رسائل جدران العزلة

Filters
عام تحرير أو نشر الرسالة
تصنيف مكان االحتجاز المرسل من خلاله الرسالة
اللغة
الفئة العمرية
النوع االجتماعي

عبد الرحمن عبد السلام عرفه ياقوت (عبد الرحمن ياقوت) – 44 يومًا في حجز قسم الدخيلة

عبد الرحمن عبد السلام عرفه ياقوت (عبد الرحمن ياقوت) – 44 يومًا في حجز قسم الدخيلة

44 يومًا في حجز قسم الدخيلة، تجديدات متتالية على ذمة التحقيقات من النيابة يطلق عليها “حبس احتياطي”في البداية تم عرضي مرتين على رئيس النيابة نفسه في محكمة الدخيلة الذي قام بدوره مشكوراً على أكمل وجه بإعطائي 10 أيام من الحبس الاحتياطي، على الرغم من توجيهه كلاماً رائعا ًعن عملي ومنظري.وبعدها تم تحويلي على رؤوساء نيابة المنشية وقامو بدورهم أيضاً ولكن بإمتياز، يستمع إليك يرى ما تقدمه من دليل برائتك، يقنعك بأن ما قدمته صحيحا ًبعدها ينظر في النتيجة الملقاه أمامه ليسجل العرض المقبل عقب 15 يوماً، في كل مرة تكتشف شخصية جديدة من المسرحية التي تقدمها الدولة.لا يشغلني في كل مرة عدا منظر البحر الرائع الذي تطل شرفة رئيس النيابة عليه من الدور الـ11 في محكمة المنشية، والتفكير في ما يحدث كل مرة من مباحث قسم الدخيلة في حق جميع المسجونين الجنائيين والسياسين من كهرباء وضرب.إذا تشاجر شخص مع آخر كتب عليك الإهانة والتعذيب، على سبيل المثال، المباحث نزلت كهربتنا وشتمتنا وضربونا علشان 2 ضربوا بعض بمعالق عوروا بعض بس

احمد السيد فيصل ياسين (احمد فيصل) – علمتك يا ولدي عبد الرحمن

احمد السيد فيصل ياسين (احمد فيصل) – علمتك يا ولدي عبد الرحمن

علمتك يا ولدي عبد الرحمن
أن لا تجزع يوماً وأن الصبر شطر الإيمان
لا تنسي يا ولدي عبد الرحمن .. لا تنسي ..."

هكذا أرسل "أحمد" لطفله الذي لم يتعدي السادسة من عُمره، الطفل الذي كبر قبل أوانه وحمل قلبه وعقله الصغير مالا يستطيع كبار السن حمله ..

وأنهي رسالته بــ "سأخرج يوماً ندفع سوياً بطش الظلم والطغيان" في محاوله منه لطمأنة صغيره أنه سوف ينجو من الظلم وسيعود إليه ليضمه لقلبه من جديد ..

احمد ماهر ابراهيم الطنطاوي (احمد ماهر) – حقوق الإنسان هي التنمية

احمد ماهر ابراهيم الطنطاوي (احمد ماهر) – حقوق الإنسان هي التنمية

حقوق الإنسان هي التنمية .
خضع مفهوم حقوق الإنسان، منذ نشأته، إلى تحولات عديدة وتطورات ونضج، ما أدى إلى ظهور ثلاثة أجيال لمفاهيم حقوق الإنسان؛ فقد شكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر في 15 ديسمبر/كانون الأول 1948 ما هو بمثابة الجيل الأول لمفاهيم حقوق الإنسان.
ثم تبعه العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية، ثم العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966 - 1969 ليمثلا الجيل الثاني لمفاهيم حقوق الإنسان، فالعهد الدولي لحقوق الإنسان الذي صدر 1948 لم يكن كافياً لتوضيح العلاقة بين حقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وقد كان الجيل الأول من المفاهيم يركز على "الحرية"، وعلى العموميات، فيما ركز الجيل الثاني من المفاهيم على مبدأ "المساواة". بعد ذلك، كان هناك احتياج لجيل ثالث من المعاهدات والمفاهيم والقيم التي تؤكد مبدأ "التضامن"؛ حيث لا تستوي حقوق الإنسان مع الفقر والتخلف وغياب مقومات الحياة الكريمة، فالعلاقة تبادلية دائماً، أو طردية، بين حقوق الإنسان ومقاومة الفقر والتخلف؛ فعندما يكون هناك حقوق إنسان تتحسن حياة الإنسان، وتصبح أكثر كرامة، وتزداد مقاومة الفقر والتخلف، وعندما تزداد مقاومة الفقر والتخلف، تنتشر ثقافة حقوق الإنسان وهكذا. ولذلك، أكد مؤتمر فيينا 1993 أن الديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان أمور مترابطة، وأكد أن انعدام التنمية ليس مبررا لأي نوع من انتهاكات حقوق الإنسان.
وعرّف المؤتمر التنمية كمفهوم بأنها عملية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية شاملة، تستهدف التحسين المستمر لرفاهية السكان والتوزيع العادل للفوائد الناتجة من التنمية.
فالتنمية، جوهرها وعمقها، تحقيق حقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأصبح يتم تعريف حقوق الإنسان، أيضاً، على أنها الجهد الإنساني المشترك الذي يطمح إلى ترسيخ القيم الإنسانية العليا، ذات المعاني النبيلة والسامية التي تتطلع كل الشعوب والمجتمعات إلى تمثيلها والامتثال لها.
وفي عصرنا الحالي، وعند العالم المتقدم، أو الذي يسعى إلى التقدم، تعتبر حقوق الإنسان المقياس الذي يشير إلى تقدم المجتمعات أو تأخرها. إنها المؤشر الكلي الذي يختزل كل الأرقام الإحصائية المعقدة، فالتنمية الحقيقية هي تحقيق حقوق الإنسان، وحقوق الإنسان، بكل أشكالها، هي التنمية الحقيقية، وليست شيئاً آخر.
لذلك، أتعجب من تكرار صحفيين كلمات الممثل العاطفي، عبد الفتاح السيسي، التي يتحجج بها بأن الحقوق الاقتصادية هي من حقوق الإنسان، ولا بد من تحقيقها أولاً، وهي كلمة حق يراد بها باطل، وتعاني عواراً كثيراً ونيات خبيثة كثيرة، مثل معظم كلام السيسي المليء دائما باللف والدوران.
فصحيح أن الحقوق الاقتصادية من ضمن حقوق الإنسان، وأنه لا حقوق للإنسان بدون مساواة وعدالة في توزيع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لكن هذا ليس مبررا لانتهاكات حقوق الإنسان وتكميم الأفواه وتلفيق القضايا، وحبس شباب الثورة والتضييق والتكدير المستمر للمسجونين على خلفية قضايا سياسية.
لا يكتفي السيسي بالتحجج بالحقوق الاقتصادية، من أجل الهروب من الالتزام بالحقوق السياسية؛ وإنما أيضا يزداد الفشل كل يوم في تحقيق أي حقوق اقتصادية أو اجتماعية، فليس هناك حقوق سياسية، وأيضا هناك مشكلات متزايدة كل يوم في كل شيء، المواصلات والنظافة والتعليم والصحة والرواتب والأمن والمياه والمرور، فعن أي حقوق اقتصادية يتحدث السيسي؟؟
ولم يكتفِ بالتهرب من حقوق الإنسان السياسية، ولا بالفشل في تحقيق أي حقوق اقتصادية أو اجتماعية؛ وإنما يبدو أنه لن يحقق أي شيء في أي شيء، فتوجهاته الاقتصادية وانحيازه لسياسات حسني مبارك، ومدرسة شيكاغو، وتدليل رجال الأعمال لن تقود إلا إلى مزيد من الظلم والفساد والفقر، هذا ما كان قبل 25 يناير/كانون الأول 2011 وهذا ما نسعى إليه بأسوأ ما فيه، فبدون حقوق إنسان لن تكون هناك تنمية ولا عدالة ولا مساواة ولا راحة ولا رفاهية ولا أي تقدم.
وبعد عدة سنوات من الفشل والظلم والمزيد من الانحدار، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وعلمياً، لن تستفيد مصر ولا المصريون من خطب السيسي العاطفية، وأدائه المسرحي، ولا اللف والدوران.

