عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي) – دوماً أكتب كثيراً ودائماً وباستمرار

اسم السجين (اسم الشهرة) : عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 10/19/2014

السن وقت الاحتجاز: 18 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: طالب بكلية الهندسة بالجامعة الألمانية بالقاهرة

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون طرة

دوماً أكتب كثيراً ودائماً وباستمرار

دوماً أكتب. أكتب كثيراً و دائماً و باستمرار. أكتب عن شخص تافه و مغرور و جاحد. أكتب عنى.
اليوم أكتب عن بطل هذه القصة الحقيقى ، من قاسى و عانى و تحمل و تعب معى من أول يوم فيه ولدت ، بل من قبل ذلك ، و حتى يومنا هذا حين وصلت المعاناة أقصاها.
عن أمى أتحدث. مش عارف أتكلم عن ايه و لا عن ايه. عن التسع شهور اللى كنت قارفها فيهم و قاعد أشوط فى بطنها و آكل من أكلها و أتغذى على غذاها ، و لازقلها فى كل حتة شايلانى جواها يمين و شمال و فوق و تحت. و لا أما اتولدت أخيراً و استقبلت عياطى و برابيرى و قرفى بفرح و سعادة و هى فى عز معاناتها ، و طَلَّعت عينها سنتين رضاعة و قلة راحة و عدم نوم و تغيير بامبرز و تنضيف ورايا و تنضيفى شخصياً عشان انا عيل مقرف و مش بعرف أعمل حاجة لنفسى.
و بعد كمان شوية أما طلعت من البيضة و رحت المدرسة ، و قرفتها و خنقتها عشان أروح و عشان أذاكر و عشان أحل الواجب و أتمَلَّى الدرس ، و ضيعت نص عمرها بتذاكرلى عشان مهَبِّلش فى الامتحانات و بتزعقلى عشان أشوف اللى ورايا ، و بتلسوعنى بالشبشب الكاوتش الأحمر –االى مكانش بيوجع خالص بس أنا كنت بحوَّر عشان تفضل تضربنى بيه على طول و عمرى ما قلتلها الموضوع ده لغاية دلوقتى- و ضيعت النص التانى من عمرها بتجهزلى السندوتشات و الحلويات و الزمزمية و تحضرلى الجدول و تلبسنى هدومى و تسرحلى شعرى عشان أروح المدرسة أروِّش على العيال بزمزميتى الحمرا و سندوتشات البانيه اللى معايا.
بعد كده كبرت و دخلت أسوأ فترة فى عمرى. بقيت مراهق. طلعلى شنب إعدادى المعفن و افتكرت نفسى بقيت راجل ، و معرفتش أعمل فيها راجل غير على أمى اللى طلع عينها معايا كل ده عشان أوصل لشنب إعدادى. مع ذلك استحملتنى و فضلت تراعينى و تضحى بمصلحتها تماماً عشان مصلحتى و تهمل نفسها عشان أنا أظهر و أتفوق ، و تستحمل المرض عشان أنا أخف ، و تجوع و تعطش عشان أنا أطفح و أتعلف و أعبّ ميا ، و استحملت سخافتى و قلة أدبى و دماغى الجزمة و جت على نفسها عشان تحسسنى إنى ليا شخصية و ليا لازمة.
كبرت بقى شوية و ابتديت أعقل ، و ابتديت أفهم ، و عرفت قد ايه كنت حيوان و بأف و حلوف و جبلة و كل الصفات اللى على هذه الشاكلة. عرفت ليه كانت بتطلع عينى عشان أذاكر و تنفخنى أما مسمعش الكلام و تزعقلى أما تلاقينى مصاحب ناس مش كويسة و تعنفنى أما أغلط ، و استغربت ازاى ملسوعتنيش بالشبشب الأحمر -اللى مش بيوجع- أكتر من كده بكتير.
