الرسالة الثامنة
"إلــيــكُــم.."
سَنَخرُجُ يومًا
كما يبْزُغُ النُورُ في الفَجْرِ
يُولَدُ من بطْنِ ظُلمَتِهِ الحالِكَةْ
سيذُوبُ
جليدُ الكَلَبشاتِ
حولَ معاصِمِنَا المُنهَكَةْ
يعجزُ الثلجُ حبسًا لأيدي
اللذين تنامُ الشموسُ بِرَاحَاتِهِمْ
يعجَزُ الليلُ كبتًا لأصواتِ من
بحناجِرِهِم دفْءَ لَحْنِ المآذِنِ والدَّيَكَةْ.
سنخرُجُ يومًا
ونُطلِقُ أعيُنَنَا كعصافيرِ صُبْحٍ
تُضمِّدَ جُرْحَ السماءِ
التي غرزَ السورُ في لحمها لزمانٍ
سكاكينَ أسلاكهِ الشائِكَةْ
سنقْفِزُ شوقًا لأعلى
لأعلى.. لأعلى.. لأعلى..
فلا سقْفَ
يحجبُ صاحبَنا/ البدْرَ عنَّا أخيرًا
إذا مَدَّ في الليلِ
حَبْلَ ضياءٍ حنونٍ لكي نُمسِكَهْ
سَنَخْرُجُ يومًا
كما يَتَفَجَّرُ ينبوعُ ماءٍ
بجوفِ الحَجَرْ
سيُفجِّرُ دمْعُ البَشَرْ
كلُّ أحْجَارِ هذي السجونِ
ويُغرِقُ سَجَّانهَا
كُلُّ أمٍ بَكَتْ إبْنَهَا
سوفَ تَغسِلُ أحزانَها
ألفُ زغرودةٍ تَنْهَمِرْ
لتُعانِقَ دمْعاتِها.. الضاحِكَةْ.
سَنَخْرُجُ يومًا
وننظُرُ في عيني القَهْرِ
"ها أنتَ
شرَّحْتَ جسمَ الضحيةِ حَدَّ العظامِ
فماذا تبقّى؟
لقد أثْلَمَ العظْمُ سيفَكْ..
أيا قهرُ.. عُدْنَا
وإنا هنا لم نعُد خائِفينَ
انْظِرِ الآنَ أعْيُنَنَا
ثم حاولْ إذًا أن تُداري خَوْفَكْ
أيا نَذْلُ.. عُدْنَا
وهذي دمانا تُخضِّبُ كَفَّكْ
وكَفُّكَ رغم السلاح المُدجَّجِ مُرْتَبِكَةْ
حِكْتَ فخًا دَنيئًا لَنا..
أَوْقَع الفَخُّ ذَا حائِكَهْ
حينما الدَمُّ في الأرضِ يُسْفَكْ
تَفُوحُ روائِح ثأرٍ
_ولو بعدَ حينٍ_
إلى الجوِّ خانِقَةً سافِكَهْ
سنَخْرُجُ يومًا
وفي الجسْم نَدْبٌ كَخَتْمِ النُبوَّةْ
سيحكي صَبيٌّ نقيٌّ مُفَوَّهْ
عن الشُرَطيِّ المُشوَّهْ
عن الشُرَطيِّ الغَبيّْ
أذاقَ صبيًا بَريءْ
عذاباتِ موتٍ بَطِيءْ
بصاعِقِهِ الكَهْرَبيّْ
فعاش برغمِ الصواعِقِ ذاكَ الصَبيّْ
على جسمِهِ نَدْبُ جُرْحٍ مُضيءْ
وأصْبَحَ ذاكَ الصبيُّ لنا
فارِسًا ونَبيّْ
بقلبٍ قَويٍ ووجهٍ وضيءْ
يُفتِّشُ لاهائِبًا
عن حصونِ الظلامِ لكي يَهْتِكَهْ
سَنَخْرُجُ يومًا
سيخرُجُ ألفُ نَبيٍّ
لكي تبْدَأَ المَعْرَكَةْ..
سَنَخْرُجُ يومًا
رسائل جدران العزلة
كريم العطار – هنا الناس المظاليم
هنا الناس المظاليم يامصطفي علي كل شكل ووصل بيهم العته ان في واحد ضرير متهم بقناصة والله دا جبروت وكله كوم والتأديب كوم تاني تنام عريان في زنزانة متر في متر فاضية ع الارض ومكبو ب ف الارض مية " كريم العطار لمصطفي أخيه
عمر علي حسن عبد المقصود (عمر عبد المقصود) – لماذا سجن يوسف؟
أثبت تاريخ البشرية ما تقدم منه وما تأخر أن عقوبة السجن وحبس الحرية تعد عقوبة رادعة قاسية ، بل وفي بعض الأحيان شافية للغليل وكافية للتنكيل ، لكن السؤال الأبرز الذي أجاب عنه التاريخ فيما بين سطوره ، هو : لمن يعد السجن عقوبة ؟ للسجان أم للمسجون ؟ في السجن تبرز المعادن ، وتتفاوت ، فهناك من سجن ليكسر ، وهناك من سجن لينهض ، بل وهناك من اختار السجن اختيارا ، طوعا لا كرها ، هذا يسجن دونما ذنب فينقم وذاك يسجن على فعل فيندم ، هناك من يدخل حاملا رسالة لمن هم أهل للإجابة ، و هناك أهل الإجابة حملوا الرسالة من داخله ، فينتفي بذلك سبب البقاء فيه .