عبد الله احمد محمد اسماعيل الفخراني (عبد الله الفخراني) – نعم .. كنت ساذجاً

عبد الله احمد محمد اسماعيل الفخراني (عبد الله الفخراني) – نعم .. كنت ساذجاً

لقد كنت ساذجاً.. نعم كنت ساذجاً في أول أيام اعتقالي، حين ظننت أن العالم سينتفض للدفاع عني وعن زملائي وعن حرية الصحافة التي انتهكت في مصر بعد الثورة.

ظننتُ أن كل تلك المؤسسات الصحافية والحقوقية وقادة الرأي الذين يغنون ليلاً نهاراً لحرية الرأي والتعبير كقيمة ومبدأ، سيبذلون ما بوسعهم للوقوف في وجه الانتهاكات الصارخة التي تمارس ضد الصحافيين في مصر، وأنني لكوني اعتقلت بسبب ممارستي لمهنتي في الصحافة، فلن أمكث كثيراً في الزنزانة، أو على الأقل سأجد من يؤمن بقضيتي أنا وزملائي، لكني نسيت حينها واقع أن هذا العالم لا يذكر المبادئ كثيراً بقدر ذكره للمصالح والانحيازات السياسية.
هذا العالم سيتذكر الصحافيين الأجانب وسيتذكر من يعمل في مؤسسة إعلامية كبرى تضغط لتذكر به على شاشتها ومواردها المختلفة، سينتفض لسجنهم وينقل أخبارهم ويضغط للإفراج عنهم ثم يحتفل بخروجهم وتنتهي المعركة ناسياً أو متجاهلاً بأن ثمة أكثر من 20 صحافياً مصرياً من مختلف المؤسسات الإعلامية يمكثون خلف القضبان. واليوم يحكم على 13 منا بالسجن المؤبد "وأنا منهم" وعلى أحدنا بالإعدام".

ويضيف في رسالته: "كانت تهمتي التي أدنت بها هي نشر أخبار كاذبة والعمل على تشويه سمعة مصر في الخارج، وكان الحكم عليّ هو السجن المؤبد، وذلك رغم أن المحكمة لم تقدّم نموذجاً واحداً لخبر كاذب كدليل إدانة "إذا افترضنا أن تهمة كهذه تستحق حكماً كهذا،" وحرمني حتى من حقي في الحديث أمام القاضي بل ومن التواجد في المحكمة لسماع حكمي بنفسي!
منذ الانقلاب العسكري أصبحت حرية الإعلام في مصر تعني الحرية في إعداد حلقات توك شو تمجد النظام، أو الحرية في فبركة خبر عن اختراع علمي يبيع الوهم للناس، أو نشر بضعة أخبار لتشويه معارضيه من مختلف الاتجاهات، أو الحرية في الاستهانة بصحة المواطن بترويج أخبار تفيد مثلاً بأن غرق سفينة فوسفات حمولتها 500 طن في النيل؛ سيحسن نوعية مياهه وستبقى صالحة لشرب ملايين المصريين منها مباشرة.

ويا للسخرية؛ فإن تلك الحرية لم تسعني واتهمت ومن معي من الصحافيين في السجن بإثارة الفوضى وتشويه صورة بلدنا "مصر"، لمجرد أننا نقلنا الصورة كما هي لا كما يود النظام أن ينقلها للعالم. نقلت الحدث بوجهة نظر محايدة لا بوجهة نظر الحاكم العسكري، فكانت عقوبتي السجن المؤبد!

ممارستي لمهنتي في الصحافة جعلتني أتنقل بين أربع سجون، حيث عذبت وضربت وجردت من ملابسي وحرمت من أي رعاية طبية ومن إكمال دراستي ومن إدخال الكثير من المتعلقات الشخصية الضرورية والكتب وغيرها.
ويقول الفخراني: حرمت من وجه أمي ومن خطبة الفتاة التي تمنيت وأحببت، ومن التخطيط لحياتي، أو لنقل إني حرمت من حياتي. فحياة بلا حرية ليست حياة، سجنت لأنني نقلت الجريمة وما زال القاتل حراً طليقًا في بلادي ثمة من يرى أن الحظ كان حليفي لأنه حكم علي بالمؤبد لا الإعدام كزميلي الذي سيعدم كعقوبة له على نفس التهم التي وجهت لي (وهو الكاتب الصحافي وليد شلبي)... أو أني محظوظ لأني ما زلت أتنفس وإن كان داخل زنزانة كقبر ولم يتم قتلي خلال عملي الصحافي مثلما حدث مع 9 زملاء إعلاميين آخرين قتلوا برصاص قوات الداخلية في مصر منذ الانقلاب وهم أحمد عاصم، وحبيبة عبد العزيز، ومصعب الشامي (زميلي في شبكة رصد)، وأحمد عبد الجواد، ومايكل دين (المصور الصحافي البريطاني)، ومحمد سمير، وتامر عبد الرؤوف، ومصطفى الدوح، وميادة أشرف، وعليهم جميعاً وعلى الصحافة الحرة رحمة الله.

ضحكت بشدة حين رأيت صور وزير الخارجية المصري يتظاهر في باريس مع قادة العالم من أجل حرية التعبير بعد أحداث "شارلي ايبدو"، وتساءلت: هل سأله أحد عن عدد الصحافيين الذين قتلوا في عهده؟ أو عن عدد الصحافيين المسجونين خلف القضبان وهو يتظاهر باسم حريتهم؟ وكيف ستصبح ملامح وجهه لو أن أحدهم وجه له سؤالاً كهذا. لكن يبدو أنه الكيل بمكيالين".

