إن طال ليلُ الظُلم يوماً فانه .. فجر العدالة مشرقٌ حتماً
لم يخش أهلُ الحق هضماً ﻷنه .. ملك الملوك قد حرم الظلم
سل سالف اﻷمم وسل فرعون .. هل أنجاك ملك عظم ؟؟
وسل ممالك سبأ اذا طغوا .. فاستبدلوا بالخير سيلاً عرماً
وسل عاداً وثموداً استكبروا .. وقد استحالوا بعد مجد عدماً
سنة لله فى العباد وحكم .. كل قدم خطت فى الظلم بئست قدماً
كل الطغاة مضوا بلا جاه .. ثم استحالوا فى المقابر رقماً
سود الوجوه والصحائف سود .. تبت يد البطش ونالت هماً
رسائل جدران العزلة
احمد ماهر ابراهيم الطنطاوي (احمد ماهر) – إخوان أحمد الزند
لم يكن حكم محكمة النقض في القاهرة غريباً، أو مفاجأة لي، بل كنت متفاجئا من تصريحات المحامين والزملاء أنهم فوجئوا من الحكم برفض الطعن منّا. لم يكن غريبا أن تؤكد محكمة النقض حكماً لـ 3 سنوات و50 ألف جنيه غرامة و3 سنوات أخرى للمراقبة، بسبب كسر قانون التظاهر، عندما تجمع نشطاء وصحافيون خارج محكمة عابدين، في أثناء تسليمي نفسي لنيابة عابدين في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، وهو ما اعتبرته السلطات مظاهرة بدون ترخيص خارج محكمة عابدين، تستوجب السجن 3 سنوات.
لم يكن الحكم مفاجأة، بل تعجبت كيف أن هناك من كان يزعم، في يوم من الأيام، أن محكمة النقض مختلفة عن باقي المحاكم، فلماذا تكون مختلفة، وعلى أي أساس، ولأي سبب؟
ربما كان يمكن الحديث عن نزاهة محكمة النقض قديماً، عندما كان هناك قضاة يتمتعون بالنزاهة، أو على الأقل عندما كان يوجد قضاة يناضلون من أجل استقلال القضاء، وهذا للأسف ليس موجودا الآن، فحتى في عهد عبد الناصر الذي بذل كل جهده لتأميم القضاء، والسيطرة عليه، كان هناك أيضا قضاة يدافعون عن استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية، ما دفع عبد الناصر لتنفيذ مذبحة القضاء، وإقالة كل من يدافع عن استقلال القضاء ونزاهته. وفي عهد السادات، كانت هناك، أيضاً، وقائع عديدة للقضاة، وخصوصا محكمة النقض لإبطال أحكام جائرة على المعارضين، خصوصاً بعد انتفاضة يناير/كانون الثاني 1977. حتى في عهد حسني مبارك، كان هناك تيار الاستقلال الذي بدأ منذ 2005 للدفاع عن حقوق القضاة، ورفض تورط القضاء المصري في تزوير انتخابات مجلس الشعب، أو انتخابات الرئاسة.
وقد شهد القضاء المصري منذ تأسيس المحاكم المختلطة، ثم المحاكم الأهلية في القرن الـ19 موجات عدة من الازدهار والانحدار. ولكن، لم يكن هناك موجات من الانحدار، كالتي نعيشها الآن على مدار تاريخ القضاء المصري، اضمحلال وانحدار ناتج عن التوريث، فكما أن ابن الضابط لا بد أن يكون ضابطاً، بغض النظر عن الأهلية والكفاءة، أصبح لا بد، أيضاً، أن يكون ابن القاضي قاضياً، هو الآخر، بغض النظر عن أي أهلية، أو كفاءة، أو نزاهة.
وليس غريباً أن تجد طالباً فاشلاً، وقد أصبح وكيل نيابة، ثم قاضياً، لأن أباه القاضي أراد ذلك، وليس من الغريب أن تجد نسبة ضخمة من القضاة كانوا، في الأصل، ضباط شرطة، خرجوا من الخدمة، ليعملوا بالنيابة والقضاء، وليجاملوا ضباط الشرطة في القضايا المختلفة. ومن يتابع خطب وتصريحات الزند التي يعلن فيها عن انحيازاته السياسية، وإطلاقه الأحكام قبل إجراء أي تحقيق، يدرك جيداً أن عيّنة القضاء عينة إخوان أحمد الزند. فهذا الرجل الذي تطارده عدة قضايا فساد واستيلاء على أراضٍ يعمل على هدم مبدأ استقلال القضاء، منذ أن دفع به الحزب الوطني، قبل الثورة، لمواجهة تيار الاستقلال وفكرة استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية، فالزند يعلن، دائماً وبوضوح، أنه ضد أي إصلاح في المنظومة القضائية التي تعاني من مشكلات كثيرة متراكمة، تؤدي إلى العدالة البطيئة، أو الظلم الصريح أحياناً، بجانب عدم الاستقلالية الفعلية للسلطة القضائية عن السلطة التنفيذية.
أصبح معظم القضاة، الآن، من عينة إخوان أحمد الزند الذين تربطهم مصالح بالسلطة التنفيذية وباقي أجهزة الدولة، أصبح هؤلاء طائفة، لها مصالحها التي تدافع عنها ليس أكثر، وأحذر من التعليق على أحكام القضاء، حتى لو كانت ظالمة واضحة الظلم، وأحذر من مجرد التلميح لفساد المنظومة والإجراءات أو فساد بعض القضاة، فعقوبة إهانة القضاء جاهزة، ومسلطة على رقاب الجميع.
"ليس من الغريب في مصر أن يكون القضاء ظالماً، ومنحازا للسلطة الفاسدة"أصبح ليس من الغريب أن تأخذ محكمة أول درجة، ثم محكمة الاستئناف، ثم محكمة النقض، بتحريات الشرطة فقط، على الرغم من عدم وضوح المصادر التي قد تكون خيال ضابط المباحث، أو أن تستمع لشهادة شهود مسجلين بقضايا سرقة واغتصاب، ويعملون مرشدين لدى ضابط المباحث، ثم تتجاهل الفيديوهات التي تثبت عكس ما كذب الضابط وشهوده الذين كلفهم بالشهادة الزور.
ليس من الغريب في مصر أن يحصل حسني مبارك وأبناؤه ووزراؤه على براءة، على الرغم من أن الفساد كان واضحا، في حين أنه يتم معاقبة شباب الثورة، أو من يمارس حقه في التظاهر السلمي بأقصى العقوبة، وبالسجن لمجرد الاعتراض. ليس من الغريب في مصر أن يكون القضاء ظالماً، ومنحازا للسلطة الفاسدة، فهذا هو المتوقع من طائفة إخوان الزند التي تتشابك مصالحها مع السلطة التنفيذية، ومع المؤسسة العسكرية. ولكن، متى يمكن إصلاح المنظومة القضائية، لكي يتم تحقيق الاستقلال وتحقيق العدالة ومواجهة الفساد؟ ربما في الأجيال القادمة التي ستجد الأسباب نفسها لثورة 25 يناير لا تزال مستمرة، وربما تكتشف أن هناك تحالفا بين المنظومة القضائية والسلطة التنفيذية، تحالف مصالح لعرقلة نتائج الثورة، ولعرقلة أي إصلاح في أي مجال.
ت
شريف ابو المجد – أفكار حول تجديد الدعوة
أفكار حول تجديد الدعوة
لمواكبة التغيير الهائل الذي يحدث في القرن الخامس عشر
مقدمة
قاد الصحوة الإسلامية في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي وبداية القرن العشرين مجموعة من العلماء المصلحين الذين سخرهم الله تعالى لإخراج الأمة الإسلامية من سباتها الذي دام قرونا , ومن تخلفها الذي جعلها في ذيل الأمم , ومن بعدها عن الفهم الصحيح للإسلام الذي جعلها تتخبط في الجهل حتى لو التزمت بدين ربها .
فقاد الأفغاني ومحمد عبده الدعوة للتغيير
وقاد رشيد رضا والرافعي نشر العلم والتنوير
وقاد البنا وإخوانه المنهج العملي للتغيير
وتميزت دعوة البنا بالجانب العملي الذي يعتمد على قاعدة فقهية معروفة وهي "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" , فطالما أن الباطل له دول ومؤسسات ومراكز وجمعيات فلا بد أن يكون للحق جماعات وأحزاب ومؤسسات تواجه هذا الباطل , ولن يكفي العمل الفردي أو جهود بعض العلماء قليلي العدد , فالباطل استشرى , والبعد عن لب الإسلام وفهم أهل السنة والجماعة استفحل , ولا بد من جماعة أو جماعات تعد الأفراد بالتربية , وتوفر الموارد بالعمل , وتتحرك وفق خطة بدأب لكي تعود هذه الأمة لدينها الصحيح وتستسلم لربها وتتبع سنة نبيها (صلى الله عليه وسلم) .
وكان من توفيق الله للإمام البنا أن فقه أن هذه الجماعات والمؤسسات العاملة للإسلام لا بد أن تقوم على ركنين ركينين : الفهم والتربية ، فالفهم يسبق الإخلاص والعمل , لأن من يعمل في حقل الإسلام لو كان فهمه قاصرا أو مخلوطا فإن إخلاصه سيؤدي إلى عمل ضرره أكبر من نفعه ( والشواهد حولنا كثيرة وواضحة ) , والتربية لا بد منها لإعداد الرجال الذين تحتاجهم العودة للتمكين لهذا الدين , ليوضحوا للناس حقيقته وعظمته , ويدعوهم لنصرته , فقد يتغير فكر المرء بالقراءة أو سماع الدروس وحضور المحاضرات , ولكن سلوكه لن يتغير إلا بتربية عميقة متأنية , وهذه حقيقة عملية يؤكدها علماء التربية بالجامعات .
وكان من توفيق الله له أيضا أن أنشأ جماعة قائمة على فهم أهل السنة والجماعة ، وجعل لهذا الفهم أصولا عشرين , تصلح لأن تكون دستورا ثقافيا للوحدة بين المسلمين , كما قال شيخنا الجليل الإمام محمد الغزالي في كتابه الذي يحمل نفس الإسم , ووفقه أن جعل للتربية في هذه الجماعة محاضنها ومناهجها ومستوياتها , حتى يصل الأخ إلى مرتبة الإخ العامل لهذا الدين , بكل ما يتطلبه ذلك من إخلاص وعمل وجهاد وتضحية .
واجتهد الإمام البنا أقصى الإجتهاذ البشري في تطوير أساليب عمل هذه الجماعة التي أنشأها في الإسماعلية سنة 1928 , ويظهر هذا الإجتهاد في رسائله ودروسه وخطبه التي كان يلقيها حتى فبراير 1949 (عندما استشهد) , وبالذات في خطبته في المؤتمرين الخامس والسادس , وكان إجتهاده – كأي إجتهاد بشري – متأثر بالظروف والأحوال والمناخ السائد في ثلاثينيات القرن العشرين , حيث كانت مصر محتلة من الإنجليز , ولا توجد دولة اسمها اسرائيل , ولا قوة عظمى اسمها الولايات المتحدة , ولم تظهر بعد قوة البترول في الخليج...... إلخ , ورغم أننا نعتقد أنه مجدد القرن الرابع عشر الهجري إلا أن فكره وأساليبه والخطط التي اقترحها تظل محكومة بما كان سائداً عندما كتبها أو قالها من ظروف محلية وعالمية , وهل آن الأوان لتحديثها وإضافة الكثير إليها لتواكب التغيير الهائل الذي حدث منذ ثمانين سنة وإلى الآن ؟ , أعتقد هذا .
فما هي متطلبات هذا التحديث ؟هناك الكثير , ومنها الآتي :
1) حجم وسعة التغيير الهائل محليا وعالميا .
2) حاجتنا إلى مؤسسات كثيرة للتنوع الكبير في المجالات والزيادة الكبيرة في الأعداد .
3) ثورة الإتصالات والمواصلات وانتشار الإنترنت انتشاراً كبيراً.
4) التأثير الجبار للمال والإعلام وضرورة توظيفهما دعويا .