ولمن لا يعلم فإن المسجونين في بلادنا العربية من محيطها إلى خليجها يسجنون وفقا لما يراه السجان من تهم تليق لا وفقا لما أذنب الطليق ، ويبدو جليا منذ قديم الأزل أن الرأي يعتبر جريمة بيد أن من دروب العار المتفق عليه دوليا أن يكون في بلادك " سجين رأي " وهنا يأتي دور التلفيق لجعل ما لا يليق يليق . هنا، على هذه الأرض ، سجن الرأي بدعوى أنه أفضى إلى جريمة ، فأصبح السجين " السياسي " في قضيته حائزا على شق " جنائي " ، فكان لرأيه الذي يسجن من أجله بالأساس وقع الرصاص فقتل ، أو بديلا عن النار فحرق ، أو نما لرأيه يدا فعاثت في الأرض فسادا .
ولعل أحسن القصص في كتاب الله العزيز ورودا ، كانت ولا تزال قصة يوسف النبي ، يوسف الصديق ، الذي كان في قصة سجنه براحا وسعة لكل من حرم من الحرية ليخرج بالقصة من ضيق الزنازين وعطب الحال إلى التمكين في الأرض وصلاح البال و إلى هذه القصة أشد الرحال واضعا في كبد قوسي سؤال ، هل كان يوسف الصديق سجين رأي " سياسي " أم سجين فساد "جنائي" ؟! وحتى لا أكون قد تجاوزت حدود الأدب مع نبي من أنبياء الله ، ولأن الفساد في زماننا قد جاوز المدى ، فما كان من قصدي هنا بالفساد إلا من وجهة نظر ساجنه ، و إلا لما قال له ( انك اليوم لدينا مكين أمين ) الأمن بعد ما كان ( من الصغرين ) وفقا للتعبير القرآني الكريم . راودت امرأة العزيز يوسف عن نفسه ، وهي جريمة " جنائية " كاملة الأركان ..
كان الجاني فيها امرأة العزيز والمجني عليه هو النبي يوسف ، وصلب الجريمة أن راودت امرأة العزيز فتاها يوسف عن نفسه ، لكن لله في كونه تدابير أخرى ، و أما شاهد الجريمة الوحيد ، كان من أهلها، أقوال المجني عليه : هي راودتني عن نفسي فأصبحت القضية من قضية جنائية ذات شاهد واحد ، إلى قضية رأي وعقيدة ، لها أبعاد أخرى وشهود اثبات ونفي في الوقت ذاته ، و إليك الدليل . انتهت الجريمة الجنائية بأن صدر الحكم فيها وهي في مهدها ، حيث كان الحكم على استحياء ( يوسف اعرض عن هذا ) وأما الجاني لمكانته ومنصبه (واستغفري لذنبك ، إنك كنت من الخاطئين ) ، انتهت حيثيات الحكم ، وحفظت القضية ورفعت الجلسة .
لماذا لم يسجن يوسف آنذاك ؟! أ درءا لللغط ؟ ، أم لشأن امرأة العزيز الرفيع المستوى ، أم ربما لكونها لا تعدو كونها قضية جنائية بسيطة ؟! علمت نسوة في المدينة بالخبر ، فكان من حسن التصرف بأن توأد الفتنة في مهدها بأن يسلك أحد السبيلين ، فإما أن تهمل حتى لا تكبر كما تهمل النار في خبأ الرماد ، أو يثبت العكس فتموت الفتنة قتلا . علمت امرأة العزيز بأن قال نسوة في المدينة ( امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه ، قد شغفها حبا ، إنا لنراها في ضلال مبين ) ، ولعل من تدابير الله أن كان لكلام نسوة المدينة عن ضلال امرأة العزيز وقع الغشاوة على عينها ووقع الخمر على شاربه ، فما كان منها إلا أن حادت عن سبل حسن التصرف وما ارتأت إلا لتجعلهم شهودا على ما أرادت ، فأصبح نساء المدينة على يقين بصدق الواقعة وشهود اثبات لها ، بل آملين بأن يكن مكانها يوما .
و يأبى ربك إلا أن تحال القضية إلى قضية " رأي " ، امرأة العزيز ونسوتها معلنة أن ( ذلكن الذي لمتنني فيه ، ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ) ، فكان القرار بأن ( لئن لم يفعل ما آمره ليسجنن ) .
وكان "رأي" يوسف أن ( ربي السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ) ، فما من سبيل للعودة الآن ، وما من طريق . الآن أصبحت القضية قضية "رأي" أمام "رأي" ، وفكر أمام فكر ، فهنا وجب أن يسجن من كان له رأي ، ووجب أن يظلم من كان صاحب فكر ، بالرغم من أن البراءة محتومة ، و أن القضية محسومة . صاحب الرأي لا يقبل عفوا إذا ما جارت الأيام عليه ، ( فإرجع إلى ربك واسأله ما بال النسوة اللتي قطعن أيديهن ) ، وصاحب الفكر يشهد له ( إنه لمن الصادقين ) ولو بعد حين ، وصاحب الرؤية يوما سيكون (مكين أمين) ، ولتعلم أمة العرب ( إن الله لا يهدي كيد الخائنين ) .