يُكمل الصحافي عبد الله الفخراني في الرسالة: "في الحقيقة إنني ورغم كوني لا أنكر أنني أمر بأصعب مراحل حياتي؛ إلا أنني لم أندم طيلة سجني ولو للحظة على عملي الصحافي، وحتى بعدما حكم علي بالسجن المؤبد، وإنني أفتخر بكوني شاركت في تاسيس عدد من المواقع الإخبارية لـ"رصد" وغيرها، وشاركت في نشر ثقافة المواطن الصحافي... إن حبي لوطني وإيماني العميق بحق هذا الشعب في حياة إفضل وأكرم يجعلانني أكثر إصراراً يوماً بعد يوم على حرية الرأي والإعلام كهدف ومسعى، فبدونها نخسر الكثير من فرص... وتسليط الضوء على الظلم والفاسد ليعلم أن شعباً يراقبه ولن يسمح له بالمساس بحقه وكرامته ونواحي حياته.. وحيث ما وجدت حرية الإعلام؛ ستوجد الشعوب الواعية.

هذه كلمات وخواطر أكتبها بمناسبة مرور اليوم العالمي لحرية الصحافة للمرة الثانية وأنا خلف القضبان. فهل يا ترى سأرى النور قبل مرور هذا اليوم علي للمرة الخامسة والعشرين وأنا في زنزانتي وقد بلغت من العمر الخمسين؟".

محمد فوزي شاهر محمد كشك (محمد فوزي) – مقطع من نص “الرقيم”

محمد فوزي شاهر محمد كشك (محمد فوزي) – مقطع من نص “الرقيم”

لا صاحيًا.. لا نائِمَا
مُتَقَوقِعًا في حِضْنِ نفسِهِ
كالجنينِ, شبهَ عارٍ احتمى
منذُ ارتَمى على البلاطِ
وصدرُهُ
يعلو.. ويهبِطُ.. باضطرابٍ
والغمامةُ
مثلَ مِشْنَقَةٍ على عينيه ضاقتْ
خلفَ ظَهرهِ
أوْشَكَتْ حديدتا الكلبشِ أن تتلاحَمَا
مَعَ عظمِ رُسْغيهِ اللذينِ تورَّمَا
عضلاتُ جسْمِهِ النحيلِ قد ارتَخَتْ
وكأنهنَّ جنودُ جيشٍ.. حُطِّمَا
قَدَّمْنَ أقصى ما استَطَعْنَ.. وبَعْدَها
أُصِبْنَ جَمعًا.. وحدَهَا
شَفتاهُ رغمَ جُرحِها
تقوى لكي تتبسَّمَا
[حمقى.. بأنْ شلّوا ذراعي قد نَمَا
للروحِ أجنحةٌ فَطِرتُ إلى السَمَا]
يقولُ صوتٌ ما بداخلِهِ قويٌّ
[كُلَّما ازدادَ النزيفُ توهَّمَ
الشُرْطيُّ أنّي قد كُسِرْتُ
بينما من بابِ جُرْحٍ بعدَ جُرْحٍ
قد عبرتُ لذاتِ ذاتي
وانتصرتُ عليهِ وحدي..
ها أنا..
الآنَ أبصرتَ الحقيقةْ]
ردَّ صوتٌ ما بداخِلِهِ خفيٌّ
[الحقيقةَ.. الحقيقةَ.. الحقيقةَ..]
فارتأى
أسبوعَهُ منذُ البدايةِ واضحًا
كلَّ الحكايةِ مُنْذَ جيءَ بهِ هُناكَ مُغمَّمَا
أعادَ رؤيةَ كلِّ ما جرى
بأسبوعِ الظلامِ والدِمَا:
الصفعةُ الأولى سُدَى
مازالَ مُعْتدًّا عَنيدْ
صفعوهُ ثانيةً.. غَدَا
أشدَّ عِندًا رفضُهُ مما ابتَدَا
[فليضْرِبوا
هلْ مِنْ مزيدْ؟
فلْيضْرِبوا
ولْيَغْرِسوا في الجسمِ سكينَ السؤالِ
مُفتِّشينَ.. لسوفَ أبقى صامتًا
لَن يَحْصُدَ الباشا* القويُّ
أيَّ حرفٍ واحدٍ مما يُريدْ.]
في الركلةِ العشرين
غابَ عن الوجودْ
[فلْيضْرِبوا
كي أَعْرِفَ الأقوى
عَصاهُمْ أم خيالي
سوفَ أبعثُ ذكرياتي حيةً
وأعيشُ فيها..
ذاكَ جسمي في قيودِهِ ملكُهُمْ
أمَّا خَيالي.. ليسَ تَحْكُمُهُ القيودْ.]
في اللكمةِ الخمسين
_هلْ كانَتْ هيَ الخمسينَ حَقًّا؟_
حيثُ جُرِّحَتِ الشفاهُ
فسالَ نهرٌ منْ دماهُ
وبلَّ فاهُ.. رحمةً
دمُهُ رواهُ
ارتاحَ مِنْ عطشٍ شديدْ.
في الضربَةِ الـ...
ما عادَ يُدْرِكُ الرَقَمْ
أَلَمٌ.. أَلَمْ
[فلْـ..ـيَضْـ..ـرِبُوا..
ولسوفَ أبْـ..ـقَى صا..متًا
أفكارُنا
عُمقًا تُثَـ..ـبَّتُ في النفوسِ..
كُلَّمَا
دقَّوا بها.. مسـ..ـمَارَ آلامٍ جَديدْ.]
=عَرّوهُ أكثرَ.. عَلِّقُوهْ
إني لَأُنْطِقُ أخرسًا أو مَيتَا
انطقْ
وإلّا سوفَ تشْهَدُ
ما يَشيبُ له الفتى
ويبوسُ أقدامي
وأقدامَ الرجالِ لِيرْحَموهْ
انطقْ وإلَّا..
كَهْرِبُوهْ.
... ... ...
... ... ...
... ... ...
[أينَ الإلهُ,
مِنَ الشرورِ بأرْضِهِ؟
أينَ الإلهُ؟
أم انَّنَا نسلٌ يعيشُ بغابةٍ
مُتَحَدِّرينَ منَ القرودْ؟
وهل يُعذِّبُ أيَّ قردٍ هكذا
من أجلِ لا شيءٍ أخاهُ
وهل تُدَمِّرُ القرودُ
وهل تُذبِّحُ أو تُبيدْ؟
أينَ.. الإلهُ؟]
الآنَ يهوي مثلما
كُرَةٌ تُدَحْرَجُ مِنْ جَليدْ.
شرخًا وراءَ الشرخِ ينْطِقُ
نصفَ جُمْلةٍ.. ويَصْرُخُ
نصفَ جُمْلةٍ.. يَسُبُّ
نصفَ جُمْلةٍ.. ويَهْوي ثانيًا
لا ليسَ يدركُ أيَ شيءٍ
غيرَ مَلْمَسِ المياهِ.. والصواعقِ.. والحديدْ.
الآن يصرخُ نافثًا
أوجاعَ أعوامٍ ثلاثٍ
كَانَ يَكْتُمها وحيدًا كلَّما
رأى مُصابًا أو شهيدْ.
_____________________
*الباشا:
كلمة أعجمية, لها أصلان لغويًا: الأول من "پاشا", وهي كلمة تركية تعني الأمير, استخدمت لوصف رتبة مقربة من السلطان, تسللت الكلمة إلى العربية الفُصحى وكذلك إلى المصرية الدارجة خلال التواجد العثماني في مصر, إذ كان اللقب يُمنح لأتباع السلطان, وأنصار القصر, والمحافظين على مصالح السلطنة حتى إن داسوا الشعب تحت أقدام الإقطاع والفساد.
أما الأصل الثاني فهو من كلمة "پادشياه" الفارسية, وهي تعني الملك, ويظن أن تسللها لمصر كان خلال الحكم الأيوبي, إذ كان الأيوبيون يستخدمون ألفاظًا فارسية في تسمية رتب مماليكهم.. وهناك اعتقاد شائع إلى حدٍ ما أن المملوك الذي كان يحمل حذاء السلطان يُسمّى "باشا" أيضًا! كنايةً عن دوام قربه من السلطان.
أما الآن فالكلمة تستخدم كلقب دارج لضباط الشرطة, يعتز به كل ضابط جهولٍ, غير مدرك بالطبع للجذريين اللغويين المتأصلين في لا وعي العقل الجمعي المصري واللذين يصفانه أدق وصف: إقطاع, استبداد, وعبودية للسلطان.
____________________
مقطع من نص "الرقيم"
محمد فوزي

