفاقًا ظلمهم النظام الحالي وأضاع أعمارهم.
"أنا المصلوب في زنزانه وسألوني مالك؟
قلت ماليش
أنا الغرقان فى كوب مية
انا الزاهد كما الدراويش
أنا الضحكة و الأحزان
أنا البحر اللي عاش يروي
ومات عطشان.
أنا عنوان بلا موطن
أنا موطن بلا عنوان."
والسجون مليئة بآلاف ممن لا نعلم عنهم شيئًا وممن سيقضون شهر رمضان فى ظلمات السجون.
احمد حسن (استاكوزا) – من الإستاكوزا إلى ولاد اللذينة اللى برا اللي مش محبوسين
من الإستاكوزا إلى ولاد اللذينة اللى برا اللي مش محبوسين 🙁 ... - وحشتوني يا جدعان، فشخ والله، وليل نهار بدعي ربنا إنكوا تتحبسوا كلكوا عشان أعرف أقعد معاكوا براحتي .. - أنا كويس جداً والدنيا هنا تمام في كل حاجة، أكل وشرب ونوم ورياضة وكريدت والدنيا كلها تمام، بس ده ميمنعش إني عايز أرّوح يعني!
- عايز اقولكواوالله إني هنا مرتاح اكتر منكوا – كداب قوي -، كل الموضوع إني كنت عايز اَخد credit فالحكومة قررت تساعدني وتديني كريدت، 5 شهور بتديني كريديت! اَه يا أما، ربنا يكرمهم والله من غيرهم كنت ولا 100 سنة عشان اَخد الكريدت ده، حقيقي يعني، المأساة بس إني بحاول اقنعهم إنه تمام كده مش عايز تاني بس هما عندهم الكرم بزيادة، بس معلش، قريب هطلع – كداب قوي- وهنرجع زمن الشقاوة والدنيا هتبقي حلوة... - ال 5 شهور دول حققت فيهم إنجازات عظيمة فعلاً اشهد للسجن إنه كان السبب فيها، يعني مثلاً بقيت مسئول "ميكي" في العنبر، بقيت بعرف أعمل شكشوكة حلو، عملت شكلين جداد لشنبي أول مرة أعملهم، وحاجات تاني كتير، الحمد الله! - بجد بقي، أنا ممتن جدا لكل جدع وجدعة سألو وبيسألوا عليا ومهتمين بالقضية وبالفكرة اللي انا محبوس من أجلها – اللي أنا مش عارف إيه هي!- وعلي رأسهم الحب، مروت، اللي نابها من الكريدت جانب، ولاد اللذينة حبسوا اتنين من أروش تلاتة في مصر!، ما علينا، المهم إني ممتن ليكوا كلكوا، وفعلاً لو ماكنتوش موجودين جنبي الفترة دي وبتساندوني وبتاَزوني مكانش هيفرق معايا في حاجة وكنت هكمل عادي، عشان أنا جامد جداً ! 😀 بهزر .. - مش همسي عليكوا واحد واحد بالأسم عشان منساش حد، بس مسولي علي مجالكوا كلكوا، وادعولي في كل صلاة، وبين كل صلاة وإقامة، وفي كل سجدة وبعد كل صلاة، وقبل ما تناموا وبردو مش هخرج! حاجة بنت جزمة بجد! - يلا، خليكوا كويسين لحد ما تتحبسوا، سلام.." الفقير الي الله إستاكوزا سجن طرة تحقيقعنبر "3"، زنزانة "1/1" المصلب اللي جنب الحمام
4/6/2016"
عمرو عاطف عبد الخالق شاهين (عمر عاطف) – أقف بين رفاقي
أقف بين رفاقي. كانت الابتسامات لا تزال مرتسمة على الوجوه، ونظرات السعادة التي تلي رؤية الزوجات والأولاد لم يذهب تأثيرها عليهم بعد، عندما وجدت هذا الرجل الستيني ينبهني بالطرق على ساقي أني وطأت بقدمي يده التي يستند بها على الأرض التي افترشها. لم يكن معتادًا أن أجد من يجلس بهذا المكان. "آسف يا حاج"، اعتذرت له، فالتفت: "مافيش حاجه يا ابني".