محتجز بسجن العقرب – أحبة قلبي

محتجز بسجن العقرب – أحبة قلبي

احبة قلبى الديجوى ووهدان كنت اسمع على وهدان وعزمنا ان اختم القرآن على يديه..بالإضافة إلى درس التجويد..وكان لا يكل من تعليم كل من حوله وكان يبدأ من بعد الفجر الى ان ينتهى من آخر أخ..وذلك حتى يوم الثلاثاء
١٩ /٢ /٢٠١٩ عندما جاء الشاويش واخذهم هم الاثنين بدون ان نشعر ..حيث دخل ضابط الوينج وبدأ يقول مش انا قولت محدش ينشر غسيل على احبال برة الزنازين ..فانشغلنا مع ما يقول ..ولأن زنزانة الديجوى ووهدان رقم ٢١ وهى فى اول الوينج فلم نشعر انهم اخذوهم إلا بعد أن خرج الضابط..اخذوهم بعد العصر مباشرة تقريبا ..بالنسبة لحبيبى الديجوى فى هذا اليوم لم اعرف حقيقة إلا انى امسك ورقة أكتب له عن مدى حبى له وعبرت له عن حب شديد له ولشخصه وكان دائما بيننا حديث بعد الفجر يطول فى كل شىء خاصة اللغة الانجليزية فهو يتحدث الانجليزى بطلاقة وكان بيننا كل يوم موضوع نتكلم فيه بالانجليزية وهو الذى حكى لى رواية ( فى قلبى أنثى عبرية ) وفى نفس اليوم ارسل لى رواية اسمها (شيفرة بلال) .. الدجوى كان صاحب خلق رفيع ونادر ما بتقابلى مثله فى خلقه ..كان صديق القطط فى الوينج ..النهاردة القطة إللى كان بيضع لها الطعام وقفت على باب الزنزانة بتاعته تنادى عليه.. ولفت انتباهنا كلنا تصرف القطة ..حبيبتى نرى خيرا بإذن الله استبشروا ..الاخوة هنا روحهم المعنوية مرتفعة ولليوم الرابع على الهتاف والاناشيد والدعاء على الطغاة لم ينقطع والكل فى رضا وسكينة واطمئنان وكل ما هنالك اننا حزنا على فراقهم فقط ولكن نحن على ثقة انهم فى معية الله وحفظه سيبدلهم من بعد خوفهم امنا ..الجبناء حتى الآن لم يمتلكوا الشجاعة للدخول الوينج ولا حتى دخول حجرة ٢١ ..مصحف وهدان ودجوى وحاجاتهم ما زالت فى الحجرة ٢١ ..منتظرين رد عنيف من الإدارة بسبب موقفنا من الإعدام الله المستعان لا تقلقى.........
تهنئتى لأهالى الشهداء