اسامه رفعت صدقي موسي (اسامه رفعت) – إلى جميع أحرار وحرائر المنصورة ومصر

اسامه رفعت صدقي موسي (اسامه رفعت) – إلى جميع أحرار وحرائر المنصورة ومصر

إلى جميع أحرار وحرائر المنصورة ومصر خارج وداخل سجون الإنقلاب .. نعم فــ هم أحرار ... قال الله تعالى ::( ألا إن نصر الله لقريب ) .. فالنصر قريب لا محالة .. بالفعل مقيدون لكننا أحرار برغم الظلم والطغيان وما زلنا صامدين بكل ما تحمله الكلمة من معنى ولكن نحتاج لدعواتكم .. فنصرنا يأتي بالدعاء
اللهم إنا رضينا نفسا بك مطمئنة .. ترضى بقضائك .. وتقنع بعطائك
..
دلوقتي دول شباب ثانوي داخلين ع إمتحانات ... يعني المذاكرة في السجن والإمتحانات كمان في السجن .. يعني أمهاتهم مش هيبقوا معاهم في عز محنتهم .. يعني مش هيذاكروا وبالهم مرتاح زيك ويصحوا الصبح يروحوا المدرسة يمتحنوا .. لأ دول بيذاكروا في الزنزانة وهيخرجوا منها متكلبشين ويدخلوا مكان يمتحنوا فيه " هيا دي اللجنة عندهم " ... يعني مش هيناموا مرتاحين ع السرير زيك .. لأ دول بيناموا بالدور ولما بيخلصوا مذاكرة بيكملوا سهرتهم صلاة وقرآن .. عارف إنك مش بإيدك حاجة تعملها .. بس بإيدك تدعيلهم في صلاتك هما واللي زيهم .. ولا هتبخل بدي كمان ؟!!!

احمد اسماعيل ثابت – ثلاثُ مائةٍ وتِسعونَ يوماً خلف قضبان السجون

احمد اسماعيل ثابت – ثلاثُ مائةٍ وتِسعونَ يوماً خلف قضبان السجون

بسم الله الرحمن الرحيم
ثلاثُ مائةٍ وتِسعونَ يوماً خلف قضبان السجون بين الزنازين وغرف التحقيق والتعذيب, ثلاثون يوماً من الإضراب عن الطعام .. لا لشيء سوى لكرامة انسانية عملنا لها في ثورة يناير المجيدة, أكثرُ من سبعةَ عَشرَ جلسةٍ أمام المحاكم المصرية لتهمةٍ بدت لي ضرباً من الجنون الذي يعبثُ بأرضِ الفيروز منذ أن كان الانقلابُ العسكري.
هنا العقرب. سجنٌ أصبح عنواناً للظلم والقهر الذي طال آلاف بني وطني من العلماء والمهندسين وأساتذة الجامعات. تهمتنا أننا رفضنا الظلم وقلنا لا للعبث بالأرض والعِرض من قِبلِ ثُلةٍ من المتآمرين مريضي النفس والسلطة.
قبل عام ونيف كنت معيداً في جامعتي أرسم لمئات الطلبة مستقبلاً من قلبي عملت أن يكون أفضل مما عشت وأعيش. كان من المفترض أن أنتهي من مرحلة الماجستير وأكون على عتبات الحصول على درجة الدكتوراة .. لكن مشيئة الله كانت أقوى من أحلامي البسيطة. اليوم أنا متهم بالتخابر مع دولة أجنبية لإفشاء ما في البلد من أسرار ونوايا. متهم أنا مع عشرة آخرين بينهم الرئيس الشرعي لوطني المسلوب الدكتور محمد مرسي.
قبل دخولي المعتقل كان خيالي ضيق الأفق, فكيف لمواطني أن يعذبني ويكيل لي الإهانة الجسدية والنفسية بشتى أنواعها؟ وهذا ما رأيته بأم عيني في غرف التحقيق والزنازين المظلمة, ضرب وإهانة تعجز عن وصفه خيالات حالم مبدع, جلسات التعذيب بالكهرباء وأهات المعتقلين واستغاثاتهم أصبح صداها لا يفارق مسامعي كما آلاف المعتقلين. مشاهد الاغتصاب لم تقتصر على الأفلام والمسلسلات فهنا أزلام السلطة يمعنون اغتصاب المعتقلين من الذكور لاجبارهم على الاعتراف بتهم لا تمت لواقعهم بشيء. طعامنا وشرابنا لا يصلح للاستهلاك الحيواني بأسوء دولة في العالم .. وكم ذا بمصر من المضحكاتِ ولكنه ضحكٌ كالبكاءِ.
جلسات فض الأحراز كانت مضحكة بما تحملة الكلمة من معنى, فالقضية الملفقة لنا هي التخابر, أما أحراز تلك القضية فكانت أناشيد اسلامية وأغانٍ وأفلام سينمائية مصرية وأجنبية, الأحراز تضمنت أيضا برامج لتعليم اللغات كالانجليزية والتركية وغيرها, كما كانت دراساتي الطبية وبحوثي الجامعية ضمن أحراز القضية؟؟
تفاجئت في الجلسة الأخيرة عندما نطق القاضي بوجود أفلام جنسية ضمن الأحراز, ليلقي على عاتقنا جزافاً سوء السمعة ورداءة الأخلاق. وهنا وقفت للمحكمة وطلبت عرض ما قالت إنها أفلام إباحية لتفنيد ذلك الإدعاء الباطل, عندها نطقت النيابة بأن تلك المقاطع قد حذفت ولا وجود لها, فاستنكرت معللاً كيف لشيء غير موجود أن يكون حرزاً؟؟ ما هذا التلفيق الرخيص والبعيد عن صلب التهمة المعيبة من الأساس, فطوال جلسات المحاكمة السبعة عشر لم تعرض المحكمة دليلاً واحداً على اتهامنا بالتخابر وعندما ضاقت النيابة العامة ذرعاً شاءت أن تعبث في سمعتنا وأخلاقنا كذباً وجزافاً وتزويراً أمام مسمع ومرئى القضاء ورجالاته!!
نحن لسنا متخابرين ولا متآمرين ولم نشئ أن نكون أرقاماً في معتقلات الظلم والسواد, بل أُلبسنا تهماً معيبة باتت مضغة صائغة في منابر الانقلاب وصحفه وجرائده, محاكمتنا كانت مسرحية هزلية وما زالت, ورغم ذلك وأكثر فنحن نحمل معنوياتٍ كما الجبال ولا ولن نركع في يومٍ من الأيام لظلمٍ بين وجبروت من ورق.
أحمد إسماعيل ثابت اسماعيل .. معيد بكلية العلوم الطبية .. عفواً .. معتقل بسجن العقرب ..

عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي) – كنت أحسب أنني لن أصل لهذه الدرجة من التأثر

عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي) – كنت أحسب أنني لن أصل لهذه الدرجة من التأثر

never thought I would ever be this touched again in my life, reading this petition created by my fellow colleagues in the German University in Cairo (GUC) , demanding universities from Germany to support my cause and try and help me, and asking people to show their support by signing the petition.
I thought I would never be this touched again.
I was.
I was a hundred times more touched when I reached the comments.
I didn’t believe how much support and love was radiating from their words.
Truthfully, I’ve always been annoyed when someone described his feelings with words such as “I almost cried” and “Tears spilled out of my eyes” , and I thought they were being cheesy and fake. But I excused them when I went through the same experience myself, reading the words of my relatives and friends. My former classmates, school friends and current university colleagues.
My teammates and other basketball acquaintances, others I slightly know.
Different, various nationalities, some personal friend, others supporting merely.
But those who touched and affected me most, were the ones I had know السابق knowledge or connection to before prison.
I’m amazed by the amount of kindness, bravery and selflessness that would push someone to stand up for a person he never knew, and never was connected to, just for the mere conviction that this person is subject to palpable unjustness.
I know each and every one of them, most of the supported me from the first day on, Their names repeated perpetually in front of my eyes in messages and comment, recharging my battery of hope, which tends to run out of charge just as fast, only to find them ready to supply me with a fiercer dose of love and hope.
I read the words and support, and sense hope inside me like a dying creature, that suddenly had health and wellness poured into it, only to lift its head and sense the urge to live again
I tell each and every one of them, that you’re the most paramount cause of my not falling apart, and following through –even if barley- up until now. If it wasn’t for you and your unwavering support, I would’ve given in long ago in this battle, which appears like a shoreless sea.
But with you I convince myself that shore will appear in the horizon any second now.
I ask to please include me and my father in your prayers.
Soon insha’الكلah.
With love
AbdelRahman El Gendy
Friday 1/5/2015
كنت أحسب أني لن أصل لهذه الدرجة من التأثر في حياتي مرة أخري ، و أنا أقرأ العريضة "الالتماس" الذي صُنِعَ من زملائى من طلاب الجامعة الألمانية "GUC" طلباً من جامعات في ألمانيا لدعم قضيتي و محاولة مساعدتي ، و سائلة الناس أن يبدوا تضامنهم بالتوقيع علي العريضة.
تصورت أني لن أتأثر بهذا القدر مرة أخرى.
تأثرت أضعافاً مضاعفة ما إن وصلت إليّ التعليقات.
لم أكن أصدق كم التضامن و الحب الذى كان يشع من الكلام.
في الحقيقة ، كنت دوماً أشعر بالضيق عند قراءة وصف أحدهم لمشاعره و أنه "يكاد يبكى" و أن "الدموع فرت من عينيه" و أشعر أن الكلام مبتذل ، لكني عذرتهم عندما مررت بنفس التجربة و أنا أقرأ كلمات أقاربي و أصدقائي ، و زملاء المدرسة و زملاء الجامعة ، و أشخاص أعرفهم من كرة السلة ، سواء زملاء فى الفريق أو من الوسط نفسه ، و آخرين لا أعرفهم إلا معرفة بسيطة ، جنسيات متعددة ، منهم أصدقاء شخصيون و منهم متضامنون ، و لكن أكثر من أثر فى ، هم هؤلاء الذين لم تجمعنى بهم أدنى معرفة سابقة خارج السجن.
يدهشنى قدر الطيبة و الشجاعة و انعدام الأنانية التى تدفع أحداً للدفاع عن شخص لا يعرفه و لا تجمعه به صلة مسبقة ، مجرد اقتناعه أنه مظلوم.
أعرفهم واحداً واحداً ، فمعظمهم دعمنى من أول يوم فى السجن ، تتكرر أسماؤهم أمامى دوماً فى الرسائل و التعليقات ، يعيدون شحن بطارية أملى التى ما تلبث أن توشك على النفاذ ، فإذا بهم جاهزون بجرعة أقوى من الحب و الأمل.
أقرأ كلماتهم و تضامنهم و أشعر بالأمل داخلى ككائن كان يحتضر ، و إذا بالعافية تتدفق داخله فجأة ، فيرفع رأسه و الرغبة تداعبه فى الحياة من جديد.
أقول لهم واحداً واحداً ، بشكل شخصى للغاية ، أنكم أنتم سبب فى عدم انهيارى ، و صمودى -حتى و لو بالكاد- حتى الآن. لولاكم لاستسلمت منذ زمن فى هذه المعركة التى تبدو كبحر لا شاطئ له ، و لكن بكم و بمساندتكم أقنع نفسى أن الشاطئ سيلوح الآن فى أى لحظة.
أشهد الله أنى أحبكم فيه ، و أرجوكم ألا تنسونى و أبى أبداً من دعائكم.
قريباً ان شاء الله
عبدالرحمن الجندى
الجمعة 2015/5/1