حدث هذا الموقف بعد زيارة يوم الأحد 24 أبريل الماضي، وكنت قد رأيته مرتين قبل هذا الموقف: قبل الزيارة وأثناءها. ثلاثة مشاهد متتالية رأيت فيها الحاج ممدوح، ويكفي أحدها فقط ﻷي إنسان (وليس لطبيب حديث التخرج مثلي موقوف عن العمل منذ حوالي ثلاث سنوات) ليعلم أن هذا العجوز الذي أنهكه المرض سيكون أقرب ضحية للموت ظلمًا في السجون. يكفي أن تتكلم مع الرجل لثلاث دقائق كما أتيح لي، لتسقط دموعك دون إرادتك، حزنًا على مرض الرجل الذي نال من جسده وصحته بسبب ظروف السجن التي جعلته يفضل البقاء في زنزانة ضيقة على أن يُحجز في مستشفى السجن التي لا تقدم ولو أقل قدر من الرعاية الطبية التي يمكن تقديمها لكائن حي؛ حيوانًا كان أم إنسانًا.يبرر الحاج ممدوح اختياره ذلك بقوله: "أموت بين اخواتي اللي بيخدموني يا ابنى، في المشتشفى مافيش حد هيخدمني". ستبكي رغمًا عنك لإحساسك بالعجز عن تقديم أي شيء لهذا المسن المريض، ولعجزك عن أن تقول للضابط المسؤول عن الزيارة إن هذا الرجل المسن المريض سيموت بين أيديكم وأنتم لا تقدمون له أي شيء. ستبكي قهرًا عندما تسأله "واخد كام سنة يا حاج؟" لأنه يرتدي البدلة الزرقاء الخاصة بالمحكومين، فيجيبك "عشر سنين"!ستبكي غمًا وكمدًا عندما تتساءل عما فعله هذا العجوز المريض قليل الحيلة عندما قُبض عليه ليقدَّم إلى المحاكمة العسكرية وهو في حالته تلك. ماذا فعل لوطنه ليجازيه بعد هذا العمر، ليس فقط بفيرس سي الذي أصابه نتيجة تلوث طعامه وشرابه، ولكن بالموت بعيدًا عن زوجته وأبنائه وأحفاده في ظلمات ووحشة الزنازين، محرومًا حتى من نظرة وداع قبل الفراق الأخير؟أي قَدْر من الذنوب ستحملها أيها القاضي العسكري بعد أن حكمت على الحاج ممدوح بالموت بهذه الطريقة البشعة؟ أي ظلم يرتكبه أي ضابط أو طبيب في مستشفى السجن رأى الحاج ممدوح وتركه يموت في مكان غير آدمي كهذا، ليقضي فيه اللحظات الأخيرة؟لن أتاجر بدم الحاج ممدوح في سرادقات الثورة والهتافات ضد الحكم العسكري والسيسي. لن أتحدث عن الديكتاتورية التي تُبنى بدماء البشر وإفناء أعمارهم داخل سجون الظلم والقهر، ولن أسترجع ذكريات موت صديقي أنور العزومي بيننا في الزنزانة، ولا تلك المشاعر الرهيبة في أشد أيام السجن كآبة وإيلامًا وتأثيرًا في نفسي، بعد وفاة أنور العزومي منذ ما يقارب ستة شهور بمرض الصرع.لقد مات الحاج ممدوح، وقد رأيته قبل موته بثلاثة أيام، وتوقعت موته الوشيك، فقط أنادي متمنيًا أن يحرك ندائي ساكنًا: أخرجوا المرضى ليُعالجوا في مستشفيات حقيقية لأنهم بشر.الناس هنا يموتون موتًا بطيئًا، ومستشفى السجن لا تصلح حتى لعلاج الحيوانات، ولا تقدم أقل قدر من الرعاية الصحية. لماذا يواجه السجناء التعنت ورفض طلبات النيابة بنقلهم للمستشفيات، بحجة الأسباب الأمنية؟ يجب أن يُكتب في خانة سبب الموت "أسباب أمنية" بدلًا من "هبوط حاد في الدورة الدموية أدى إلى الوفاة"، ثم تحقيق عقيم من النيابة يجري في غرفة مأمور السجن بعد منتصف الليل، لتحمي الداخلية أفرادها من المساءلة عن تهمة الإهمال الذي يقتل السجناء، ففي السجن الواحد تجد مصابين كثيرين بفيروس سي الذي تعاون مع الظلم في قتل الحاج ممدوح، وتجد مرضى عديدين يحتاجون إلى عمليات جراحية، ومئات يحتاجون إلى قدر عادي من الرعاية الطبية ولا يجدونها. لا يُنقل السجين لمستشفى خارج السجن إلا إذا كان على أعتاب الموت "يا يلحق يا مايلحقش"!ندائي إلى كل من بقي في ضميره مثقال ذرة من إنسانية: أوقفوا الموت البطيء في السجون. أوقفوا الإهمال الطبي العمدي في السجون. أخرجوا السجناء ليتلقوا علاجهم في مستشفيات آدمية قبل أن "يُقتلوا" بالإهمال العمدي في الزنازين.