حسن البنا مبارك (حسن البنا) – فيما كل هذا الألم؟

حسن البنا مبارك (حسن البنا) – فيما كل هذا الألم؟

فيما كل هذا الألم؟
(1)
‎لماذا يساء إلينا دائماً؟
‎لماذا نحن متهمون من حيث المبدأ؟
‎إلى من يمكنني أن أتحدث؟ وأن أخبره بأنني لست عدو لك، وأنك تخطيىء حين تراني بعين العدو، وتستبيحني كما يستباح العدو .. أنت ضابط الأمن في بلادي، وأنا مواطنك، أنت القاضي في بلادي، وأنا مواطنك .. لم يكن الأمن إن لم يكن لي؟ لمن ينحز القضاء إن لم ينحز لي؟
‎لي رواية واحدة - قصيرة جداً - مللت من تكرارها، لكني لا أملك غيرها لأحكيه ..
‎كنت في طريقي إلى العمل حين استوقفت قوة من الشرطة سيارة الأجرة التي أنا بها، في مشهد معتاد، لا يستدعي التفكير في كونه أكتر من إجراء أمني روتيني سينتهي بمجرد الكشف عن بطاقات الهوية الخاصة براكبي السيارة .. طلبت القوة من صديقي النزول، ثم سألوني:
‎هل أنتما معاً؟
‎أجبت: نعم.
‎ماذا تعمل؟
‎صحفي.
‎هل معك كارنيهاً لنقابة الصحفيين؟
‎لا
:
‎حسناً فلتنزل مع صديقك!
(2)
‎كان ذلك أسود يوم طلعت علي فيه الشمس، ولا زالت هذه الشمس لم تغرب عني.
‎من يومها وأنا مع صديقي، في الأمن الوطني معه، في نيابة أمن الدولة معه، أمام دوائر محكمة الجنايات معه .. وفي كل تلك العوالم رددنا سوياً في كل مرة سمح لنا بالكلام الرواية ذاتها، على مسامع كل من وقفنا أمامه, ضابط التحقيق, وكلاء النيابة, السادة القضاة .. يقول مصطفى: لم يكن حسن على علم بمشروع الفيلم الوثائقي (موضوع القضية) ولا ذنب له إلا تصادف وجودنا سوياً ساعة إلقاء القبض علي، وأقول أنا: هل في مصاحبة الصديق لصديقه ذنب؟
‎سنة كاملة مرت، وهاهي الأخرى قد بدأت في النزيف، مئات الأيام مابين خوف وألم، ولا أحد يعبأ بك، عمرك الذي يستنزف، وظيفتك التي فقدت، المصاريف التي تهدر، حبيبتك التي تنتظرك، عائلتك التي تتألم لغيبتك، وأصدقاؤك الذين يرعبهم أن يتصوروا أنفسهم في مكانك.
‎ولا أحد لتسأله؛ لماذا كل هذا؟
‎فيما كل هذا الألم؟
‎هل يحتاج الأمر فعلاً لأكثر من عام حتى يتسنى للتحقيقات أن تتوصل إلى حقيقة كونك سجين خطأ؟ سجين صدفة؟ إلى هذا الحد شاق هو الأمر؟
‎ألست مواطناً في هذا البلد؟
‎ألا يعد تدمير مستقبلي وتخريب نفسيتي خسارة مباشرة للبلد الذي أنتمي إليه؟ لماذا كلما تحدثت إلى أحد هنا نظر إلي نظرة اتهام واستخاف؟ لماذا لا يستوعبون أننا مواطنون مثلهم تماماً، مصريون مثلهم تماماً، لنا حقوق مثلهم تماماً؟ لماذا أصلاً تثير فيهم الكلمات: مواطن، حقوق، قانون حس السخرية والدعابة؟
‎لماذا لا يعبأ أحد بشعورنا الوطني والضرر الذي قد يصيبه حين يتم اختطافك وترويعك واتهامك في إنتمائك الوطني على أيدي سلطات بلادك، بلا مبرر إلا أنك وقعت في طريقهم بالصدفة، ألا يلحظون أن ذلك يخالف رسالة وظيفتهم ومعنى الوطنية التي يتهموننا فيها؟ لماذا الأمر سهل عليهم هذه السهولة بينما هو يدمينا؟
‎حين تكون سجين صدفة لم تكسر حتى إشارة مرور، سيصعب عليك السجن للحد الذي يمنعك حتى من أن تستطيع معه إضفاء معنى على محبسك يعزيك، فلا أنت مقتنع أنك تدفع ضريبة على قضية ما، ولا أنت مدفوع بشعور بإستحقاق العقاب والندم من جراء إثم أو ذنب اقترفته يحملك على تقبل ما أنت فيه.
(3)
‎لذا تظل في سؤال دائم ودهشة دائمة، ألا يكفي من عمرك سنة كاملة لتصحيح سوء التفاهم إن كان الأمر كذلك؟ لتصويب مسار الصدفة، للتأديب إن كان يلزم تأديبك؟ للعقوبة إن كان يلزم عقابك؟ إن سنة كاملة فعالة على كل وجه، كافية لأي غرض!!
‎لماذا إذن كل هذا الإستقواء علينا؟ ألم يكن يكفي مجرد لفت النظر لأن مرافقة صديقك أثناء الذهاب للعمل أمر بهذه الخطورة؟ وإن لم يكن لفت النظر كافياً، فماذا عن الأحد عشر يوماً التي قضيتهما معصوب العينين، مقيد اليدين، ملقى على الأرض؟ ماذا عن خمسة عشر يوماً إضافياً في السجن؟ شهر؟ عدة أشهر؟ عام كامل؟!
‎لقد كنت أنتظر من أمن بلادي ألا يفترض في العداء مسبقاً، ومن نيابة دولتي ألا ترحب بتوجيه الإتهام إلي قبل ثبوت الدليل، ومن القضاء أن ينصفني ويرد لي الإعتبار إن تجاوز أي منهم في حقي، ولم أزل أنتظر .. ليس لأنني لا أملك شيء سوى الانتظار (رغم أنني بالفعل كذلك) ولكن لأنه يشق علي أن أستوعب ألا يجد المرؤ من ينصفه من بين كل هؤلاء؟
‎أكتب إليكم لا أعرف لمن، وأنشر لأنني لا أعرف طريقة أخرى للتواصل، إذ لمن نحتكم إن لم نحتكم إليكم؟ من ينصفنا إذا خذلتمونا؟ ثمة خطأ ما، لا أعرف ما هو تحديداً، ولا أعرف كيف يمكن تصويبه، لكنه قطعاً يوجد.
‎كل شيء هنا يدعو للكآبه .. للتطرف .. للموت، فإلى متى قد نصمد في مواجهة تلك الشرور مجردين من أي أمل؟ عزلاً من أي رجاء؟
‎إننا بعد كل هذا الألم واستسهال الاتهام في انتماءنا ووطنيتنا ومساوتنا بالمتطرفين والمجرمين، وتجريدنا من أبسط حقوقنا، وإهانتنا والتحقير من شأننا على مدار اليوم والليلة، لم ندخر لهذا الوطن حقداً، ولم نربي له في نفوسنا إلا كل أمنية طيبة، ولم ينتقص كل هذا الظلم من حقيقة انتماءنا له، وأننا لا نبغي شيئاً - أي شيء على الإطلاق - إلا حريتنا والعودة إلا بلادنا التي هي خارج هذا السجن.
‎إن أعمارنا التي تستنزف هنا هي عمر هذا الوطن وحياته، وإلا فمن يحتد للبلاد يوم مصابها إن لم نحتد لها نحن، ومن يرفع علمها يوم فرحها إن لم نرفعه نحن؟.
(4)
‎من ينتبه لأن الكأس قد فاض عن آخره، ومن يدفع من أجل كل هذا، من يطيب كل هذه الجراح، من يجبر كل هذه الكسور؟ نحن معنى هذا البلد؛ أمله وطاقته، سواؤنا النفسي ضمان لسلامته وعافيته، فلا تدفعونا للكفر به، لا تحرضونا على قتل أنفسنا، لا تضغطوا وطنيتنا أكثر من ذلك، لا تزيدوا من اتساع الفجوة بيننا وبينكم، لا تقطعوا رجاءنا بكم، لا تغلقوا في وجوهنا الأبواب، خففوا علينا، ترفقوا بنا، تأولوا لنا عدد والنا الأعذار!
‎فكم موجع أن تبصر الوطن في مقتبل شبابك فلا تبصر منه إلا السجن
‎"ياعزيز عيني وأنا نفسي أروح بلدي"
‎حسن البنا مبارك
‎السبت 23 فبراير/ شباط 2019 سجن القاهرة للمحبوسين احتياطيا

