عصام عبد الرحمن سلطان – السيد المستشار/ رئيس محكمة جنايات القاهرة

عصام عبد الرحمن سلطان – السيد المستشار/ رئيس محكمة جنايات القاهرة

بسم الله الرحمن الرحيم

السيد المستشار / رئيس محكمة جنايات القاهرة المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة 21 مارس 2017

يتقدم بهذا / عصام سلطان الوارد اسمي بقرار اتهام قضية فض رابعة المنظورة بجلسة اليوم بالآتي:
على إثر رفضي المشاركة في مشهد الانقلاب مساء يوم 3-7-2013 بمقر وزارة الدفاع ، أصدر الجنرال قائد الانقلاب العسكري قراره باعتقالي يوم 4-/7-2013 وبدأت عملية مساومة لالغاء القرار مقابل تأييدي للانقلاب فرفضت، وبعد أيام تم القبض علي بتاريخ 29-7-2013 وتجددت المساومات وتجدد رفضي بل واصراري على رفض الانقلاب.
ومنذ إيداعي سجن العقرب بما فيه من انتهاك لكافة الحقوق الآدمية من تعذيب ومنع الطعام والشراب والدواء والكتب والزيارة وغير ذلك والمساومات لا تتوقف ورفضي يستمر في تأييد الانقلاب العسكري. وكلما أوشكت مدد الحبس الاحتياطي على الانتهاء يصدر الجنرال قائد الانقلاب التعليمات بقضية أخرى.
فصدرت تعليماته بحبسي سنة بتهمة “السلام عليكم” وإلقاء السلام على جنود الأمن المركزي لعلي أؤيد الانقلاب فازددت إصرارا على رفضي ثم صدرت تعليماته بحبسي سنة أخرى بتهمة ضرب لواء شرطة لأؤيد الانقلاب فازددت عزما على رفضي كذلك.
فصدرت تعليمات مؤخرا بوضع اسمي ضمن المتهمين في قضية فض اعتصام رابعة العدوية الذي جرت وقائعه يوم 14-8-2013 أي بعد صدور تعليماته الأولى بالقبض عليّ بأربعين يوما وبعدالقبض الفعلي علي بستة عشر يوما !!!
لتبدأ سلسلة جديدة من المساومات لتأييدي الانقلاب فيتم حرماني من جميع حقوقي أمامكم من استلام قرار الإحالة وأوراق القضية والالتقاء بالمحامين وغير ذلك لإجباري على تأييد الانقلاب وإلا سوف يحكم بإعدامي !
السيد المستشار / إما أن تعيد إلي حقوقي كاملة بمحاكمة صحيحة وضمانات مكفولة حسب نص الدستور والقانون والمواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر وإما أن تنفذ تعليمات قائد الانقلاب وفي هذه الحالة فلا داعي لعرض الأحراز أو سماع الشهود أو غير ذلك والأفضل أن تحكم بإعدامي مثل قضاة كثر حكموا بإعدام 528 مصريا من أول جلسة محاكمة وبدون أية إجراءات أما أنا فإن إجابتي واضحة جدا وهي:
“لن أؤيد الانقلاب العسكري ومرحبا بالبدلة الحمراء“