شريف ابو المجد – كن جديراً بالثقة

شريف ابو المجد – كن جديراً بالثقة

يقول دانيال جولمان في كتابه " الذكاء العاطفي " – وهو من أهم الكتب التي ظهرت في العشرين سنة الأخيرة وأكثرها مبيعاً – أن نجاحنا في الحياة يعتمد على الذكاء العاطفي بأكثر مما يعتمد على الذكاء الحسابي – والذي يقيسه إختبار حاصل الذكاء (IQ) , وفي بداية السلم الوظيفي يكون الذكاء العاطفي أهم مرتين من الذكاء الحسابي , أما في المستويات الإدارية الوسطى فيكون أهم بمقدار أربع أو خمس مرات , وفي مستويات الإدارة العليا ورئاسة الشركات والمنظمات فتفوق أهمية الذكاء العاطفي لدى الناجحين في أعمالهم أهمية الذكاء الحسابي بمقدار من عشرة إلى عشرين ضعفا , ولذلك أصبح عالم الأعمال شديد الإهتمام بقياس هذا الذكاء في المتقدمين لشغل أي وظيفة – وبالذات وظائف الإدارة العليا – باختبار أصبح يعرف بالرمز (EQ) (Emotional Quality).
فما هو الذكاء العاطفي هذا ؟ وهل يمكن تحسينه والتدريب عليه ؟
الذكاء العاطفي باختصار هو إدارة مشاعرنا بذكاء , ويبدأ بإدراك هذه المشاعر وأسبابها وتأثيرها علينا وعلى الغير , ثم يمر على التحكم في هذه المشاعر وعدم تركها لتتحكم فينا , وينتهي بقدرتنا – عاطفيا – على تحفيز أنفسنا لتحقيق أهدافنا مهما كانت الصعوبات التي تواجهنا , وهذا هو الجانب الشخصي في الذكاء العاطفي , أما الجانب الإجتماعي فيبدأ بحسن فهم الآخرين بالإنصات إليهم بتعاطف , وفهم رسائلهم غير اللفظية , وينتهي بجدارات الذكاء الإجتماعي الثمانية : التأثير / والتواصل / وإدارة النزاع / والقيادة / وأن تكون محفزا للتغيير/ وبناء الروابط / والتعاون والتآزر / والقدرة على العمل في مجموعة ، الذكاء العاطفي عند جولمان خمسة وعشرون جداره.
فما هي الجدارات ؟
الجدارات مثلها مثل المهارات ولكنها ليست ظاهرة كالمهارات وإنما يظهر منها تأثيرها , وهي نوع من السمات الشخصية التي تميز شخصا عن آخر , واستكمالا لتعريف الذكاء العاطفي فهو كما بيَّن له ركنان : شخصي واجتماعي , الركن الشخصي له ثلاث جوانب : الأول حسن إدراك الذات , وله ثلاث جدارات منها الثقة بالنفس , والثاني التحكم في الذات وله خمس جدارات منها الجدارة بالثقة وجدارة تحمل المسئولية , والثالث القدرة على تحفيز الذات وله أربع جدارات ومنها أن تدفع نفسك دائما للإنجاز مع المبادرة في العمل وأن تسلك دائما أمثل السبل .
والركن الإجتماعي وله جانبان : حسن فهم الآخرين والتعاطف معهم وله خمس جدارات ، ثم جدارات الذكاء الاجتماعي الثمانية التي ذكرناها سابقا , إذاً مجموع هذه الجدارات كلها خمس وعشرون جدارة , ولا يحتاج المرء إلا إلى نصفها حسب نوع الوظيفة التي يؤديها , فكل وظيفة تحتاج من 12-15 جدارة , ولو تحصَّل المرء على عشر جدارات منها لأصبح نجماً من نجوم الأداء , ولا يكون أدائه جيدا إلا إذا كان لديه ست جدارات منها على الأقل , وهذه الجدارات يمكن قياسها بدقة باختبار (EQ), ويمكن تحسينها بالتدريب والخبرة كثيرا , وهي في هذه الناحية مختلفة عن الذكاء الحسابي الذي لا يتحسن كثيرا بالتدريب , فاختبار حاصل الذكاء (IQ) الذي إفتتن الأمريكيون به منذ عشرينات القرن الماضي - تتراوح درجاته ما بين 100-120 للذكاء المتوسط , ومن 120 – 140 للذكاء الجيد , وفوق 140 للذكاء العالي , وصولاً إلى الذكاء الخارق فوق 160, ونتيجة حاصل الذكاء لا يمكن للمرء تحسينها إلا في حدود 10% مهما تدرب أو قرأ , أما جدارات الذكاء العاطفي فيمكن اكتسابها إذا لم تكن موجودة , ويمكن تحسينها على مدى سنوات العمر واكتساب الخبرة , وهذا ما يسمى بالنضج , ويمكن التدريب عليها ( بل ويجب التدريب عليها ) وتحسينها تحسينا كبيرا , لأن نجاحنا في الحياه يعتمد عليها , وهذا ليس رأي دانييل جولمان , ولكنه نتيجة دراسات على عشرات الألاف من العاملين في مختلف الشركات , والذين في مختلف المستويات الإدارية في مختلف بلاد العالم .
وهنا نقطة لا بد من تسجيلها قبل المضي قدما في ما أنتويه من كتابة هذا المقال , وهي كيفية استقبال الشعوب الحية للجديد في العلم , فقد صدر كتاب الذكاء العاطفي سنة 1990 ,ثم اتبعه جولمان بكتاب العمل بالذكاء العاطفي سنة 1998 , وكتب في مقدمة الطبعة الخامسة للكتاب الأول - بعد عشر سنوات من صدور الطبعة الأولى – أنه مذهول من رد الفعل الذي أحدثه كتابه , وبالذات في مجالين هما التعليم وعالم الأعمال , ففي التعليم بادرت كثير من المدارس إلى تدريس الذكاء العاطفي طالما أنه هو الذي سيفرِّق بين الناجحين في الحياه العملية وبين الأقل نجاحاً , ووضعت الإدارة التعليمية في ولاية مثل ولاية إلينوي الأمريكية توجيهات إرشادية عما يمكن أن يدرِّس في بداية المرحلة الإبتدائية (من مستوى (1) إلى مستوى (6)) وما يمكن أن يدرِّس في الثلاث مستويات التالية (المرحلة الإعدادية عندنا) , وما الذي يمكن أن يدرس في الثلاث مستويات التي تليها ( مرحلة الثانوي ) من جدارات الذكاء العاطفي .
ولكن ما أذهل المؤلف حقيقة هو سرعة إدراك عالم الأعمال لأهمية هذا الذكاء العاطفي للنجاح في الحياة العملية , وبالذات في الأوقات التي يكون فيها التغيير سريعا وشاملا وحادا , مثل ما يحدث في سوق الأعمال عالمياً منذ نهاية السبعينات , بحيث أنه سرعان ما بدأت الشركات والمنظمات في عمل إختبارات ذكاء عاطفي (EQ) ، ليس للمتقدمين للعمل فيها فحسب وإنما لكل من سيتم ترقيته كذلك , حتى يعرف هو نقاط قوته ونقاط ضعفه فيعمل على تحسينها , وليعرف كذلك صاحب العمل أو رئيسه في العمل هذه النقاط , فيُحسن إستغلال نقاط القوة بوضعه في الوظيفة التي تعظم استخدامها , ويعمل مع الموظف على تحسين نقاط ضعفه أو على الأقل السيطرة عليها حتى لا يضعف الأداء العام للشركة أو المنظمة , لأن البقاء في السوق أصبح للأفضل أداءا , ولم بعد هناك مكان لمتوسطي الأداء .
فأين شعوب العالم النائم من هذه الشعوب الحية التي أدركت أهمية الذكاء العاطفي وتحركت بسرعة كبيرة بحيث أنه في خلال عشر سنوات أصبحت جدارته تدرس في المدارس , وتقاس عند الإلتحاق بالعمل وعند الترقية .
ما هو موقف شعوب العالم النائم ؟
كم منا سمع عن الذكاء العاطفي وأدرك أهميته ؟ وكم هي نسبة المدارس التي بدأت في تدريسه ؟ وكم نسبة الشركات والمنظمات التي تقيس هذا الذكاء لدى موظفيها ؟ وبالذات عند الترقية لمستويات الإدارة العليا , حيث تصبح أهميته عشرة أو عشرين ضعف الذكاء الحسابي (IQ) , أشهد أنني رأيت من ست سنوات إختبارا أجري لأفضل خمسة متقدمين لشغل وظيفة مدير مشروعات في شركة بن لادن بالسعودية , وهو إختبار كان يقيس الذكاءات السبع : الإثنان اللذان نتعلمهما في المدارس والجامعة وهما الذكاء الحسابي (IQ) والقدرات اللغوية والخمسة الخاصة بالذكاء العاطفي , وكذلك أخبرني مدير عام بشركة عبد اللطيف جميل ( تويوتا السعودية ) أن شركته تستأجر شركة أمريكية لعمل هذه الإختبارات لمن سيتم ترقيتهم .