احمد هيثم الدجوي – أبتاه ماذا قد يخطُّ بناني

احمد هيثم الدجوي – أبتاه ماذا قد يخطُّ بناني

أبتاه ماذا قد يخطُّ بناني والحبلُ والجلادُ ينتظراني
هذا الكتابُ إليكَ مِنْ زَنْزانَةٍ مَقْرورَةٍ صَخْرِيَّةِ الجُدْرانِ لَمْ تَبْقَ إلاَّ ليلةٌ أحْيا بِها وأُحِسُّ أنَّ ظلامَها أكفاني
سَتَمُرُّ يا أبتاهُ لستُ أشكُّ في هذا وتَحمِلُ بعدَها جُثماني
الليلُ مِنْ حَولي هُدوءٌ قاتِلٌ والذكرياتُ تَمورُ في وِجْداني
وَيَهُدُّني أَلمي فأنْشُدُ راحَتي في بِضْعِ آياتٍ مِنَ القُرآنِ
والنَّفْسُ بينَ جوانِحي شفَّافةٌ دَبَّ الخُشوعُ بها فَهَزَّ كَياني
قَدْ عِشْتُ أُومِنُ بالإلهِ ولم أَذُقْ إلاَّ أخيراً لذَّةَ الإيمانِ
شكرا لهم أنا لا أريد طعامهم فليرفعوه فلست بالجوعان
هذا الطعام المر ما صنعته لي أمي و لا وضعوه فوق خوان
كلا و لم يشهده يا أبتي معي أخوان جاءاه يستبقان
مدوا إلي به يدا مصبوغة بدمي و هذه غاية الإحسان
والصَّمتُ يقطعُهُ رَنينُ سَلاسِلٍ عَبَثَتْ بِهِنَّ أَصابعُ السَّجَّانِ
ما بَيْنَ آوِنةٍ تَمُرُّ وأختها يرنو إليَّ بمقلتيْ شيطانِ
مِنْ كُوَّةٍ بِالبابِ يَرْقُبُ صَيْدَهُ وَيَعُودُ في أَمْنٍ إلى الدَّوَرَانِ
أَنا لا أُحِسُّ بِأيِّ حِقْدٍ نَحْوَهُ ماذا جَنَى فَتَمَسُّه أَضْغاني
هُوَ طيِّبُ الأخلاقِ مثلُكَ يا أبي لم يَبْدُ في ظَمَأٍ إلى العُدوانِ
لكنَّهُ إِنْ نامَ عَنِّي لَحظةً ذاقَ العَيالُ مَرارةَ الحِرْمانِ
فلَرُبَّما وهُوَ المُرَوِّعُ سحنةً لو كانَ مِثْلي شاعراً لَرَثاني
أوْ عادَ - مَنْ يدري - إلى أولادِهِ يَوماً تَذكَّرَ صُورتي فَبكاني
وَعلى الجِدارِ الصُّلبِ نافذةٌ بها معنى الحياةِ غليظةُ القُضْبانِ
قَدْ طالَما شارَفْتُها مُتَأَمِّلاً في الثَّائرينَ على الأسى اليَقْظانِ
فَأَرَى وُجوماً كالضَّبابِ مُصَوِّراً ما في قُلوبِ النَّاسِ مِنْ غَلَيانِ
نَفْسُ الشُّعورِ لَدى الجميعِ وَإِنْ هُمُو كَتموا وكانَ المَوْتُ في إِعْلاني
وَيدورُ هَمْسٌ في الجَوانِحِ ما الَّذي بِالثَّوْرَةِ الحَمْقاءِ قَدْ أَغْراني؟
أَوَ لَمْ يَكُنْ خَيْراً لِنفسي أَنْ أُرَى مثلَ الجُموعِ أَسيرُ في إِذْعانِ؟
ما ضَرَّني لَوْ قَدْ سَكَتُّ وَكُلَّما غَلَبَ الأسى بالَغْتُ في الكِتْمانِ؟
هذا دَمِي سَيَسِيلُ يَجْرِي مُطْفِئاً ما ثارَ في جَنْبَيَّ مِنْ نِيرانِ
وَفؤاديَ المَوَّارُ في نَبَضاتِهِ سَيَكُفُّ في غَدِهِ عَنِ الْخَفَقانِ
وَالظُّلْمُ باقٍ لَنْ يُحَطِّمَ قَيْدَهُ مَوْتي وَلَنْ يُودِي بِهِ قُرْباني
وَيَسيرُ رَكْبُ الْبَغْيِ لَيْسَ يَضِيرُهُ شاةٌ إِذا اْجْتُثَّتْ مِنَ القِطْعانِ
هذا حَديثُ النَّفْسِ حينَ تَشُفُّ عَنْ بَشَرِيَّتي وَتَمُورُ بَعْدَ ثَوانِ
وتقُولُ لي إنَّ الحَياةَ لِغايَةٍ أَسْمَى مِنَ التَّصْفيقِ ِللطُّغْيانِ
أَنْفاسُكَ الحَرَّى وَإِنْ هِيَ أُخمِدَتْ سَتَظَلُّ تَعْمُرُ أُفْقَهُمْ بِدُخانِ
وقُروحُ جِسْمِكَ وَهُوَ تَحْتَ سِياطِهِمْ قَسَماتُ صُبْحٍ يَتَّقِيهِ الْجاني
دَمْعُ السَّجينِ هُناكَ في أَغْلالِهِ وَدَمُ الشَّهيدِ هُنَا سَيَلْتَقِيانِ
حَتَّى إِذا ما أُفْعِمَتْ بِهِما الرُّبا لم يَبْقَ غَيْرُ تَمَرُّدِ الفَيَضانِ
ومَنِ الْعَواصِفِ مَا يَكُونُ هُبُوبُهَا بَعْدَ الْهُدوءِ وَرَاحَةِ الرُّبَّانِ
إِنَّ اْحْتِدامَ النَّارِ في جَوْفِ الثَّرَى أَمْرٌ يُثيرُ حَفِيظَةَ الْبُرْكانِ
وتتابُعُ القَطَراتِ يَنْزِلُ بَعْدَهُ سَيْلٌ يَليهِ تَدَفُّقُ الطُّوفانِ
فَيَمُوجُ يقتلِعُ الطُّغاةَ مُزَمْجِراً أقْوى مِنَ الْجَبَرُوتِ وَالسُّلْطانِ
أَنا لَستُ أَدْري هَلْ سَتُذْكَرُ قِصَّتي أَمْ سَوْفَ يَعْرُوها دُجَى النِّسْيانِ؟
أمْ أنَّني سَأَكونُ في تارِيخِنا مُتآمِراً أَمْ هَادِمَ الأَوْثانِ؟
كُلُّ الَّذي أَدْرِيهِ أَنَّ تَجَرُّعي كَأْسَ الْمَذَلَّةِ لَيْسَ في إِمْكاني
لَوْ لَمْ أَكُنْ في ثَوْرَتي مُتَطَلِّباً غَيْرَ الضِّياءِ لأُمَّتي لَكَفاني
أَهْوَى الْحَياةَ كَريمَةً لا قَيْدَ لا إِرْهابَ لا اْسْتِخْفافَ بِالإنْسانِ
فَإذا سَقَطْتُ سَقَطْتُ أَحْمِلُ عِزَّتي يَغْلي دَمُ الأَحْرارِ في شِرياني
أَبَتاهُ إِنْ طَلَعَ الصَّباحُ عَلَى الدُّنى وَأَضاءَ نُورُ الشَّمْسِ كُلَّ مَكانِ
وَاسْتَقْبَلُ الْعُصْفُورُ بَيْنَ غُصُونِهِ يَوْماً جَديداً مُشْرِقَ الأَلْوانِ
وَسَمِعْتَ أَنْغامَ التَّفاؤلِ ثَرَّةً تَجْري عَلَى فَمِ بائِعِ الأَلبانِ
وَأتى يَدُقُّ- كما تَعَوَّدَ- بابَنا سَيَدُقُّ بابَ السِّجْنِ جَلاَّدانِ
وَأَكُونُ بَعْدَ هُنَيْهَةٍ مُتَأَرْجِحَاً في الْحَبْلِ مَشْدُوداً إِلى العِيدانِ
لِيَكُنْ عَزاؤكَ أَنَّ هَذا الْحَبْلَ ما صَنَعَتْهُ في هِذي الرُّبوعِ يَدانِ
نَسَجُوهُ في بَلَدٍ يَشُعُّ حَضَارَةً وَتُضاءُ مِنْهُ مَشاعِلُ الْعِرفانِ
أَوْ هَكذا زَعَمُوا! وَجِيءَ بِهِ إلى بَلَدي الْجَريحِ عَلَى يَدِ الأَعْوانِ
أَنا لا أُرِيدُكَ أَنْ تَعيشَ مُحَطَّماً في زَحْمَةِ الآلامِ وَالأَشْجانِ
إِنَّ ابْنَكَ المَصْفُودَ في أَغْلالِهِ قَدْ سِيقَ نَحْوَ الْمَوْتِ غَيْرَ مُدانِ
فَاذْكُرْ حِكاياتٍ بِأَيَّامِ الصِّبا قَدْ قُلْتَها لي عَنْ هَوى الأوْطانِ
وَإذا سَمْعْتَ نَحِيبَ أُمِّيَ في الدُّجى تَبْكي شَباباً ضاعَ في الرَّيْعانِ
وتُكَتِّمُ الحَسراتِ في أَعْماقِها أَلَمَاً تُوارِيهِ عَنِ الجِيرانِ
فَاطْلُبْ إِليها الصَّفْحَ عَنِّي إِنَّني لا أَبْتَغي مِنَها سِوى الغُفْرانِ
مازَالَ في سَمْعي رَنينُ حَديثِها وَمقالِها في رَحْمَةٍ وَحنانِ
أَبُنَيَّ: إنِّي قد غَدَوْتُ عليلةً لم يبقَ لي جَلَدٌ عَلى الأَحْزانِ
فَأَذِقْ فُؤادِيَ فَرْحَةً بِالْبَحْثِ عَنْ بِنْتِ الحَلالِ وَدَعْكَ مِنْ عِصْياني
كانَتْ لها أُمْنِيَةً رَيَّانَةً يا حُسْنَ آمالٍ لَها وَأَماني
وَالآنَ لا أَدْري بِأَيِّ جَوانِحٍ سَتَبيتُ بَعْدي أَمْ بِأَيِّ جِنانِ
هذا الذي سَطَرْتُهُ لكَ يا أبي بَعْضُ الذي يَجْري بِفِكْرٍ عانِ
لكنْ إذا انْتَصَرَ الضِّياءُ وَمُزِّقَتْ بَيَدِ الْجُموعِ شَريعةُ القُرْصانِ
فَلَسَوْفَ يَذْكُرُني وَيُكْبِرُ هِمَّتي مَنْ كانَ في بَلَدي حَليفَ هَوانِ
وَإلى لِقاءٍ تَحْتَ ظِلِّ عَدالَةٍ قُدْسِيَّةِ الأَحْكامِ والمِيزانِ

