عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي) – سنة. ليه؟

اسم السجين (اسم الشهرة) : عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 9/10/2014

السن وقت الاحتجاز: 18 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: طالب بكلية الهندسة بالجامعة الألمانية بالقاهرة

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون/تأهيل وادي النطرون

سنة. ليه؟

“سنة. ليه؟”
قصة قصيرة : حلم ، فعمل ، فنصر ، فكابوس
تنطبق هذه القصة و تحكى الحال على مستويات عدة فى هذا البلد ، من أصغر مستوى حتى المستوى العام للدولة ، و تحكى أيضاً قصتى الشخصية.
حلمت منذ سن الخامسة بدخول كلية الهندسة بمجموع يفوق ال 99% ، و بدخول منتخب كرة السلة و الحصول على درجات التفوق الرياضى ؛ لأدخل الجامعة راضياً عن جانبىّ حياتى الدنيوية الأساسيَّين ، الدراسة و الرياضة.
مضيت من يومها فى تحقيق هذا الحلم حتى وصلت له بفضل الله بعد كدّ و تعب ، حتى لم يبقَ سوى ليلة و أبدأ فى أن أعيش حلمى ، فانقلب كابوساً.
سنة.
ماذا فعلت كى أحبس سنة كاملة؟ لم استحققت أن تضيع سنة من حلمى؟ لم فقدت أى مستقبل رياضىّ كان ممكناً لى؟ هل لأنى تجرأت و حلمت بأن أكون ناجحاً؟ أم لأنى طمعت فى تغيير بلدى للأفضل؟ أم لأننى ارتكبت جريمة أن حاولت أن أكون شخصاً مختلفاً عما تفرضه علىّ توقعات و تقاليد بلدى العقيمة؟ أو لأنى بكل وقاحة مددت بصرى أبعد من الحد المسموح به فى هذا المكان؟
سنة.
و ما الهدف؟ هل هو إحباطى؟ هل هو كسر عزيمتى و محو طموحى و برمجتى لأن أكون تقليدياً مريحاً لهم مطيعاً لأمرهم؟ هل أرادوا علاجى من مرض الحلم الذى يُطَعِّمون الأطفال أمصال إحباط ليَقُوهم منه فى هذا البلد؟ لأنه إن كان هذا هدفهم فقد فشلوا فشلاً ذريعاً مدوياً ، فلم يزدنى هذا المكان غير عزيمة و قوة و صقل و علم و أمل ، و ليس ذلك مقصوراً على الخبرة الرهيبة و فقط ،و لا على اكتشافى أبعاداً جديدة لشخصيتى و مد آفاق فكرى لأبعد مما كنت أتصور ، و لكنه امتد ليشمل العلم المادى ، فقرأت مئات الكتب و تعلمت كثيراً فى شتى العلوم و اللغات و المجالات و غير ذلك.
أم كان الهدف تطفيشى من هذا البلد؟ فإن كان هذا فقد نجحوا نجاحاً مؤزراً ، فلا همَّ لى الآن سوى ترك هذا البلد المشئوم و البحث عن مكان من الذى يحكون أن الإنسان يُعامل فيه كإنسان ، و لا يحاربون نجاحه بل يدعمونه.
سنة.
حاولت فيها بشتَّى الوسائل أن اوصل صوتى لشخص عاقل ، يعرف أنى مظلوم و أبى ، و أنه لا مكسب لهم على الإطلاق من حبسنا ، و كلها ذهبت سدى ، و لم تثمر عن أى نتيجة ، مما كُتِب من مقالات و حُكِى من روايات و نُشِر من قصص.
فكرت جدياً فى الإضراب عن الطعام ، مع أنه لا يجدى نفعاً إلا مع من له ظهر و سند إعلامى يتحدث عنه ، و حتى مع هؤلاء نادراً ما يجدى. قررت إرجاء الإضراب كَحَلّ أخير إذا تيقنت أن السنة القادمة ستضيع منى.
سنة.
سنة أشاهد فيها بقلب متقطع أسرتى تعانى ، معاناة لو قورنت بمعاناتى لدمرتها حتى تتلاشى. أشاهد أبى يعانى و يقاسى الآلام بجوارى ، و يضيع كل عمله و تعبه فى حياته بدون سبب ، و أمى تقاسى و تتكبد المشقات لرؤيتنا و على كاهلها حمل البيت و جميع مسئوليات أبى و إخوتى. أختى و هى تبذل قصارى جهدها لإسعادنا و مساعدتنا و إيصال صوتنا للخارج ، أخى و هو يتحمل آلاماً نفسية لا ينبغى لطفل فى عمره أن يتحملها ، عمتى و قد تحولت لرجل البيت مكان أخيها (أبى) فتقود و تصول و تجرى و تسعى فى سبيل مساعدتنا ، و جدِّتاى الاثنتين و آلامهما لحبسنا. و هذا لا يصف حتى جزءاً من معاناة أسرتى.
سنة.
و كل ما أريده هو الكلام مع طرف محايد يفهم ، و أحكى له قصتى ببساطة ، و إذا اقتنع أنى مذنب فلا أمانع أن أبقى هنا ، فقط أريد أن أفهم ما جرمى ، حتى أستريح و أنا أُكَفِّر عنه.
فى محاكم التفتيش فى الماضى ، كانوا يزعمون أنهم يحرقون الجسد حتى ينقذوا الروح.
اليوم يفعلون العكس. يحرقون الروح بدلاً من الجسد.
سنة. ليه؟