احمد طارق ابراهيم (ارنوب) – القضاء على الحزن

اسم السجين (اسم الشهرة) : احمد طارق ابراهيم (ارنوب)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 5/6/2019

السن وقت الاحتجاز: غير معلوم

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: مونتير

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون طرة

القضاء على الحزن

طول حياتي بستعين للقضاء علي الحزن وتمرير الوقت بالكلام وبالشغل وبالمشي مسافات طويلة وبالسخرية، لكن في السجن الموضوع صعب شوية، المشي مش متاح طول الوقت ولا الشغل، السخرية دايماً متاحة والسخرية شيء مهم طبعا، بس مع الاسف الكلام والحكي عامة بيقلوا تدريجياً مع مرور الوقت، وكل ما فترة الحبس يتذيد والاحزان ثابتة والمكان مبيتغيرش، الكلام بيتكرر والحكاوي بتخلص والتواصل بيبقي سخيف، حتي اي كلام مع ناس خارج حدود السجن شئ صعب جداً وتقيل ومرهق لابعد الحدود، مجرد كتابة رسالة لأي شخص بتكون متعبة و محتاجة تحضير مسبق و طاقة عظيمة، سور السجن ده بيفصل بين عالمين مختلفين تماماً، سور السجن بيحط بينهم حواجز، بيغير احلامهم و اهتماماتهم و خوفهم و الآمهم و دوافعهم، بيصعب التواصل بينهم وبيغير شخصياتهم، مش التغيير الطبيعي اللي الزمن بيكون العامل الاساسي فيه والتجارب والسفر والحب والفقد وكل هذه الاشياء، لاء…تغير مختلف وغريب ومكثف ومضغوط، تغيير بيخلي السكوت-مع الوقت -يغلب الكلام، ومفيش حل ولا سبيل غير المحاولة محاولة اي كلام، ويمكن الرسالة دي تكون محاولة لتخفيف الاحمال، وعامة يعني مشاركة الكلام مع أي شخص شىء لطيف مُحبب جدا لقلبي .
*كان في زمان قائد جيش روماني هزم عدوه وخب ينتقم من الأسري، ففقع عيونهم كللهم وخلي علي رأس كل مائة معميين، واحد اعور يقودهم، شئ مرعب طبعاً، والصحفيين و اللي بيتقصوا أخبار الحروب بيتصدما من المجازر اللي بتحصل فيها و اللي ميطقهاش ضمير أي إنسان، أعتقد ان المجازر دي بتحصل عشان الجماعات ملهاش ضمير يوقفها عن فعل الشر، والضمير هو الشئ الوحيد اللي يقدر يصرف الناس عن فعل الشر، والشخص لوحده مهما كان عنده ضمير ميقدرش يمنع جماعته ارتكاب الذنوب، والجريمة مهما بتكون واضحة وباينة انها جريمة بتحصل عادي وبسهولة لو اتوزعت توزيع عادل، توزيع يخلي نصيب الفرد فيها اصغر من ان ضميره يانبه، ومحدش في الجماعة هيحس انه مذنب فعلا وممكن يتعاطفوا مع المظلوم زي كتير من الظباط والوكلاء والقضاة والشاوشية والمخبرين اللي اتعاطفوا معايا او مع غيري، وبافتراض ان في حد ضميره انبه وحس بالندم وانه مشارك في ذنب ما هيعفيه من الندم انه مش لوحده وليه شركاء، ونصيبه من الذنب صغير، وحتي لو مشاركش في الذنب كان هيحصل عادي كدة كدة بيه او من غيره، هيباتيا لما اتقتلت واتسحلت في الشوارع واتمثل بجثتها كان بنفس الطريقة اللي تخلي الجماعة وحدها هي القاتلة مش شخص معين لا الجريمة متوزعة، والعسكر اللي جابوا الاسري عشان تتفقع عنيهم حتي لو حسوا بالذنب مش هتقف عملية التعذيب..لكن قائد الجيش الروماني لو فقع عيون الاسري بنفسه و الذنب متوزعش ع الجماعة كان هيدرك حجم الجريمة اللي بيعملها و لو القاضي اللي بيحكم بالاعدام او سجن او تجديد حبس، نفذ الحكم بالاعدام بنفسه او جرب السجن، اكيد كان هيبقي ليه راي تاني في قيمة الادلة و كلام المحاميين