ولكن استئجار شركة أمريكية لعقد اختبارات الذكاء العاطفي شئ , واهتمام المجتمع كله بها تدريسا وتوظيفاً لزيادة فرص النجاح شئ آخر , عموما نتمنى أن تفيق مجنمعاتنا العربية من غفلتها , وألا يصدق فيها قول جولدا مائير "العرب لا يقرأون , وإذا قرأوا لا يفهمون , وإذا فهموا لا يعملون بما فهموه".
والآن عودة إلى الجدارة التي نحن بصددها في هذا المقال وهي الجدارة بالثقة , فما معنى الجدارة بالثقة ؟ وكيف تكون جديراً بثقة كل من يتعامل معك ، أعتقد أن الإجابة على هذا السؤال سهلة , لأن موضوع الذكاء العاطفي برمَّته ليس جديداً كلية , وإنما ترتيب الأمور وعرضها هو الجديد , ولكن من قديم الزمن وفي مختلف الحضارات والثقافات من المعروف أن النجاح في العمل – وفي الحياه عموما – يحتاج إلى أمور من أهمها أن تكون جديرا بالثقة , فكيف تكون جديرا بالثقة , أولا أن تتحلى بعكس صفات المنافق , فالمنافق فيه أربع خصال " إذا وعد أخلف , وإذا حدث كذب , وإذا خاصم فجر , وإذا ائتمن خان " ، كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم " أربع من كن فيه كان منافقا خالصاً , ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها , إذا حدث كذب , وإذا ائتمن خان , وإذا عاهد غدر , وإذا خاصم فجر " , وبذلك تكون الجدارة بالثقة نابعة من :
الوفاء بالوعد , والصدق في الحديث , والإنصاف عند الخصومة , والأمانة والبعد عن كل صور الخيانة .
وإسلامنا يهتم كثيراً بهذه الخصال والأخلاق المؤدية إليها , لأنه كما قال الرسول الكريم صلى لله عليه وسلم عن مهمته التي بعث من أجلها " إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق " ( رواه مالك )
ويقول الله تعالى عن هذه الخصال الأربعة :
الأولى " وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤلا " (الإسراء :34)
والثانية " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" (التوبة :119)
ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم " إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا " (رواه البخاري)
الثالثة " ولا يجرمنكم شنئان قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون " (المائدة :8)
وعن الرابعة : يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم " أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " (رواه الشيخان)
ويقول الله تعالى " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً " (النساء :58)
فهل هذه الخصال الأربعة فقط هي التي تجعل الإنسان جديراً بالثقة ؟
لا, فهناك صفات أخرى مهمة مثل أن يصدَّق قولك عملك , يقول الله تعالى " { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ } (سورة الصف 2 - 3) , ولذا يقول علماؤنا الأجلاء إن عمل رجل في ألف رجل خير من مقالة ألف رجل لرجل , فالأهم من النصح والوعظ من أن يكون حالك مصدقا لما تنصح به , ولذلك يقول نبي الله شعيب في سورة هود " وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت " ، فلا يعقل أن يأمر المصلح الناس بالبر ولا يأتيه أو ينهاهم عن المنكر ويأتيه , وكذلك الرجل / المرأة الجدير بالثقة .
وكذلك من صفات الجدير بالثقة أن يكون ثابتاً على الحق , كما يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ) "رواه الشيخان" , وأن يكون له كود قائم على المبادئ لا يخالفها قط , حتى لو أدى ذلك إلى فقده لوظيفته , أما الذي يتلون ويغيير مبادئه حسب مصالحه وحسب اتجاه الريح فليس جديراً بالثقة , والثبات على الحق والعيش وفقاً للمبادئ لخَّصته آية في سورة الأحزاب " { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } (الآية 23).
ويقول علماء التفسير أن كلمة رجال هنا تعني صفة الرجولة ولا تعني الذكورة , وإنما تنطبق على الرجال والنساء الذين لديهم هذه الصفة , فلكي تكون جديرا بالثقة فلا بد أن تكون رجلا بكل معنى الكلمة في أصعب المواقف , والرجال قليلون في هذا الزمان .
هذه بعض الصفات لكون المرء جدير بالثقة , فكيف ننمي هذه الجدارة لدينا ولدى أولادنا في المقام الأول ، لا شك أن إسلامنا هو السبيل إلى ذلك , فكل الخصال والسمات التي يحتاجها المرء لكي يكون جديرا بالثقة ليست موجودة في الإسلام فحسب , وإنما الإسلام يحث عليها حثاً ويحض عليها حضاً , ولكن لا بد أن ننبه هنا أنه ليس بالكلام وحده يصل المرء إلى أن يكون جديرا بالثقة , ولكنه يجب أن يحيا بهذه الصفات السبعة التي ذكرناها , ولا يحيد عنها قط , لأن الجدارة بالثقة يصعب إكتسابها ويسهل جدا فقدها عن أول حيود عنها , فيقول جولمان في هذا أن الخطأ الذي يرتكبه مندوبو المبيعات وكثير من العاملين في شركات الخدمات هو أنهم يظنون أنهم يمكن أن ينجحوا عن طريق الخديعة , فيستعملون مهاراتهم في الكلام والإقناع في تمرير صفقات يخدعون فيها بعض العملاء, وعندنا ناس تسمي هذا " شطارة في البيع " ولكن جولمان يقول أن هذه إستراتيجية سيئة فقد تنجح في المدى القصير , أما إذا أراد مندوب المبيعات أو شركة الخدمات أن يكون لهم عملاء دائمون فلا بد أن يحافظوا على مبادئ الأمانة والنزاهة والوفاء بالوعد والتعهدات , هذه هي الإستراتيجية التي تضمن النجاح على المدى الطويل.
وحتى لو أخذنا الأمور من الوجهه المادية البحتة , ومن وجهة نظر " أن العمل هو العمل " (business is business) فإن الجدارة بالثقة بكل صفاتها السبعة هي التي تؤدي للنجاح على المدى الطويل , أما الشطارة ومحاولة الخديعة والكلام المعسول فكل هذا لا يؤدي إلا إلى نجاحات قصيرة لا تدوم , وعندما كان هناك يهود في مصر كان كبار رجال الأعمال من اليهود - مثل صيدناوي وشيكوريل وحلاوة – وكان معروفاً عنهم أن كلمتهم أقوى من أي عقد , لماذا ؟ لأن اليهود يعرفون أن الوفاء بالكلمة هو سر النجاح في السوق , لأنه صفة من الصفات التي تجعلهم جديرون بالثقة , ليس هذا فقط وإنما كانوا حريصين أشد الحرص على الصدق مع العميل , وعدم محاولة خديعته بأي شكل , ولا حتى زيادة السعر عن عميل آخر , وعندما كان أحد الباشاوات يطلب هدية من المجوهرات لزوجته في عيد ميلادها كانوا يرسلون تشكيلة من المجوهرات , ويتركونها دون إيصال ثقة منهم في عملائهم , ولذا كان العملاء يعاملون هذه الثقة بثقة مقابلة .
فالجدارة بالثقة هامة للنجاح في العمل من وجهة النظر الإسلامية ومن وجهة نظر السوق الذي يعلي قيمة التاجر الصدوق الأمين حتى ولو لم يكن مسلماً , أما الغش التجاري أو موضوع أن السوق سوق سعر , أي أن تخفيض ثمن السلعة ممكن بتخفيض جودتها ومواصفاتها دون إعلان ذلك للمستهلك فسوف يؤدي إلى فقد " السمعة" , والسمعة هي الوجه الآخر من وجهي العملة , إذا كان وجهها الأول هو الجدارة بالثقة , فالموظف – وليس التاجر فحسب – الذي تسبقه سمعته إلى وظيفته الجديدة في شركة من الشركات يسهل عليه إدارة العاملين معه , لأنه يبدأ بداية قوية حيث يضعه هؤلاء العاملين في موضع عال لأن سمعته في عمله السابق سبقته إلى عمله الجديد