مجموعة محتجزون بسجن المنصورة –  شهداؤنا الأبرار فزتم ورب الكعبة

مجموعة محتجزون بسجن المنصورة –  شهداؤنا الأبرار فزتم ورب الكعبة

بسم الله الرحمن الرحيم
"إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقًا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم".
* شهداؤنا الأبرار فزتم ورب الكعبة، وهنيئًا لكم أن اصطفاكم الله وكرمكم بشهادة لا ينالها الأنقياء الذين صنعهم الله على عينه واصطفاهم لنفسه وعزاؤنا أنكم الآن بصحبة سيد الشهداء حمزة والصحابة الأطهار.
* إلى إخواننا وأحبابنا القابضين على الجمر الصامدين المستمسكين بدين الله وطريق الحق، الذين لم يغيروا ولم يبدلوا، اعلموا أنكم الأمل لنا -بعد الله سبحانه- ولإخوانكم القابعين في زنازين الإعدام..
* أحبابنا.. ارتقى إخوانكم شهداء فلا تبكوا كالثكالى على ذكراهم بل اعملوا، ومع العمل اصبروا وأعدوا، ومع الإعداد اثبتوا واجتهدوا، ومع الجهاد التضحية، وارتقوا بمبادئكم وإيمانكم لتنالوا شرف السير على خطاهم، وكونوا على قلب رجل واحد حتى يأذن الله لأختنا بنصر قريب.
* وإلى سادتنا الكرام -أهالي شهدائنا الأبرار وذويهم- هنيئًا لكم تلك المنزلة التي لم يحظ بها الكثير، هنيئًا لكم شفاعة شهدائنا -بإذن الله- واعلموا أن فلذات أكبادكم ركضوا للشهادة مقبلين غير مدبرين فرحين مستبشرين وعاملين، فلا تحزنوا واستبشروا بما أعده الله لكم ولهم، وعسى أن يأتي يوم قريب يذهب الله به غيظ قلوبكم، ووالله لن تضيع دماءهم الزكية هدرًا، رقابنا أمام أعينكم صغيرة، فاعذرونا وانتظروا.
* وإلى الذين تخاذلوا وقعدوا واكتفوا بالمشاهدة -إن فعلوا- ورضوا بالذل والانكسار، والله إنا منكم برآء، اعلموا أن الاستسلام لم ولن يكون طوق نجاة لكم ومن على شاكلتكم، وإن هذه القضية العادلة لن تُنصَر بالكلام والأحلام، بل بالعمل والجهاد والتضحية والبذل.
* وإلى الطواغيت الذين طغوا وتجبروا وظلموا وقتلوا إخواننا شنقًا وتصفية.. إياكم أن تظنوا أن أهل الحق سيصمتون ويتركون تلك الدماء تراق بلا ثمن كلا وربِّنا بل ساعة القصاص قادمة لا محالة.. واعلموا أيها الحمقى أن الحرب بيننا وبينكم سجال.. لكم جولة ولنا -بإذن الله- جولات، وما هذه الإعدامات إلا سطر أخير قد كتبتم بها نهايتكم، ونحن بعون الله وقدرته صامدون ثابتون على طريق الحق، مُصِرُّون على القصاص.
لن نخون …. لن نهادن …… لن نلين.
إن نسيتم أذى العدو هلكتم فتواصوا بالحقد جيلا فجيلا
وذروا الحقد في الصدور ليومٍ. يجد الحقد للقصاص سبيلا
أحرار سجن المنصورة العمومي
١٥ من جمادى الآخر سنة ١٤٤٠ هـ
٢٠ فبراير سنة ٢٠١٩ م

احمد طه وهدان – ليلتي أي بُنيتي

احمد طه وهدان – ليلتي أي بُنيتي

ليلتي أي بُنيتي..
اعلمي يا حبية قلب ابيكِ أنه لم يرتكب أي جرم أو ذنب
حبيبتي كان همي هو حمايتك و إيجاد وطن يحميكي وليس مجرد سجن كبير تعيش فيه
سامحيني لم أستطيع ضمك ضمة أخيرة أو اقبل جبينك الطاهر
لكني سأنتظرك هناك علي باب الجنة حيث لا فراق ولا وداع غاليتي
أحبك