اسماء حمدي عبد الستار السيد (اسماء حمدي) – عودوا فحضن الوطن ينتظركم
"عودوا فحضن الوطن ينتظركم " مقاله لمصطفي النجار بتاريخ ٣٠ ديسمبر ٢٠١٤ في المصري اليوم بيتكلم فيها عن افشخانات قالها له مسؤل فـ اللي بيقولوا عليها " دولة " كانت كلها أسئلة ياعني بغرض التأنيب باين واللي شافها الدكتور مهمه وهيكملها الإسبوع اللي جاي .
سؤال منهم بيقوله واخدين علي خاطركم عشان شوية شباب تم إعتقالهم ؟ وكأن ياعني بيقولوا شوية نمل أتفعصوا بالغصب ولا شوية لبن اندلقوا مش عمر تاني بنتشوه نفسيا فيه يوماتي ولا صلات انسانية بتتهتك ما بين المعتقل/المعتقلة واقرب الناس لها وقهر وذل بنتعرضله كل دقيقة سواء من السجّان أو السجينات والسجناء اللي ربنا مبتلينا بيهم ولا صحة في النازل لو حكيت أعراضها تحس بحكي عن شخص في الخمسين مش فـ أوائل العشرين .
ولا عن أحلام بتنداس كل لحظة إني أروح شط لبحُر بلادي ولا أركب عجلة في شوارعها ولا أكمل دراسة في الكلية اللي كنت بدأت أحبها ولا ألبس فستان حلو وأقف جمب خطيبي في حفلة حميميه لخطوبتنا ولا ألف واتفطط في ندوه ولا مكتبة ولا سينما هنا أو هناك مع صحابي اللي مفتقداهم جداً .
مش المفروض تزعل يا دكتور مصطفي أنت أو " باقي الشباب المحترم والوطني " عشاني أو عشان كام ألف معتقل معتقل غيري اجري بسرعة لحضن الدولة او حضن اي حاجة تانية مش فارق . ومع أذان العشاء الذي يصدح به المؤذن الآن أدعوه بعزته وعدله أن ينتقم ممن ظلمني أو ساهم في هذا الظلم ولو بشق كلمة قالها أو أمتنع عنها .
أسماء ( رغما عنكم ) مصر
٣٠/١٢/٢٠١٤
محتجز بمديرية أمن بني سويف – مقابر المديرية الجماعية
مقابر المدرية الجماعية”الداخلية تحتال على المعتقلين لتصويرهم وتزوير الحقيقة ”
فيوم الأحد الموافق 20/12/2015 وبقيادة مدير أمن بنى سويف قاموا بدخول العنابر على المعتقلين السياسيين وقاموا بتوزيع زجاجات مياة معدنية وتصوير المعتقلين عمدا وذلك من أجل تضليل الرأى العام والتغطية على الانتهاكات التى تتم بحق معارضى الانقلاب بسجن المدرية للترحيلات من تكدس أعداد المعتقلين بالعنابر والحجر وسوء التهوية وعدم الرعاية الصحية لدى المعتقلين فيما رفض كل المعتقلين السياسيين الاستجابة لمدير أمن الانقلاب والتصوير وقام اغلبهم برفع شعارات رابعه وعدم استلام زجاجات المياة .
كما يعانوا المعتقلين من انقطاع الزيارات لفترات والزيارات من خلال اقفاص حديدية غير صالحة للادميين مما يسبب اذى نفسى لاهالى المعتقلين وكل ذالك فى إطار حملة اعتقالات واسعة بحق معارضى الانقلاب قبيل الاحتفالات بذكرى ثورة 25 يناير كما ان مبنى السجن يجاور مبنى امن الدولة ويؤكد أغلب المعتقلين من أقامت حفلات تعذيب بمقر أمن الدولة وذالك لسماع صوت صراخ وتعذيب من المبنى المجاور لهم وذالك ما أكده عدد ممن دخلوا سلخانة امن الدولة هناك .
ويناشد المعتقلين وزويهم منظمات حقوق الانسان بالوقوف معهم ضدد ذلك النظام الهمجى الذى يقوم بقتلهم بالبطئ.
اسلام خيري – في اليوم اللي أعتقلت فيه
في اليوم اللي أعتقلت فيه طلعت من مخبأي وقررت أرجع بلدي اللي خرجت منها مطارد خوفا من جبروت أجلها وفي ذلك اليوم لم أصلي الفجر ولم أقل الأذكار وشرق بني مزار اتمسكت وروحت المركز وأتفاجات بالتهم الموجهة ليا
لقد اتهموني بحيازة 48 عبوة ناسفه واتفأجات أكتر لما لقيت بعض الناس مصدقين دا
في النهاية أشكر الشخص اللي عطاني الفيس خمس دقائق عشان اكتب الرسالة دي وكل اللي عايزه منكم انكم تدعولي كتير
واستمروا في نضالكم وصمودكم
وبحب أشكر صفحة #المنياالثورة على أستمرارها في نضالها رغم كل ما يتعرض له أدمنز الصفحة من ضغوط ومطاردات ومستقبلهم الضايع
بحبكم ف الله.