احمد الخطيب – أمي قد اشتقت إليك كثيرًا

احمد الخطيب – أمي قد اشتقت إليك كثيرًا

امي قد اشتقت إليك كثيرا. عذرا إليكي ع ذلك الواقع الاليم الذي قد أحاط بنا وفرض علينا من الامور بما لا نحب فلا تبكي فلا تبكي فقطرات دمعك تحدث من الأنين صدي في صدري اكتب إليكم كلماتي هذه وقد تاهت مني وأصبح قلمي متلعثم في كلمات ضعيفه لكن انتم حديث قلبي ولساني لقد اصبحت الان بعد طول المكوث هنا في هذا المكان البالي العفن في حاله من التشويش والهذيان ولبست ثوبا قبيحا يائسا لا احبب المكوث فيه في ظل ظلمه ليل بليد كثر فيه الالام في صمت وسكون، وذهول ممن اشفقوا علي بود فارقه الحب. وبعدما كسر السكون طبعي وغاب الصبر عني واصبحت في مواجه الزمن وجها لوجه اترقب كسر قوته واترقب حالي من ضعف واسف وخجل من امري. هويتي اصبحت اذكر نفسي بها فالسجن لا يسلب منا الحريه فقط بل يحاول أن ينسينا هوياتنا فتتاسقط وكذالك يسلب منا صحتنا واعمارنا. اكثر من سبع اشهر مضت وانا علي حالي هذا اعاني من مرض ولا اعلم ماهو احاول ان اقاوم حتي لا يظهر علي الانهاك والتعب الذي افتك بي لكن في الحقيقه اصبحت لا اقوي ع شيء. خائف انا ليس من المرض ولكن أن أظل هنا واموت بين جدران هذه الزنزانه الباليه وأصبح فقط مجرد رقم في تعداد الموتي كما انا الان مجرد رقم هنا،يرفض عقلي التفكير في أن اموت هنا بعيدا عنك يا امي واخوتي ...اخاف أن اموت وحيدا وسط اربع حيطان.

عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي) – تَوَقَّفْ عن الصراخ! تَوَقَّفْ!

عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي) – تَوَقَّفْ عن الصراخ! تَوَقَّفْ!

تَوَقَّفْ عن الصراخ! تَوَقَّفْ!
أكرهه وأبغضه و أمقته هذا القلب الساذج اللعين.
يتقطع ألماً مبرحاً لا أطيقه. و يصرخ. يصرخ صراخ كائنٍ معذَّبٍ تُنْتَزَعُ أظفاره بكَلَّابةٍ و يُسلَخُ جلده ببطءٍ يجعله يتلوَّى فى ألم يُذهِبُ العقل.
ذهبوا جميعاً و تركونى. لا أب. لا أخ. لا رفيق. تركونى وحيداً وحيداً. أصرخ وحيداً. أبكى وحيداً. أتلوَّى وحيداً. لم أدرك من قبل قيمة حبيبٍ تبكى على كتفه و تشاركه الأحزان. ينقسم الوزن على اثنين. لكنى الآن أحمله وحدى و لا أقوى على حمله. انهوى فوق ظهرى قاسماً إياه و مُحَطِّماً ضلوعى.
فرحٌ أنا أشد الفرح لخروجهم من هذا الجحيم. لكن لم لستُ معهم؟
كنت وسط فرحتهم غريباً. دخيلاً. مُكدِّراً لصفوها. أسمع أحلامهم و خططهم عندما يخرجون بعد ساعات، و نظرات الشفقة من العشرات، لأنهم ذاهبون. أما أنا فباقٍ.
أرقد وراءهم فى الأطلال. حيث كل شبر يحمل ذكرى. هنا جلست مع عبدالرحمن عارف، هنا سهرنا طوال الليل نطيل الكلام، هنا صلَّينا، و هنا ضحكنا، و هنا افترقنا. أبكى بحرقة على قلبٍ أحمقَ يحب و يتعلق ثم يتقطَّع عند الفراق. ثم ما يلبث أن يحب و يتعلق ثم يتقطَّع. حتى لم يبق فيه موضعُ إصبعٍ سليم.
صار مُرَقَّعاً. و به الآن هذا الجرح الجديد العميق عن سابقيه.

أتذكر وجه أبى. العناق الأخير و الكلمة الأخيرة. أتذكر كل وجه أحببته و آخر لحظة. كلهم منطبعون فى ذاكرتى. و مع كل ذكرى تسيل من الجرح الدماء.
لا يتوقف عن الصراخ. و لا تتوقف العين عن البكاء. و لا تتوقف الروح عن الاحتراق. لم لستُ معهم؟ ماذا جنيت؟ سأقضى الخمسة عشر عاماً. أدرك مجهشاً بالبكاء.
سأقضى الخمسة عشر عاماً. و سأقضيهم وحيداً.
تدُبُّ الآلام بيديها و قدميها فى عقلى و روحى و قلبى و تزلزلهم. لا أستطيع حتى النوم.
لا أستطيع الهرب. مُكَبَّلٌ و يُصَبُّ علىَّ الوجعُ صَبّاً.
أريد أن يتوقف قلبى عن الصراخ.
أريد أن يتوقف عن الشعور.
أريد أن يتوقف تماماً.
لأنى بين اللامبالاة و الحزن، حقاً سأختار الآن اللامبالاة.
و لتذهب إنسانيتى إلى الجحيم.