مينا ثابت – أتمنى أن تكونوا جميعا بخير وسلام
"أتمنى أن تكونوا جميعا بخير وسلام. لا تقلقوا على صديقكم فأني بخير وأنتم معي في كل حين ولا أنساكم. أتذكر لحظاتنا الجميلة معا فهي ما يبقيني صابرا. تحدثت إلى أغلبكم من قبل عن هذه اللحظة وتعلمون ما أريد أن أقول، فكنت دائما في انتظار دوري. كلا منكم يعلم مخاوفي ومصادر قلقي وقد أخبرتكم وأوصيتكم بما تفعلون.
أعيش تجربة مريرة ولا أحب أن يتعرض أحدكم في يوما ما لمثل هذه الأوضاع، ولكني أعتبر نفسي محظوظا، وسأخبركم لاحقا عن تجربتي التي أتمنى أن تكون قصيرة ولا تطول أكثر من ذلك. ولكن أعلموا هذا، أنني بتُ أدرك حقيقة القول "احنا مش بنخاف من السجون، أحنا بنكرهها" والحقيقة إنها تستحق البغضاء لا الكراهية فقط. تلك هي تجربتي الأولى وكان أسبوعي الأول فيها حبس أنفرادي، وكان أسبوعا شاقا بغيضا، وأصلي لأجل الذين وضعوا في الحبس الإنفرادي كثيرا وأدعوكم أنتم أيضا للصلاة لأجلهم، فلا تعلموا مقدار وجسامة الأضرار النفسية التي تقع على المحبوسين إنفراديا.
كان الله في عون "مالك عدلي" وكل من خاض تلك التجربة المريرة. نحن ندفع ثمن قول الحق في زمن الباطل.
إن جُل ما يؤلمني ليس فقط ما تعرضت إليه، بل يؤلمني إتهامي - بحسب ما فهمت من النيابة – بأنني على صلة بجماعات إرهابية وتخريبية!! أنني دعوت وحرضت على العنف!!
جاء اليوم الذي أتهم فيه بالتحريض على العنف، أنا من كنت دائما أقف ضده !!
جاء اليوم الذي يتهم فيه مدافعا عن حقوق الإنسان ومسيحي الديانة بأنه يحرض على العنف!
جميعكم يعلم موقفي من العنف بشكل عام ومن من يلجأ إليه من تيارات الإسلام السياسي تحديدا.
أعتدنا أنا وبعض الأصدقاء أن نمزح قائلين "بكرة يقولوا عليك إخوان يا مينا" وقد كان !
أحزن كثيرا على مسار العدالة في بلادي، ليس فقط لما أصابني، ولكن الوضع أصبح مزريا.
كلي ثقة بأنه سيأتي اليوم الذي نجتمع فيه ثانية وسنضحك على نلك الرسالة وخطي القبيح، لا أعلم إن كنت سأتمكن من الكتابة إليكم مرة أخرى أم لا، أو إن كنت سأخرج من محبسي سريعا أم لا، ولكن واثق أنني لست وحيدا وأعلم أنكم جميعا معي ولن تنسوني.
محبتي لكم جميعا وأتمنى أن ألقاكم سريعا، أوصيكم بأمي وبأسرتي خيرا.