محمد فوزي شاهر محمد كشك (محمد فوزي) – المقال الواحد والعشرون – متتالية الغياب 3 – شِــبْــرٌ وقَــبْــضَة
(1)
"الجحيمُ هو الآخرون" هكذا يؤكد جان بول سارتر, الذي يُمَجِّد الفردية ولا يؤمن سوى بالوجود الذاتي الحر. كتبَ سارتر نصًّا مميزًا عن غرفةٍ مُغلقةٍ على أرواح مجموعة من البشر في العالم الآخر, سلوكياتُ وطبائع كُلِّ منهم تُشكِّلُ جحيمًا حقيقيًا للآخر. "لا مَفَرّ, No Exit" هو اسم نص سارتر الأشهر الذي اصطدمت بهِ, ذلك أثناء محاولتي أن أجلو الصدأ عن ذهني بتذكر قصائد, أغانٍ, وكتب أحبها. قفزتْ إليَّ فكرة عبثية أن لو كان سارتر مصريًّا لما احتارت السلطات في إيجاد ألف سبب لكي يسجنوهُ, ولو تنقل في سجون مصر العديدةِ لما تردَّدَ أن يُغيِّرَ اسمَ نصِّهِ الأشهرَ إلى "العَمْبُوكَةْ".
العَمْبُوكةُ, وفي قولٍ آخر المُصَفَّحَةُ هي الملقف الذي يسقط فيه السجناء الواردون, والعائدون من الجلسات آتين إلى مملكة وادي النطرون. غرفة عاريةٌ تمامًا. مغلقة لأربع وعشرين ساعة إلا عشر دقائق صباحية يخرجُ فيها السجناءُ الجنائيون بملابسهم الداخلية, يصطفون, الوجوه للحائط والمؤخرات للمخبرين, ثم يجلسون بالأمر ويقضون حاجتهم في العراء. لماذا؟ لكي يتأكد المخبرون بعد فحْصِ الخِراء أن أحدًا لم يرفعْ أمبولًا.
[يرفع: فعل مضارع من رَفَعَ أي حرَّك الشيء لأعلى, ويستخدم هذا الفعل في لغة السجون حيث يكون الأعلى هو فتحة شرج السجين الذي يستخدم مؤخرته كمخبأ بعيد عن عيون المخبرين.
الأمبول: كلمة أعجمية تعني في لغة السجون أي مادة ممنوعة مُخدِّر أو نقود ورقية ملفوفة بقطعة من كيس بلاستيكيّْ ضيق مُحكم الغلق بواسطة لهب ولاعة للصهر والإلصاق, قبل الرفع أو البلع]
الغريب أن السجناء الجنائيين لا يرون في قضاء الحاجة الجماعي هذا أي شكلٍ من أشكال الإهانة. يقضون يومهم يأكلون ويدخنون ويثرثرون ويسبون بعضهم البعض.. ولا يسبُّون سجَّانهم! عشتُ معهم لأيام. يعاملوننا باحترام باعتبارنا "ناس عارفين ربنا" أو "ولاد ناس, مش زينا" على حد وصفهم, منهم من يحاول الخروج من المستنقع "عايز أتعلم أقرأ قرآن يا شيخ", ومنهم من يستسلم للتيار, بلطجة, سرقات, تحرش, وشذوذ جنسيِّ.. إدارات السجون لا تسمح لنا بالإختلاط بهم طويلًا, ليس حرصًا علينا بالطبع, حرصًا على الجنائيين من أن يُتلِف "المخربون" "الخونة" عقولهم..
(2)
كنت قد استعددتُ جيدًا للعَمْبوكة بالامتناع عن الطعام منذُ ليلة الترحيل, وبقيتُ بلا أكل سوى بضع تمرات يوميًا طوال أسبوع إقامتي هناك. المخبرون لا يُجبرون السجناء السياسيين على قضاء الحاجة الجماعيِّ, لكنهم لا يوفرون بديلًا. لا مهرب من الإهانة إذن سوى بالإمتناع عن الطعام.
الإنهاكُ يُثقل أطرافي. الجوع يعصر أحشائي. الصداع ينشرُ رأسي.. الضجيج, الزحام, الروائح العفنة, والدخان شياطين تنهشُ خلايا أعصابي. نصفَ واعٍ كنتُ أهيمُ في الملكوت.. وحدي.
أفكر في أصدقائي الذين تركتهم في سجن المنصورة. كانوا أول وآخر من ترى عيني كلَّ صباحٍ ومساءٍ. من صفحاتِ جرائد مختلفة أنقذتهم كي لا يُلاقوا المصير المؤسف بالتحول لفَرْش طعامٍ يؤكل عليه ويُرمى. قصصتُ كلَّ صورةٍ بعناية, تعمَّدتُ أثناء القص تحريرها من الإطار الذي سُجِنَت بهِ. اخترتُ الحائط الملاصق لكتفي الأيمن, وفي أقرب موضع لعيني وللإضاءة, وضعتُ قِطعًا من معجون الأسنانِ وألصقْتُهمْ.. أصدقائي الثلاث.