حلمٌ مؤلم.
بعد أن رحل الناس و خَلَّفونى وراءهم وحيداً، قررت فى الحلم أن أسير وراءهم. وددت أن أشاهدهم بعد خروجهم فى العفو و إن لم أكن معهم.
مشيت حتى وصلت لباب السجن. كانوا قد خرجوا بالفعل. نظرت فوجدت الباب مفتوحاً ما زال. ركضت لأخرج إليهم فإذا بى أرتطم بحاجز غير مرئى. ألمسه فإذا هو أشبه بالزجاج. أحاول ركله لكنه لا ينصاع تحت وطأة ضرباتى. أستسلم و أقف وراءه أشاهد. المئات بالخارج. الأحضان و القبلات و التهانى فى كل مكان. الجو يُشِعُّ سعادة تملؤنى دفئاً و برداً فى ذات الوقت لأنى أعلم أنها ليست من حقى.
أدور ببصرى فيمن كانوا منذ دقائق زملائى بالزنازين.
فجأة أراهم.
أبى. أمى. أخى. أختى.
تفيض عيناى بالدموع و أنا أشاهدهم يحتضنونه و يمطرونه بالقبلات. ما زال فى زيه الأزرق.
يهفو قلبى فى توقٍ حارقٍ أن يكون معهم. وسطهم. منهم.
أدبُّ بقبضتىّ على الزجاج اللعين عَلَّهم يسمعوننى. أشير بيدىّ فى جنون متقافزاً.
لا ينظرون ناحيتى. أدرك أنى أراهم و لا يروننى. أسمعهم و لا يسمعوننى.
أجد أيدٍ تجذبنى من الخلف و ضابطاً يصرخ أن أعيدوه لزنزانته.
ماذا يفعل هذا المسجون قرب الأحرار؟
أحاول إفهامه أنهم أسرتى. أن أبى خرج من هذا الزجاج منذ دقائق. أتوسل إليه أن يسمح لى أن أكون معهم دقيقة. سأرجع. أقسم أنى سأرجع.
يضحك ساخراً من تعدىَّ لحدودى السجينة، ويشير لهم أن اسحبوه.
أحاول أن أقاوم بعنف و أصرخ لأسرتى وسط دموعى المنهمرة. لكن الأيدى لا تلين.
و الزجاج ما زال كالسدّ.
أستيقظ و دموعى تُبلِّل وجهى.
أريد أن أكون عدماً. العدم لا يتألم هكذا.
قلبى اهترأ.

محمد ابو الفتوح – ليه مش عايزين يخرجوا أحمد الخطيب يتعالج؟!

محمد ابو الفتوح – ليه مش عايزين يخرجوا أحمد الخطيب يتعالج؟!