محمد رمضان بيبرس (محمد رمضان) – الزيارة بتهزك

محمد رمضان بيبرس (محمد رمضان) – الزيارة بتهزك

زملائي الاحرار خارج السجون ،
اكتب هذه الرسالة في ظل ظروف حبس قاسية و ذلك بعد التصعيد الخطير الذي تمارسه السلطة ضدنا و المتمثل في قرار منع الزيارة عنا، هذا القرار الذي يعد انتهاك خطير يخالف الدستور و القانون ، فقد لجأت السلطة كعادتها للكذب و التضليل عندما اخبروا ذوينا بأننا ممنوعون من الزيارة لكوننا في التأديب مع أننا لم نكن في التأديب، و علمنا إن هذا القرار يشمل جميع معتقلين (التيار المدني) في القاهرة و الإسكندرية و لكوننا الزنزانة الوحيدة في معتقل برج العرب التي تحمل بين جدرانها سبعة من شباب هذا التيار و هي زنزانة ٤ عنبر ٢٢ فقد حرمنا من الزيارة ولم يقف التصعيد عند هذا الحد و انما قامت السلطة بنقلنا نحن السبعة إلي عنبر ٣ جنائي الخالي من السياسين عدا زنزانة واحدة بها ٨ من قيادات الاخوان منهم حسن البرنس.
و أنا ارى إن سبب لجوء السلطة لهذا الانتهاك انما هو محاولة بائسة فاشلة لالهائكم بنا عن معركة أكبر و أهم ، معركة مصيرية و هي معركة تعديل الدستور ، فلا تنشغلوا بنا فللمعتقل رب يحميه و انما كرسوا كل طاقاتكم لمعركة الدستور، فقد عودتنا السلطة على افتعال الازمات لالهاء الشعب كأزمة التسريبات أو حتى كأس الأمم الإفريقية.
فالتتحد كل القوى الوطنية من أجل إفشال تمرير كارثة الدستور فهذا هو أكبر داعم لقضيتنا و لمعنويتنا كمعتقلين.
اتحدوا من أجل المعتقليين و الشهداء و الفقراء، من أجل حلمنا بوطن حر.
#الحرية_للمعتقلين_السياسيين #الحرية_للمعتقلين_الجنائين #المجد_للشهداء #النصر_للثورة
الله-الوطن-الثورة
محمد رمضان
زنزانة ٦ عنبر ٣ جنائي

وليد احمد شوقي (وليد شوقي) – لحظات غرق جزيرة الحوت: عن الخطاب السياسي لحركة 6 أبريل

وليد احمد شوقي (وليد شوقي) – لحظات غرق جزيرة الحوت: عن الخطاب السياسي لحركة 6 أبريل

لحظات غرق جزيرة الحوت: عن الخطاب السياسي لحركة 6 أبريل

ظلت سفينة السندباد البحري تبحر لشهور طويلة على غير هدى بعد أن ضل من عليها طريقهم، وأوشكت المؤن على النفاذ وزاد تعب الطاقم وبدأ اليأس يدب في نفوسهم من الوصول لليابسة، وفي يوم غائم صاح أحد البحارة فجأة أنه قد رأى جزيرة في الأفق، وعلى الفور بدأت التجهيزات للرسو على الجزيرة، وما إن وطأت أقدامهم أرضها حتى ركضوا سريعًا ملهوفين للبحث عن الماء والطعام، وقبل أن تكتمل فرحتهم شعروا باهتزازات تشبه الزلزال، وبدأت الجزيرة تتحرك، نعم اكتشفوا أن الجزيرة التي مثلت لهم بارقة أمل للراحة والتغيير، بعد شهور من التيه في البحر، ما هي إلا حوت كبير بدأ في التحرك إلى قاع البحر بعد أن استشعر وجودهم فوق ظهره، فماذا يفعل السندباد ورجاله؟!
«ثورة أم سياسة؟»

تهدف الثورة إلى إحداث تغيير جذري في المجتمع، وعادة ما تبدأ بتغيير النظام السياسي لنظام جديد يقوم، مع المواطنين، باتخاذ اللازم لعملية التغيير. تكون الثورة هي الملاذ الأخير عندما تفشل عملية الإصلاح وتتأخر، أو عندما لا يوجد سبيل من الأساس للإصلاح، وعلى هذا تكون الثورة هي فعل سياسي بالأساس (كما أن الحرب هي فعل سياسي يحدث غالبًا عند فشل عملية التفاوض؛ ليفرض أمرًا واقعًا جديدًا أو على الأقل شروطًا مختلفة للتفاوض).

أدت حالة التجريف السياسي التي كانت عليها البلاد، والتي كانت من أسباب قيام ثورة يناير، لعدم وجود ممثل سياسي قوي متفق عليه ليعبر سياسيًا عن الملايين التي قامت بالثورة، ما أثر على الخطاب السياسي المحسوب على الثورة والمعبر عنها، وساهم كل ذلك في ما حدث عقب يناير وحتى الآن.

القوة الحقيقية للثورة ليست فقط بعدد المتظاهرين في الشوارع والميادين، بالطبع امتلاء الميادين عنصر مهم لكن الأهم هي الحاضنة الشعبية من عموم المواطنين، المؤيدة لحركة المتظاهرين ومطالبهم، والذين يحتاجون طوال الوقت إلى تواصل مستمر عن طريق الخطاب السياسي والرسائل الموجهة إليهم قولًا وفعلًا. قد تكون شعارات العدل والكرامة والحرية، وهتافات المتظاهرين، مناسبة في وقت اعتصام الميادين من 25 يناير وحتى 11 فبراير، لكن بعد رحيل مبارك لم تعد الشعارات كافية مهما كانت مثالية وواعدة بمستقبل أفضل، لأن الناس أصبحت بحاجة لخطاب سياسي أكثر عقلانية وتفصيلًا، وأن ترى برامج سياسية وطرح سياسي واقعي قابل للتنفيذ؛ ليريهم كيف ستتحقق العدالة والكرامة والحرية.

لقد تطلعوا وانتظروا من «النخب» السياسية أن تتقدم بما لديها وتريهم الخطوة التالية التي ستحقق أحلامهم، ولكن للأسف وقع الكثير من النشطاء في فخ وجود تناقض كامل بين الثورة والسياسة، كما وقعوا في فخ آخر، هو اختزال كل أهداف الثورة في إزاحة مبارك كدليل على تغيير سياسي جذري في النظام، وانعكس ذلك على خطاب غالبية النشطاء عبر وسائل الإعلام المختلفة، سواء التواصل الاجتماعي أو التلفزيون عن طريق ممثليهم.