كتبت هذه الرسالة في 30-5-2016" أعيش تجربة مريرة ولا أحب أن يتعرض أحدكم في يوما ما لمثل هذه الأوضاع، ولكني أعتبر نفسي محظوظا، وسأخبركم لاحقا عن تجربتي التي أتمنى أن تكون قصيرة ولا تطول أكثر من ذلك. ولكن أعلموا هذا، أنني بتُ أدرك حقيقة القول "احنا مش بنخاف من السجون، أحنا بنكرهها" والحقيقة إنها تستحق البغضاء لا الكراهية فقط. تلك هي تجربتي الأولى وكان أسبوعي الأول فيها حبس أنفرادي، وكان أسبوعا شاقا بغيضا، وأصلي لأجل الذين وضعوا في الحبس الإنفرادي كثيرا وأدعوكم أنتم أيضا للصلاة لأجلهم، فلا تعلموا مقدار وجسامة الأضرار النفسية التي تقع على المحبوسين إنفراديا. كان الله في عون "مالك عدلي" وكل من خاض تلك التجربة المريرة. نحن ندفع ثمن قول الحق في زمن الباطل. إن جُل ما يؤلمني ليس فقط ما تعرضت إليه، بل يؤلمني إتهامي - بحسب ما فهمت من النيابة – بأنني على صلة بجماعات إرهابية وتخريبية!! أنني دعوت وحرضت على العنف!! جاء اليوم الذي أتهم فيه بالتحريض على العنف، أنا من كنت دائما أقف ضده !! جاء اليوم الذي يتهم فيه مدافعا عن حقوق الإنسان ومسيحي الديانة بأنه يحرض على العنف!
جميعكم يعلم موقفي من العنف بشكل عام ومن من يلجأ إليه من تيارات الإسلام السياسي تحديدا. أعتدنا أنا وبعض الأصدقاء أن نمزح قائلين "بكرة يقولوا عليك إخوان يا مينا" وقد كان !
أحزن كثيرا على مسار العدالة في بلادي، ليس فقط لما أصابني، ولكن الوضع أصبح مزريا. كلي ثقة بأنه سيأتي اليوم الذي نجتمع فيه ثانية وسنضحك على نلك الرسالة وخطي القبيح، لا أعلم إن كنت سأتمكن من الكتابة إليكم مرة أخرى أم لا، أو إن كنت سأخرج من محبسي سريعا أم لا، ولكن واثق أنني لست وحيدا وأعلم أنكم جميعا معي ولن تنسوني.
محبتي لكم جميعا وأتمنى أن ألقاكم سريعا، أوصيكم بأمي وبأسرتي خيرا.
كتبت هذه الرسالة في 30-5-2016"
خالد الانصاري – قمة التحدي في هذا المكان
"قمة التحدي في هذا المكان ... ان تحافظ على معنوياتك مرتفعة...حتى وانت ترى اهلك يتالمون من كلبش يكبل يديك وسلك حديد يمنعهم عنك ...حتى وانت ترى نفسك في دائرة النسيان ... حتى وانت مجبر على ابتسامة سخيفة تمنحها لسجانك واخرى تمنحها للقاضي رغم انك تعلم انهم لن يفكوا قيودك ... حتى لو عاقبك السجان لرفضك الاهانة او رفضك وقوع ظلم على الاخرين...حتى وانت لاتعلم مالذي ينتظرك في المستقبل هل حكم ظالم؟... ام برأة ظالمة ظالمة بعد فترة تحقيق استمرت لشهور ؟!...حتى وانت تراهم يستنفذون طاقة اهلك ...قمة التحدي في هذا المكان ... ان تحافظ على معنوياتك مرتفعة... ولكن هل تستطيع؟؟؟"
محمد سعيد ابو الفتوح – بدات اعود للوعى تدريجيا
"بدات اعود للوعى تدريجيآ... اسمع همسات من حولى...اتنفس بصعوبة.. اة مازلنا على قيد الحياة..انة اليوم الخامس والثلااثون على اضرابى عن الطعام لااريد ان افتح عينى فأنا اعلم جيدآ ما سارة من حولى...لاجديد..نفس الغرفة الضيقة..نفس القضبان..الباب الاسود المغلق..مجموعة الاسوار خلفة..