5) الحضور القوي للإسلام عالميا , ومحاولة إلصاق تهمة الإرهاب به للحد من انتشاره .
6) ظهور قوة الشباب والمرأة – وبالذات بعد الإنقلاب – وزيادة فاعليتهما بحيث لا يمكن التعامل معها كما كان في السابق.
7) زيادة عدد المسلمين في أوروبا وأمريكا وتأثيرهم المستقبلي الكبير على سياسة هذه الدول.
8) التغيير الكبير الذي حدث في العالم الإسلامي وتأثير ثورات الربيع العربي .
9) الحاجة الماسة للإنفتاح على الآخر وبالذات في ضوء الاستقطاب الحاد الذي حدث في مصر.
10) التحدي الضخم نتيجة الغزو الثقافي وانهيار ثقافة المصريين وقيمهم .
11) إنحسار حقبة الإستبداد السياسي عالميا في أغلب الدول , وإنهيار الإيديولوجيات (وبالذات الشيوعية).
12) الوضع الراهن للقضية الفلسطينية ووضع الصراع العربي الإسرائيلي وبُعده عن بؤرة اهتمام الشعوب العربية.
ولا شك أن نظرة واحدة لهذه القائمة تقنع المرء بضرورة التحديث الجذري – وليس التجميلي أو الثانوي- الرسالة والخطة الإستراتيجية التي وضعها مؤسس هذه الدعوة منذ ثمانين سنة , في ظروف مختلفة تماما عن الظروف الموجودة الآن محليا وعالميا , ولزيادة وضوح متطلبات التحديث سنتناول كل منها بشئ من التفصيل :
أولا : متطلبات التحديث المطلوب :
1- حجم وسعة التغيير الهائل محليا ودولياً
من الناحية التقنية والمادية يقول العلماء أن كل التقدم الذي حدث من لدن آدم (عليه السلام ) حتى بداية القرن العشرين حدث مثله – تقريبا – في القرن العشرين وحده , أي في مائة عام فقط , وسيحدث مثله مرة ثانية في أقل من نصف هذه المدة , هذا تغيير هائل جدا , ويتم بسرعة كبيرة جداً ومظاهر هذا التغيير يمكن تلخيصها في كلمتين : ثورة الإتصالات والسماوات المفتوحة والعولمة , أو كما يضعها توفلر(1) في كلمة واحدة : الموجة الثالثة , فهو يقول أن العالم تاريخيا مر بموجتين : زراعية ثم صناعية , ولكل منهما خصائصها , والعالم يمر ألآن بموجة ثالثة لها خصائص مختلفة كثيرا عن الموجة الصناعية , إلى هذا الحد يجب أن ننظر إلى التغيير السريع الهائل الذي يحدث حولنا , وفي ثلاثينيات القرن العشرين عندما وضع المؤسس رؤيته وحدد رسالته لم تكن ملامح هذا التغيير قد اتضحت بعد .
2- حاجتنا إلى مؤسسات كثيرة للتنوع الكبير في المجالات والزيادة الكبيرة في الأعداد
إن التخصص الذي أضحى سمة العصر , بالإضافة إلى التنوع الكبير في المجالات يظهر حاجاتنا الماسة إلى مؤسسات إعلامية ( منها ما يجب أن يركز على الإنترنت أساساً ) ومؤسسات مالية عالمية , ومنظمات المجتمع المدني (NGO”s) قوية وفاعلة , ومؤسسات تدريبية لإعداد الكوادر المطلوبة للحكم المحلي , ومؤسسات تعليمية بأعداد كبيرة (كما حدث في تركيا حيث أنشأت جمعية النور ألف مدرسة ) , ومؤسسات ثقافية نغطي كل المجالات الثقافية والفنية وبالذات السينما والتلفاز .
كما أن الدخول في السياسة يحتاج إلى اعداد كوادر سياسية , و إلى العمل الحزبي ( الذي لا يرتبط بالعمل الدعوي إرتباطا عضويا ) , ويحتاج إلى مؤسسات للدراسات والتفكير وإعداد الرؤى الإستراتيجية التي على أساسها ستبنى الإحزاب استراتيجيتها ( كما فعل حزب أردوغان في تركيا ).
كما أن الزيادة الكبيرة في الأعداد ( أكثر من مليون منتظم , وخمسة ملايين في المراحل المختلفة , وإثني عشر مليون مؤيد ) يحتاج مؤسسات تربوية تستوعب هذه الأعداد وتحسن إعدادها , كما أن المؤسسة الإدارية نفسها تحتاج إلى تحديث كبير طبقاً لأحدث نظريات الإدارة ليمكنها إدارة هذا العمل الضخم .
3- ثورة الاتصالات المواصلات والإنترنت
في القرن العشرين كان لبعض الإختراعات تأثير هائل على البشر , مثل إنتشار السينما والتليفيزيون ثم الإنترنت , وزاد تأثير الإنترنت في القرن الحادي والعشرين زيادة لا مثيل لها في التاريخ , وهذه الشبكة توفر محيطا ( وليس بحرا فقط ) من المعلومات , وسهولة بالغة في الإتصال بين البشر , ونشر هائل للثقافة والمعرفة لم تعهده البشر من قبل .
إن التأثر الهائل والواسع للإنترنت لم يزل في بدايته , وسوف يحس المصرييون بتزايد تأثيره في العشر سنوات القادمة زيادة ضخمة جدا , ولعل الدعوة إلى التظاهر التي أشعلت شرارة ثورة يناير 2011 المباركة عن طريق الإنترنت أعطت بداية الإحساس بالتأثير الهائل الذي سيكون لهذه الشبكة في مصر والعالم .
أما تأثير الإنترنت على الدعوة فحدث ولا حرج , فالدعوة أساسا هي التواصل مع الناس كلهم ودعوتهم , ويقول تعالى في سورة الأعراف " قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ......" (الاعراف : 158) ، فلابد أن ندرك أن واجب الدعوة موجه للناس جميعا , والآن منَّ الله علينا بوسيلة يمكن أن نصل بها إلى كل الناس في كل أطراف المعمورة , ولأن الله منَّ علينا بهذه الوسيلة فهو سبحانه لا بد أنه سيسألنا ماذا فعلنا بها , وكيف استخدمناها للوصول للناس جميعا , لأننا أتباع الرسول ويقول تعالى " قل هذي سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني " (يوسف : 108) , فلا بد أن ندعوا إلى الله على بصيرة كل الناس في كل مكان على الأرض , والإنترنت يوفر هذا على نطاق عالمي وبسهولة بالغة , مما يجعل النساء والفتيات قادرات على القيام بواجب الدعوة من راحة ودفء منازلهن والوصول للآلاف ( أو ربما مئات الآلاف ) من السيدات والفتيات ليس في مصر وحدها وإنما في العالم أجمع , وقد كان تأثير الإنترنت وغيرها من وسائل ثورة الإتصالات هو الذي دعى شيخ الإسلام الدكتور يوسف القرضاوي إلى أن يقول أن وصف دار الحرب ( مقابل دار السلام) لم يعد قابلا للإطلاق إلا على دول محدودة جدا , لأن باقي الدول تسمح بالإنترنت وإنشاء المساجد ومن ثم فهي تسمح بالدعوة داخلها , وتعطي المسلمين عهودا عند القدوم إليها ( تأشيرة الدخول ) , كما جعلته يرجح أن فتح روما لن يكون بالسيف وإنما بدخول غالبية الإيطاليين ( أو أكثر من نصفهم) في الإسلام , ولعل الأيام تثبت صدق حدسه , وليس في إيطاليا وحدها وإنما في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا كذلك حيث أصبح المسلمون بالملايين .
ولا شك أن وسائل الإتصال الحديثة (والإنترنت على رأسها ) تمثل وسيلة ميسرة وفعالة جدا في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام , وفي دعوة المسلمين في الغرب إلى الفهم الصحيح للإسلام , ولا شك أن الله سائلنا إن لم نحسن إستغلال هذه الوسيلة , والإنترنت لم يكن قد تم اختراعه أيام البنا , فهل إنتشاره هذا الإنتشار الهائل لا يؤثر على رسالة الجماعة وخطتها ووسائلها ؟ , لا شك أن له تأثير بالغا
والعالم أصبح قرية صغيرة , وما يحدث في أي بقعة في العالم يعرفه باقي العالم في نفس اليوم ويتأثر به , ولا شك أن بكاء رئيسة الأرجنتين على ما كان يحدث في غزة إبان العدوان الإسرائيلي الأخير , ونزول رئيس شيلي وزوجته في المظاهرات ضد البلطجة الإسرائيلية وقطع فينزويلا العلاقات مع إسرائيل واعتبارها دولة إرهابية يدلل على قوة التأثير المتبادل , فلو نجح الإسلاميون في إقامة الدولة النموذجية القائمة على مبادئ الإسلام من خير وعدل ورحمة لانتشر الإسلام في العالم إنتشار النور عند الفجر , ولذلك يتكتل أعداء الإسلام لإشعال الحرائق في العالم العربي قلب الإسلام , ويحاولون تأخير قيام هذا النموذج ويحاولون إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام ليوقفوا إنتشاره في أوروبا وأمريكا , ولا شك أن ثورة الإتصالات (الحديثة نسبيا ) ستأثر تأثيرا بالغا على خطة الحركة الإسلامية في العالم كله في المستقبل.
4- التأثير الجبار للمال والإعلام وضرورة توظيفهما دعويا .
المال هو عصب الحياة , ولا يمكن أن تستمر أنشطة الدعوة قائمة على التبرعات وعلى إشتراكات أعضائها , ولا بد من مؤسسات مالية عالمية تكافئ حجم العمل الدعوي المطلوب واحتياجاته , فالدعوة في حاجة إلى مؤسسات تعليمية وثقافية وتدريبية , وكلها تحتاج إلى تمويل ضخم , وإذا علمنا أن ميزانية الفاتيكان في الستينات كانت ثالث أكبر ميزانية في العالم بعد ميزانيتي الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي لأدركنا حجم الإنفاق على التبشير وعلى الحرب على الإسلام , ولا بد من يواجه هذا الجهد ولو بجهد يكافئ عشرة بالمائة منه .
أما الإعلام فلا يمكن أن نوفَّيه حقه من الإهتمام مهما تكلمنا عنه , فالدعوة إعلام , وإعلام الدولة والفلول كان له الدور الأكبر في شيطنة الإتجاه الإسلامي , وتحويل الرأي العام ضده , ولولا غباء العسكر والقضاء لنجحوا في تشويه صورته لأن الإعلام المقابل تم غلقه , ولا بد من إعلام يصعب اغلاقه لإطلاع الناس على الحقائق , وهذا يحتاج إلى تمويل ضخم وكفاءات يجب أن يبدأ إعدادها من آلان , ولو تأملنا تأثير محطة فضائية قائمة على جهد عائلة أردنية واحدة , وبعض أصداقائهم ومعاونيهم - على أطفال العالم العربي كله لأدركنا كم سيكون تأثير الإعلام على النشء لو كانت هناك عشرات المحطات الفضائية المماثلة , ومئات الأفلام والمسلسلات التاريخية والدينية , ( والاجتماعية والسياسية ) .
ولا شك أن محطة الجزيرة كان تأثيرها الإخباري عظيما – سواء في مصر أو باقي الوطن العربي – في ظل إعلام يزيف الحقائق , ومنحاز إلى المستبدين , هدفه نشر الفاحشة , ولا شك أيضا أن البديل الإسلامي – وبالذات قناة مصر 25 – لم تكن على مستوى القنوات الرسمية أو قنوات الفلول , وقيل أن السبب مالي في المقام الأول , وعدم وجود كوادر محترفة في المقام الثاني , ولا بد أن تتضمن الخطة المعدلة تركيزا على الإعلام تدريبا وتأهيلا ودعما ماليا , حتى نبلغ دعوة ربنا بأقصر الطرق إلى قلوب المدعوين .