*كنت بتكلم مع بعض الاصدقاء هنا في السجن عن اكثر لحظات السعادة في فتر الحبس، واتقال كلام كتير موصول بحب عن لحظات فرح، عن اول لقاء للأهل ولحظات الظهور بعد فترة الاختفاء في امن الدولة، يعني واحضان معينة و كلام بعينه، ولما جه دوري و سالني حسن، كانت اسعد لحظات الحبسة بالنسبالي في يوم معين من ايام اختفائي في امن الدولة، انا يمكن من المحظوظين اللي متعذبوش جسديا لكن اصعب ايام حياتي كانت في المكان داه و المكان نفسه مشفتهوش لاني كنت متغمي ومتكلبش طول ايام اختفائي حتي وقت النوم او دخول الحمام، لكن المكان كان مقفول وتحت الارض ولا نسمة هوا ولا ضوء شمس بيوصلو ف مش عارف الليل من النهار، مكنتش عارف امتي هخرج من المكان داه، ولا كام يوم عدو عليا هنا، ولا شكل او اسم اي حد معرفش مين اللي كان بيعيط جنبي كل يوم، ولا مين اللي كان بيتوسل ويدعي، او اللي كان بيكلم نفسه وبفتكره بيكلمني، معرفش مين اللي صحيت علي صريخهم كذا مرة وهم بيتعذبوا بالكهربا و بيناما جنبي علي الارض و بيفصلني عنهم مسافة اقل من متر، ولا هم عرفوني، وممنوع اي حركة واي كلام واي شئ كل حاجة كانت مجهولة ومرعبة وحزينة جدا جدا والله، كنت عايز اعرف اي حاجة وقررت اني اسل الساعة كام، هو اه مجر سؤال مش هيغير اي حاجة لكني كنت عايز اعرف، كنت عاوز احس اني مش علي هامش الزمن، ولسة بشر وموجود في العالم، قادر ادرك اي شئ، و بدون اي مقدمات جه في بالي عبدالله خيري و هو بيسمعني الابنودي و كان بيقول الفجر عمره ما قال لليل عن اذنك ولاسباب مجهولة اتمنيت ان الوقت داه يكون الفجرو جه صوت الشخص اللي بيأكلنا وهو بيقول لحد تاني ان الوقت فجر و مينفعش يستحمي دلوقتي اللحظة دي غريبة جدا ضحكت بصوت عالي و كنت سعيد و يمكن عيطت، كان احساس غريب لكنه مش حزين، كنت ممتن للذكري دي جدا و للصدف و لعبدلله خيري ولاشياء صغيرة سعيدة و لحظات عابرة بتخلي الواحد قادر يتحمل الالم حبة كمان.
*اسوء حاجة في السجن انه بيكشف عيوبنا و نواقصنا بسرعة و سهولة، العصبي بيبان في اول مشكلة،والكذاب مبيستحملش كتير، والخيف والجبان بيتفضحا في اول امتحان، واللي بيحب نفسه والمتقلب المزاج بيحولوا حياتهم وحياة زملائهم لجحيم، الشره بينكشف في اول وجبة، والبخيل مبيعرفش يداري بخله، السجن بيحرم كل واحد من حق اساسي، بيحرم كل واحد في حقه في تجنب امتجان دايم ومستمر بيكشف عيوبه وقلقه الداخلي، بيحرمه من حقه في عرض الصورة اللي بيحبها عن نفسه وخصوصيته بتكون منتهكة ومعروضة لعيون الناس 24 ساعة كل يوم، ومهما كانت العيون مش واضحة بتفضل في حالة تقحص لا ينتهي احنا بنغير هدومنا علي مراي من الاخرين وبنشخر علي مسمع منهم و بنضعف ونحزن ونغضب وممكن نعيط قداكهم مفيش اسرار في السجن، السجن هو المكان اللي بنفقد فيه خصوصيتنا وبنفضل في حالة انكشاف تام، بس هل اللي بيكشفه السجن عننا هو حقيقتنا ؟ ذاتنا الحقيقه؟ ولا ذات محتمله؟