وصلت 18 سنة ، خلصت ثانوية عامة. جبت 99.7% بفضل الله ، و كنت فى فريق نادى الشمس و دخلت سنتها منتخب القاهرة و أنجزت بفضل الله كل حلم كان نفسى أحققه فى اللحظة ديه ، و على قمة الأحلام ديه ، نظرة الفخر فى عيون أمى لحظة سماع النتيجة و تكريمى و لحظة قبولى فى كلية الهندسة. الناس معظمها بتشكر فيا و فاكرانى شاب مثالى. “عبدالرحمن المتفوق الرياضى المتدين” و محدش فيهم عارف اللى فيها. محدش عارف قد ايه أمى طلع عينها عشان تذاكرلى و تساعدنى و توفر لى كل اللى محتاجه ، و تعمللى شاى أيام الثانوية و تخرس البيت كله عشان أعرف أذاكر و تقيم الليل عشان تدعيلى ربنا يوفقنى و تنبهنى أما أهمل أو أسهو ، و تشجعنى أما أكون مكسل و تفكرنى بأهدافى أما أتعب ، و إلى آخره من الحاجات اللى من غيرها كان زمانى جايب 50% . صايع فى الشارع ، أو أسوأ ، داخل شرطة.
محدش عارف إنها أكتر حد شجعنى فى لعب الباسكت و أما حسيت إنى خايف أدخل فريق دخلتنى بالعافية رغم اعتراضى و عياطى عشان عارفة إنى هتبسط بعد كده و ده حصل ، و كانت الأم الوحيدة اللى بتشجع ابنها ميغيبش عن التمارين أيام الثانوية على عكس جميع الأهالى ، و بتقعد تتفرج معايا على ماتشات باسكت فى ال NBAو تضحك و أنا بتنطط زى العبيط أما يحصل لعبة حلوة فى الماتش ، و تحضر كل ماتشاتى
حتى لو ملعبتش ، و لو لعبت وحش تشجعنى و تواسينى ، و تكون مشجعتى الأولى على طول الخط.
محدش عارف قد ايه شلِّيتها عشان أحفظ قرآن و طلعت عينها عشان أنزل أصلى فى المسجد و قرفتها عشان أحضر دروس و أقرأ قرآن ، و ازاى متعبتش و لا كلِّت و لا ملِّت لحظة عشان تأصل فيا المبادئ و الأخلاق الصح ، و أعرف أختار الصح على حساب السهل ، و من غير كل ده كان زمانى عيل صايع و ضايع. من الآخر من غير أمى كان زمانى عبدالرحمن الفاشل الصايع أبو كرش.
بعد كده دخلت السجن. دخلت السجن فى الوقت اللى كان المفروض تبتدى هى تستريح فيه بعد ما ضيعت سنين عمرها فى تأهيلى للحظة ديه و المفروض تستمتع و هى بتشوفنى بعيش أحلامى و مستقبلى و تفخر بثمرة عملها.
قبلها بشهر والدها -جدى- توفى. بعدها أنا و والدى اعتقلنا من الشارع ظلماً. فى لحظة المفروض تكون الأسعد فى حياتها ، لقت نفسها بدون أب و لا زوج و لا ابن و من يومها بدأت رحلة كفاح جديدة عشانى لو اتكلمت فيها و كتبت مجلدات مش هخلص. هتكلم عن بهدلتها فى البيت مع اخواتى و مدارسهم ، و لا المسئولية العظيمة لشغل أبويا و كل مسئولياته اللى بقت مسئولياتها ، و لا الجرى عليا عشان تحاول تحل مشكلة الجامعة ، و لا البهدلة و تحمل الإهانة عشان تيجى تزورنا ، و تعرضها لمواقف عمرها ما اضطرت تفكر إنها ممكن تتعرضلها ، و مسئوليات مكانش المفروض تشيلها ، و آلام نفسية مبرحة ملهاش أول من آخر. و مع ذلك فضلت أول و أقوى مثبت ليا و مصبر على البلاء و مذكر بالثواب و الثبات على الحق و تحمل البلاء و تشجيعى على استثمار الوقت و استغلال الفرص و التقرب لله. مش هتكلم على ثباتها عند كل تأجيل و صمودها و تثبيتها لينا يوم الحكم علينا ب 15 سنة مشدّد ظلماً و غباءً ، و استمرار مواساتنا بعد كل ذلك.
أما بقرأ أسماء العظماء من النساء اللى غيروا التاريخ ، بضحك من تخلف اللى كاتب القائمة ، أصله لو كان يعرف أمى كان كتبها على قمتها. مش عارف ازاى فى ناس عايشة بأمهات مش “أمى” . متزعليش يا أمى ، دى ضريبة إنك عرفتى تربينى.
لا تأسفن على غدر الزمان لطالما رقصت على جثث الأسود كلاب لا تحسبن برقصها تعلو على أسيادها تبقى الأسود أسوداً و الكلاب كلاب تبقى الأسود مهيبة فى حبسها مهما علا بالباطل صوت الكلاب
أقسم بالله عليكم أن تدعوا لأمى بالشفاء و الصحة و طول العمر. أحبك يا أمى ”
-عبدالرحمن الجندى