5- ظهور قوة الشباب والمرأة وزيادة فاعليتهم
إن الدعوة للتظاهر في 25 يناير 2011 كان أساسها شباب من مختلف الاتجاهات , وكان سببها الاعتداء على الشاب خالد سعيد بالإسكندرية , وكان جل المتظاهرين يوم الخامس والعشرين من الشباب , صحيح أن كل فئات المجتمع نزلت يوم 28 يناير في مظاهرات غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديث إلا أن الشباب كانوا هم شرارة الثورة ووقودها , وكان دور الشباب في ثورة يناير واضحا لدرجة أن د/ عصام شرف أول رئيس وزراء اختاره الميدان حاول الاستعانة بمجموعة منهم اعترافا بدورهم في هذه الثورة المباركة .
وازداد دور الشباب وضوحا بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013 , فكانوا هم أكثريه المعتصمين في ميداني رابعة والنهضة , ثم منذ الفض وهم جل المتظاهرين وأصحاب المسيرات ,وطبعا دور الشباب في الجامعات واضح لكل ذي عينين كما أن دور الأخوات كان واضحا من يوم الجمعة 28 يناير حتى يوم 11 فبراير عندما ترك الشعب المصري الميدان بعد أن فوض المعزول المجلس العسكري بإدارة البلاد , ثم شاركوا مشاركه فعاله في الاعتصامات , وقتل منهم من قتل أثناء الفض ثم شاركوا بقوه في كل المسيرات والمظاهرات بعد ذلك والى الآن , وذلك بالإضافة إلى تحملهن الدور الأكبر في رعاية وزيارة المعتقلين الذين تعدوا الخمسين ألفاً .
والمشاركة الواضحة للشباب والنساء في كل الفعاليات , وبالذات في الفترة الأخيرة أدى إلى تعاظم دورهم , وأدى إلى أن العودة إلى ما قبل يناير 2011 من تهميش لدور الشباب والمرأة أصبح غير ممكن ولا مطلوب , وسوف يكون لهم نصيب واضح في المناصب الإدارية داخل الجمعية / الجماعة والأعمال المجتمعية والدعوية بعد انحدار الانقلاب – قريبا بإذن الله .
6- الحضور القوي للإسلام عالميا , ومحاولة إلصاق تهمة الإرهاب به للحد من انتشاره .
بعد سقوط الإتحاد السوفيتي أعلن المنظَّرون والساسة الأمريكيون أن الخطر القادم هو الخطر الأخضر (الإسلام) , ولكي تستمر مصانع الأسلحة الأمريكية في الإنتاج , ولكي تزداد موازنة التسليح الأمريكية لخدمة مصالح رجال المال اليهود بدأت حملة شعواء ضد الإسلام عالميا , وكتب هننجتون كتاب " صراع الحضارات " لينظَّر للحرب على الإسلام , وأعلن بوش الإبن أن من حق أمريكا مطاردة الإرهاب في أي مكان وضربه دون استأذان للدولة التي سيضربه فيها في بلطجة غير مسبوقة في التاريخ .
ووصل الأمر بالمخابرات المركزية الأمريكية إلى التضحية بآلاف الأمريكيين في حادث 11سبتمبر 2001 الشهير , عندما اصطدمت طائرتان بأبراج التجارة العالمية , ولم يذهب كل الموظفين اليهود لعملهم في البرج في ذلك اليوم , كما وصل الأمر بالرئيسين الأمريكي والبرطاني إلى الكذب الصريح على وجود أسلحة الدمار الشامل يملكها صدام حسين لتبرير الغزو الأمريكي للعراق .
وصدر المبدأ الأمريكي " من ليس معنا فهو ضدنا " لحشد التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب , وكل هذه الهستيريا في الحرب على الإسلام ومحاولة إلصاق الإرهاب به – رغم بعض الاعترافات الغبية من تنظيمي القاعدة وداعش – دليلا على خوف حقيقي من الحضور القوي للإسلام عالميا , وحتى الحوادث الإرهابية أدت إلى مزيد من الإهتمام بالإسلام في اوروبا وأمريكا , وانقلب السحر على الساحر كما يقولون , فزاد إقبال الإمريكيين والأوربيين على قراءة القرآن وكتب الدين الإسلامي . وزاد دخول الأوروبيين في الإسلام زيادة كبيرة .
ولما وصلت الجاليات المسلمة إلى ما يقارب ثلاثة عشرة بالمائة في بعض الدول الأوروبية زاد الإحساس بالخطر , لأن معدل المواليد عند المسلمين الأوروبيين من 4-5 أطفال لكل أسرة , أما الألمان فالمعدل لديهم 1.1 طفل لكل أسرة من شخصين , وفي فرنسا المعدل 1.2 , ولذلك فتعداد الألمان نقص في العشرين سنة الأخيرة , وفي نفس الوقت نجد أن أعداد المسلمين في ازدياد مستمر , حتى أن رئيساً فرنسياً قال يدافع عن قانون غطاء الرأس واعتباره رمزا دينيا إننا آلان أغلبية ونفعل ما نريد , وعندما يصل المسلمين إلى النصف في فرنسا – في حدود ثلاثين سنة كما قال – فمن حقهم عندئذ أن يفعلوا ما يريدون .
7- زيادة عدد المسلمين في أوروبا وأمريكا , وتأثيرهم المستقبلى الكبير
إن أعداد المسلمين في أوروبا وأمريكا في تزايد مستمر , سواء بسبب الهجره او كثره المواليد أو دخول أهل البلاد في الإسلام , فيقدر عددهم في فرنسا بسته ملايين ,وفى كل من بريطانيا وألمانيا بخمسه ملايين , وفى إيطاليا أربعة ملايين , وفى الولايات المتحدة وصل عددهم إلى ثمانية ملايين ليفوقوا عدد اليهود , ويصبحوا ثانى اكبر ديانه في امريكا , وحيث ان معدل المواليد بين المسلمين في أوربا من أربعة إلى خمسة أولاد في الأسرة مقارنة بالمواليد بين الألمان في ألمانيا 1٫1 للأسرة وفى فرنسا 1٫2 لأسرة , فمن المتوقع ان تزيد نسبتهم من النسب الحاليه 5-10 % إلى حوالى الثلث في عقدين من الزمان , وتوقع الرئيس الفرنسي السابق أن يصلوا إلى النصف في ثلاثة عقود أو أكثر قليلاً .
ولابد أن تولى الحركة الإسلامية اهتماماً كبيراً بالمسلمين في هذه الدول ليس فقط لتزايد تأثيرهم على اختيار قادة هذه الدول , ولكن لحاجتهم إلى الرعاية والتوجيه لزيادة معرفتهم بدينهم وزيادة ارتباطهم به وزيادة ارتباطهم بدولهم الأصلية , وسوف تجنى هذه الدول فوائد جمة نتيجة حياة أبنائها في دول العالم الأول , حيث يتعلمون نواحى التقدم التقنى , ويمارسون الاخلاق والصفات اللازمة للنهضة من إتقان في العمل والتزام وجودة وجدية , ويصبحون مددا لدولهم , ومعين لا ينضب من الخبرات , وقد نبه الدكتور القرضاوى في كتابه القيم " أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة " إلى ضروره الاهتمام بهم منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً , لما سيكون لهم من تأثير مستقبلى كبير على دول كانت وما تزال مصدر الخطر الأكبر والاستعمار والاستغلال للعالم الإسلامي , ومجرد تحييد الاتحاد الأوروبى – حتى ولو لم نستطع تحييد الولايات المتحدة – في الصراع العربي الإسرائيلي سيكون مكسباً كبيراً , بالإضافة إلى تحويل الدعوة المشبوهة لصراع الحضارات إلى تفاعل الحضارات وتعاونها.
8- التغيير الكبير الذى حدث في العالم الإسلامي , وتأثير ثورات الربيع العربى
إن نظرة سريعة إلى أوضاع العالم الإسلامي في ثلاثينيات القرن العشرين والآن تبيَّن التغيير الكبير الذى حدث لأغلب الدول , فقد كانت اغلبها تحت الاحتلال الاجنبى , وكانت كلها متخلفة حضارياً ولا تملك من أمر نفسها شيئ , اما الان يمكن تقسيم موقف هذه الدول إلى أربعة مجموعات :
1- مجموعه حققت تقدما كبيراً في التعليم والصناعة وأصبحت في مصاف الدول المتقدمة مثل ماليزيا وتركيا , وتحاول اندونسيا اللحاق بهما .
2- مجموعه الدول النفطية التى تراكمت لديها عائدات النفط , ولا يبقى إلا أن تفهم شعوبها دورها الحضارى والاسلامى لتكون قوه كبيره دافعه للعالم الإسلامي .
3- مجموعه حققت خطوات في طريق النهضة والديمقراطية , وإن كان مازال أمامها الكثير لتحققه مثل تونس والجزائر والمغرب والاردن .
4- مجموعه مازالت ترزح تحت الاستبداد العسكري أو الملكي , أو اشتعلت فيها الحرائق بعد ثورات الربيع العربى او بفعل الامبرياليه العالميه , مثل مصر والعراق وسوريا ولبيا واليمن والمملكه السعوديه .
وعلى الحركة الإسلامية دوراً تنويراً كبيراً لدفع المجموعات الثلاث الأخيرة وتوعيه شعوبها بما يريده الله منها , وبدورها لعودة العالم الإسلامي إلى مكانته الطبيعية في صدارة الأمم , ومساعدتها في أن تصحح نظرتها وتستعيد عافيتها , وتبدأ السير في طريق الديموقراطية والنهضة , مستنيرة بقرآنها وسنه نبيها , ولابد ان تراعى الحركه الإسلامية السنن الكونيه مثل :
1- التدرج : وهو تحقيق التقدم خطوه بخطوه .
2- التغيير : وهو أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
3- الأخذ بالأسباب : وإتباع الأسباب (كل الأسباب) كما اوضحت اواخر سوره الكهف
4- صعود وسقوط الحضارات : وان سبب الصعود والسقوط هو سبب داخلى اساسا " أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا , قل هو من عند انفسكم " (آل عمران : 165).
5- التمكين : وأسباب التمكين من وصول القيم والممارسات في جيل التمكين إلى ان يكون هو جيل النصر المنشود , وان الابتلاء والتمحيص يسبق التمكين ..الخ
ولابد أن تراعى الحركة الإسلامية في قطر من الأقطار – وفى مصر بالذات ــ هذا البعد العالمي , وأن تضع إستراتيجيتها على أساس استراتيجيه مصر كدولة , يراعى فيها البعد الجغرافى (عبقرية المكان ) والبعد التاريخى ( أن مصر كانت دائماً وستظل هي التي تقود العالم العربي في وجه أشد المخاطر التى واجهته ) , وتأثير مصر الذى لا ينكر في محيطها العربى ثقافيا وسياسياً وتعليمياً وحضارياً , ولابد من الاستفادة من التجربة التركية التى تحقق بها المركز السادس عشر في ترتيب الدول اقتصادياً على مستوى العالم , والاستفادة بالثروات النفطية الهائلة في دول الخليج , والثروات الطبيعية : زراعية وتعدينية في كثير من الدول الإسلامية وبالذات السودان وأفغانستان .
9- الحاجة الماسة إلى الإنفتاح على الآخر وخاصة في ضوء الاستقطاب الحاد الذى حدث
إن الاستقطاب الحاد الذى نجح الانقلابيون في تغذية روافده واللعب على أوتاره في وسائل الإعلام المملوكة للدولة وللفلول على حد سواء ينذر بعواقب وخيمة , وقد كان توجيه الإمام البنا لأتباعه هو القاعدة الذهبية التي وضعها الأســتاذ رشــيد رضا " نعمل فيما اتفقنا فيه , ويعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا فيه " , ورغم ذلك فالممارسة لم ترق إلى مستوى هذه القاعدة الذهبية , وقد ساعدت بعض ممارسات أعضاء الحركة في نجاح الانقلابيين في نشر هذا الاستقطاب في المجتمع , ولاشك ان الحركة الإسلامية الآن في حاجة ماسة – أكثر من أى وقت مضى – إلى خطاب مختلف , توجهه وتستطيع التواصل به مع الفئات المختلفة في المجتمع :
رجال الأعمال ــ العمال والفلاحين – الليبراليين والمثقفين – أهل الفن – العاملون في السياسة وهم أخطر وأهم هذه الفئات .