السجن شئ غير سوى وغير انساني، وبيقوي ميول وطباع كان ممكن نعيش ونموت غير ما تظهر علينا، التجربه اللي أثرت في كل معتقل هي تجربه في فتره التحقيق في امن الدوله، وهي تجربه تعذيب أساساً، والفتره دي بتتحكم في وضع المسجون ونفسيته، وفي بلد زي بلدنا ممكن يحسم الحظ أو الصدف أو الواسطه ظروف فتره التحقيق، بالتالي هتحدد سلوكه ومصيره كمسجون وكإنسان، فرصه أن يخرج من فتره التحقيق محطم وبخسائر اكبر بكتير من أنه يخرج سليم، ورغم أن تجربه التحقيق ممكن متلعبش دور أساسي وحاسم في علاقه السجناء ببعضهم، بس اكيد هتلعب دور كبير فى علاقه المسجون بنفسه، والسجن معرض دايم للهشاشه والضغط وبيقوي طباع ونوازع مش شرط تكون حقيقه
*مره كنت بحكي لبابا ولندي اختي عن عُرف لطيف هنا في السجن أن كل مسجون بيعلم باقي السجينات والسجناء اشياء عن شغله ودراسته وده سمحلي اني اتعلم حاجات جديده وعلوم جديده ولفه جديده، فبدأ كلام من بابا أن السجن رغم كل شئ هو تجربه من تجارب بتعلم مهما كانت مؤلمه وسيئه، وان الضغط والأحزان بينشفوا العود والمشاكل بتقوي وان مفيش تجربه بتساوي صفر وكل هذا الكلام، وده طبعا صحيح بشكل ما، أنه آه الوقت الفاضي الكتير بيخلي الواحد يستكشف نفسه ويعرف عيوبها ونقاط ضعفها وبيسمحله أن يراجع حياته وفرصه الضائعه ويعرف قيمه الزمن والحياه والأصدقاء الحقيقيين وبقرا كتير جدا ويتناقش ويعيش مع ناس مختلفه في كل شي وبيتعلم اشياء جديده مهمه وكل دي مكاسب طبعا، لكني بشكل شخصي كاره لكل مكاسب السجن كاره للون والحيطان والحديد وملامح الناس واللبس الميري والمروحه السقف، انا معنديش اي فكره لما اخرج هبقي عامل ازاى، ومعرفش كل الكتب أو الحكاوي أو المعلومات اللي عرفتها هنا لما افتكرها بره هتفكرني بإنهي لحظه من لحظات السجن التعيسه، للاسف الذكريات بتستعاد كامله مره واحده بس، هي اول مره، لو سمعت مع صاحبك اغنيه فكرتك بيوم حزين وعيطت انت وهو، تاني مره هتسمع فيها الاغنيه مش هتفتكر اليوم الحزين بس، هتفتكر كمان لما انت وصاحبك عيطتوا، الاغنيه لما تسمعها هيبقي فيها اكتر من ذكرى هتنقص من رصيد الذكرى الاولى، وكم الحكاوي والايفيهات والمواضيع والاغانى والروايح والذكريات اللى استقالت في السجن لا يمكن حصرها، كل شئ تقريبا، كل شيء ذكراه هيتداخل فيها السجن،كان احزن شئ النهارده انى شوفت يمامه علي سور السجن فكرتنى بيوم ما كنت أنا وامى فوق سطوح لسه راجع من المدرسه وامى بتتابع يمامه وحيده، الاحمر الغامق كان اللون الغالب علي ريشها ملامح امى كانت مستقره وبتراقب اليمامه وهى بتهز راسها بإستمرار، ذكرى من الذكريات القليله اللي بفتكرها عن طفولتي، ذكرى سعيده ومُحببه لقلبي، لكن النهارده اليمامه اللي شوفتها مكثت من عيني لحظه لا يمكن أن تنسي، وتداخلت مع ذكرى امي العطره بشكل ما شوهتها، الشئ اللي احزنني جدآ والله، وتمنيت لو طارت في يوم علي مقربه من امي زي زمان، ومتنزلش فوق سطوحنا ومتشوهش الذكرى عند امي وانا غايب مغترب، وتبلغها السلام من بعيد.