انا بعت الرسالة دي علشان الناس اللي بتسأل ليه مش عايزين يخرجوا أحمد الخطيب يتعالج؟! أيه الخطورة اللي ممكن يسبببها خروج أجمد الخطيب لو خرج يعمل الفحوصات اللازمة؟! الناس اللي مفكرة إن في مشكلة في التأمين أو الأمكانيات أو عدم توافر العلاج أو أي حاجة من الكلام دا.. الموضوع أكبر من كدا بكتير".
"إسمعوا القصة دي وانتوا تفهموا كل حاجة، بعد ما فكيت الإضراب عن الطعام اللي كنت عامله من فترة، حصلت معايا شوية مضاعفات وبقيت أحس بتعب مستمر، وطبعًا إحنا في سجن ملحق ليمان وادي النطرون مفيش مستشفى أصلًا، هي غرفة صغيره كدا فيها سرير ودولاب فيه شوية أدوية وأغلبها مسكنات وأي حد بيتعب بيتم ترحيله لمستشفى سجن تاني إمكانيتها لا يمكن أن يطلق عليها مستشفى بأي حال من الأحوال".
" بعد سلسلة طويلة جدًا من الإجراءات والأوراق، وطبعًا لازم إذن أمن الدولة اللي مفيش حاجة بتمشي من غيره يعني ممكن يكون المريض مات أو حصل له مضاعفات خطيرة على أحسن تقدير، المهم علشان أنا كنت عامل إضراب السجن إهتم بيا علشان يخلصوا من الدوشة بتاعتي، طلبوا مني تحاليل وخلوا عسكري كل يوم ياخد عينات الدم مني ويطلع بيها برا السجن يعمل التحاليل في معمل البرج ويرجع بالنتيجة تاني يوم وهكذا، طبعًا الكلام دا كله على حسابي الشخصي، والموضوع كان مكلف جدا".
" ودي كانت أول مره أروح فيها مستشفي السجن كما يسمونها، وأختلط بالناس اللي بتتردد كل يوم، شوفت حالات صعبة كتير، وحالتهم أكثر خطورة من حالتي مستنين بقالهم كتير علشان يعملوا التحاليل دي، أو يخرجوا مستشفى برا، وطبعا كل الناس كانت بتبص على إني حصل معايا معجزة، وفي اليوم اد كنت بتقطع من جوايا حاسس بعجز رهيب، كذا حد طلب مني أكلم رئيس مباحث السجن علشان يعمل تحاليل زيي، كان في ناس كبيرة في السن وعندها الكبد واشتباه في سل واشتباه في سرطان، المهم دخلت وانا متعصب في اليوم دا على رئيس المباحث والمأمور قولتلهم حرام اللي بيحصل في الناس دا، حقهم يتعالجوا، أنتو هتخسروا أيه لو رحلتوهم مستشفيات برا، قالي مش من سلطتي ولازم تصريح أمن الدولة، والمستشفى عندي مش مجهزة".