ولاشك أن ثقافة الانفتاح على الآخر تبدأ من تربية النشء المسلم , وقد أُظهرت الممارسات التي تمت بعد ثورة يناير , وبالذات بعد الانقلاب أننا بحاجة إلى تغيير جذري في تربية الأفراد " لإعادة صياغة الشخصية الإخوانية " القادرة على الانفتاح مع الآخر, والتعاون والتآزر مع أبناء الوطن – من غير الإسلاميين - لما فيه تقدم وازدهار هذا البلد المسكين .
إن استمرار هذا الاستقطاب الحاد لن يفيد منه إلا أعداء الإسلام وأعداء الأمة في الداخل والخارج , ولكن إنهاؤه لن يكون بالأمانى والخطب والمقالات إنما بتغييرات جذريه في مناهج التربية تؤدى إلى :
- انفتاح على ثقافات الآخرين – وبالذات فى ضوء أن الدعوة أصبحت عالميه عن طريق الانترنت – فلابد من قراءه ما لدى الثقافات الأخرى والتواصل مع أبنائها ثقافيا
- تغيير في الأطر العقلية بحيث لا يقوم افرادنا بتنميط الاخرين , ويصبحون قادرين على الاستماع إليهم بتعاطف وفهم وجهه نظرهم وصولاً إلى التعاون والتآزر معهم .
- تغيير في مفردات الخطاب , وإزالة كل ما هو إقصائي أو أننا لا نحاور القوم حتى يعلنوا موافقتهم على أن الحاكمية لله , وإزالة كل ما له علاقة بالعزلة الشعورية والمفاصلة وكل هذه المفردات التى طرحها الشهيد سيد قطب والأستاذ المودودى وساعدت في الوصول إلى الحالة الراهنة .
10- التحدي الضخم نتيجة الغزو الثقافي , وانهيار ثقافه المصريين وقيمهم :
عندما وقف وزير الثقافة السابق الذي يحب المثليين وقال في مجلس الشعب أن دور وزاره الثقافة هو تغيير وجدان الشعب المصري أدرك كل غيور على دينه أن هذا التغيير سيكون في اتجاه انهيار القيم الأساسية , وإذا اخترنا أهم عشر قيم أساسية في المجتمع وعقدنا مقارنة سريعة بين هذه القيم العشرة أيام الإمام البنا وفى أيامنا هذه لأدركنا بوضوح ان هناك تراجعا ملحوظا فيها كلها , فكيف نصل إلى هدفنا في المرتبة الثلاثة ــ وهى مرتبه إرشاد المجتمع ــ إذا كنا لا نقترب من تحقيق هدفنا في تحسين قيم المجتمع , أو جعلها أكثر قرباً من القيم الإسلامية , فإذا كنا نبتعد عن الهدف فكيف سنصل إليه , لن نصل إليه أبداً .
ولذلك فلابد أن يقف علماء الاجتماع مع العلماء الشرعيين وقفة جادة لتحديد أسباب استمرار تباعد القيم الأساسية عن الإسلام , وكيفيه التغلب على مكر الليل والنهار الذى يمارسه أعداء هذه الأمة في الداخل والخارج , مما أدى إلى هذا الغزو الثقافى .
ولاشك أن امتلاك هؤلاء الأعداء لناصية الإعلام المرئي والمسموع (السينما والتلفاز والراديو) والإعلام المقروء ( الصحف والكتب – والآن الإنترنت كذلك ) سبب قوي في هذا الغزو الثقافي , وفى استمرار تباعد الأمة عن قيمتها الإسلامية , ولاشك أن ضعف الحركة الإسلامية في المجالين الثقافي والإعلامي سبب قوى أيضا , ولابد من دراسه جاده لكل الاسباب , وسبل مواجهتها لوقف انهيار القيم , ومحاوله الوصول إلى تحسين قيم المجتمع وصفات النهضه التى لابد من توافرها في أي شعب لكي ينهض .
والغزو الثقافي ليس قاصراً على البعد عن القيم الإسلامية الأساسية وإنما يحاول أيضاً نشر الفاحشة , ورغم التأثير القوى للسينما والتلفاز في ذلك إلا أن تأثير الانترنت فاق أى تأثير أخر على مر التاريخ , فالفاحشة تتسلل الآن إلى بيوتنا , ويراها أبنائنا وبناتنا مجانا , وهى لست في ثوب فنى (كالسينما والتلفاز) وتخضع لرقابة الدولة ( مهما كان رأينا فيها ) انما هى جنس صريح , ووسائل اتصال بأعوان الشياطين , وإغراءات ليس لها مثيل من قبل , ولا نجاه من هذه الكارثه الا بالتحصين , ولذلك فلابد من تبصير الآباء والأمهات بهذه الكارثة المحققة , ودعوتهم للإحساس بمسؤليتهم عن أولادهم وبناتهم , ومساعدتهم في وقايتهم لأن الوقاية خير من العلاج .
ولاشك أن هذا تحدى ضخم جدا يواجه الحركة الإسلامية , ولم يكن له وجود إطلاقاً أيام الإمام البنا , ويحتاج إلى تضافر جهود كثير من العلماء والمربين والاعلاميين , لان الشيطان دخل إلى كل بيت ليفسده , حتى أظن أن هذه إحدى صور فتنة المسيخ الدجال , والتي هى اكبر فتنه ستواجه البشر , والتى لم يترك نبى قوم والا حذرهم منها .
11- انحسار حقبة الاستبداد السياسي عالمياً وانهيار الأيديولوجيات :
لم ينتهى القرن العشرين الا وقد حدث أمرين فارقين في تاريخ البشرية , أولهما انهيار الاتحاد السوفيتى وتخلى الصين عن الشيوعية وإتباعها اقتصاد السوق , والأمر الثاني إنحسار حكم العسكر عن كل اوروبا وكل امريكا اللاتينيه , وكل اسيا ماعدا تايلاند , ولم يبق إلا بضع دول في إفريقيا , كما اتجهت جل الدول للديمقراطية كنظام للحكم , ماعدا الدكتاتوريات العسكرية والنظم الملكية المستبدة , وهى أيضاً إلى زوال في اقل من عقد من الزمان – ان شاء الله .
ولذلك كتب فوكوياما كتابه " نهاية التاريخ " (2) , على أساس أن النظام الليبرالي الرأسمالي انتصر , وان العالم كله سيصبح متماشيا معه , ولكنه نسي ان " المستقبل لهذا الدين " (3) - ان شاء الله – ولكن كيف ؟.
أولاً : لابد أن تكون الحركة الإسلامية من المرونة بحيث تستفيد من النظام الليبرالى الرأسمالى , حتى ولو كان الدستور علمانياً – إلى حين – كما فعل أردوغان , أما أن تصادم نواميس الكون كما فعل أربكان فقد اكتشف أنها غلاَّبة , ولذلك يحاول أردوغان الاستعانة ببعضها على البعض الآخر.
ثانياً : لابد أن تتوقف الحركة الإسلامية عن الجدل العقيم حول هل الشورى أكثر قرباً للإسلام أم الديموقراطية , فالعبرة بالمسميات لا بالأسماء , والنظام الليبرالي الذى يوفر حرية الاعتقاد وحرية الدعوة للكل المفروض أن يكون هو الأمثل للحركة الإسلامية إن أحسنت استغلاله , ولابد أن ندرك أن أعداء الإسلام يغذون أفكار التطرف في العقل المسلم لأنهم يعرفون أن أقوى مافى هذا الدين هو وسطيته , ولكن كثيراً من أبناء الحركة الإسلامية لا يدركون هذا .
ثالثاً : ليت الحركة الإسلامية لا تحارب طواحين الهواء , فالشيوعية انهارت كأيديولوجيه إلى غير رجعه , والنظام الليبرالي الديمقراطي ليس بينه وبين النظام الإسلامي إلا تحسينيات , ودائما ما تُجر الحركة الإسلامية إلى معارك جانبية , ودائماً ما تتصور أن تطبيق الشريعة هى رأس الأمر وعموده وأنه لا مفاصلة في ذلك ، رغم أن هناك أمور أولى وأوجب , ولو عالجتها الحركة الإسلامية لكان الوصول إلى تطبيق الشريعة أيسر , ولكنها عقلية إما (كل شئ أو لا شئ) , وعقلية أننا لا نخاطب القوم ولا ندعوهم ولا نجادلهم حتى يعترفوا بالحاكميه لله , ولاحول ولا قوه الا بالله ، ليتنا نستفيد من النظام الليبرالي النيابي في تحقيق النهضة والتنمية كما فعل أردوغان , ثم نكون قد وصلنا إلى التربة الأصلح للتركيز على الشريعة وتطبيقها , أما الآن فلا يمكن أن نكلم الناس في تطبيق الشريعة وقد عضهم الفقر وداهمهم الجوع والحرمان , فعَّلوا فقه الأولويات يا أولى النهى يرحمكم الله .
12- الوضع الراهن للقضية الفلسطينية والتراجع الواضح لأهمية الصراع العربي الإسرائيلي :
إن فلسطين هى قضية العرب والمسلمين المركزية منذ قيام إسرائيل سنه 1945 – أو هكذا يجب أن تكون -, وقد اخذت المواقف العربيه تتراجع من إلقاء إسرائيل في البحر إلى اتفاقيه كامب ديفيد إلى التعاون الاقتصادي الآن , مازالت اسرائيل تضرب غزه ضربا وحشيا كل بضع سنين لأن حماس هى ممثل المقاومة الوحيد في العالم العربي كله , ولو اختفت حماس لاختفت معاني الجهاد والمقاومة والاستشهاد في سبيل الأرض والعرض .
إن الحركة الإسلامية موضوعه أمام معضلة يمثلها الوضع الراهن لقضية فلسطين ويراجعها عربياً , وهى بحاجه لفصل ما هو دعوى عن ما هو سياسي , لأن الأحزاب – حتى ولو كانت مرجعيتها إسلامية – مضطرة لأن تتمشي مع الاتفاقات والمعاهدات إلى أن تستطيع تغييرها , ولأن الصراع مع العدو الصهيونى صار ليس صراعاً مسلحاً فقط الآن وأصبح غير ممكن البعد عن الأخذ بأسباب القوه الأخرى مثل الإعلام , القوه الروحية ثم قوة الوحدة , وقوة الساعد والسلاح والتقنية الحديثة , وهذه لا يتحقق إلا بالنهضة , والنهضة والتنمية تحتاج إلى ثلاثة عقود من الاستقرار حتى تؤتى ثمارها , فكيف سيكون التعامل مع الكيان الصهيونى خلال هذه العقود الثلاثه ؟.
فإذا فصلت الحركة الإسلامية ما هو دعوى عن ما هو سياسي أمكنها أن تدعو الناس إلى الجهاد لإعداد العدة , جهاد بالمال والعلم والعمل , مع تأجيل الجهاد المسلح حتى نتم استعداداتنا ونستعيد وعينا بأهمية هذه القضية , وفى نفس الوقت تلتزم الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية بالعهود والمواثيق , ونعمل على الحصول على فتره استقرار لا تقل عن عشرين سنة , ولو بشروط مجحفة كما في صلح الحديبية تحقيقاً لمصلحة الدعوة في التقدم والنهوض , ولابد من معالجه لمشكله الفقر والمرض أولا , ثم تنميه حقيقة بعد ذلك تجعلنا لا نعتمد في أكلنا وكسائنا حتى سلاحنا على أعدائنا .
اسأل الله ان تكون متطالبات التحديث الجذرى لرؤية ورسالة وخطه الحركة الإسلامية قد أصبح واضحاً لكل ذى عينين , وأن لا نؤخِّر النقد الذاتى ودراسة ما نجحنا فيه وما أخفقنا فيه منذ البعث الثاني للجماعة (منذ أربعين سنة ) أكثر من ذلك , لأن الازدواجية ( الفعل – النقد ) هى ضمان نجاح العمل , وأن نقيس قياساً علمياً مدى اقترابنا أو ابتعادنا عن تحقيق مراتب العمل وأسباب ذلك هي سبيل تصحيح المسيرة , فندعم ما نراه جيداً ونصلح ما نراه كان سبباً في تأخير النصر وعدم الاقتراب من الأهداف .