الأولُ طفلٌ سوريٌ, لاجيء.. ينام متقوقعًا داخل صندوق خشبي عليه بطانية رمادية –تمامًا كالتي يتسلمها السجناء. وجهه الذي حجبت البطانية نصفه يبدو مُتعبًا.. وجميلًا. بجواره ارتمت حقيبةٌ أظنها صارت كل ما يملك على هذه الأرض. استلقى معطفٌ كبيرٌ موازيًا له.. أظنه لأبيه _إن لم يكن مات.._ ذراعُ المعطفِ تمتدُّ على وسط الطفل.. وكأنها تحضنُهُ.
الثاني صبيُّ, ملابسه رثَّة وضخمة عليهِ جدًا. يُحني ظهرهُ نصفَ انحناءَةٍ ليستطيعَ حمل الجوالِ المُكتَّظ بالأشياء البلاستيكية. حوله مقلبُ قمامةٍ نَتنٌ.. المشهدُ بكامله يبدو مُقتصًّا من أحد أفلام نهاية العالم. وجهُ الصبي باردٌ, لا يُبدي أي تعبير امتعاضٍ أو استجداءٍ, لا يعبأُ بشيء. وراءَهُ حائط إسمنتيٌّ عالٍ, فوق رأسه مباشرةً, وعلى الحائط كُتِبَت عبارة باللون الأحمر: "مصر فوق الجميع".
الثالثُ كهلٌ, تكسو وجهه تجاعيدُ شقاء مصريِّ الصبغة. شعرُهُ, لحيتُهُ, إطار نظارتِهِ المُلصَّمِ, قميصَهُ الفضفاض, عصاهُ, رضَّاعة اللبنِ في يديه, والعنزةُ المستكينة في حِجْرِهِ, جميعهم أبيض. يحتضنُ العنزة كطفلٍ. يُرضعها وعلى شفتيه ابتسامة رضا, وكأنَّهُ يُحقق الآن الغرضَ الكوني الذي خُلِقَ لأجلِه تحديدًا. الشارع حولَهُ موحِشٌ كبطنِ حوتٍ. وصديقي الكهل يبدو التجلِّي الأوحد للرحمة الإلهية في المشهد البائس.
كنتُ أصبِّح على أصدقائي كل يومٍ في سجن المنصورة, وأشكرهم على البقاء معي قريبين دائمًا هكذا. أحيانًا اديرُ حواراتٍ طويلة بيني وبينهم أو بين أحدِهِم وآخر. لم أُجَنّْ لأخاطب خيالاتٍ لا أعرفُها, ولم أنقطع عن الحوار مع رفاقي السجناءِ, لكن الحديث مع أي سجين لا يخلو من قُضبانِ بشكلٍ ما. وأنا أريدُ أنْ احمي ذهني من الأسر.. من الخضوع.. من البلادة. هنا في العمبوكة أصحو لأدير حواراتٍ أيضًا. مع من؟ مع الدخان.. أصنعُ منهُ أشكالًا وأشخاصًا في خيالي, أحاورُها إلى أن تغيب.. وأغيبَ معها.
(3)
ستة أيام في العمبوكة ثم سُكِّنْتُ أخيرًا في العنبر السياسي. الغرف مُكتظة. ثمانيةٌ وعشرون إنسانًا _يحاولون أن يبقوا كذلك_ في زنزانة ضيقة بحمامٍ واحدٍ. المساحة المتاحة للفرد هنا ضعفُ المساحة المتاحة في العمبوكة تقريبًا.. شبرٌ وقبضةْ أي ستة وثلاثين سنتيمترًا, عليها ستنام _إن استطعت. وتأكل _إن لم تنسد شهيتك. وتقرأ _إن وجدت كتابًا. وتتكلم _إن لم ينعقد لسانك. وتتذكر _إن لم تنضب ذاكرتك. وتضحك _إن لم تجف روحك. وتحلم _إن لم يطحنك الواقعُ. شبرٌ وقبضةٌ.
ضاقت الجدران. السجون تجلو. الزحام يُعرِّي, ليبين أنبلَ وأحطُّ ما في البشر: الإيثار والأنانية, النظام والفوضى, الشجاعة والجبن, الجمالُ والقبح, الحياة والموتُ. نحنُ هنا في عالمٍ آخر, خارج الزمانِ والمكانِ. غائبون.
بدأتُ أكتشفُ من وما حولي لأفاجأ أن الوضع الحالي تحسَّنَ كثيرًا عن ذي قبل: كانت الزيارة دقائق فصارت تُقارب الساعة بفضل الله, كانت العقوبات تغريبًا وتعذيبًا وتحرشًا فصارت فقط تأديب الحمد لله, كان التريضُ ساعةً فأصبح ثلاثًا ما شاء الله. ذلك أن رئيس المباحث الجديد "جزاهُ اللهُ خيرًا" _نعمْ, يدعون لهُ!_ رجلٌ محترمٌ جدًا!