ولم تكن هناك طريقة واضحة ومعايير محددة لاختيار ضيوف البرامج التلفزيونية من غير ممثلي التنظيمات السياسية والمتحدثين الرسميين، وأعتقد أن نظرة سريعة على ضيوف البرامج الحواية والـ «توك شو» طوال الفترة من 25 يناير وحتى 30 يونيو لا بد أن تثير تساؤلات هامة حول جدارة أغلب، إن لم يكن كل الضيوف، بمن فيهم من ممثلي الائتلافات والتنظيمات السياسية والمتحدثين الرسميين بكل هذه الساعات من البث والحوار، وإذا كنا لا نمتلك إلا القليل لنقدمه للجمهور علينا أن نتساءل: هل اخترنا خير من يمثلنا ليقدمه للناس؟!

مع الوقت اعتاد المتلقي على خطاب «ثوري راديكالي»، محتواه الرفض المستمر ومحاولة استعراض قوة الثوار، مع التشديد على إظهار الموقف دون الاهتمام بتفسيره أو محاولة إقناع الجمهور، فالإقناع هو أحد أهداف الخطاب السياسي في الأساس، كل هذا امتزج بالدماء التي ملأت الشاشات في أحداث الثورة المختلفة وضج بها الناس. وفي المقابل كان خطاب السلطة يحدثهم عن عجلة الإنتاج وضرورة الهدوء حتى تجاوز الأزمات الاقتصادية والأمنية، حتى فشل الثوار في تطوير خطابهم مع تطور الأحداث، وهي نتيجة طبيعية للتخبط في قراءة المشهد السياسي على أرض الواقع.
«الرأي بعد شجاعة الشجعان»

نتيجة للأحداث المتلاحقة بعد الثورة، والحاجة الملحة إلى إعلان الموقف السياسي، والقيام بتكتيكات سريعة، تراجع الثوار إلى موقع رد الفعل. وفي رأيي أن النظام دائمًا ما يكسب معاركه -التي يحسبها جيدًا- حتى يكون في موقف المبادر بالفعل، ويسبق بخطوة، في حين يبدو عليه الارتباك الشديد حين يكون في موقع رد الفعل.

ومن الأخطاء العديدة التي وقعت فيها حركة شباب 6 أبريل، والثوار أيضًا، هو الانتباه ﻷن اتخاذ موقف جذري راديكالي في العموم، لا يستتبع بالضرورة تبني تكتيكات راديكالية طوال الوقت، وأن النقاء الثوري، المتوهم والنابع من سذاجة التصور الخاطئ بوجود تناقض تام بين الثورة والسياسة، لا يتعارض مع حسن التقدير واختيار الخطاب المناسب للظرف السياسي، ولطبيعة الجمهور المستهدف؛ فالخطاب السياسي يهدف لإقناع الجمهور لا التعالي عليه، ويجب أن ينبع من رؤية استراتيجية كاملة متضمنة تحليلًا واقعيًا للخريطة السياسية، وواعية بالأهداف المرجوة، فيكون الخطاب نتيجة للرؤية وليس العكس، فالانحياز الثوري والرفض السياسي أدى بالجميع لخسارة الثورة والسياسة والعودة للمربع صفر.

بدأت حركة شباب 6 أبريل كتنظيم سياسي يهدف إلى منع توريث الحكم، وقدمنا أنفسنا على أننا حركة المقاومة السلمية، دون تحديد كافٍ لرؤية واستراتيجية الحركة، وكما تحدثت في مقال سابق عن أزمة الرؤية والأيدولوجية لدى الحركة، التي أدت إلى تشوش وارتباك واضح في تحديد موقعنا داخل الخريطة السياسية المصرية، فإذا افترضنا أن الحركة هي مجموعة ضغط فكان من المفترض أن تحتل الحركة موقعًا وسيطًا بين النخبة السياسية وبين الجماهير العادية، وأن توازن في خطابها ومواقفها بين الجانبين، ولكن ما حدث هو أن الحركة كانت مذبذبة في تمركزها؛ تجدها مرة بين الجمهور العادي للثورة تتحدث بخطابه وتتماهى مع موقفه، والجمهور غالبًا عاطفي ومندفع ودائمًا لا يحمل أي التزامات أو أعباء، كما أن وعيه متطاير بدرجة كبيرة، ومرة أخرى نجد الحركة بين النخبة تتحدث بخطابها وتتماهى مع مواقفها، فأثر ذلك على هوية الحركة ودورها، وتسبب في فشل في إيصال رؤيتها ورسالتها للجمهور أو إلى النخبة، وانعكس ذلك على خطاب الحركة، الذي مال في مواقفه للخضوغ لمزايدات الجمهور الثوري المندفع دائمًا والمائل للخطاب المتطرف والمواقف الحدية الرافضة، أو إلى مزايدات النخبة السياسية من رموز وأحزاب وغيرها التي تتهم الحركة بالـ «طيش الشبابي»، وعدم كفاءتها كممثل سياسي حقيقي.

وبين هذا وذاك ترسخت صورة ذهنية عن الحركة كمجموعة من الشباب الفوضوي صاحب الصوت العالي الفارغ, والمستعد دائما للاشتباك وإلقاء الحجارة دون تفاهم، وزاد في ترسيخ هذه الصورة ما يبثه إعلام النظام عن الشباب والحركة واتهامات الخيانة والتمويل، فأدت هذه الصورة لتحول الحركة لعنصر جذب لمزيد من الشباب المتحمس من قطاعات كبيرة من الوافدين الجدد أصحاب المفهوم الخاطئ عن الثورة كوسيلة لتفريغ الغضب، أو إلقاء الحجارة ومزيد من الاشتباك، عشاق الأدرينالين والباحثين عن دور البطولة، فاستقبلتهم الحركة كأعضاء لديها دون تدريب كافي، أو إعداد وتثقيف، فتحولوا مع الوقت لعبء تنظيمي جديد على قيادات الحركة، خاصة مع المطالبة برفع سقف الخطاب واتخاذ مواقف متطرفة.

على الجانب الآخر تعامل كثير من «النخب» مع الحركة باعتبارها مجرد وسيلة لحشد المتظاهرين، وزيادة العدد بالتظاهرات والاعتصامات وكأنها «مقاول أنفار»، دون أن تكون ندًا سياسيًا حقيقيًا.