متطلبات تحديث الدعوة باهرة الوضوح , والمبادرة إلى مراجعة ما تم وضعه من سبعين سنة أصبح واجباً لا يتم الواجب إلا به , فهيا إلى العمل لأنه يستغرق وقتا وجهدا ليس بالقليل كما سنوضح في الأوراق التالية .
أقول قولي هذا وأردد ما قاله مؤمن آل فرعون " فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله , إن الله بصيرٌ بالعباد " (غافر: 44)
استقبال طره - 15 فبراير 2015
المراجع :
1- " الموجة الثالثة " توفلر 1985
2- " نهاية التاريخ " لقوكوياما 1992
3- " المستقبل لهذا الدين " لسيد قطب 1985
شريف حشمت – مشاهدات الحقوقي شريف حشمت أثناء محاكمته عسكرياً “الجزء الأول”
بدأت مسرحية المحاكمات الاستثنائية التي أُقحمت فيها مؤسسة عريقة من مؤسسات الدولة في تصفية خصومة سياسية وأؤكد رفضي لمحاكمة المدنيين عسكرياً كما أتقدم بالشكر لكل من أعلن رفضه بقوة وجراءة ولم يبع مبادئه من أبناء البحيرة الشرفاء وأعلن رفضه لإحالة المدنيين للمحاكمة العسكرية وأعلن تضامنه ولو بكلمه لرفض هذه الممارسات
كل التقدير لكل زميل محام قد يكون اختلف معي فكرياً وأيدلوجياً وسياسياً ولكن أعلن تضامنه وعرض المساعدة والدعم القانوني وأعلنها بجراءة رفض المحاكمات العسكرية
مشاهدتي الأولى: أننا انتقلنا إلى المنطقة الشمالية في أحد قواعدها بالعامرية بمحافظة الإسكندرية بزفة من مدرعات وسيارات شرطية لا مثيل لها ووقتها قلت في نفسي كل هذه الإعدادات لشرفاء سيحاكمون أو كما يطلقون علينا متهمين فكيف كل هذه القوة الأمنية غير قادرة على حماية الشعب وفرض الأمن ومنع انتشار البلطجية
وأنهيت حديث نفسي لندخل المنطقة العسكرية ونصل لقاعة تتوسط المنطقة العسكرية وأعداد غفيرة من أفراد الشرطة العسكرية لكن تبادل الابتسامات كان سيد الموقف بين الشباب والمجندين فكلنا أشقاء كل منا له دور ونزلنا من السيارات الغير آدمية إلي صالة الحجز بجوار قاعة المحكمة ولأول مرة وجود مقاعد لكبار السن ومرحاض
مشاهدتي الثانية: قاعة المحاكمة مجهزة بمنصة للقضاء ومنصة للمحاميين و شاشات عرض ويشرف على القاعة رائد جيش مهذب جداً أدخل المحامين والأهالي بدون تصاريح دخول المنطقة العسكرية مسبقا في تصرفه شهم وغريب
مشاهدتي الثالثة: تعرض المحامين لمضايقات في التفتيش ومنع دخولهم بسياراتهم الخاصة ومصادرة هوياتهم في الوقت الذي ترك فيه الشرطة المدنية بهواتهم يصورون وقائع الجلسة خلسة ولقد أثبت المحامين رفضهم لتعرضهم لمثل هذه المضايقات عند دخول المنطقة العسكرية مؤكدين أنهم يمارسون عملهم فكيف يعاملون هكذا؟
مشاهدتي الرابعة: ظللنا مقيدين بالكلبشات لأكثر من ثماني ساعات ومن أراد أن يدخل المرحاض كان كل اثنين يدخلون المرحاض مع بعض انتهاكاً للخصوصية لا ترضي أحد
مشاهدتي الخامسة: لقد مثلت أمام قاضي عميد يتعامل مع المتهم وهيئة الدفاع والأهالي باحترام فلقد وجدت أخلاق رفيعة لم أجدها في قاضي مدني وهذا للأسف فلقد وجدنا في كل قاضي مدني إله يجلس على منصة القضاء فمنهم من اعتداد السباب ومنهم من يقحم اتجاهه السياسي في موضوع القضية وإن ناقشته يقول إن كان عاجبك شيء مؤسف أن يكون القاضي المدني هكذا والاستثنائي بهذه الأخلاق فهل مقصود ترميز القاضي المدني في عيون الشعب ليكون الملاذ في القاضي الاستثنائي
مشاهدتي السادسة: بعد انعقاد الجلسة وبدأ الإجراءات الشكلية حيث ظل القاضي رئيس المحكمة العسكرية لثلاث ساعات يقرأ الأسماء في قرار الإحالة الكوميدي ليتضح لنا الكارثة التي تفضح نيابة وسط دمنهور المنبطحة والفاشلة مهنيا والمبشرة بأن هذه القضية مهلهلة وأن من قُبض عليهم من منازلهم بعد الحدث وخلال عام ونصف أسمائهم الثلاثية والرباعية خطأ وذلك بمحضر التحريات ومحضر الضبط والقضية بل عناوينهم غير صحيحة مما يبطل تلك المحاضر ومما يبشر بالخير إن شاء الله
مشاهدتي السابعة: اتساع صدر القاضي رئيس المحكمة للاستماع لي لمدة خمس دقائق أثبت فيها خطأ اسمي الرباعي وعنواني بمحضر التحريات والضبط وقرار الإحالة وأخبرته بأنني محبوس احتياطيا منذ عام ونصف ولم يتم التحقيق معي نهائيا حتى الآن في القضية وأنه لم يوجه لي أي اتهام وأنني كنت محبوس على ذمة قضية آخري واستمر الحبس على ذمة قضية المحافظة حتى الآن دون تحقيق وفوجئت بسؤال القاضي ألم تسألك النيابة العامة وأكدت له عدم حدوث ذلك وأثبت ذلك بمحضر الجلسة
مشاهدتي الثامنة: سمحت هيئة المحكمة بدخول قريب من الدرجة الأولي عن كل فرد والسماح للمرضي بالخروج للمستشفي والذي لم ينفذ أي طلب قدم حتى الآن بعد صدور تعليمات بمنع خروج أي مريض لتلقي العلاج رغم وجود حالات حرجة وكبيرة في السن ولكن كلمة الأمن الوطني لا يعلي عليها سواء على النيابة العامة أو القضاء العسكري
مشاهدتي التاسعة: سوء الصوت لعدم وجود سماعات مكبرة في القاعة والتي يفصل بينها سلك شائك مما صعب معه الاستماع جيدا إلا بعد طلب إعادة الكلام عدة مرات
مشاهدتي العاشرة: من أهم مشاهداتي ابتسام إخواني من جنود الجيش والشرطة العسكرية وضباط الصاعقة الذين قالوا لي شخصيا عندما ابتسمت في وجههم لأنهم ليسوا في خصومة معي وكانوا ينظرون إلي وإلي زوجتي الغالية "إن شاء الله خير متقلقوش ربنا معاكم أنتم ناس محترمين" لكن ما الذي يجبر هؤلاء الجنود على ذلك فرغم حملات التشويه ألا أن القلوب بيد الرحمن وخرجت متأكدا بالفرج وأن شعبنا يعلم بوضوح من الحق ومن الباطل
مشاهدتي الحادية عشر : عند عودتي من المحاكمة سرقت نظرات لأنعم بمشاهد الحرية على الطريق الزراعي من فتحة شباك سيارة الترحيلات الصغيرة والذي اشتاق لحريتي وتذكري ذهابي إلي عملي عبر هذا الطريق وذهابي بزوجتي وبناتي للإسكندرية لنقضي أجمل الأوقات والتي ستعود حتما قريبا بإذن الله
.. أنهيت مشاهداتي عن أول جلسة محاكمة والتي انتهت بالتأجيل لجلسة الثاني من فبراير والتي توافق ذكري عقد زواجي على زوجتي وحبيبتي أم بناتي الثامن إن شاء الله .. أسأل الله أن يبارك لي فيها ويجزيها خيرا كثيرا ونسأل الله أن يكون اليوم يوم فرج علينا جميعاً إن شاء الله
باقون على العهد
شريف عبدالحميد حشمت
محام وناشط حقوقي
شريف ابو المجد – قد أكل الأرنب عقل الفيل
يحكون أن أمَّةَ الأرانبِ قد أخذت من الثرى بجانبِ
وابتهجتْ بالوطنِ الكريمِ وموئلِ(1) العيالِ والحريمِ
فاختاره الفيلُ له طريقا ممزِّقاً أصحابنا تمزيقا
وكان فيهم أرنبٌ لبيبُ أذهبَ جلَّ(2) صوفهِ التَّجريب
نادي بهم : يا معشرَ الأرانبِ من عالمٍ ، وشاعرٍ ، وكاتب
اتَّحدوا ضدَّ العدوِّ الجافي(3) فالاتحادُ قوّةُ الضِّعاف
فأقبلوا مستصوبين رأيه وعقدوا للاجتماعِ رايهُ
وانتخبوا من بينهم ثلاثه لا هرماً(4) راعوا ، ولا حداثة
بل نظروا إلى كمالِ العقلِ واعتبروا في ذاك سنَّ الفصل
فنهض الأولُ للخطِاب فقال : إنّ الرأيَ ذا الصواب
أن تُتركَ الأرضُ لذي الخرطومِ كي نستريحَ من أذى الغشوم(5)
فصاحت الأرانبُ الغوالي (6) هذا أضرُّ من أبي الأهوال(7)
ووثبَ الثاني فقال : إني أعهدُ في الثعلبِ شيخَ الفنِّ(8)
فلندعه يمدّنا بحكمتهْ ويأخذ اثنينِ جزاءَ خدمتهِ
فقيلَ : لا يا صاحبَ السموِّ لا يدفعُ العدوُّ بالعدوِّ
وانتدبَ الثالثُ للكلامِ فقال : يا معاشرَ الأقوامِ
اجتمعوا ؛ فالاجتماع قوّهْ ثم احفروا على الطريق هوَّهْ(9)
يهوى إليها الفيلُ في مروره فنسترحُ الدهرَ من شروره
ثم يقولُ الجيلُ بعدَ الجيلِ قد أكلَ الأرنبُ عقلَ الفيل
فاستصوبوا مقالهُ ، واستحسنوا وعملوا من فورهم ، فأحسنوا
وهلكَ الفيلُ الرفيعُ الشّانِ فأمستِ الأمَّةُ في أمان
وأقبلتْ لصاحبِ التدبير ساعيةً بالتاجِ والسرير
فقال : مهلا يا بني الأوطانِ إنّ محلِّي للمحلُّ الثاني
فصاحبُ الصّوتِ القويِّ الغالبِ منْ قد دعا : يا معشرَ الأرانب
معاني الكلمات :
1- موئل : موطن 2- جل : أغلب
3- الجافي : الظالم 4- الهرم : كبر السن
5- الغشوم : الغاشم الظالم 6- الغوالي : جمع غالي
7- أبي الأهوال : لقب يطلق على الفيل 8- شيخ الفن : صاحب التفانين
9- هوة : حفرة عميقة
إن هذه القصيدة صغيرة الحجم كبيرة المعاني من قصائد أمير الشعراء الخفيفة , ولو تدارسناها مع أبنائنا وبناتنا لوجدنا فيها من الدروس الكثير , مثل :
1- أهمية الشعر لأبناء وبنات العرب : لقد تفشت في العقود الأخيرة ظاهرة ضعف اللغة العربية – قراءة وكتابة – وأحد أسباب ذلك هو إهمال الشعر، فالمدرسين في الدروس الخصوصية لا يشجعون الطلاب على الإعتناء بالمحفوظات لأن عليها درجات بسيطة في الإمتحانات ، ناهيك أن يشجعوا الطلاب على قراءة الشعر خارج كتاب الوزارة وحفظه ، ككتاب الشوقيات مثلاً وأمثاله من كتب الشعر المعاصر ، ولا يستقيم اللسان العربي إلا بأمرين : قراءة وحفظ القرآن الكريم ، وقراءة وحفظ الشعر وكثرة الاستشهاد به ، وقد كان رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يحب الشعر ويحتفي به ، وكان حسان بن ثابت بمثابة وزارة الإعلام التي تردّ على افتراءات المشركين ، وكان الرسول (ص) يشجعه ويحثه دائماً.