اللعبةُ المعتادة ذاتُها: اهبطْ بهم لكيلومترات تحت سطح الآدمية ثم امنحهم جرعات أُكسجين ضئيلة جدًا تدريجيًا.. وسيشكرونك على كرمِكَ وعطفِكَ, وينسون أنهم لم يزالوا غرقى.. كنتُ أفكِّرُ في ما أنا مقبلٌ عليه: كيف سأوفر سبل حياةٍ هاهُنا من كُتُبٍ ورفقة قبل الطعام والشراب والنوم. لي شبكةُ أصدقاءٍ ممن حُكِمَ عليهم قبلي في سجني المنصورة وطرة استقبال. جيد. يُقال أن الكتبَ تدخل أحيانًا في الزيارات. جيد. كيف ومِن أين سأبدأ؟ نفسًا عميقًا شهقته.. وقبل أن أزفرُهُ سمعتُ النداءَ اللعين "محمد فوزي.. ترحيلة" إلى سجن المنصورة مرةً أخرى.. لا بأس, سأنام على نصف مترٍ لشهرٍ هناك قبل عودتي لمملكة وادي النطرون. سأنامُ أخيرًا.. لكنني سأبقى أفكِّرُ في الغد: كيف يستطيع الإنسان أن يبتني حياةً كاملةً على شبرٍ وقبضةٍ؟
عبده علي فرحات – علمنى قميص يوسف
بسم الله الرحمن الرحيم
إبنتى الحبيبه الجميله / إسراء رمز العزه والإباء كيف حالك بنيتى .. ؟ إصبرى وإحتسبى كل ما لك عند الله ولن يضيع ابدا ان شاء الله .
وإليك هذا الموضوع .. إقرأيه بعنايه وقولى رأيك .
علمنى قميص يوسف
* علمنى قميص يوسف أن أنزع اليأس من قلبى مهما بلغت به حاله البؤس ففى الغيب اسرار عجيبه
*علمنى قميص يوسف انه قد لا يكون اعدائك فى وطن أخر أو بعيدين عنك .. بل قد يكونون من يقاسمونك رغيفك وأنت لا تدرى .
*علمنى قميص يوسف ان المظلوم منصور ولو كان صغيرا لا يدرك او مكلوما لا يفصح او عاجزا لا يعى او عاجزا لا ينتصر
* علمنى قميص يوسف اننا لا نستطيع دائما حماية من نحب ولكننا نستطيع ان ندعو لهم بان يحفظهم الله تعالى من كل شر (وما أغنى عنكم من الله من شيئ إن الحكم الا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون )
*علمنى قميص يوسف أنه مهما تهيأت ظروف المعصيه -أى معصيه- إستحق الخوف من الله تعالى و أن نردد مع سيدنا يوسف عليه السلام " معاذ الله إنه ريى أحسن مثواى .."
*علمنى قميص يوسف أن الله تعالى معنا متى إستشعرنا وجوده سبحانه معك مؤيدا وحافظا وناصرا ورحيما وهاديا " فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين " "كلا إن معى ربى سيهدين "
*علمنى قميص يوسف أن ريح الأحبه لا تخطئها القلوب وأن القلوب المؤمنه لها نظرتها التى لا تخيب " قال أبوهم إنى لأجد ريح يوسف .. "
* علمنى قميص يوسف أن الفراق لا يطاق مع الأحبه وأن أسعد اللحظات عند المحبين هى ساعات اللقاء حيث بالفراق إبيضت عينا يعقوب .. وباللقاء وحين وجد ريح من يحب ارتد إليه بصره ..
* علمنى فميص يوسف أن رحمة الله تعالى وسعت كل شيئ وأن للصبر مذاقا خاصا مرا شديد المراره ولكن نتائجه طيبه ومأله حسن جدا "قصد يوسف عليه السلام "
* علمنى قميص يوسف أن جميع الأمور مردها إلى الله " وذلك مما علمنى ربى " فأى فضل ونعمة من الله تعالى .