فقدت الحركة موقعها المفترض كحلقة وصل بين جمهور يبحث عن النخبة، ونخبة تبحث عن جمهور، وتمركزت في مواقع خاطئة بقصد أو بدون قصد على طريقة إيكاروس في الأسطورة اليونانية «سقطت في البحر بعد أن فشلت في الطيران» والذي حذروه من الاقتراب بأجنحته -التي يربطها الشمع- من الشمس أكثر أو من البحر أكثر، وأن يحافظ على موقع بسيط بينهم، لكن اقترابه من الشمس أكثر من اللازم أدى لانصهار الشمع، وفشل محاولاته في الطيران.
«من خطاب المنتصر لخطاب الضحية»

نتيجة الأحداث المتلاحقة من يناير وحتى 30 يونيو انشغل غالبية النشطاء بالتأكيد على المواقف الثورية، أو التمسك بالشعارات المجردة أو المبادئ العامة، أكثر من الاهتمام بالعمل السياسي أو تحمل عبء ترجمة هذه المبادئ في برامج سياسية وتقديمها للجمهور، أو تحمل مسؤولية التنظيم، فكانت المنصة الرئيسية للتفاعل، وهي مواقع التواصل الاجتماعي، تحفل بالأنا المتضخمة والشعور بالاستحقاق والتميز، واعتبر النشطاء أنفسهم أصحاب الثورة ووكلائها من دون الملايين الذين شاركوا فيها.

وبعد انحسار المد الثوري عقب 30 يونيو تحولت نبرة الخطاب إلى النقيض تمامًا، فكلما تطرفنا في الاحتفاء والاحتفال بنصر لم يكتمل فقد تطرفنا في البكاء على ضياعه، وتفنن أغلبنا في إظهار مظلومياتهم وسوء حظهم وقسوة الظروف، وكأننا نعشق البقاء عند طرف المنحنى البياني حتى لو كان الطرف الأسفل للمنحنى، وبدلًا من تحمل المسؤولية والاعتراف بالتقصير ومكاشفة الذات بالأخطاء ومحاسبتها ومحاولة دراسة ما حدث لتدارك ما يمكن تداركه أو محاولة علاجه ولو في المستقبل، بدلًا من ذلك اختار المعظم الحلول السهلة مرة أخرى، إما بالإنكار أو الهروب للاكتئاب والانعزال، أو السعي للهجرة، وبعد أن كانت المطالب والأمال لا حدود لها بعد يناير فقد تقلصت عقب 30 يونيو تدريجيًا حتى اقتصرت على جانب الحقوق والحريات السياسية، كالحق في التظاهر أو حرية الكتابة والتعبير في مقابل القمع المتنامي من النظام.

واقتصر المشهد على الخطاب الحقوقي والمطالبات بالإفراج عن معتقلي الرأي، فمشكلة خطاب «الضحية» الذي تبناه الجميع عقب 30 يونيو، سواء من التيار المدني أو الإخوان، أنه يمنح صاحبه مخرجًا سهلًا من المسؤولية الأخلاقية، ويساعده على التنصل من أفعاله ومسؤولياته بإلقاء اللوم على غيره أو على ظروف خارجية، ويمنحه أيضًا إحساس التفوق الأخلاقي الذي يعوضه عن أي رغبة في الاعتراف بالخطأ.

في حالة الثورة المصرية قد لا تتحمل الحركة أو التيار المدني الجزء الأكبر من المسؤولية؛ فيتحمل الجيش والإخوان -وهما طرفي الصراع الأساسيين بعد 30 يونيو- في رأيي الجزء الأكبر من المسؤولية، لكن المشكلة أن نتائج ما حدث وما يحدث يتحملها الجميع وبالتالي فالجميع مطالب بتحمل المسؤولية بدلا من الهروب وإلقاء اللوم على الآخرين.

احمد طارق ابراهيم (ارنوب) – منذ مئات الأيام 

احمد طارق ابراهيم (ارنوب) – منذ مئات الأيام 

"منذ مئات الأيام و لأسباب لا يمكنني فهمها جردني أحدهم من كل شئ، وإقتادني إلى قمة جبل ثم دفعني من الحافة وتركني اسقط، عام كامل أسفط لا أرتطم بالأرض ولا يتم إنقاذي، هكذا هو الحبس الإحتياطى، تبقي معلقاً في الهواء، في الإنتظاء، وفي السقوط، عاجز عن إضافة أو تغيير أي شئ، يحيطني الخوف من كل جانب، يقبلني علي كل الوجوه، يهزمي بقسوة ويفرغ ما في روحي دون أي قدرة مني علي حركة.
عام كامل في السجن عرفت فيه النوم علي الأرض وفي ديمومة الظلام، عرفت الوحدة التامة و الغربة الموحشة، أدركت النفي داخل الوطن و التعفن مللاً، والجنون.
عام كامل عشته متقلباً بين أمل كاذب ويأس صادق، مُتعب في الحالتين.
تحولت الحياة لشئ آخر تماماً غير تلك التي كانت تٌثيرني، ما كام يرهقني في الحرية أريده وأرجوه الآن، بعد أن عشت حياة متحركة أو شبه، أصبحت ثابتة محددة في زنزانة سخيفة ضيقة، لا أخرج منها سوى ساعتين في اليوم كى أري السماء، عدا الأجازات الرسمية نظل قابعين في الزنزانة، كى نرتاح من عناء الحصول علي فتات فتات الحرية، ومع هذا لا أرى السماء بوضوح، فالحديد يحيط كل شئ مكوناً قفصاً حديدياً قبيحاً، ليصبح كل شئ سجيناً، ليصبح كل شئ مقيداً... حتى السماء!
عصفت بى التجربة ولم أدرِ أنها جعلتني وحيداً إلى هذا الحد، وقع خطواتي رغم ثقله ورغم إحتكاك قدمي بقوة في الأرض أصبح غير مسموع ولا صوت له، هل أصيحت منسياً؟ أشبه بظل؟ دون وزن وميت سلفاً؟ صرت ألهث خوفاً وقلقاً وإشفاقاً كوني شبه إنسان، ففى بدايات إختفائى منعوني من الرؤية و من الحركة، أعطوني رقماً وأخبروني أنَ لا إسم لى وأنني منذ الآن (58) ولا شي أخر، شعرت أنني أُغتِيلتْ إنسانيتي و هَوَيتُ من حالتي، حاولت الحركة ليلاحظوا انني بشرى مثلهم لكن لم يلحظْ أحد، أردت الصراخ ((هااااى... هل تروني؟ أنا أتحرك، ما زلت إنسان)) لكن تبدد الصراخ في التيه وبللت مدامعي الغمامة.
تحفَّظوا علىّ، قالوا أنهم يحققون في أمري وسأخرج سريعاً، والآن مر عام ولا أعلم كم عام سيمر ليُبت في أمري، عام آخر؟ أكثر؟ أقل؟ من يمكنني سؤاله؟ من يمكنني إخباره أن الآمر لم يكن ليحتمل كل هذا وأنه قد بالغ في عقوبتي واننى رغم كل شئ لست مداناً، لست أى شئ علي الإطلاق يجعلني سجين، وكيف أُتهم بالنشر، ولم ينشر شئ بالأساس لا مني ولا من غيري، فإلى متى سأظل عالق هنا ألعق كل هذه الجراح؟ أين أجد قوتى عندما أضعف؟ وأين أجد عزائى عندما يعز العزاء؟ من يمكنه البت في أمرى؟ أو قادر على إنهاء هذا البؤس؟ فأنا لا أنتمى لهذا المكان.
ربما يستطيع غيري أن يفعل لكننى عاجز عن وصف السجن، والكلمات أضعف من أن تشرح وتصف عالماً متكاملاً من الأحزان و الخفقات و الصبر و الدموع و العذاب ومطارق الزمن و الموت في الحصار وإمتهان الإنسان وإجباره على أن يكون غير ما يريده لنفسه، فلا سبيل سوى الضحك بهستيرية عندما يُطلب مني التفاؤل و السخرية من كل شئ ثمناً للحظات قهقهة لا معني لها والتى غالباً ما تنفجر بالبؤس.
لم يتبقي من الحياة سوى ذكريات باهتة فأصبحت أتخفف منها حتى أحمي نفسي من الإنتحار والكآبة المفرطة، حيث أن العبث فى الجراح مؤلماً، فصرت أتكيف وأرتدى ثوب التماهى و أبتسم فى وجه السجن والمأساة، خاوياً من الذكرى، صابراً على حصار الزمن والألام، فـ"الصبر مفتاح الفرج" وهو كذلك للمساكين و فاقدي الحيلة و مكسوري الجناح والسجينات والسجناء وهو وسيلتى الوحيدة، ودفاعي الأخير للحد من تسرب الحياة ومقاومة السجن.
فمتى ينتهى كل هذا؟"