وعندما كتب الإمام البوصيري قصيدته الشهيرة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ، ووصل إلى آخر بيت فكتب : ومجمل القول فيه أنه ....، واستشكل عليه تكملة البيت ، فرأى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في المنام ( ومن رأى الرسول صلى الله عليه وسلم فقد رأه حقا لأن الشيطان لا يتمثل به صلى الله عليه وسلم ) ، فقال له الرسول : ومجمل القول فيه أنه بشر ، فأكمل البوصيري : ولكنه خير الخلق كلهم ، ومن شدة إعجاب الرسول صلى الله عليه وسلم بالقصيدة خلع بردته وألبسها للإمام البوصيري ، فصارت هذه القصيدة تعرف في الأدب العربي باسم البردة، وهي قصيدة رائعة أنصح كل عربي وعربية بقرائتها وحفظ أجزاء كبيرة منها .
فليت الآباء والأمهات يعتنون بقراءة الشعر وتدارسه مع أبنائهم , حتى ولو كان من الشعر الخفيف كهذه القصيدة ، وليت أبنائنا وبناتنا يتذوقون الشعر ويحبونه ، لأنه جميل فعلاً ، وقد كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول ما معناه (إن البيان لسحرًا (
2- عندما اتخذت أمة الأرانب جانباً من الأرض موطنا لها ، أبى الفيل الظالم إلا أن يسير في هذا الطريق ، ويمزق هذه الأمة شر تمزيق , وهذا دائما ديدن كل من يغتر بقوته ولا يهتم بمن هو أضعف منه ، فانظر كيف كانت عاقبته ، لقد سقط في الحفرة وهلك ، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يوصينا دائما بالرحمة لأنها مشتقة من اسم الله "الرحمن" , وقال أن الله خلق الرحمة مائة جزء وأنزل منها جزء واحدً إلى الأرض تتراحم به الخلائق ، حتى أن الدابة ترفع حافرها خوفا من أن تؤذي صغيرها ، واستبقى تسعة وتسعين جزءا ليرحم بها الخلائق يوم القيامة . اللهم ارحمنا رحمة واسعة , تغنينا بها عن رحمة من سواك .
3- عندما ظلم الفيل أمة الأرانب نصحهم أرنب عاقل بأن يتحدوا , وقال كلمة يمكن أن تُتخذ مثلاً " فالإتحاد قوة الضعيف " , والأب العاقل الذي أراد أن يعلم إبنه هذا المعنى أعطاه بعض الأغصان وطلب منه أن يكسرها , فلما كسرها واحدا واحدا , أعطاه نفس الأغصان مرة ثانية ولكن في حزمة واحدة , وليت بني وطني يدركون في هذه الأوقات العصيبة أنه لا بديل عن الأتحاد في مواجهة الأخطار المحدقة بالبلد , خارجية وداخلية , اللهم احفظ مصر من كل سوء .
4- لما اختارت أمة الأرانب ثلاثة لتقديم الإقتراحات , لم يراعوا هرما ولا حداثة , وإنما راعوا ماذا ؟ راعوا كمال العقل , وهذا هو الرأي السليم , وهذه الأيام تكثر نغمة تمكين الشباب , وإن الشيوخ استأثروا بكل المناصب , وهذه ظاهرة جديدة علينا , فسعد بن معاذ (رضي الله عنه ) كان سيد قومه وهو في السادسة والعشرون من عمره , وعندما استشهد اهتز عرش الرحمن لموت سعد الذي كان سنه ستة وثلاثون سنة , والإمام البنا عندما بدأ جماعة الإخوان المسلمين كان سنه أربعة وعشرون سنة , واستشهد وسنه اثنين وأربعون سنة بعد أن شيَّد هذا الصرح العظيم .
فلماذا صار الشباب يُستبعدون ؟ ولماذا هذا الصراع بين الشباب والشيوخ ؟ يجب أن يكون معيار الإختيار كمال العقل وليس السن , ويا ليتنا نصل إلى حكمة الأرانب .
5- اقترح أول الثلاثة الذين اختيروا أن يهاجروا من موطنهم وأن يتركوه للعدو الظالم , أحست أمة الأرانب أن هذا الإقتراح يحمل نبرة الإستسلام فرفضوه , وقالوا إن الإستسلام وترك الموطن أضر بهم من الفيل الذي يطأهم بقدميه ، ولا بد أن لا يستسلم الإنسان , ولا بد أن نعلم أولادنا ضرورة الدفاع عن الحق , وقد قال أمير الشعراء في رائعته سلوا قلبي :
وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وقال في مرثيته لمدينة دمشق عندما ضربها الفرنسيون بالقنابل في عشرينيات القرن الماضي :
وللحرية حمراء باب بكل يدٍ مدرجةٍ يُدق
ومدرجة تعني ملطخة بالدماء
وأنا أكتب هذه التذكرة في صباح يوم الجمعة , وهو اليوم الذي لا يفتحون لنا فيه الزنازين إطلاقا , ولا حتى لصلاة الجمعة , ولكننا ندفع هذا الثمن راضين , لأن حرية وطننا لا تثمن بمال ولا كبت حرية ولا حتى حياة , وللتخلص من ظلم وجهل العسكر لا بد أن نبذل الغالي والرخيص , فيا ليت قومي يعقلون .
6- واقترح الثاني من الذين أختيروا للكلام أن يستعينوا برأي الثعلب لأنه مكار , ووصفه بأنه شيخ الفن , وأقترح حتى أن يضحوا بإثنين منهم للثعلب جزاء خدمته لهم بالرأي , فقالت أمة الأرانب الحكيمة كلمة يمكن أن تصير مثلاً أيضاً " لا يدفع العدو بالعدو " , فعندما يقول الرئيس المصري الأسبق أن تسعة وتسعون بالمائة من أوراق الصراع العربي الإسرائيلي بيد أمريكا , ويريد الإستعانة بها لينتصر على العدو الصهيوني , فإن ذلك لا يمثل سذاجة وخفة في العقل فقط ولكنه يمثل خيانة لأشقائنا الفلسطينيون , الذي كتب عليهم أن يكونوا في الجبهة الأمامية نيابة عن الأمة العربية والإسلامية , وكتب عليهم الجهاد لاستعادة وطنهم ووطننا المسلوب , وحماية المقدسات الإسلامية في القدس , فلا أقل من أن يساعدهم العرب كلهم بالمال والدعاء , أما أن نتهمهم بتدبير المؤامرات علينا بغير دليل , ونتمادى في خطاب الكراهية لهم في إعلامنا الحكومي دون بينة فهو من الظلم الذي سيسأل عنه المسئولين في هذه الدولة أمام الحكم العدل , وأتمنى أن نعلم أبنائنا هذا المعنى "لا يدفع العدو بالعدو" أبداً مهما قالوا , العدو لا يدفع إلا بالجهاد بالمال والنفس وطلب الشهادة واللجوء إلى الله ورفع شعار الله أكبر , الذي انتصرنا به في حرب 1973 .
7- وكان الرأي الصواب هو الذي أشار به المتحدث الثالث , وهو أن يحفروا حفرة عميقة في طريق الفيل , فيهوي إليها ويريحون الدهر من شروره , وهذا الإقتراح يمكن أن يوضع تحت عنوان أشرت إليه في مقالة سابقة " كيف نتعامل مع العمالقة , فكما انتصر بنى الله داود (عليه السلام) على جالوت المدجج بالسلاح والبذلة الحديدية بخفة الحركة , واستعمال سلاح لا يحتاج إلى الإقتراب من عدوه لأقل من ثلاثين متراً , إنتصر لما استخدم عقله , ولما استعملت الأرانب عقلها حفرت حفرة في طريق الفيل فتخلصت منه .
فليتنا نستعمل عقولنا كمصريين , ولا نكرر خطأ فبراير 2011 فقد ثارت المصريين على كل ما يمثله نظام مبارك , ونزلوا يتظاهرون بالملايين لتغيير النظام , واعتصموا في التحرير حوالي اسبوعين أو أكثر , فلما تخلى عن سلطاته لوزير الدفاع ترك المعتصمون الميدان , ورجعوا إلى بيوتهم راضيين بما تحقق , فماذا تحقق ؟ لا شئ .. رأس النظام تنحى وترك سلطاته لرقم اثنين في النظام , وهو الرجل الذي عينه مبارك سنة 1991 م , وظل في منصبه عشرون عاما يحمي سلطة رئيسه , ويقول لزملائه قادة القوات المسلحة "السياسة مع الرئيس , وإحنا تحت أمركم في كل ما تطلبونه من أموال" , فهل ترك رأس النظام لسلطاته للرجل الثاني في النظام وللمجلس العسكري يعتبر تحقيقا لأهداف الثورة ؟ لقد اكتشف المصريون بعد ذلك أن كل قضايا القتل والتعذيب والفساد وصلت إلى محطة (البراءة ) للجميع , واكتملت المهزلة ببراءة رأس النظام ونجليه , فماذا تحقق للشعب المصري ؟ لا شئ , لماذا ؟ لأنه لم يستعمل عقله كما استعملته الأرانب ولا حول ولا قوة إلا بالله
8- آخر وأعظم درس –في رأيي – هو عندما نجح إقتراح المتحدث الثالث , وهلك الفيل رفيع الشأن , وأحست الأمة بالأمان , فما كان منهم إلا أنهم ذهبوا إلى صاحب التدبير بالتاج والسرير , يريدون أن يُأمٍّروه عليهم , فقال بكل تواضع وحكمة : إن محلي المحل الثاني , إي أنني ممكن أن أكون وزيرا للأمير أشير عليه وأنصحه , ولا أستحق الإمارة , فهل رأيت مثل هذا الخلق الرفيع في بني البشر , وهل رأيت إنكاراً للذات مثل هذا , لقد فضل على نفسه صاحب الصوت القوي الغالب , الذي دعا : يا معشر الأرانب , وكان سببا في الوصول إلى التخلص من الظالم .
وهذا من أعظم الدروس التي يمكن أن يعلمها الآباء والأمهات للأبناء , فالإمارة تكليف وليست تشريف , الإمارة ليست مكانة وإنما هي خزي وندامة يوم القيامة لمن لا يقوم بها بحقها , ويجب أن ينأى المرء بنفسه عن منصب لا يستطيع القيام به خير قيام , أما أن يبتلينا الله دائما بعسكر لم يحصلوا في امتحان الثانوية العامة إلا على مجموع النجاح بالكاد , وليس لديهم القدرة العقلية على التخطيط ورؤية العواقب فهذا هو سبب نكبات هذا البلد المسكين , وإليكم بعض الأمثلة :-
1- عندما فتت عبد الناصر الملكية الزراعية بتمليك خمسة أفدنة للفلاحين المعدمين , اعترض خرشوف ( قائد الإتحاد السوفيتي الشيوعي ) على التمليك , ونصحه بأن يكون حق انتفاع فقط , بحث تتم زراعة آلاف الأفدنة معا بنفس المحصول فيمكن تنظيم الزراعة , واستعمال الميكنة الزراعية , ولكن أين العقل والعودة للحق .
2- وعندما أمم عبد الناصر الصناعة الوطنية , ولم يعوض من أممت مصانعهم تعويضا عادلا , فإنه لم يقض فقط على طبقة رجال الأعمال العاملين لبلدهم , وإنما خوُّف كل المستثمرين العرب من الإستثمار في مصر , وبدلاً من أن تصبح مصر بلداً صناعياً , أو تستمر بلداً زراعياً , لا حصَّلت هذا ولا ذاك لضعف العقل وخبل الرأي .
3- وعندما كان رئيس الدولة يتابع التجهيزات للحرب مع العدو الأساسي (إسرائيل) سنة 67حذر الرجل الثاني (وزير الدفاع) قائلاً "أوعى يكون الجيش ليس على أعلى مستوى" , وطلب منه أن يطمئنه , فقال المشير عامر : برقبتي يا ريس , وكانت نتيجة هذا التهريج في المتابعة وحياة الترف التي كان يحياها قائد الجيش وضباطه أن هزم الجيش المصري من اسرائيل في ست ساعات .. ست ساعات !!! وليس هذا هو الأسلوب العاقل أو الإحترافي في المتابعة , إطلاقاً ولكنه تهريج والعجيب أنه لا يزال هناك من يرون فيه الزعيم الخالد .