* علمنى قميص يوسف أن سجنه كان يراد منه الإبعاد والإذلال فكان السجن خدمه ودعوه وتوصيه "يا صاحبى السجن ءأرباب متفرقون أم الله الواحد القهار "
* علمنى قميص يوسف أن إرادة الله غالبه " والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون " فهم يريدون وانت تريد والله يريد ولا يكون إلا ما يريده الله " ليس لك من الأمر من شيئ " "ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين "صدق الله العظيم
بنيتى حفظك الله أراك على خير قريبا إن شاء الله
أبوك / عبده فرحات
احمد سعيد – كل الرسائل المطمئنة التي تأتيني من الخارج
كل الرسائل المطمئنة التي تأتيني من الخارج تتلخص في لاتقلق ستخرج قريبا، دي مجرد شدة ودن، بيكدروك شويه و هيسيبوك"تأتيني هذه الرسائل و انا محاط بنماذج و امثله من البشر الذين يمثلون و يجسدون جنون هذا النظام و غباء افراده و فساد مؤسساته.اتفهم تماما ان يكون كل هم عائلتي و اصدقائي ان اخرج من هنا حتي انكر و اكل اي صله لي بثورة يناير و توابعها.و طالبوا من الاصدقاء ايضا عدم الحديث عن هذا او ذكره في معرض الدفاع عني ظنا منهم ان هذا هوا السبيل الوحيد لتبرئتي من التهمه -التي لا فخر ليا سواها- و السبيل الوحيد لحمايتي من بطش الداخليه وكلابها المسعورة في الداخل. لكني و انا محاط بهذه النماذج و الامثلة من البشر ماكان يمكن لي ان افكر بنفس الطريقهو ماكان يمكن لهذا المكان ان يغير من افكاري شيئابل و علي النقيض من هذا و كما حصل من قبلتمنحك جدران الزنزانه و هواءها و سكانها و احاديثها كل دليل علي انك لم تخطئ السبيل و تزيدك اصرار عليه."خليك في نفسك و شوف مستقبلك"هوا المحامي و المقاول و صاحب شركة السياحه اللي كان مخليه في نفسه و مش شاغل نفسه غير بأعماله كما قال لي (شالو مبارك نزلت بالعربيه انا و العيال ووقعت ازمر تيت تيت، جه مرسي نزلت و احتفلت، شالو مرسي نزلت و احتفلت، جه السيسي نزلت وواحتفلت) مجرد خلاف بينه و بين احد من اللي كانو يحمون له مصالحه علي حد تعبيره و هوا ظابط في جهه سياديه(سياديه علي نفسهم بالمناسبه)جعلت منه سجينا لمدة 22 شهر بلا تهمةوهوا الان يواجهه 7 تهم لايعلم عنهم شيئا. -ماذكرت هذا المثال الا لأدلل علي ان تجاهلكلما نعيشه في ظل هذا النظام الاستبدادي الفاشي لن تجنبك ان تكون ضحيه لجنونه، صمتك وانشغالك بنفسك لا يعني لاانك تدفن راسك في الرمال ظنا منك انك تهرب بهذا من الخطر المحيط بنا من كل جانب.الامثلة علي الجنون الذي نعيشه كثيره بالداخل كما هي بالخارج لكنها هنا اكثر وضوحا و تأثيرا و تجسدا، و لا تزيدك الا ايمانا بانه لا سبيل بإصلاح هذا الجنون الا بنسف حمامك القديم تماما. "لا شدة الودن هتنفع ولا التكدير هيفيد"فالادله علي حتمية التخلص من هذا العفن الذي طفي علي وجه الوطن بعد ان أكل مفاصله جليه في كل شئ -و في الداخل اكثر من الخارج و في التفاصيل كما في العناوين.-و هذه هي مصيبتهم و مصيبتنا - انهم حقا لا يفقهونهم لا يفهمون ان هؤلاء الشباب اصحاب قضيه بالفعل و يظهر هذا جليا في سخريتهم"انتوا بقي بتوع الثوره" " انتوا بقي اللي ها تحرروا مصر" يظنون ان التخلص من معتقني الفكره يقتل الفكره، نعم هم قطيع من الجهلاء و العميان المسلحون ولا سبيل لمداوتهم من هذا الجهل طالما يمتلكون السلاح و السلطه و القوه التي تصور لهم انهم يمتلكون كل شئ حتي الفهم -اعلم انني ربما اقسو علي عائلتي و اصدقائي خاصة في حالة الخوف و القلق التي تسيطر عليهم، و ربما يكون هذا هوا الشئ الوحيد الذي يسبب لي الالم النفسي في هذه التجربه وهوا ان اضعهم في هذا الموقف لكنني وجب علي ان اوضح لهم و لغيرهم ان هذا ليس حلا علي الاطلاق فطالما ظل في سجونهم من يعاقبون علي حلمهم بالحريه -ساظل سجينا و ان كنت بالخارج و سنظل جميعا سجناء في سجنهم الكبير، لقد فعلت ما فعلت لاشعر اني حر و انتزع حريتي قبل ان يكون للتذكير بالمعتقلين.و حفاظا علي البصيص الاخير من الثوره و الحلم في الوقت الذي شعرت فيه انه وجب علي احد ما ان يفعل هذا.-"احنا مش بتوع الاتوبيس يا حضرة الظابط احنا بتوع الحريه"
محتجزة مجهول – عارفة المعاناة
عارفه المعاناه إن أهلنا و أحبابنا وحشونا أوى ! المعاناه إن أحضن أمى و بعد ٥ دقايق هى تفارقنى و أنا أفارقها !! المعاناه إن آجى احضن إبن اختى يبصلى باستغراب و قوله أنا خالتو ! المعاناه ده كلها هى التى تميت قلوبنا و تزرع غشاء لن يزول بمرور الأيام ! و لكن حين نغمس فى الجنه ستزول الامنا كأن شيئا لم يكن … و ستطمئن من بعد عطش ..
جميله سري الدين – عارفين شباب الماجيستير خرجوا ليه
اسم السجين (اسم الشهرة) : جميله سري الدين النوع الاجتماعي : أنثى تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 12/8/2015 السن...
