"أنا المصري كريم العنصرين".. "قوم يا مصري مصر دايما بتناديك".. "أحلى بلاد الدنيا بلادي.. يا بلادي يا بلادي".. "الأرض أرضنا. عن ابونا وجدنا".. "كل بلاد الدنيا جميلة.. لكن أجمل من بلدي لا".. "لو لم أكن مصريًّا لوددت...".
لم يكن عليه أن يصدق كلمات الأغاني المعسولة، ولا أن ينطلق بعدسته مشرّقا ومغرّبا كما لو كان في "أم الدنيا"، مصدّقا أنه صحفيٌ حرٌ في بلاد لا يُظلم في ربوعها أحد، لكن عمر عبد المقصود المصور المصري بموقع مصر العربية بدا كمن لم يسمع كلمات وهو يحذِّر عمر وكل الشباب الذين هتفوا بشعارات الفخر الوطني: "واوعى تصدق كلام الأغاني.. بتاع الحضارة وكاني وماني.. ده كله هجايص ما يدخل وداني".
لكن كلمات الأغاني أو "الهجايص" -كما يسميها نجم" دخلت -للأسف-أذني عمر، ودخل بسببها –مع شقيقيه-25 سنة سجن بلا جريمة، اللهم إلا أنهم اشتبهوا في أنه كان يصور لقناة الجزيرة في سبوع الطفلة دهب التي ولدت في غيابات السجن وقسوة القيد، فوجهوا له اتهاما بتفجير سيارات رغم أنه كان في ذلك التاريخ يغطي مؤتمرا بشهادة موقعه –مصر العربية- والحاضرين في المؤتمر، وأخذوا معه شقيقيه (أحدهما حدث) وأخفوهم وعذبوهم، وفي النهاية حصدوا المؤبد.
لو لم يسمع عمر لـ"كلام الأغاني بتاع الحضارة وكاني وماني"، لعرف جيدا كيف يقيد عدسته، ولكان الآن ربما يصور وزيرا في مؤتمر صحفي يعلن أرقاما لا يفهمها البسطاء، أو مسئولا يقص شريطا لمشروع لن يفتتح أبدا، أو ربما ينال جائزة على أحد صوره المبدعة، ولكان أخوه الصغير يكمل دراسته، والآخر يكرّم كبطل للسباحة رفع اسم مصر عاليا، يقف على منصة التتويج متوشحا علم الوطن.. فيما شعبه يصفقون له بأيدٍ أوهنها الجوع وثياب رثة مزقها الشقاء.
لكنه استمع لأغنيات الحضارة وصدقها، وفك وثاق عدسته ورصد معاناة أبناء شعبه وقصصهم الإنسانية.. وكأنه لا تهمة حاضرة، وجريمة جاهزة، وحكم مدون، وزنزانة معدة، و"الورق ورقنا والدفاتر دفاترنا"، وعمر واخواته خلية صاحية حرقت السيارات، والعقوبة مؤبد.
لو لم يسمع عمر كلام الأغاني وشعارات "لو لم أكن مصريًّا ... إلخ"، لربما سافر إلى الخارج وحصل على جنسية تحميه من أخطار المهنة إذا أراد أن يكتب بحرية، فإذا ما انقلبت الأوضاع، واسودّت الدنيا، وقامت عليه الدنيا.. فإنه سيجد السفارات والقنصليات وشاشات الفضائيات تصدح له بالحرية، وكل ما عليه أن يوقع ورقة صغيرة يتنازل فيها عن الجنسية المصرية ليشمله قانون العفو، ويرفع شارة النصر وهو يلتقط صورة من على شاطئ قبرص بعد أن يغادر السجون والمعتقلات.
لم يكن عليه أن يتسول إنسانيته وبشريته –لو لم يكن مصريا- قبل أن يخط رسالته من محبسه، ويؤكد على حقيقته في ملحوظته الهامة قبل أن يكتب: * ملحوظة.. الشخصيات الواردة في هذه الأحداث (عمر، إبراهيم، أنس، ...) شخصيات حقيقية، حية ترزق ، كما أن تلك الأحداث لا تمت للخيال بصلة من قريب أو بعيد، فالأحداث المروية جميعها بتفاصيلها حقيقية 100%.
لو لم يكن مصريا، لقرأ المتحدثون الرسميون والوزراء والسفراء رسالة زوجته «أمنية مجدي» بأعين باكية أمام الكاميرات، وحكوا كيف أنه لم يمهله الطغيان ليجمع بين قلبين متحابين في بيت واحد.
اليوم.. يقف عدد من الشباب من أصدقاء عمر وزملائه في المهنة بأقلامه وعدساتهم على أعتاب نقابة "الفكر والرأي" بحثا عن حرية صديقهم، غير آبهين بأن تلك الوقفة قد تجرهم إلى ذات المصير، وفي ذات الزنزانة التي يقبع بها عمر، حاملين لافتات في وطن لم يعد يُرى فيه إلا لون الدماء.. يهتفون بالحرية في بلد لم يعد يسمع فيه إلا صوت الرصاص.
تلقيت تلك الدعوة للمشاركة في وقفة عمر وأنا أطالع بسعادة صور الصحفي الأسترالي "بيتر جريست" بعد أن حصل على حريته وأقرأ بأسى خبر أن محمد فهمي وقع تنازلا عن جنسيته المصرية واحتفظ بالكندية لتنطبق عليه شروط إطلاق السراح، بينما ظل باهر محمد صديقهم في القضية ذاته محبوسا لأنه لا جنسية له إلاّ المصرية..
عزيزي عمر.. "لو لم تكن مصريًّا.. لكنت الآن حرًّا"..