عندما كنت صغيرآفى حصة الرسم فى المدرسة حاولت كثيرآ ان اقوم بالرسم على خلفية سوداء او اضع الوانا اخرى على اللون الاسود.. ولكن كانت كل محاولاتى تبوء بالفشل فاللون الاسود يبتلع كل ما حولة ولكننى الان اكتشفت انى مخطئآ فعندما اغمض عينى استطيع ان الون كيفما اشاء وارسم الاشخاص والاماكن بادق التفاصيل على نفس هذة اللوحة السوداء التى كنت اظن انى لن استطيع الرسم عليها لم اكن اتخيل وجود هذة العالم الفسيح خلف جفونى.. فسقط كل ما علىٍٍِ ان اسدل الستار... انطلقت فى عالمى..وجدتنى فى الجامعة.. بكل مبانيها..الطرق كما هى ...الحدائق والمدرجات.. اقتربت الامتحانات الان وكل الطلاب يستعدون..اتذكرهذة اللحظات والايام عندما كنت طالبآ يومآ ما..القلق التوتر السهر اجتماع الاصدقاء داخل احد الغرف فى المدينة الجامعية لنقوم بحل المسائل الصعبة والوقوف امام احد المكتبات لتصوير الملازم والمذكرات والجدول الذى يدور بيننا لنختار احدنا ليقوم بعمل الشاى والسندوتشات، عمل ال profile pichure مغلق الامتحانات،هذة المادة الصعبة التى كنت اتوفع انى لن استطيع ان اجيب على سؤال واحد فيها،هذة الكابوس اللعين الذى يأتينى قبل امتحانات كل عام بأنى فى لجنة الامتحانات ولا استطيع الاجابة على اى سؤال.. اتصال امى بى قبل الامتحانات للاطمئنان والدعاء لى ولزملائى..لحظة امساكى ورقة اللأسئلة فأنظر فيها سريعآ وعندما اجدنى اعرف كل ما تحوية من الاسئلة،اشعر بعبقرية منقطعة النظير،تبادل الاتصالات بين الاصدقاء للسؤال على النتيجة،حفل التخرج التى يحلم بها كل طالب وكل ولى أمر ولكنى الان اصبحت طالبآ مع ايقاف التنفيذ، رفضت الجامعة امتحانى لثلاث سنوات على التوالى.. عدت سريعآ.. اصبحت الصورة سوداء خلف جفونى وقفز الى رأسى هذة السؤال حتى لوامتحنت وتخرجت..سأظل مهندسآ مع ايقاف التنفيذ بل ان حياتى كلها اصبحت مع ايقاف التنفيذ.. ألاف الطلاب الان داخل هذة السجون رفضت الجامعات اداؤهم الامتحانات، وكل رؤساء الجامعات تحولوا الى جلادين وكأنهم لا يكفيهم ما وقع على هؤلاء من ظلم..قررت ان اعود الى واقعى الاليم مرة أخرى.. اخذت افتح عينى.. فاذآببعض احزمة الضوء تسقط على وجهى من فتحات ضيقة فى الحائط..تساءلت لماذا خلق الله لنا هذا الليل والظلام ولماذاعندما نغلق اعيننا نرى الظلام وليس النور؟ ترى هل يريد الله منا ان نرسم على هذة اللوحة السوداء خلف اعيننا؟ عندهالن تكون هناك حدودآ لحركاتنا كمالو كنا فى النور.. عندها وفقط نستطيع ان نلتقى خارج حدود الزمان والمكان كما نشاء... احاول ان اتحرك ولكنى لااستطيع الحركة بمفردى الان...سيطر اعياء شديد على سائر جسدى.. فقدت كثيرآ من وزنى.. ولكنى مستمر فى اضرابى حتى اوقف عن نفسى هذا الظلم... الحرية وفقط...هى كل ما أريد"
محمد فوزي شاهر محمد كشك (محمد فوزي) – المقال الثاني والعشرون والرابع والأخير من [متتالية الغياب] “شرنقة الذكريات
