ايمن علي ابراهيم موسي (ايمن علي) – يومٌ مضَى

اسم السجين (اسم الشهرة) : ايمن علي ابراهيم موسي (ايمن علي)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 6/30/2016

السن وقت الاحتجاز: 21 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: طالب بكلية الهندسة بالجامعة البريطانية بالقاهرة

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون/تأهيل وادي النطرون

يومٌ مضَى

المكان مظلم كروحي التي فقدت ألوانها.. ضيق كأنفاسي.. قذر كجسدي الذي لم تمسه الماء منذ أيام!

الرائحة لا تُطاق.. لا حمام هنا! – فقط – جردل في الركن لقضاء الحاجة.. جردل ملطخ بأشياء أعرفها جيداً لكني لا أريد تصديق ما أراه!
جردل يتوسط بركة كنت أقنع نفسي أنها مياه.. لكن الرائحة تثبت العكس.
منعزلاً وحيداً كنت..
أشعر بحبل مشنقة يلتف حول روحي!
يجاورني أشخاص كانوا أحياءاً يوماً ما..
أنظر إلى ممتلكاتي.. بطانيتين باليتين تعتليهم الصراصير، مصحف، زجاجة ماء، و ذكريات مشوشة.
يسألني أحد جيراني الجدد إن كان معي مخدرات.. أرد نافياً.. يسمعنا آخر فيجيبه بالإيجاب..
يتفقون على سعر القرص ثم يعرض عليّ بضاعته.. فأرفض شاكراً..
أذهب إلى البطاطين لأحاول النوم.. أخلع ما في قدمي كي أتوسده.. أتقلب.. لا أستطيع النوم!!
أفكر.. أفكر في جيراني و كيف وصل بهم الحال لما هم عليه.. أنصاف أحياء.. كل ما يفكرون فيه هو كيف يقضي يومه.. كيف يخدع عقارب الساعة المتحجرة و يجعلها تدور كالنحلة.. فيأخذ المخدرات فهي الحل المثالي في هذه الحالة.. أو الحل الأسهل..
أتعجب من سهولة دخولها هنا في أظلم مكان في السجون.. في الحبس الإنفرادي.. و صعوبة أو استحالة دخول كتاب.. بل ورقة!
تساءلت كثيراً إن كانوا هؤلاء هم قوى الشر، أم هم ضحايا سنوات إستيطان هذه الأماكن؟
سنوات من تعاطي المخدرات التي تحولت من وسيلة لقضاء اليوم إلى غاية يعيش من أجلها..
يبيع من يبيع من أجل جرعته التي تزداد يومياً.. و يتحول من إنسان بأحلام و آمال إلى وحش دموي!
كيف للداء أن يتضخم في المستشفى؟ أليس هذا المكان مشفى للإجرام!
أقوم من مكاني ممسكاً بالمصحف.. أذهب ناحية النظارة – شباك الباب – أقتبس بعض الضوء.. أقرأ ما تيسر لي و أرجع لأحاول النوم..
أتقلب.. لا فائدة.. أندم على عدم قبول البضاعة من جاري.. أفتخر من صمودي بعد تذكري لحرمانيتها و أضرارها على الصحة و المجتمع.. و أخشى من ذهاب هذا الصمود!

أقف في مكاني.. محدقاً.. أقفز عدة مرات دون أي سبب! أتوقف.. أسير عشوائياً في الزنزانة.. أقف أمام إحدى اللوحات الأربعة اللاتي أتوسطهن.. أحاول قراءة ما عليها..
لم يكن هناك شيء واضح سوى بعض الجمل
مثل: “من أجل الجدعنة اتحبست أنا”
و أخرى “عائلة النسر مجبتش راجل”..
أضحك مما أقرأ، فهؤلاء، لهم ثوريتهم الخاصة!
أضرب الحائط عدة مرات بقبضتي.. أحاول النوم.. فأنام!
أستيقظ على آذان الفجر..
كم كنت أتمنى أن لا أستيقظ..
في هذا المكان!
كان كل شيء كما هو، ينقصه بعض الوقت الذي مضى – بدون مخدرات.
أذهب إلى النظارة لأسأل عن الساعة.. لم يرد عليّ أحد..
سألت مرة أخرى..
رد عليّ “سفينة” بصوت غير واع.. أسأله متعجباً عند سماع الإجابة: “انت متأكد؟! إزاي يعني و في أذان دلوقت؟ طب دا أذان إيه؟!”
يرد ضاحكا: “آشيخ ده الأزان الأول، بتاع كيام الليل.. انت نسيت ولا إيه؟ أمال لو كنت واخد قرص “أبو شريطة” كنت عملت إيه؟ هههه”
أخبط جبهتي بكف يدي.. أحيانا يكون التفكير أسوء من المخدرات!
كيف أمضي هذه الساعة؟ تساءلت ناظراً حولي، رأيت علبة الجبن، هممت إليها ثم توقفت متراجعاً عندما تذكرت عدم وجود حمام..
ذهبت لزجاجة المياه، ارتويت قليلاً، ثم تيممت و صليت.. أحاول الخشوع..
لا أستطيع!
لا أدري ما السبب..
أهو قلبي المتحجر أم هو منبع الشياطين هذا؟!
أفرغ من الصلاة و الدعاء.. أستلقي على ظهري..
أذكر الله تارة، و أستسلم لعقلي تارة أخرى..
هل كانت حياتي طيف خيال؟!
يا من ترى مكاني و تسمع دعائي.. خلصني من هذا الكابوس!
يقطع حبل أفكاري أذان الفجر.. هذه المرة تيقنت أنه الأذان الصحيح عندما تلته تكبيرات العيد!!
انقبض قلبي الذابل.. فاضت عيناي من الدموع كفيضان الأنهار..
أسمع التكبيرات بوضوح من بعيد.. من العنابر المجاورة.. من عند زملائي.. زملائي الذين صاروا عائلة أخرى لي.. حرمت من عائلتين هذا العيد!
شعرت بدوران الأرض حول الشمس، و دورانها حول نفسها.. ودوراني حول نفسي!
“عيد سعيد” ناجيت بها روحي.. قبل أن تُعدَم!