المعتز بالله محمد غانم رمضان العطار (معتز بالله غانم) – لا تقفوا على الأعتاب

المعتز بالله محمد غانم رمضان العطار (معتز بالله غانم) – لا تقفوا على الأعتاب

لا تقفوا على الأعتاب
في اليوم الأول في زنزانة الإنفرادي "ربع الإعدام" اجتاحت نفسى حالة من الهدوء والسكينة، حتى أنني نمت كما لم أنم من قبل، أحسست أن ثقل الحياة قد انزاح عن كاهلي، وكأن عقلي وفكري قد استراح أخيرًا من كثرة التفكير.
حاولت جاهدًا أن أفكر عبثًا" كيف هي أمي؟ كيف حالها؟ أخي وأختاي وصغاري الرائعين؟، فلم أستطع إلا أن أراهم مبتسمين يلهون، حاولت أن أقلق عليهم، فلم أستطع، أدركت أننا نتكلف الهموم أحيانًا ونتصنع العناء.
فوجدت أن تلك السكينة التي ملكتني ولا حيلة لي فيها، بل هي فضل من الله، ربما ليست إلا دعوة منها أصابت وقت إجابة، فقلت لنفسي إذا كان هذا حال قلبي وقد أصابتني دعوتها، فكيف حالي القلب الذى دعي؟
حاولت جاهدا أن أفكر في رفاقي، فلم أشعر أنى فارقتهم، فهذه القلوب أحبتني وأحببتها وما زالت تنبض بمزيد من الحب، هذه القلوب التي أهتمت لأمرى أكثر من نفسى، كيف أحزن عليهم أو أقلق وقد سمعت قول رسول الله "ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان، .. أن يحب المرء لا يحبه إلا لله"، وسمعته أيضًا يقول "سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل الا ظله .. رجلان تحابا فى الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه".
فالقلوب التى ذاقت حلاوة الإيمان والأرواح التى ستستظل فى ظل العرش بإذن الله أيحجبها جدار أو قضبان!
أحبائى هنا تكون الروح أكثر شفافية وإشراقًا، أولئك السجانين الذين يحومون طوال الليل يظنون انهم يحرسوننا حتى لا نؤذى أنفسنا، عبثًا يفعلون، ألا يعلمون أنها أسمى أمانينا، ألا يعلمون أنهم هم المحتجزون، أما نحن فقد منّ الله علينا ودخلنا إلى فضاءات متسعة وعوالم مشرقة.
هناك على أول الممر المؤدى للزنازين الانفرادية التى يقبع فيها إخوانكم المحكوم عليهم بالحياة الحقيقية بعيدًا عن ذلك الزيف الذى بالخارج، على أول هذا الممر .. باب حديدى متين مكتوب عليه "شديد الحراسة"، لما رأيتها ابتسمت بشدة، وتذكرت قول الله عز وجل "وأنا لمسنا السماء فوجدنها ملئت حرسًا شديدًا وشهبا"، فعلمت أن الله قد أراد لنا الخير.
نحن فى حراسة مشددة من الزيف الذى تضج الحياة هذا الانفراد كان باب للأنبياء يدلفون منه إلى السماء، حيث كان هناك فى الغار محمد -صلى الله عليه وسلم- وحيدًا ومن قبله "الخليل" إبراهيم فى جوف الظلام مقلبًا النظر الى السماء، وهذا موسى -عليه السلام- فى عمق سيناء عند جبل الطور يبحث عن قبس النور، نحن فى حراسة مشددة عن كل ما يشوش النفس ويدنس الروح، هنا تُعاد صياغة النفس وتبنى الروح من جديد.
أما نحن فقد ساقنا الله رغمًا عنا إلى هنا، ربما لأن نفوسنا وأرواحنا أضعف أو أسوء، أما أنتم فلكم الاختيار، لا تقفوا كثيرا على الاعتاب، استعينوا بالله وادخلوا.
هذا رمضان .. اجعلوا فيه على قلوبكم حراسة مشددة شيدوا حصونكم واحكموا المراقبة، فالقرآن روح لابد أن تسرى أجسادنا لنحيا بحق، ونورًا نستضئ به فى ظلمات الفتن.
ولا ننسى القيام "إن ناشئة الليل هى أشد وطئا وأقوم قيلا"، "وفى الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا"، واحرصوا أحبابي على أن يكون لكم ذكر فى الملأ الأعلى تعرفون به بين أهل السماء.
أعيدوا صياغة أنفسكم، وأحسنوا بناء أرواحكم، فإنما يعدّكم الله لأمر عظيم، ميدانكم الأول أنفسكم، فإذا قدرتم عليها، كنتم على ما سواها أقدر.
لا تقفوا على الأعتاب، استعينوا بالله وادخلوا.
المعتز بالله غانم
الحبس الانفرادي، ربع الإعدام.