(1) خلعتُ السترة الزرقاء, وأحكمتُ لفّها حول رأسي لثامًا لم يترك سوى عينيَّ ظاهرتين. أشرتُ لرفاقي المنتظرين خارجَ الباب أن أغلقوه. فعلوا _بعد أن ضحكوا لمنظر عاري الصدر النحيل المُلَّثَم_ فانسّدَ آخرُ منْفذٍ للهواء في الزنزانة الخاوية. كنا قد ألصقنا أوراق عُلَبٍ مقوّاة على فتحات الشبابيك الضيقة ذلك بعد أن أخرجنا متاعنا, هذا إن جاز تسمية كومة البطاطين والملابس متاعًا. وقفتُ وحدي أتأمّلُ المشهد. أعامان مرَّا حقًا وأنا أسْنِدُ روحي ورأسي إلى هذه الجدران؟ لامستُ شقًا في الجدار, رفعتُ عينيَّ لضوءِ المصباح المرتعش.. سحبتُ شهيقًا عميقًا.. وبدأتُ. الغازُ ينتشر.. الصراصير تخرج من تراب الشقوق ومن بين ثنايا الحديد. الغاز يزداد.. الصراصير تهرب من الأركان لأعلى السقف. الغاز يَكثُفُ ويلوي عنق الهواء.. الصراصيرُ تسقط دائخة من علٍ. سقف الزنزانة يمطرني بالصراصير, وأنا.. أواصل الرش. لم يكن حلمًا, أعداد الصراصير مهولة بحق, وهذه هي الطريقة الرسمية لتنظيف الزنازين في سجن المنصورة: استخدام مبيد حشري بكثافة بعد إفراغ وإحكام إغلاق الزنزانة. قسّمنا الأدوار, فكان من نصيبي الرش وبالتالي الاشتباك المباشر مع الأعداء. بعد أن أسقطهم أرضًا أغرقت أرضية الزنزانة بماءٍ مغليٍ سابقًا كي يرتاحوا بموت مباغت أثناء غيبوبتهم. طرقتُ الباب, ليفتح لي الرفاق من الخارج [لكم أشتاقُ بابًا يمكن فتحُهُ من الداخل..] استندتُ لمصطفى, التقطتُ أنفاسي, وأخبرتهم "تمت المهمة بنجاح, عشرُ دقائق وادخلوا لتدفنوا الجثث". معظم الزنزانة من طلاب جامعة المنصورة, كليات, انتماءات, ثقافات شديدة التباين, لكننا متآلفين بشكلٍ ما. جلستُ أشاهدهم وهم يواصلون العمل بين مسحٍ ونفضٍ وترتيبٍ مازحين. كنت أضحكُ [وكم ذا بمصر من المضحكات..] لجيلٍ خرج ثائِرًا على غيلان الاستبداد وحيتان الفساد, فإذا به يُصارع.. صراصير السجون. (2) "نقصٌ في المكان, وفائِضٌ في الزمان" هكذا تُوصف حالة السجن في كثير من أدب السجون. قبرٌ مكاني بداخله صحراء زمانية. وبالطبع يهربُ الجميع من ضيق القبر إلى شساعة الصحراء, من مادية المكان إلى روحانية الزمان. هل نهرب صوب ذكريات الماضي أم أحلام المستقبل؟ ذكريات الماضي غالبًا. لماذا؟ لأن بيننا وبين المستقبل بابًا لا يُفتح إلا من الخارج وأسوارٌ تزدادُ علوًا كلما ازدادت رؤوس الرجال في الوطن انخفاضًا.. الذكريات.. منذ بدء اعتقالي وأنا أستعيدُ ذكرياتي مع أهلي, أصدقائي, ومعها "هِيَ.." كثيرًا. وكأن أرواحهم في هذا القبر المُحكم حولي ما عادت تقطنُ إلا ذاكرتي. فإن غبتُ عنهم ولم أرعْ الذكرى يوميًا وأحمها من غبار الإهمال, عصف النسيان بهم.. وبي. لكن الجديد مؤخرًا, أنني هنا في سجن وادي النطرون, صرتُ أستعيد ذكرياتي في سجنيّ السابقين: طرة, والمنصورة. كذكرى معركة الصراصير تلك التي لم تفارقني منذ أسبوعٍ تقربًا. ستةٌ وعشرون شهرًا, عمرٌ كافٍ كي تنمو في جنباته ذكرياتٌ تستدعي الحنين, المؤلم أنها ذكرياتٌ شوكيةٌ. الطلاب يصارعون الصراصير. مأساة أم ملهاة؟ نوازل أم مهازل؟ إن الخط الفاصل إنما يقع هناك في كتب الفلسفة ومدارس النقد الأدبي. الحياة تمسح هذا الخط تمامًا بدماء أبنائِها. فمن انفّكَ من لجام اللحظة الآنية وانزاحت من على عينيه غشاوة العجلة أبصَرَ.. أبصر بؤس الكوميديا, وعبث التراجيديا. ومن أبصر أدركَ. ومن أدرك الحقيقة قاتل بضلوعٍ مهشمة وقلبٍ تنغرسُ فيه كل يومٍ ذكرياتٌ شوكية جديدة.. (3) منذ رُحِّلتُ إلى وادي النطرون وأنا أقلُ اتصالًا بواقع الزنزانة والعنبر وأكثر استغراقًا