"عرفت إني مش هوصل معاهم لحل، دخلت الزنزانة وانا عيني بتدمع أقسم بالله، واحد صاحبي طبيب أسنان قالي مالك حكتله على القصة كلها، ابتسم وقالي والله انا كمان اتكلمت مع رئيس المباحث في نفس الموضوع، عرضت عليه أجيب المعدات اللي في عيادتي برا بدل ما هي مركونة ومحدش بيستخدمها واشتغل لحالات الاسنان اللي في السجن، سألته على رد رئيس المباحث عليه ، قال هفكر وارد عليك، قولتله هو معمل التحاليل يتكلف كام تقريبا، قالي مش عارف بس في دكتور تحاليل معانا هنا ممكن نسأله المهم سألنا الدكتور وكتب لنا أسماء الأجهزة اللي ممكن تعمل التحاليل الضرورية، وبدأت أتكلم مع ناس جوا وبره السجن اننا نعمل معمل تحاليل وعيادة اسنان ونوفر أدوية من برا للحالات الصعبه".
"بالفعل بدأنا نلم تبرعات من برا وجوا السجن، وبفضل الله وبعض الناس مش هينفع اذكر أسمائهم جمعنا مبلغ كبير وجبنا أجهزة معمل تحاليل مصغر، وجهزنا عيادة الأسنان بعد تعب شديد ومجهود شاق، روحنا للمباحث وعرضنا عليهم الموضوع اننا نجهز مستشفى السجن والأجهزة جات برا عايزين بس اذن علشان تدخل، قالي لازم جواب تبرع من جمعية انكم اتبرعتم بالاجهزة دي للسجن، قلتله بس بشرط الأطباء اللي معتقلين معاانا عما اللي يعالجوا المرضى، قالي موافق".
"دوخنا على ماجبنا جواب تبرع من جمعية طبعا كل الجمعيات كانت خايفة تعمل جواب تبرع لمعتقلين، بس الحمد لله في ناس ساعدتنا وعملنا الجواب والأجهزة دخلت السجن، بدأنا نعمل حصر بأسماء الأطباء اللي معانا في السجن والتخصصات علشان يعالجوا الناس ويشخصوا الحالات وإحنا نوفر العلاج، وهنا كانت الصدمة".
"رئيس المباحث قالنا أمن الدولة مش موافق إن أطباء معتقلين هما اللي يكشفوا عليكم، قلنا طيب وفروا أطباء معتقليين هما اللي يكشفوا على الناس ويشغلوا الأجهزة دي، قالي هنبعت مذكرة لمصلحة السجون علشان يوفروا أطباء ومن ساعتها ولا حس ولا خبر والأجهزة مركونة في الكراتين بتاعتها، وسايبين الناس بتموت كل يوم ولا عايزين يعالجونا ولا سيبينا نعالج نفسنا، أقسم بالله كل الناس صحتها في النازل حتي الشباب، لو بصيت لصورة حد قبل وبعد الاعتقال هتفهم قصدي، يعني من الأخر اللي فلت من رصاص الداخلية برا، بيموت بالأهمال والعيشة غير الأدمية جوا السجون، واللي بيطلع من السجن واقف على رجليه بيكون مشوه من جوا محطم" .
"عرفتوا ليه مش عايزين يعالجوا أحمد الخطيب علشان ببساطة عايزين يقتلوه وعايزين يخلوه عبره، علشان يوصلكم رسالة إنكم مش فارقين معاهم انتوا شعب ميت من الاخر، في كتير جدا زي أحمد الخطيب بيموت كل يوم في صمت، أحمد الخطيب مش هيكون أو ولا أخر ضحية".
"إنتظروا فالقادم أسوأ"
محمد أبو الفتوح
سجن ملحق وادي النطرون
11/3/2017