4- وعندما فتح السادات البلد بعد أن أغلقها سلفه كان الإتفتاح إنفتاحا إستهلاكيا , وكان رجال الأعمال الأبرز أمثال : رشاد عثمان وكثير من نواب الكيف من تجار المخدرات , وكان يعطي كل رجال الأعمال قروضاً من البنوك بفائدة خمسة بالمائة لعمل مزارع دواجن , فكان الواحد منهم يضع عمودين في قطعة أرض زراعية ويدعي أنه ينشأ مزرعة دواجن , ثم يأخذ الملايين بخمسة في المائة , ويضعها في أي بنك ربوي بتسعة في المائة , ويستفيد بالأربعة في المائة لعشر سنوات , وبعدها يعتذر عن عدم إقامة المشروع ويعيد الأموال إلى البنك , حتى أصبح القول الشائع أنه من لم يحقق الثراء في تلك الأيام لن يحققه بعدها , وكل ما استفاده الشعب المسكين من هذا الإنفتاح هو زيادة الإستهلاك , وبالذات استهلاك الحشيش .
5- ولن أضرب إلا مثلين فقط من أيام مبارك ( الثلاثين سنة العجاف ) والتي انهارت فيها كل الخدمات من تعليم وصحة .... إلخ , وهو المحور الذي يربط مدينة السادس من أكتوبر بميدان لبنان بالمهندسين , فقد سأل رئيس الدولة وزير الإسكان عن الخط الذي يتوسط المحور في الخرائط , قال له : ده المترو يا فندم , فقال الرئيس : مترو ليه ، مالهوش لازمه , وبالفعل تم إلغاء المترو من المحور ، فأصبحت طوابير السيارات ( في ساعة الذروة ) طولها عدة كيلومترات , وأصبح يضيع من وقت العاملين بمدينة أكتوبر ساعتين ذهابا ومثلهم ايابا , لأن رئيس الدولة لم يدرك ضرورة المترو والنقل الجماعي , وكيف أنه سيقلل كثيرا الإعتماد على السيارات الخاصة , ويقلل الزحام , ولكن أنَّي له أن يدرك هذا وهو ما كان له أبدا أن يتقلد منصبا مثل هذا إلا لأن السادات لا يريد نائبه ذو طموح أو قدرات عقلية تسمح له بالانقلاب عليه.
والمثال الثاني وهو مشروع توشكى حيث تم صرف مليارات الجنيهات على مشروع لم تظهر له فائدة تذكر , وكان من الغباء عمل القناة التي تغذيه بالمياه من نهر النيل من الخرسانة على شكل قناة مفتوحة الماء يتبخر منها قبل أن يصل إلى مستخدميه , ودرجة الحرارة هنالك ستون درجة مئوية مما جعل حتى فلاحي أسوان يعزفون عن تملك أراضي توشكى وزراعتها , ولو أن هذه المليارات قد صرفت على مشاريع زراعية في السودان لاستوعبت ملايين المصريين سواء في الزراعة أو الصناعات المرتبطة بها , ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وأخيرا وبعيدا عن السياسة أتمنى أن نعود لتذوق الشعر وبالذات الشعر الديني , لأن منه ما يرتقي بالوجدان ، ويهذَّب الإنسان ويشفي إشتياق المسجون الولهان , وأتمنى أن يجلس بعض الآباء والأمهات مع أولادهم لتلاوة الشعر ومدارسته بدلا من الجلوس كل ليلة أمام تلفاز يسبب الإحباط والتخلف العقلي .
أ.د.شريف أبو المجد
سجن استقبال طرة في 13/2/2015
محمود الشحات راغب محجوب – تم القبض علي بعد نزولي من أتوبيس نقل عام
اسم السجين (اسم الشهرة) : محمود الشحات راغب محجوب النوع الاجتماعي : ذكر تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 2/13/2015...
محمد صلاح الدين عبد الحليم سلطان (محمد سلطان) – يحكي عن الاعتداء عليه وإجباره لتوقيع الكشف الطبي عليه
اسم السجين (اسم الشهرة) : محمد صلاح الدين عبد الحليم سلطان (محمد سلطان) النوع الاجتماعي : ذكر تاريخ تحرير أو...
عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي) – النقض
النقض :
كل القضايا اللى زى قضيتنا منزلتش نقض و كان محكوم عليهم قبلنا بكتير ، و أول قضية اتحددلها نقض كان بعد سنة كاملة من الحكم و النقض ممكن يأيد الحكم ، أو يرجعه لمحكمة جنايات تانية ، و لو رجعت تانى نقعد كذا شهر لحد ما يتحدد جلسة ، و بعد ما يتحدد جلسة بتتحاكم من الأول تانى فى كذا شهر ، و فى الآخر ممكن تكون محكمة مسيسة زى أول مرة و ناخد حكم تانى ، أو ننزله حاجة بسيطة و ساعتها تقضى الحكم كله ، و لو خدت براءة هتبقى قضيت حوالى سنتين كمان من ساعة الحكم عشان تطلع ، و كمان النيابة ممكن تطعن على البراءة و تتلغى.
يعنى أحسن سيناريو يوم ما نقول احنا متفاءلين ، سنتين كمان فى السجن لحد ما يبقى فى احتمال تطلع.
العفو الرئاسى :
العفو أصلاً احتمال شبه منعدم للمحكومين ، و لو بصينا على الاحتمال البسيط بتاع العفو عن المعتقلين ، أول أولوية هيكون إخلاء سبيل كل المحبوسين احتياطى اللى لسه تحقيق ، اللى هما لو قعدوا كمان شوية كانوا هيبقوا محكومين ، بعدهم لو حصل و بصوا للمحكومين ، أول ناس هتكون قضايا 6 أبريل و كده ، لو حصل و بصوا على قضايا "الإرهاب" بقى ، أول ناس هتكون بتوع قانون التظاهر ، و لو طلعوهم كلهم و قرروا بقى يبصوا على اللى مش تبع قانون التظاهر ، هتكون القضايا اللى مفيهاش جثث و ناس ميتة.
يعنى حتى الاحتمال المنعدم للعفو أنا و بابا مش فيه.
18 شهر الحد الأقصى للحبس الاحتياطى :
احنا ممسوكين بعد قانون عدلى منصور بفتح مدة الحبس الاحتياطى للجنايات مدى الحياة ، يعنى غالباً موضوع إخلاء السبيل بعد 18 شهر لو النقض اتقبل احنا مش فيه.
من الآخر ، لو فكرت بالمنطق و بالنظر للتوجهات العامة للبلد أنا و بابا مش هنطلع من السجن تانى ، و مفيش أى طريقة شايفها لتغيير الواقع ده ، جربت الإعلام ، جرايد و تلفزيون ، جربنا تظلمات و شكاوى ، جربنا منظمات حقوقية ، جربنا كل حاجة و مفيش حاجة نافعة أو بتدى حتى بارقة أمل.
الطريق الوحيد إنى أخرج هو معجزة من عند ربنا.
كل اللى فات ده عشان أما أطلب الدعاء ، الناس تكون متأكدة إنى محتاجه فعلاً.
أسألكم الدعاء بقى "
محمود عبد الشكور ابو زيد (شوكان) – اغيثوني .. اثابكم الله
اغيثوني .. اثابكم الله
¤في طريقي لليوم 550 في الحبس (الاحتياطي)، حبس ليس له لون او طعم او شكل ول حتى رائحة. ولا منطق!!
¤بلا منطق، بلا محاكمة، بلا قانون. مجرد تهم على ورق تم قذفي بها دون تحقيق. وقت يمر ويمضي وعمر ضائع بين اربعة جدران.
¤بلا منطق، كنا 900 متهم، وبلا منطق أصبحنا 300 متهم.
¤بلا منطق خرج زميلي مراسل الجزيرة عبدالله الشامي، الذي كان معي في نفس القضية، بل وفي نفس الزنزانة أيضاً.
وبلا منطق مازلت محبوسا، بينما هو حرا طليقا، ليس ذلك لعدالة القانون او وجود تحقيق نزيه. بل لوجود مؤسسة اعلامية كبرى تقف بجانبه.
¤بلا منطق أيضاً خرج مراسل الجزيرة بيتر جريستي الاسترالي الجنسية ومن ورائه محمد فهمي بعد تنازله عن جنسيته المصرية وابقائه الجنسية الكندية، وبلا منطق سيظل باهر في السجن فقط لكونه مصرياً.
ولكن لا تقلق يا "باهر" فهناك الجزيرة تقف بجانبك. اما عزائي فاقدمه لنفسي وزملائي الصحفيين المصريين اللذين لا يملكون جنسية اخرى او مؤسسة كبرى تقف بجانبهم.
¤في تحقيق اجراه معي احد ضباط الامن الوطني. سألني مندهشا، كيف يتم إلقاء القبض عليك مع صحفيين اجانب ويتم الافراج عنهم في نفس اليوم والابقاء عليك في السجن طوال هذه الفتره، هناك حلقة مفقودة.؟!
شعرت انه يسخر مني، لانه حتماً يعرف الاجابة. فقلت ان هناك بالفعل حلقة مفقودة ولا اجدها. كنت حريصاً على ان اتجنب استفزازة. فانا على يقين وعلى علم عن تلك الحلقة المفقودة، ولكن الكلام "مش هيودي ولا هيجيب".
وقد وضح جليا بعد خروج الصحفيين الاجانب"كلاكيت تاني مرة". وها هى الدولة المصرية بذاتها تعثر على الحلقة المفقودة وتقدمها كاجابة لضابط الامن الوطني.
¤هذه إذا هى الحلقة المفقودة، اني مصري. مشكلتي مع بلدي اني مصري، صحفي مصري فقط!!
فلو لم يكن خيار امامي سوى ان أتبرأ من جنسيتي نظير نيل حريتي لفعلت!!
¤لا اعلم ما هو سبب اقحامي في صراع سياسي، لا انتمي له ولا لاي جماعة او فصيل سياسي؟؟
لا اعلم ما هو سبب بقائي في السجن طوال هذه المدة؟؟
انا لا انتمي لشيء سوى مهنتي (مصور صحفي)، مصور صحفي ففط!!!
عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي) – يتم هذه الأيام الإفراج عن المعتقلين الأجانب
يتم هذه الأيام الإفراج عن المعتقلين الأجانب و ترحيلهم إلى بلادهم بعد صدور قانون ينص على ذلك.
و بدأ من يتمتع بجنسية جانب المصرية بالتخلى عن الجنسية المصرية ليخرج من السجن ، مثل "محمد فهمى" صحفى الجزيرة صاحب الجنسية الكندية ، أما صاحب الجنسية الأجنبية فقط فيخرج على الفور مثل "بيتر جريستى" أسترالى الجنسية.
أما أصحاب الجنسية المصرية (ولاد البطة السودة) فمكتوب عليهم أن يمضوا حياتهم فى غياهب السجون و يظلموا ، لأن لا بلد وراءهم تطالب بحقوقهم.
يعنى أبقى واقف فى قفص المحكمة جنبى واحد أجنبى ، هو يطلع و أنا أتحبس عشان تهمتى الوحيدة إنى مصرى و هو لأ.
الباسبور الأمريكى إذا فتحت أولى صفحاته تجد مكتوباً : "الأسطول البحرى الأمريكى على استعداد للتحرك إلى أى مكان فى العالم من أجل حامل هذا الباسبور"
أما باسبور مصر العزيزة فمكتوب فى أولى صفحاته : "فى حالة ضياع هذه الوثيقة يتم دفع 50 جنيه غرامة"
يحضرنى قول هشام الجخ فى قصيدته المشهورة "جحا" :
"كرامتنا متهانة . و اللقمة بإهانة . بتخلفينا ليه أما انت كارهانا؟"
يا ترى لو اتخليت عن الجنسية المصرية و بقيت من غير جنسية ينفع يطلعونى و ينفونى من البلد؟
احمد ابو زيد الطنوبي (احمد الطنوبي) – في جريمة الدفاع عن الصحافة
في جريمة الدفاع عن الصحافة
منذ 30/6/2013 صارت الصحافة في مصر جريمة يعاقب عليها النظام المصري القمعي، ومنذ ذلك الحين هبّ بنان الصحفيين يدافعون عن الدستور والقانون وكرامة المهنة، ويطالبون بالحرية للزملاء المتهمون علي خلفيات مهنية، كل جريمتهم أنهم ينقلون الحقيقة للشعب المصري والعالم حول حقيقة ما يحدث في مصر.