في ذكرياتي الخاصة, وما ملكت يدي من كتب مستعارة. [مكتبة السجن مُغلقة كعادتها, أستعيرُ مما هرّبه السجناء قبلي في زياراتهم] الأعداد المتكدسة يستحيل معها الحصول على لحظة هدوء للقراءة أو الكتابة, لذا أخلف ميعاد نومي معهم, أستيقظ ليلًا لأقرأ على الضوء الخافت من مصباح الحمام الواهن, الوحيد المسموح باشعاله ليلًا. في الزيارة حذَرتني أمي من ضعف بصري تدريجيًا, وخافت عليَّ أثار العزلة الجانبية. أما البصر, فليضعف يا أمي إن لم يكن سبيل غير هذا للحفاظ على البصيرة. الظلامُ هنا يلتهم العقول ومن لم يقرأ, عَمِيَ. أما العزلة, فلا تخافي.. أتشرنق في ذكرياتي كي أستمد منها بعض القوة, وكي أحمي نفسي من تيار العقل الجَمْعيِّ الذي يجذب السجناء إلى التطرف.. أو الاستسلام. اللحظاتُ هنا ممتدة, مهيبة وتافهة في الآن ذاته, كالرمال. رمالٌ متحرّكة تجذبني إلى قاع الغياب, فلا أجد سبيلًا سوى التشرنق. أذكر مقطعًا من قصيدة لـ يحي قدري, كنت أردده كثيرًا في الخارج, الصحرا علّمتني إن البعيد عن العين أريح كتير للقلب وإن فاقِد الشيء
أحسن واحد يتكلَم عنه أودُ أن أخبره الآن: السجن والصحراء_ على عكس ما يبدو_ شبيهان في كثيرٍ من الأمور يا يحي.. خرجتُ من شرنقتي إلى نشاط العنبر مرتين, الأولى ألقيتُ قصيدة الجسر, والثانية كتبتُ وأخرجتُ عرضًا مسرحيًا قصيرًا, ساخرًا من بعض أمراض المعتقلين, وتحديدًا أمراض التيارات الإسلامية: "إدعاء البطولة, الفُرقة, التدين الظاهري, التطرُّف.." الغريبُ أنَّ الجميع تقريبًا تقبّلوه, وأثنوا عليه. ربما لِكَوني غير منتمٍ لفصيلٍ او جماعة. لو صدرت هذه الانتقادات من فصيلٍ لآخر لأعلنوا الحرب داخل الزنازن. أو ربما قبِلوه لأنّ هذه هي حقيقتهم التي _بعد أن أجبرنا الاعتقال على الحياة لعامين سويًا_ لن يستطيعوا إخفاءها عن أنفسهم, وعنّي. ثمّ؟ إلى شرنقة الذكريات مرةً أخرى; غبتُ, واعتزلتُ حياة الزنزانة والعنبر باستثناء التزامات الطعام والنظافة العملية طبعًا. في كل مرة أحاول ألا يكون غيابي انسحابَ مهزومٍ, بل استراحة محارب. ليس غياب إحجامٍ عن مواجهة السجن, بل هو غيابُ إقدام على مواجهة الذات والذكريات والسجن نفسه وتحديّهم بالاستمرار في الكتابة. أغيبُ, لأكتبَ.. فأحضر. داخل هذه الشرنقة كتبتُ ديواني الأول: الرقيم. أصرَرْتُ أن يكونَ النشرُ _ولو إلكترونيًا_ في يوم 5 مارس 2016, كان اعتقالي يوم 5 مارس 2014. لن أتركهم يرسمون خارطة ذكرياتي كيفما شاءوا, هكذا فكَّرتُ. أعرفُ أن الطاغية الذي يستبّدُ بوطني يستطيع تحديد كيفية التعذيب ومدة الاعتقال بنفس البساطة التي حدد بها تاريخُه.. بسلطان السلاح. لكنني أستطيعُ تحويل العذاب الذي جرّعني إياهُ إلى نصٍ شجي أنا من يؤلِّفُ ألحانهُ لا هو. أستطيعُ تحويل العامين اللذين سرقهما من عمري إلى عشرين عام أضيفهم إلى خبراتي ومعارفي وأستطيع تحويل تاريخ اعتقاله لي بالسلاح إلى ذكرى انتصاري عليه بالقلم."
احمد ماهر – أمرنا الله في المحن والابتلاء بالصبر
اسم السجين (اسم الشهرة) : احمد ماهر النوع الاجتماعي : ذكر تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 5/23/2016 السن وقت...