ايمن علي ابراهيم موسي (ايمن علي) – زنزانة الطلبة

ايمن علي ابراهيم موسي (ايمن علي) – زنزانة الطلبة

"زنزانة الطلبة"

"كل عام قبل الإمتحانات نتجمع نحن الطلبة من جميع أنحاء السجون، و كافة الكليات و الجامعات هنا.. في سجن طرة.

زنزانة الطلبة لها روح مختلفة.. روح شبابية..
رغم ما نراه من بهدلة بسبب الترحيلة، لكننا نتظر كل عام كي نلتقي لأيام معدودة ثم يتم ترحيل الجميع مرة أخرى.. كلٌ إلى "سجنه".
بالنسبة إلينا من يأتون من سجون شديدة الحراسة الزنزانة واسعة.. على الأقل يمكن التحرك فيها.
المساحة المخصصة للنوم (النمرة) واسعة نسبياً.. يوجد حمامان و التهوية أفضل.
قبل إمتحاني الأخير بيوم، كنت جالساً في ركن الزنزانة أذاكر.. الملازم مبعثرة من حولي ماعدا واحدة في إحدى يدي.. و قلم في الأخرى.. الجو شديد البرودة.. على رأسي (الكابيشون) و بداخل رأسي أرقام و معادلات متناثرة..
أحدق في الملزمة.. أحاول فك ألغازها.. لا أستطيع.. أضعها بجانبي في يأس، و أنظر للزنزانة من حولي..
على يميني بعض الشباب يصنعون الطعام للزنزانة.. أمامي بعض الشباب يتحدثون في أمر ما.. بجانبهم شاب يذاكر.. و آخر ينظر من (الثقب) الذي نرى به العالم الآخر لبضع دقائق في توتر و قلق..
هذا (الثقب) الذي رأيت منه "مصطفى عصام" قبل أن يرحل..
لم أكن أعرف شيئاً عنه منذ ثلاثة أعوام.. ثم رأيته أمامي مبتسماً كعادته.. كأنه يودعني للمرة الأخيرة قبل رحيلة.. رحمه الله.
تتزاحم أمامي الأرقام و المعادلات.. تزداد شيئاً فشيئاً حتى تحول بيني و بين الزنزانة من حولي..
رأسي تثقل.. أسندها على الحائط ورائي.. جفنيّ يثقلان.. يسقطان شيئاً فشيئاً..
"أيمن! أيمن!"
أسمع صوتا يناديني.. أشعر بجسدي يهتز.. أفتح عينيّ ببطء أرى وجهاً مبتسماً إبتسامة خبيثة!
يُكمل حين يرى عينيّ شبه مفتوحتين.. "إيه يابني إنت نمت؟! طب قوم نام على الفرشة!"
نظرت إليه متعجباً هذه الإبتسامة الخبيثة التي لم تذهب.. أيضحك على نومي جالساً؟ أم تراه فعل مقلباً ما؟! تجاهلت إبتسامته و أسئلتي و قلت له بصوت متحشرج " لا أنا هقوم دلوقت".. تركني و ذهب..
أنتظرت قليلا حتى يعود عقلي للعمل.. حتى ينتهي من ال "buffering".
قمت لأغسل وجهي.. " أيمن! تلعب بولة Estimation؟!" نظرت ناحية مصدر الصوت الآتي من خلفي.. وجدت "جِندي" جالساً و معه ثلاث شباب آخرين و بأيديهم كروت "كوتشينة".. أشرت برأسي نافياً و قلت "لاء مش قادر بس.. ممكن ألعب "Poker".. "طيب هنخلص البولة دي و نلعب.. هات معاك ال chips و إنت جاي".
ذهبت إلى الحمام، أمسكت بزجاجة مياه، في هذا السجن المياه منقطعة طوال الوقت! تأتي فقط خمس مرات كل يوم لدقائق، فنملأ الزجاجات و الجرادل و أي شيء يصلح لتخزين المياة.. صببت بعض المياه على يدي، المياه مثلجة! غسلت بها وجهي سريعاً قبل أن أتراجع.
خرجت من الحمام، نظرت ناحية جندي وجدتهم مازالوا يلعبون، فذهبت لصنع كوب نسكافيه.
سألت "عبد الرحمن عمرو" عن مكان الأكواب، ترك الكتاب الذي كان يقرأ فيه و نظر إلي، ضغط على منتصف نظارته بحركة لا إرادية و قال لي مشير إلى كيس معلق على الحائط و رائه "هتلقيه في الكيس ده"..
فذهبت ناحية الكيس و سألته إن كان يريد أن يشرب شيئاً، فأومأ برأسه نافياً و شكرني.
