عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي) – أراقب أشعة الشمس الساقطة

اسم السجين (اسم الشهرة) : عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 12/28/2014

السن وقت الاحتجاز: 18 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: طالب بكلية الهندسة بالجامعة الألمانية بالقاهرة

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون/تأهيل وادي النطرون

أراقب أشعة الشمس الساقطة

أراقب أشعة الشمس الساقطة على يدىّ ، و هى تهتز و تتحرك ، مقطَّعة قطاعات طولية لنفاذها من قضبان “البوكس” الذى أركبه فى طريقى لأداء أول امتحان لى.
أراقب الناس و السيارات و العالم من حولى لأول مرة منذ سنة و ثلاثة أشهر ، حيث أن هذه أول مرة أركب فيها غير عربة الترحيلات الضخمة ، و أسير فيها على الطريق وسط المارة.
أجد الحياة تسير سيرها الطبيعى ، فالناس يمشون و يمزحون و يتشاجرون ، و الأطفال ذاهبون إلى المدارس ، و المحلات تفتح و الباعة تبيع ، أتعجب أن الحياة لم تتوقف لديهم كما توقفت لدىّ ، أشاهدهم يمُرُّون بجوار العربة التى أركبها ، أرقب نظرات التعجب ، ثم الفضول ثم اللامبالاة و المُضِىّ قُدُماً.
تدخل السيارة إلى العباسية ، تملؤنى الذكريات و أنا أشاهد أماكن كنت أحفظها عن ظهر قلب و أراها يوماً بعد يوم ، نسير فى نفس الشارع الذى سرت فيه مئات المرات مع أهلى فى الطريق لزيارة جدتى ، و قبلها حين كنَّا نسكن هناك ، أمُرّ بجانب ملاعب الإدارة التعليمية بالعباسية و ألمح ملعب كرة السلة من الخارج ، فأتذكر و بقوة آخر مرة كنت فى هذا الملعب كلاعب فى منتخب القاهرة لكرة السلة ، أمُرّ بجوار الكشك المقابل للملعب فأرى نفسى واقفاً مع زملائى فى الفريق نشرب و نأكل بعد مباراة او تمرين ، تسير العربة قليلاً فأجدنى بجوار مبنى كلية هندسة عين شمس ، أحاول تجاهل مشاعر الحسرة التى تستميت لكى تملأنى ، و أنا أنظر إلى المبنى المجاور ، و أعلم أن زملائى بداخله يستعدون للامتحان ، أو خارجه يتكلمون فى انتظارهم لموعد الامتحان ، و لا يفصل بينى و بينهم سوى سور ، أعلم أنّى كان من المفترض أن أكون معهم ، بينهم ، وسطهم ، أتكلم و أراجع و أستعد ، أتخيل للحظة أنّى فعلاً فى طريقى إلى كليتى لأداء امتحانى و مقابلة زملائى ، أعانق هذا الشعور و أحاول الاحتفاظ بدفئه لحظات قليلة ، أشعر فيها أنّى طالب طبيعى ، تبطئ السيارة بجوار الباب فيخدعنى الشعور و ينسينى الحقيقة ، فأصدق للحظة أنى سأدخل من الباب ، و لكن تنعطف السيارة و تقف أمام قسم الوايلى بعد لحظات.
يفتح الباب و أنزل إلى الشارع الذى لم تطأه قدماى منذ دهر ، يدى فى كلابش مع زميل لى ، مرتدياً ملابس السجن الزرقاء ، و أمشى فى الشارع حول القسم وسط المارة ، أحاول تجاهل المحيطين بى من مخبرين و ضباط ، و أحاول تجاهل نظرات المارة الاستفهامية أو الاتهامية ، و أشعر أنى شخص طبيعى يمشى فى الشارع لدقيقة ، ثم أدخل من باب القسم ، أدخل إلى غرفة بها مكتب من المفترض أن أؤدى عليه الامتحان ، أقف مكلبشاً منتظراً موعد امتحانى ، فأجد أمى قادمة بعد دقائق مع عمتى و ابنها ، و ما إن ترانى بهذا المنظر حتى تنهار فى البكاء و تبكينى معها ، تحتضننى قليلاً و يتظاهر المحيطون من الداخلية بالتعاطف معنا ، أهدؤها ثم تنصرف و تجلس أمام نافذة الغرفة التى أؤدى بها الامتحان على الرصيف لمدة خمس ساعات بعدها لتشاهدنى و أنا أمتحن و تطمئن علىّ ، يأتى المعيد من الكلية بامتحانى ، يسلم على و يخبرنى أنى سأمتحن امتحانين ، نصف العام و ال Midterm ، فى زمن امتحان واحد ، أتوكل على الله و أبدأ فى الحل ، أجدنى أعرف جميع الأسئلة و لا مشكلة لدى سوى الوقت ، أبدأ فى الحل بأسرع شكل ممكن ، يأتى المخبرون و العساكر و أمناء الشرطة بل و الضباط كل بضع دقائق ليستعجلونى ، أخبرهم أن امتحانى مدته 3 ساعات فيكون الرد “3 ساعات ايه يابنى عايزين نروح!” “افتح أى ملزمة و انقل عشان نخلص” “ما تسيبه يغش يا دكتور”
أحاول أن أفهمهم أنى لا أحتاج أن أغش و أنى أحتاج الوقت فقط ، و أنى حتى لو احتجت أن أغش فلا يوجد طريقة لغش مسائل الرياضيات ، و أنى فى كلية عملية و لا يوجد بها شئ يسمى “انقل من الملزمة” و أنهم يضيعون وقتى المحدود أساساً ، و أن الطلبة العاديين لا يستطيعون أحياناً إنهاء الامتحان فى مدة الثلاث ساعات ، فما بالك بامتحانين مطالب بحلهما فى أقل من 3 ساعات مع أكثر من 10 أشخاص يلحُّون عليك كل دقيقتين أن تسرع ، و معيد جالس بجوارك و أمك أمام النافذة تراقبك و هى تبكى و قوة تحرسك و عسكرى واقف ينتظرك بالكلابش عندما ننتهى.
أنهيت الامتحانين بمعجزة فى 3 ساعات إلا ربع ساعة و قرروا أن وقتى قد انتهى ، كنت أنقذت ما أمكن إنقاذه ، و أخطأت فى أشياء كنت أحلها بسهولة لولا التوتر و ضيق الوقت و عدم التركيز ، لملمت أشيائى و دخلت أمى فطمأنتها أنى أديت جيداً و لم أخطئ كثيراً و سلمت عليها هى و عمتى و ابن عمتى ، ثم ارتديت كلابشى و خرجت إلى الشارع مرة أخرى ، عدت إلى السيارة و ركبت ، و انطلقت فى الطريق إلى محبسى مرة أخرى ، مررت بذكريات هذا اليوم من أوله لآخره ، ثم أدركت أنها فكرة سيئة ، فأفرغت عقلى حتى وصت للسجن و دخلت ، أجبت عن أسئلة الضباط المتتالية “غشيت كويس؟” “غششوك؟” بالنفى ، و راقبت نظرات الاستغراب ، و حمدت الله على العافية من هذا الفكر المريض ، دخلت إلى زنزانتى يصاحبنى مخبر مريض بضرب القطط طوال الطريق بعصا من الخشب ، مبرراً أنها “كائنات ملهاش لازمة” ، أمسك لسانى بصعوبة عن إخباره أنها فى الغالب أنفع منه و أقيم.
أدخل زنزانتى ، أصلى ، آكل ، أستلقى ، أنظر فى السقف ، و أنام.