كنت واحد من هؤلاء الذين وهبوا جهدهم للدفاع عن حرية المهنة وحق الصحفي في ألا يعاقب لمجرد كونه صحفيا ووضعت نصب عيني أن أفضح كافة الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون في مصر بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو مدارسهم الصحفية وكنت ضمن فريق الباحثين بالمرصد العربي لحرية الإعلام، وحركة صحفيون من أجل الإصلاح؛ أرصد بموضوعية كل انتهاك ضد الصحفيين وأقوم بتغطية وأتواصل مع المعنيين لإزالة الظلم الواقع علي كل الزملاء..
لم يكن يوما انتمائي السياسي حائلا بيني وبين إدانة أي انتهاك للحرية يتعرض له أي صحفي يخالفني الرأي بل كنت أدافع عن مخالفي في الرأي قبل المتفقين معي، فمن هويتي الفكرية قد دافعت عن حق صحيفة الوطن في الصدور وعدم المنع، وتامين مقارها وعدم منع عددها الذي صادره رئيس السلطة الحالية، ودافعت عن الشعب وصحفييها وعن المصريون والجزيرة، كما دافعت عن صحفي الحرية والعدالة سواء بسواء.
وبعد قرابة 18 شهرا من الدفاع عن حرية الصحافة؛ جاء الوقت لندفع الثمن حين يصبح الدفاع عن الصحافة جريمة حيث حرمت من ممارسة المهنة بذاتها، حيث تحول تقرير عن حالة الصحافة في مصر خلال 2014 إلي آداة الجريمة وأصبحت التهمة التحريض علي النظام ونقل صورة غير حقيقية عن وضع الصحافة في مصر!
المضحك المبكي أن التقرير الذي أعده المرصد العربي لحرية الإعلام وأُعلن في مؤتمر صحفي في مبني "الجرين كامب" أحد المباني الإدارية بالجامعة الأمريكية صار وسيلة للتظاهر وفق للتحريات الأمنية رغم أن المؤتمر الذي بثته وغطته أغلب الصحف والقنوات المصرية لم يناقش أي قضايا سياسية ولم يتناول سوي قضايا مهنية.
في ختام حديثي أقول لزملائي الصحفيين أن الدفاع عن حرية الصحافة فريضة مقدسة، وأن استمرار مسيرة مناهضة الهجمة السلطوية علي الصحافة والصحفيين تحملكم أمانة قول الحقيقة ووقف جرائم سلطة القمع ضد زملائكم الصحفيين والإعلاميين وضد الشعب المقهور، وهو الواجب الذي أقسمتم عليه حينما التحقتم بالمهنة والذي دفعت المهنة من أجله 12 شهيدا لم يتم إدانة قتلة أي منهم إلي الآن، ما يستلزم تكاتف الجماعة الصحفية للدفاع عن مستقبلها.
جمال عبد الخالق – عن انتهاكات طرة
عن إنتهاكات طرة ..
فى واحد من أسوأ سجون مصر ( سجن طرة تحقيق ) , تُمارس الإنتهاكات وتثتثيرهم ذكر كلمة حقوق الإنسان أو طلب المعاملة وفقاً للقانون !!
رجال مباحث السجن يظنون أنهم فوق كل القوانين ,, لا يتحدثون إلا ويقولون إحنا هنا الكل فى الكل !!!
أسرد لكم واحدة من أحدث الإنتهاكات وهي كثيرة , ولكن أكتفي بما حدث معي , و أعلم أنه مهما تكلمنا أو شكونا لن ترجع حقوقنا لا بالقانون ولا بغيره , ولكن أسرد هذه الأحداث لعل هذه الأسطر تجنب غيري التعدي عليه .
فى يوم الإثنين 19 يناير 2015 .. مرض أحد المعتقلين المقيمين معي فى الزنزانة , وبدأ فى التأوه و إشتد عليه الألم , ونحن ننادي على الشاويش حتى يتم نقله إلى المستشفى .
يمر الوقت ويتأخر الشاويش , ونحن نستمر فى النداء . ونخشى ان تتعرض حياة زميلنا للخطر .
و أخيراً حضر الشاويش ومعه مخبر المباحث "يوسف" , وحدثت مشادة كلامية بيني وبين المخبر نتيجه لتأخره , إنتهت بأن قال لى ( أنا هوريك بكرة الصبح ) .
وفى اليوم التالى إستدعانى وذهبنا إلى رئيس المباحث ( أشرف خفاجة ) , و بدأت فى سرد ما حدث الليلة السابقة مع المخبر ( يوسف ) , وذكرت لرئيس المباحث أن المخبر خلال المشاده الكلامية دفع المريض حتى سقط على الأرض !!!
فبدأ رئيس المباحث فى رفع صوته وقال : مش عاوز أسمع صوت مسجون يطلع فى السجن ده , أنا ممكن أدخلك التأديب حالا .
قولتله : من فضلك إتكلم معايا بطريقه غير دي , و أنا قابل أدخل التأديب لو ده قانوني , ولو هتودينى التأديب أنا عايز أعمل محضر حالاً بالواقعه اللى حصلت .
رد بسخرية : قانونى !!! أنا بقي هعملك حاجة تانية .
ونادي على مخبر إسمه (صبري) , فكتفنى مجموعه من المخبرين , وبدأ (صبري) فى خنقى حتى غابت أنفاسي وكدت أفقد الوعي , و رئيس المباحث ينظر لى بنظرات و إبتسامة تشفى !!
ثم ترك (صبري) رقبتى وبدأ فى ضربي بالبوكسات , و أنا مكتف اليدين من باقى المخبرين ..
و أمام غرفه التأديب طلب مني رئيس المباحث خلع الملابس أمامه هو وجميع المخبرين , فرفضت بشدة وقولتله : لو هتموتنى ...
قال لى : إدخل غرفة التأديب و إخلع جميع ملابسك و إلا هخليهم يقلعوك بالعافيه .
دخلت غرفة التأديب وخلعت ملابسي , فأخذها هى والحذاء و أعطانى بدلة السجن ( بنطلون وسترة خفيفة ) , و بعد أن إرتديتها دخل الغرفة وعلقنى المخبرين بالكلابشات فى الباب !!
هددتهم إنى هعمل شكوى عند النائب العام بكل اللى حصل , وقلت لرئيس المباحث هقول فى الشكوي إن المخبرين بتوعك بيتعاملوا معانا بطريقة سيئة جداً نتيجة إنهم بيشربوا مخدرات داخل السجن وعلى طول مش فايقين , و إنت عارف كده كويس , وخلى النيابة تبقى تعملهم تحاليل زى ما بتحللوا للسائقين وهم يتأكدوا من صحة كلامي .
فتركونى عند ذكر هذه النقطة و إنصرفوا جميعاً , وظللت معلق فى الباب دون أغطية و بملابس خفيفة جداً فى جو شديد البرودة لعدة ساعات !!
حتى مر دكتور السجن وقال لى : إنت بتشتكي من حاجه ؟!!
قلت له : أنا عايز أعمل تقرير طبي بحالتى , و أنا عامل إضراب كامل ( ظناً منى أن هذا الدكتور أكثر إنسانية من باقى رجال المباحث ) .
فانصرف وعاد مرة أخري ومعه نائب المأمور , فأمر نائب المأمور بفكي , وقال للدكتور إعمله تقرير طبى , وبمجرد أن إنصرف حتى إنصرف الطبيب خلفه دون أن يفعل شئ , وتركونى حتى أخر الليل !!!
ثم مر عليا الشاويش (سيد) , فطلبت منه يجيب الدكتور , فرفض !!
وقال لى : مش هيجيلك حتى لو هتموت , ولما تموت هنلفك فى بطانية ونرميك فى الشارع .
وقضيت الليلة الأولى فى غرفة أسمنتيه شديدة البرودة والرطوبة فارغة إلا من جردل صغير لقضاء الحاجة , وكان أسوأ ما فى الغرفة هذا الجردل ذو الرائحة الكريهة الذى أفسد علىا متعة الإستمتاع بصوت الفئران وهي تتشاجر !!!
وفى صباح اليوم الثانى حضر مخبر إسمه (محمد) طلبت منه الدكتور لأنى أشعر بإعياء شديد , نتيجة هذه الليلة شديدة البرودة دون أغطية
وبملابس خفيفة ودون أكل أو ماء , فغاب قليلا وحضر معه الحلاق والكلابشات , وتم الإعتداء علىا للمرة الثانية , وتعليقى فى الباب وحلاقة شعري , فأخذت أصرخ فيه ( هاتلى المأمور ) علشان يعرف المباحث بتعمل إيه , و أن ما يفعلوه إنتهاك صارخ لحقوق الإنسان وكل القوانين , ولم أكن أعرف أن كلمة حقوق الإنسان والقانون تثير خنقهم بهذه الصورة , فأخذ يهينني وسب أم المأمور بأبشع الألفاظ !!
وقال لى : إنت فاكر المأمور هيعملك حاجة !! المباحث هنا الكل فى الكل .
حضر الدكتور لوحده بعدها بعدة ساعات , فقلت له تانى يكشف عليا ويعمل تقرير طبى لأنى تعبان جداً وعامل إضراب كلى , قالى طول ما إنت عامل إضراب مش هتخرج من القبر ده , وبعتلى ممرض قاسلي الضغط والسكر والنبض , فوجد كل المقاييس منخفضه جداً , فإنصرف وقالى هبعتلك علاج ومبعتش حاجة !!!
ومر عليا الشاويش تانى وقالى : من الأخر إحنا مستنيينك تموت ..
و أخذ يضحك بصوت لم أستطيع التفرقه بينه وبين النهيق !!
وقضيت ليلة أخرى أشد سوء من سابقتها .
وفى اليوم الثالث خرجت من التأديب أجر قدمى من شدة الإعياء , و قابلنى رئيس المباحث بنظرة ساخرة شامتة ..
وقالى : إرجع الزنزانة وخليك بعد كده فى حالك , و مش عايز صوتك يطلع تانى .
عند عودتى للزنزانة وجدت أخى ( وهو محام ) باعت لى خطاب شارح لى فيه إنه جالى مرتين !!
المرة الأولى فى موعد الزيارة الإسبوعي , و عندما رفضوا أن يخرجونى من التأديب للزيارة حضر فى اليوم التالى بإذن نيابة , فرفض رئيس المباحث !!
ولما قاله : ده مش قانونى طالما فى إذن نيابة للزيارة , مش من حقك تمنع الزيارة , و هعمل شكوى عند النائب العام بالكلام ده , و كمان إبن جمال لسه خارج من عملية ولازم يشوفه .
فكرر رفضه وقاله : روح إعمل اللى إنت عاوزه , ومتنساش إن أخوك تحت
إيدينا وهعرف أئذيهولك كويس , وخلى النائب العام ينفعك .
وهدده إنه هيبعت فيه تقرير صغير لأمن الدولة وهما هيورونى الويل
ويأذونى فى قضيتى , وكمان هيغربنى من السجن ويبعتنى سجن فى محافظة بعيدة أو هيودينى سجن شديد الحراسة , وهناك هيعرفوا يتعاملوا
معايا كويس .
طبعاً أخويا خاف عليا جداً ومرضيش يقدم أى شكاوي , فملقيتش حاجه أمامى غير إنى أكتب لتوثيق الإنتهاكات المستمرة للداخليه , الذين يظنون أنهم أسياد البشر ولا أحد فوقهم ... حتى القانون !!!
جمال عادل عبد الخالق .
سجن القاهرة تحقيق (طرة تحقيق ) .