سمعت صوت "جِندي" قائلاً لي "هتعمل إيه؟" نظرت إليه و سألته "نسكافيه، تشرب؟"
"آه إعملي معاك"
"يابني هتبوظ مني كده، إنت مكنتش بتشرب شاي.. دلوقتي بتشرب نسكافيه و قهوة و بتلعب estimation و poker..؟! و لا إنت علشان خلصت مذاكرة بتنتقم يعني؟"
رد عليّ ضاحكاً "ياعم ما أنت السبب، أول كباية قهوة إنت اللي علمتهالي، و أول بولة Estimation إنت اللي علمتهالي"
رددت عليه مبرئاً نفسي "بس مش أنا اللي معلمك ال Poker.. دي إحنا إتعلمناها هنا مع بعض.. عامةً شوف كده حد عندك عايز يشرب حاجة؟"
سألهم و نفوا جميعاً ماعدا "علي عارف" طلب كوب شاي بدون سكر.
صنعت المشروبات و أتيت بال chips المصنوعة من أطباق فل و أقلام highlighter في طريقي لمحت جريدة الأخبار ملقى على الأرض و مكتوب في الصفحة الأولى بخط عريض
"قائمة العفو الثانية في خلال ٧٢ ساعة"
إبتسمت نصف إبتسامة فقد مضى إسبوعا (١٦٨ ساعات) و لم يحدث شيئاً!!
أكملت طريقي إلى الشباب في ركن الزنزانة.. أعطيت لكلٍ كوبه و جلست لنغلق دائرة من خمس أشخاص، و أنتظرت آخر game في البولة.
ألقيت نظرة سريعة على الزنزانة.. ٢٥ شاب غيري في هذه الزنزانة!
٨٨ زنازين طلبة في هذا السجن فقط.. غير من يؤدون إمتحانتهم في سجون أخرى.. غير من يوجد مشاكل في أوراقهم و لا يستطيعون أداء الإمتحانات، فظلوا قاعدين في "سجونهم".. صدمت عندما رأيت شبابًا من مواليد ١٩٩٨!
عامين و سنلتقي بمواليد ٢٠٠٠٠!!
أعلم أن هناك أطفالا قابعين في مؤسسة العقابية، لكن دائماً الرؤية غير السمع..
بدأنا game ال Poker.. "علي عارف" يوزع ال "chips" ثم خمس ورقات على الأرض و ورقتين لكل لاعب، سألني "جِندي" "إيه النوم ده كله؟!"..
نظرت إليه متعجباً "إيه أنا نمت كتير؟!"
"آه.. و كمان الشباب كانت قاعدة تطبل و تهيص.. الواد خالد مسك الحلة و إشتغل.. طبعاً كله ما بيصدق.. أنت محسيتش؟!"
"خالص!"
"خلصت مذاكرتك و لا لسة طيب؟"
"لا لسة فاضل لي 7 chapter و 13 مش فاهم منهم حاجة!"
"طب إيه مش هاتكمل؟!"
"دلوقت؟ لاء.. مخي فاصل شحن.. زي البتاع اللي ورا ده."
و أشرت بإبهامي خلفي على "الثقب" الذي نرى به العالم لبضع دقائق في توتر و قلق.. أبتسم جندي إليّ و قال "بس المفروض دي لعبتك.. الstatistics"
"Fold"
تم وضع ورقة جانباً.. إختلست نظرة سريعة إلى ورقي ثم إلى الورق الملقى على الأرض و قلت و أنا أرمي ب chip 500.. "يا عم لو المنهج يتشرحلي مرة واحدة بس هقفل الإمتحان.. كده كده الأسئلة بتيجي مباشرة مفيهاش لف و دوران.. و بعدين الورق لسة داخلي زيارة حسن أول إمبارح، بعد ما رجعت من زيارتين قبله.. و الإمتحان بكرة! و أنا مخي وقف عامةً.. الصبح هاراجع على اللي ذاكرته و بعديها هحاول أفهم أي حاجة من اللي ناقص."
"آه صح الصبح الدنيا بتكون هادية."..
"الكل in!"
قولت و أنا أدفع كل ال chips بثقة قبل أن أخسرها كلها!
نظر إليّ "جِندي" و قال لي ضاحكاً "يابني إحنا لو كنا بنلعب على فلوس، كان زمانك بعت شرابك!"
ضحكنا جميعاً..
أحيانًا تولد لحظات تنسيك كل همومك، كالنبات الذي يشق طريقه من بين الوحل و السماد، فيخرج وروداً و ثمارا.. نتمنى أن نمسك بهذه اللحظات و نستمتع بكل تفصيلة فيها.. لكن سرعان ما تذهب هذه اللحظات وسط قلة الشمس و عفونة المكان.. فتدبل.. و تموت!!"