فهل الجدارة بالثقة والسمعة الحسنة مطلوبتان في مجال الأعمال فقط ؟ , الحقيقة أنهما مطلوبتان في مجال الدعوة أكثر , فكما ذكرنا لا يمكن أن يأمر الداعية الناس بالمعروف ولا يأتيه أو ينهاهم عن المنكر ويأتيه , لأن ذلك سيقوض مصداقيته لدى الناس , وهذه المصداقية هي الوجه الثالث للعملة , فالجدارة والسمعة الطيبة والمصداقية هي ثلاث أوجه للعملة (إذا كان يمكن أن يكون للعملة ثلاث أوجه !!) .
وقد كانت أهم صفات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عند قومه أنه الصادق الأمين , ولم يكن يشك عتاولة المشركين في صدقه ولكنه الكبر الذي صرفهم عن الاستجابة له , كما قال الله تعالى " ولكنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " ( الأنعام:33) , فالصدق والأمانة يجب أن تتوفر لدى الداعية وأن يشيع ذلك بين الناس , بحيث تصبح سمعته أنه الصادق الأمين ، وهذا مهم جداً , لأن هذه هي سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة , يقول الله تعالى في آخر سورة يوسف مخاطباً رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين " ( يوسف : 108) , فسبيل رسول الله في الدعوة هو الصدق والأمانة) ، وهما أهم صفتان فيمن يريد أن يكون جديراً بالثقة.
ثم يقول الله تعالى ممتدحاً رسوله إسماعيل " ... إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً " ( مريم:54) , وهي صفة أخرى للدعاه الجديرين بالثقة , ثم يصف الله تعالى نبيا آخر وهو سيدنا موسى " واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصاً وكان رسولاً نبياً " وهي صفة رابعة في الدعاه الجديرين بالثقة , ويقول سبحانه وتعالى واصفا ثبات سيدنا نوح وإصراره في سورة نوح " { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا } (سورة نوح 5 - 9) " فانظر إلى الثبات على الحق والإصرار عليه , رغم أنه كان يُحكى عنه ( عليه وعلى نبينا السلام ) أن الرجل من قومه كان إذا حضره الموت يطلب من أبنائه أن يحملوه إلى سيدنا نوح ثم يوصيهم أمامه ألا يؤمنوا به بعد أن يموت أبدا , ومع ذلك ظل سيدنا نوح ثابتا على الحق تسعمائة وخمسن سنة , فإذا لم يكن هذا هو الثبات فما هو ؟
نسأل الله أن يرزق الدعوة برجال ( ذكوراً وإناثاً ) جديرين بالثقة , سمعتهم طيبة , ولهم مصداقية عالية , هؤلاء الذين يصدقون الله ما عاهدوه عليه ولا يبدلوا تبديلا , هؤلاء الذين لا يقولون ما لا يفعلون ولا يحتالون , ولا يبررون فشلهم بالظروف , وليس عندهم أن الغاية تبرر الوسيلة , ولكن لا بد أن تكون الغاية والوسيلة كلتاهما شرعيتان , ومهما طال الوقت يثبتون على الحق أمام العواصف العاتية وأمام الظلم الافدح , ولا يغيرون ولا يتغيرون ولا يبدلون ولا يحرفون وعلى العهد ثابتون ، يعضون على جذع الشجرة مهما تغير الناس ولا يزيغون عن الحق أبدا ، على أمثال هؤلاء – وليس على أمثالنا – يتنزل النصر ويتحقق التمكين .
ولذلك لا بد من العمل على إيجاد هؤلاء الجديرون بالثقة وزيادة عددهم في المجتمع ، مع تسليط الضوء عليهم ليكونوا قدوة لغيرهم , ولكي يتم ذلك لا بد أن نمضي في عدة خطوات متوازية :
أولا : تربية النشء على هذه الصفات السبعة , والتربية هي : مربي ومتربي ومنهج تربوي ومحضن تتم التربية فيه , والتربية هنا لا بد لها من قدوة صالحة , فلا يركز الإعلام على الفنانين والفنانات ولاعبي الكرة , وإنما يركز على نماذج الناس الجديرين بالثقة وما أكثرهم .
ثانيا : متابعة من تم تربيتهم وظيفيا , للتأكد من أنهم يطبِّقون ما تربوا عليه , وأنهم صامدون أمام الإغراء أو الضغوط .
ثالثاً : دعم الصفات الخلقية السبعة اللازمة لوصول المرء إلى أن يكون جديرا بالثقة , ودعمها يكون بالتركيز عليها في التربية الخلقية في المدرسة ثم الجامعة , ثم التركيز عليها في الإعلام , والإحتفاء بالنماذج الناجحة من الذين أظهروا مستوى مرتفعا من الجدارة بالثقة , والسعي إلى إختيارهم دائما في الوظائف الإدارية العليا.
رابعاً : محاربة كل ما من شأنه تشكيل ضغوط سيئة وإغراءات مدمرة تؤدي إلى إنحراف البعض , وتعرض البعض الآخر لشبهة الخضوع للضغوط أو الإغراء ، أي مطلوب جهد جماعي من الدولة ومن المدرسة ومن البيت .
وكما أسلفنا فإنا تفشي ظاهرة الجدارة بالثقة هام جداً لنجاح الناس في الحياة وفي العمل , وهذه الجدارة هامة بنفس القدر للنجاح داخل الأسرة , لأن المرأة تحتاج إلى من يكتسب ثقتها ثم حبها , ولا يمكن أن ينجح الزوج أمام زوجته وأولاده إذا كان لا يحصل على ثقتهم الكاملة , وكذلك فالثقة بالدولة ككل أو على الأقل بشركاتها ومؤسساتها الكبرى ضروري للنهضة , وهو الذي سيجذب رؤس الأموال الخليجية والدولية .
نسأل الله أن يمنحنا هذه الجدارة , ويساعدنا على تنميتها في أنفسنا وأولادنا وأن يجعلنا نتأسى بأكثر أهل الأرض جدارة بالثقة صلى الله عليه وسلم ، وأن يجعلنا دائماً نختار الجديرين بالثقة في الوظائف العامة العليا اللهم آمين .

أ.د/ شريف أبو المجد
سجن استئناف طرة أبريل 2015

close

Subscribe to our newsletter