عبد العزيز يوسف (زيزو) – ياما دقت عالراس طبول
“ياما دقت عالراس طبول ” ؛ شعاري المفضل الذي أواجه به الحياة وأردده في كل المواقف الصعبة التي مررت بها، حتی أن أصدقائ المقربين كانوا دائما ما يمازحوني عندما يعلمون بأنني أواجه مشكلة ما بترديد ذلك الشعار من باب التهوين علي . في أول أيامي بالسجن كنت أظن ان هذا الشعار وغيره سيكونان سبيلا للتخفيف والتهوين ولتصبيري على ما أنا به، ولكني وجدت تجربة السجن مختلفة تماما عن اي تجربة صعبة ومؤلمة مررت بها، وأنها اسوأ من أن تجدي معها نفعا كل اكليشيهات الكلام والشعارات التي حفظها الناس عن الصبر والتجلد والبطولة و دأبوا على ترديدها في مثل تلك المواقف لا – ياما دقت عالراس طبول، ولا سجنك بيحرر وطن، ولا الزنازين براح، ولا المسجون بطل- على الأقل انا ما ادعيت يوما ما انني بطل. وبرغم ان الأيام هنا متشابهة ننام ونصحو ولا شىء جديد ولا تغيير يحدث، إلا روحك التي تذبل أكثر واحساسك المتزايد بالعجز ومحاولتك الدائمة للظهور بمظهر القوى المتماسك، أهازيج رفاق الزنزانة ونكاتهم واستخفافهم بمصابهم وبسجانيهم وصخب الصغار هنا وسخط الكبار عليهم ومحاولات الجميع المستمرة التي لا تتوقف لصناعة حياة داخل قبر دفنوا فيه وهم أحياء، صمت مابعد الزيارة ولوعة مفارقة الأحبة وصورة مختزلة كانت لدي عن معتقلات مصر وسجونها تعالج الآن وأنا بين يدي التجربة. تجربة السجن؛ كنت قد قرأت وسمعت عنها كثيرا ممن خاضوها، وكنت قريب منها دائما بحكم اهتمام العائلة بالشأن العام ولطبيعة عملي بعد ذلك، إلا انني لم يخطر ببالي أنني يوما سأكون واحدا من ضحايا يتحدث الناس عنهم كرقم مجمل دون مراعاة لإنسانيتهم ولاعتبارات كونهم بشر. هنا حكاوي المظاليم لا تنتهي يقصون حكاياتهم المؤلمة بروح ساخرة وضحكات يتوارى خلفها انكسار السجين المشتاق لحريته وحياته . أكثر الحكايات إيلاما هي حكايات من عاشوا تجربة الاختفاء القسري ورأوا الويلات في مقرات أمن الدولة، والمؤلم أكثر انهم لا يتحدثون معك عن تجربتهم الا بعد اصرار منك وعندما يتحدثون لا يخلوا حديثهم من سخرية ومحاولات لتخفيف وقع الحكاية على قلبك وعقلك. أغلب المحبوسين هنا من الشباب الصغار وحقيقة لا استطيع ان استوعب منذ دخلت الي هذا القبر لماذا تعادي تلك الدولة شبابها ولماذا تحبس هذا الكم من الطاقات وتتلذذ بقتل آمال ابنائها؟! ، فعليا أغلب المحبوسين هنا شباب واغلبهم من الممكن ان نقول عنهم “عيال” وطلاب صغار بالمرحلة الثانوية كان من المفترض انهم في هذا الوقت من العام يقضون اجازة سعيدة، ولكن دولتنا الهمامة كان لها رأى اخر وهو أن العيال الغلابة الجدعان مصدر البهجة الوحيد في هذا المكان القبيح خطر على امن الوطن وارهابيين. انا دائما اتأمل حالي واخاطب نفسي انه لو أنه تم حبسي في حاجة انا فعلتها أو لنقل في حاجة تستاهل ماكان ذلك ليكون حالي ربما لكنت اكثر رضا وتقبلا للأمر.. السجن تجربة قاسية ومؤلمة لأبعد حد ومصيرها تتحول لذكری، والظلم شوكة في حلق البلد والمظلوم يفقد القدرة علی النوم أو أن يستلذ بأي شيء، والحب نسمة هوا بتلطف جو الصحراء اللي احنا عايشين فيه . في الزنزانة ستعرف لأي مدی تحب تفاصيل حياتك الصغيرة وتشتاق لها ، ستتمنی الخروج فقط لتنام ليلة علی سريرك في غرفتك أو لشرب فنجان قهوة في بلكونة مكتبك أو السهر لكتابة مذكرة كالعادة تكتبها في الوقت الضائع، ولرائحة الورق والملفات، ولثرثرة المحامين في استراحاتهم بالمحاكم، وزحمة وسط البلد وقعدة القهوة في البلد آخر الاسبوع. في السجن سيصاحبك شعور دائم بشوق ليوم ترد فيه المظالم، ويفتح فيه القفص وتخرج وتطير وتتنفس من هوا ربنا وتملأ منه صدرك وتجري تحضن الشوارع في السجن ستقول الحمدلله كثيرا مصحوبة بمرارة، ستحدثك نفسك “انا مستحقش كدا” أتذكر دعوتي التي كنت أدعيها باستمرار في الفترة الاخيرة أن؛ يارب مش طمعانين غير في شوية عدل نوزعهم عالغلابة والمظاليم، يارب انصفنا من امتحان وضعتنا فيه لم يجري لنا بحسبان. عبد العزيز يوسف