محمود عبد الشكور ابو زيد (شوكان) – أحيا ميتًا

محمود عبد الشكور ابو زيد (شوكان) – أحيا ميتًا

اليأس قد توغل إلي كرات دمي الحمراء ووصل لكبدي والنوم أصبح عقلي يرفضه وجسدي أصبح يتصبب عرقا بإستمرار دون توقف .. فقدان للوعي لدقائق أمر أعتاده بشكل يومي.. جسدي النحيل الغارق في الأمراض أصبح لا يساعدني علي الإستمرار في تحمل مشقة الحبس بين أربع جدران لمدة عامين دون أي ذنب اقترفته سوي حملي لكاميرا أصور بها الأحداث بكل حيادية وموضوعية.. بالرغم من ذلك فأنا لا أخشي الموت وأنتظره بصدر رحب لأنه أهون علي مما أنا فيه داخل محبسي.

عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي) – أفتقد أشياء كثيرة

عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي) – أفتقد أشياء كثيرة

أفتقد أشياء كثيرة يتحرق قلبي شوقاً لكل ما كان محبباً إليه؛ أتمنى لحظة أخرى أستمتع فيها بكل حرمت منه لما يقارب الأربع سنوات. أتذكر المرات الأخيرة. المرات التى لم أعلم وقتها أنها الأخيرة. لو كنت فقط أعلم. لكنت ودعتها بشكل لائق و نهلت منها حتى الامتلاء. أغمض عيني و أتذكر.
آخر مرة زرت فيها جدتي لو كنت أعلم أني سأُختَطَف من هذا العالم و أسجن و أنا فى طريقي لزيارتها المرة التى تليها، و أنها أيضاً ستغادر هذا العالم و لكن لتلحق بربها، فينقطع كل أمل لدي فى إتمام هذه الرحلة إليها يوماً ما، و ينقطع كل أمل فى أن يرى أبي أمه ثانية، لكنت أمضيت تلك الليلة ملتصقاً بها لا أفارقها، أحادثها و أحفر تفاصيل وجهها فى ذاكرتي التي بدأت تنسى شكلها. كان اختلف الوداع.
أخر مرة صليت فيها فى المسجد , صليت و انصرفت مسرعاً. لو كنت أعلم لكنت أمضيت يومي مستلقياً على ظهرى كعادتي فوق سِجَادِهِ ذي الرائحة المحببة إلى قلبي , كنت استنشقتها و ملأت بها صدري و تذوقت حلاوة السَّكِينةِ بروحي، و ملَّيتُ عيني من زخارف سقفه البديعة. كان اختلف الوداع.
أخر مرة لعبت فيها معشوقتي كرة السلة. لعبت ساعتين و رحلت. لم أُطِل. كنت متيقناً أنى كما اعتدت منذ الخامسة من عمري، سأرجع غداً، و بعده. و كل يوم.
لم أرجع حتى الأن. لو كنت أعلم لما رحلت. لانتَشَيتُ بصحبتها طوال الليل حتى يجُرُوني من اللعب جراً، و لسامرتُ كرتي التى رافقتنى منذ الطفولة حتى الفجر، محتضناً إياها كعادتي كما يليق لحبيبتي الوحيدة التى لم أعرف سواها منذ الصِغَر. كان اختلف الوداع.
آخر مرة جربت فيها بعد الفجر. لو كنت أعلم لما توقفت بعد ساعة مرهقاً. لجريت و جريت و استمتعت بكل قطرة عرق تطير و كل عضلة تنقبض و كل مترٍ يمضي، و لضحكت صارخاً شاقَّاً سكون الفجر و أنا أشعر بالأدرينالين يتدفق و يملأ كل ذرة فى جسمي.
كان اختلف الوداع.
أخر مرة دخلت فيها فيلماً فى السينما كان Monster’s University. لو كنت أعلم لما أنهيته و رحلت. لخرجت و دخلت كل أفلامها واحداً تلو الأخر حتى أنهيت كل فيلم فى جيبي. كنت ملأت أنفي برائحة الفشار بالكراميل، و ضحكت حتى آلمتنى بطني، و بكيت حتى جفت دموعي مع كل مشهد يمر. كان اختلف الوداع.
أخر مرة تجمعنا فى البيت عائلة واحدة. أبي. أمي. أخي. أختي. و أنا. لو كنت أعلم لما قمت أبداً. و الله لما قمت أبداً. كنت قَبَلت رأس كل واحد منهم و يديه و قدميه. كنت حادثتهم حتى لم يعد في الكلام كلام. كنت لزمتهم لا أبارحهم ما كان فى اختياري المكوث، لو كنت أعلم أني فى خلال ساعات لن أراهم إلا بميعاد و لن ألمسهم إلا بتصريح. أنى سأبكي من أجل دقيقة زائدة و السجان يجذبني من بينهم، فأطبع قبلة أخيرة و عناقاً سريعاً و أنا أُسحَب. دقيقة تعني الآن الحياة و ما فيها، و كنت من قبل أملك مثلها الآلاف، و بحماقتي ضيعتها.
حتماً كان اختلف الوداع.
أردد قصيدة الشاعر “مصطفى إبراهيم” و أنا أهتز متربعاً للأمام و الوراء :
“لو كنت عارف إن هي دي المرة الأخيرة..
ميه ميه كانت هتفرق فى الوداع.
يا كل حاجة كسبتها.. أو سبتها و مالحقتش أشبع مِنَّها..
اكمنَّها قالت هنروح من بعض فين.
يا ناس يا عبط يا عشمانين فى فرصة تانية لِلُّقا..
بَطَّلوا أوهام بقى..
و كفاية أحلام و اسمعوا..
عيشوا بذمَّة و ودعوا..
كل حاجة بتعملوها.. و كل حد بتشوفوه..
و كل كلمة بتقولوها .. و كل لحن بتسمعوه
عيشوا المشاهد كل مشهد زى ما يكون الأخير.
و اشبعوا ساعة الوداع .. و احضنوا الحاجة بضمير..
ده اللي فاضل مش كتير.. اللى فاضل مش كتير.”
عبدالرحمن الجندي
الخميس
9/3/2017